أحزاب المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ لن تأتي بديمقراطية
طاهر عمر
22 April, 2022
22 April, 2022
ستة و سبعين عام على قيام الأحزاب السودانية و ما زال حال النخب و هي في ضلالها القديم حيث تقبل برجل دين كالامام الصادق المهدي أن يكون من ضمن المفكرين السياسيين على طريقة الساسيين السودانيين و النتيجة كساد فكري منقطع النظير. على طريقة المفكرين السودانيين التي تفتح على الفكر الردئ يتحدث كمال الجزولي عن كرامات الصادق المهدي كرجل دين و بهبل النخب السودانية يحوّل حاوي الروزنامة الصادق المهدي الى مفكر لا يشق له غبار كما ورد في روزنامة كمال الجزولي في حديثه عن الصادق المهدي و الهدف المحافظة على حال النخب السودانية و هي مستكينة في أحزابها تحت بركات الأمام و مولانا و المرشد و الاستاذ.
لا يريد لها كمال الجزولي أن تغادر ما أعتاد عليه و كأن المجتمعات لا يغشاها التغيير بل يظل فرض العين أن نقبل الصادق المهدي كرجل دين من بين المفكريين السودانيين و محمد المكي ابراهيم الذي كرمه أحمد هارون المطلوب للمحكمة الدولية صاحب أمة و محجوب شريف بمرحب حباب الاشتراكية و غيرها من استهبال الشموليين أفق لا يمكن تجاوزه ستة و سبعين عام عمر أحزاب السودان و نحن مع صاحب الروزنامة مع اصراره لتسويق الصادق المهدي كرجل دين.
و المضحك صاحب الروزنامة شيوعي و مسألة تعلقه بالامام لا تشرحها حتى ملحمة جلجامش في سير العلاقة ما بين جلجامش و أنكيدو و الهدف هو أن يظل ما يعتقده صاحب الرزنامة أفق لا يمكن تجاوزه يكتب إلينا عن البرجوازية الصغيرة و هو البرجوازي الثقيل الذي لا يريد أن يفهم بأن فهمه لفكرة البرجوازية الصغيرة التي يتحدث عنها مع صاحبه عبد الله علي ابراهيم تفضح خواء فكرهم و أنهما لا يصلح لهما مقام إلا وسط نخب المجتمعات التقليدية كحال نخب السودان الآن.
أما اصرارهما عن فكرة الصراع الطبقي و جهلهم بفكرة التقارب الطبقي و التضامن الطبقي و التصالح الطبقي فهو أمر محزن حيث يكمن سر بقاء حال الفكر و الوعي متدني في السودان في ظل أحزاب يسوقها المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ عن أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية. و مسألة التقارب الطبقي و التضامن الطبقي و التصالح الطبقي تأتي بعد أن يفهم أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية بدلا من مسألة إضطراد العقل و التاريخ في هيغلية و ماركسية لاهوتية غائية دينية لا تفتح إلا على نظام شمولي أن يفهم أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية قد أصبح علم الاجتماع بعد معرفي في صميم الديالكتيك و لكن كيف يعترف الشيوعي السوداني بما يجعله و هو ما زال في ايمانه بنهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي بأنه هو و أتباع الحركات الاسلامية و النازية و الفاشية في مقام من يقاوم الحداثة و بالمناسبة أتباع الشيوعية على طريقة نسختها السودانية لا يؤمنون بفكرة الدولة من الاساس و هذا يذّكر أيام ثورة الشباب في فرنسا عام 1968 و كيف كانت مقاومة السلطة و فهمها كظاهرة اجتماعية.
المهم في الأمر واحدة من استهبال أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية محاولة مواصلة خداع النخب السودانية بأن الشيوعيين السودانيين من أدخل أفكار الحداثة و الفكر الحديث و غيرها من المضحكات المبكيات و كما قلنا في أي مكان في العالم و الشعوب الحية لا يختلف اثنين عن أن الشيوعية لا تقل بشاعة و قبح عن النازية و الفاشية و الحركات الاسلامية إلا في السودان حيث تجد أكبر المفكرين السودانيين ما زالوا في شيوعية لا تؤمن بفكرة الدولة من الاساس أو كما يكتب صاحب الروزنامة عن البرجوازية الصغيرة بجهل غريب إذا ما قارنا كتاباته حتى بكتابات هشام شرابي دعك من أفكار فلاسفة المجتمعات الحية كما رأينا كتابات علماء الاجتماع و الاقتصاديين و لكن هل يفوق أحد في العلم صاحب الروزنامة و قالوا كل ديك في بلده عوعاي اذن فليعوعي صاحب الروزنامة ما دام يكتب لمحبيه في بلده كديك عوعاي.
المضحك يتحدث صاحب الروزنامة عن القوة الحديثة و غيرها من استهبالهم الذي قد أوصل الحال بأن تصل الانقلابات العسكرية بأن تكون في الفترة الانتقالية و هم من خططوا لاسقاط حكومة الفترة الانتقالية و هذا يضعهم في مقام واحد مع الكيزان و الفلول بالله شوف؟ قال القوة الحديثة اين قوة حديثة في بلد أكبر مفكر مستعد يكون كنفوس لسيده الامام أو مولاه أو مرشده و استاذه كما رأينا حال النخب السودانية طيلة الستة و سبعون عام التي أعقبت قيام ما تسمى بأحزاب سودانية أي مفكر متدني الفكر ما زال يتحدث عن البرجوازية الصغيرة على أساس أن الشيوعية أفق لا يمكن تجاوزه كما يتوهم صاحب الروزنامة كمال الجزولي في شيوعية لا تصلح إلا أن تكون رابط لمن يتوهمون انهم أكبر مفكري مجتمعاتهم التقليدية و بالتالي يتحدثون عن الصادق المهدي كرجل دين و يرفعونه الى مستوى المفكر السياسي لكي تستمر المسألة الى ما لا نهاية مرشد امام مولانا استاذ غصبا عن توكفيل الذي انتصر على ماركس في كل مكان إلا في بلد صاحب الروزنامة.
فيا صاحب الروزنامة كل السرديات الكبرى تبدأ بمسألة سحب البساط من تحت الدين بما فيها ماركسية ماركس المرفوضة من بين السرديات كعقد هوبز ايضا رفض لأنه يفتح على نظام حكم شمولي مثله و الشيوعية فكيف انت تتحدث عن رجل دين و تحاول فرضه على الناس كمفكر سياسي أم ان المسألة مجاملات و لجان تكريم و حوليات في ذكرى الامام و يجب إلقاء خطاب مجاملات و كذلك مواصلة استهبال نخب اليسار الرث في تماهيها مع الخطاب الديني و استمرارها في جبنها في محاولة بحث عن دور للدين كما فعل استاذكم عبد الخالق في منتصف الستينيات و كما واصل على دربه محمد ابراهيم نقد في حوار الدولة المدنية و قد توصل لعلمانية محابية للأديان و على دربه يسير الشفيع خضر بمساومة بين يسار رث و يمين غارق في وحل الفكر الديني و كذلك الحاج وراق بدعوته لمهادنة احزاب الطائفية و نسخة الشيوعية السودانية و حيدر ابراهيم كتقليد اعمى يطرح لاهوت التحرير و كله لا يقابله الا وصف هشام شرابي لجبن نخب اليسار في مسايرتهم لخطاب التيارات الدينية.
كنا نتوقع من صاحب الروزنامة ان يصل مستوى وعيه الى مستوى يجعله يفهم بان الثورة المهدية و الثورة الوهابية و السنوسية كانت دليل مرض العالم العربي و الاسلامي في مجافاته للعقلانية و بسبب الوهابية و السنوسية و المهدية في السودان تأخر انتشار العقلانية و حتى العقود الاخيرة في زمن الصحوات الاسلامية و تيارات الاحياء الديني حيث كان الصادق المهدي لا يستحي أن يمتدح الطائفية لكي يضمن استمرار مجد اسرته كاسرة دينية و يعتقد بأن تسير حسب هواهم الى الأبد و نسوا بأن تقدم العالم و موروثه سوف يساعدنا في تخطي طائفية الصادق المهدي و سوف يأتي يوم تختفي فيه اسر الطائفية أي المهدي و الميرغني و حتى من يحلم بان يلحق بهم و يحقق ما حققوه مثل حال اسرة بابكر بدري و قد حقق لهم بابكر بدري امجاد عبر الاحفاد فهي أقل اهمية من حزب طائفي و لكنها تقربهم من مستوى اسر أحزاب الطائفية لذلك تجد اسرة بدري تدعم الصادق المهدي لأنها تعترف بها كاسرة طائفية تتقدم عليهم و لكنها في اتجاه سيرهم باتجاه تكوين اسرة ذات دور في مجتمع تقليدي كما حال اسرة آل بدري في ادارة جامعة الاحفاد.
المضحك أن النخب السودانية أغلبها حالها كحال كمال الجزولي صاحب الروزنامة مثلا نجد كتابات محمد ابراهيم ابوسليم تخدم طائفية الصادق المهدي و علي صالح كرار تخدم فكرة صحيح الدين و تتماهى مع خط الخطاب الديني و كذلك كتابات يوسف فضل و كلها أي كتابات يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و علي صالح كرار لا تخرج عن فكرة صحيح الدين و جبن المثقف السوداني في مجاراته الى خطاب وحل الفكر الديني لذلك نجد صاحب الروزنامة كمال الجزولي يسير كسائر في نومه على درب المؤرخيين السودانيين يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و علي صالح كرار على درب فكرة صحيح الدين و التغزل في احزاب الطائفية و امامها و مرشدها بعكس هشام شرابي الذي يرى في المهدية و السنوسية و الوهابية شر محض قطع طريق بداية العقلانية في العالم العربي و الاسلامي و أخّر وعي الشعوب بنزعتها الانسانية و تفسير سير الحياة وفقا لعقل الانسان و ضمير الوجود.
و بسببها أي المهدية ترسخت كتابات الهوويين الصاخبين و أصبح الحديث يطول عن الهوية بدلا عن الحرية في زمن تتقدم فيه قيمة القيم أي الحرية و ليست الهوية و لكل هذا نجد كتابات كمال الجزولي في مدح الامام الصادق المهدي و ينسى أن الصادق المهدي رجل دين لا يستحي ان يرى في الطائفية صحتها و انها تصلح ان تجعله سيد و يستمر مجده في ابناءه الى الأبد و كمال الجزولي لا يخالف سير المؤرخيين السودانيين أمثال ابوسليم و يوسف فضل و علي صالح كرار و هم قد هيأوا العقل السوداني لقبول الطائفية و الخطاب الديني بفكرة صحيح الدين و نجدهم في توافق مع كتابات الدكتور عبد الله الطيب و تلاميذه أمثال عون الشريف قاسم و الحبر يوسف نور الدائم فلا يخدم فكرهم غير فكرة صحيح الدين.
و لهذا في مشهد الفكر السوداني يزدهر الكتاب الانصرافيين في متاهات الهوويين الصاخبين و تنتشر كتابات الكتاب العسكر و الكتاب الدبلوماسيين و الكتاب رجال الدين و كلها تؤشر الى مستوى تدني الوعي في مشهد الفكر في السودان بالمناسبة كتابات كمال الجزولي في مدح الامام الصادق المهدي و وصفه بالمفكر و هو رجل دين فقط لا علاقة له بالفكر و السبب بأن غياب التفكير النقدي جعل مسألة انتاج ثقافة علمانية أشبه بالمستحيل في مجتمع قد رأينا جبن نخبه في مجاراتهم للخطاب الديني و وحل فكره كحالة كمال الجزولي فمثلا في المجتمعات الحية كان هناك فلاسفة و مفكريين و علماء اجتماع و مؤرخيين قد أجبروا رجال الدين على قبول العلمانية بل جعلهم ينتجون من داخل نصوص الدين ما يقبل العلمانية فأين ذلك من كتابات كمال الجزولي في مدحه الكاذب للأمام الصادق المهدي؟
و بمثل نشاط مفكري اليسار الرث ككمال الجزولي لا تنتظر أن تنتج أحزاب وحل الفكر الديني أي ثقافة ذات قدرة على قبول العلمانية و هذا الذي لا يخطر ببال كمال الجزولي و هو أن الشعوب الحية في سردياتها الكبرى قد أجبرت حتى رجال الدين على قبول العلمانية بل أن الدين نفسه قد أنتج ثقافة علمانية من بطن نصوصه فهل يكون ذلك في حيز الامكان مع مفكري مجتمع تقليدي امثال كمال الجزولي لاحق لأحداث الصادق المهدي يمتدح قبيحها و هو مسألة ايمانه بأن الطائفية لا تشوبها شائبة بدلا من نقده و معارضته و رفض أفكاره و خاصة اعتقاده بان الطائفية تليق بمجتمع عريق كالشعب السوداني؟
فبدلا من مجاملات كمال الجزولي بالحق و بالباطل للصادق حيا و مغازلا الطائفية بعد موت الصادق المهدي فهذا لا ينتج ثقافة علمانية و بدونها لا تكون اي ديمقراطية إلا اذا كانت ديمقراطية من يؤمن بانتهاء الصراع الطبقي و لكن كيف يفكر امام الطائفية في قبول فكرة العلمانية و كل المؤرخيين السودانيين أمثال يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و علي صالح كرار تصب كل دراساتهم و مقارباتهم في فكرة صحيح الدين؟ و كأنهم لم يسمعوا يوم بأن الفارابي كان منتصرا للفيلسوف بعكس ميولهم لرجال الدين فالغلبة للفيلسوف فيما يتعلق بمسألة السلطة كظاهرة اجتماعية و ليست لرجال الدين و قطعا مثل هذا القول لا يكون إلا في ظل مفكرين يمكن تصنيفهم بالنوابت و فلسفة النوابت كما يتحدث عنها الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني و فلسفة النوابت تكاد تكون معدومة في فكر المفكريين السودانيين.
و قد اعجبتهم امواج فكرهم و هم يتحدثون عن الهويات القاتلة كما يقول امين معلوف و المضحك ان مفكري السودان يهتمون بالمنبت في السودان بسبب الرق و فتحي المسكيني في مفهوم فلسفة النوابت يتحدث عن الفيلسوف المنبت الذي يمكنه ان ينتج فكر معاصر و يضرب مثلا بكل من نيتشة و جبران و بمناسبة فلسفة نيتشة كمنبت و يعتبر أب لفلسفة النوابت فيما يتعلق بتوسيع ماعون الحرية و على فكرة فلسفة نيتشة كفيلسوف إشكالي و تعارضي تحتاج لدربة للقارئ حتى يعالج مقاصدها و نجد الآن أن ريجيس دوبريه من الساهرين على قراءة نيتشة و معروف ان ريجيس دوبريه له توضيحات مهمة فيما يتعلق بقراءة ماركس المشوّهة لأهم ضلع من أضلاع الثورة الفرنسية و هي مسألة الأخاء و سياسة اليد الممدودة. أما عند ماركس فكانت وهم يا عمال العالم اتحدوا لذلك كان ريجيس دوبريه يؤكد بأن الماركسية تفاؤلية مريضة و عمياء و ان بريقها يعمي من يذهب الى الحزب قبل الذهاب الى الكتب.
و لهذا لا تستغرب أيها القارئ أن تجد في كتابات كمال الجزولي تأييدهه لفكرة ثورة في الثورة عندما طرحها حيدر ابراهيم علي كعنوان كتاب لريجيس دوبريه و نسى كل من كمال الجزولي و حيدر ابراهيم علي أن ريجيس دوبريه قد فارق أفكاره التي صاغها في ثورة في الثورة بكتاب مذكرات برجوازي صغير و لكن هل لكمال الجزولي زمن لقراءة مذكرات برجوازي صغير؟ و إذا كان له زمن فهمها كما اراد لها ريجيس دوبريه فهل يفهم بقية أتباع اليسار الرث في السودان في ترديدهم الببغاوي لنقد البرجوازية الصغيرة؟
على العموم مثل كتابات كمال الجزولي عن البرجوازية الصغيرة مع صديقة عبد الله علي ابراهيم كتابات من ما زال يؤمن بفكرة الصراع الطبقي في زمن قد أصبح البديل في دراسة الظواهر الاجتماعية و إفتراض العقلانية و الاخلاق للفرد في سبيل تحقيق معادلة الحرية و العدالة و هنا يمكننا ان نتسأل لماذا يصر كل من عبد الله علي ابراهيم و كمال الجزولي علي رطانة نقدهم عن البرجوازية الصغيرة لأنهم في ماركسيتهم التي لا تؤمن بفكرة الدولة من الأساس يزدرون أفكار علماء الاجتماع و بفضلهم قد صنفت الماركسية و الحركات الاسلامية و النازية و الفاشية بانها ضد الحداثة.
بعكس إعتقاد كل من كمال الجزولي و عبد الله علي ابراهيم في ان النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية هي من ادخلت أفكار الحداثة و لك ان ترى المفارقات العجيبة فمتى يستوعبون بان العالم الآن يحتفي بانتصار توكفيل على ماركس في كل مكان إلا في السودن؟ و لكن لفت انتباهي غياب أفكار تاريخ الفكر الاقتصادي و أدبيات النظريات الاقتصادية من كتابات كل من كمال الجزولي و عبد الله علي ابراهيم بشكل واضح يؤشر على جهلهم بالاقتصاد و من يجهل بتاريخ الفكر الاقتصادي و ادبيات النظريات الاقتصادية لا يمكنه استيعاب فكرة العقلانية و الأخلاق بالنسبة للفرد في زمن الفرد و العقل و الحرية و كله بسبب اعتقادهما بأن الماركسية يمكنها ان تصبح مدخل للاقتصاد و الاجتماع و السياسة و هيهات و مشكلة كل من كمال الجزولي و عبد الله علي ابراهيم تشبه مشكلة سارتر و ماركسيته التي جعلته بسبب جهله بعلم الاجتماع أكبر مدافع عن النظم الشمولية كما نعته كلود ليفي اشتراوس.
للتوضيح قليلا فيما يتعلق بوهم أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية فان مدرسة الحوليات منذ عام عام 1929 قد أبعدت ماركس و قد أصبحت ماركسية ماركس لا تخدع إلا المثقف المنخدع الذي ما زال يتعاطى أفيون المثقفين وفقا لكتاب لريموند أرون بنفس العنوان و منذ ذلك الزمان البعيد فقد أصبح ماركس مؤرخ عادي يمكن الاستدلال به كاي مؤرخ و لكن ليس بوهم أنه الأفق الذي لا يمكن تجاوزه بل قد أصبح أشهر وجه لأفشل أقتصادي و يمكننا ان نتحدث عن كيف استخدمه هشام شرابي في فكرة الأبوية المستحدثة و كيف عبرها قد وضح له جبن اتباع اليسار في تماهيهم مع الخطاب الديني كحالة كمال الجزولي و مع افكار الامام الصادق المهدي وكذلك نجد ايمان تود في فرنسا في استخدامه لماركس كمفكر عادي و ليس الافق الذي لا يمكن تجاوزه في ظاهرة فشل النخب في فرنسا و كيف تدمرت بنية الصناعات الوطنية في فرنسا و كيف وصل بعدها لفكرة الحماية الاقتصادية و هي من صميم الفكر الليبرالي الذي يمثل يسار الرأسمالية.
المهم في الامر ان العالم الآن يجدد أفكار العقد الاجتماعي و نجد منوالها في أفكار جون لوك و جان جاك روسو و عمانويل كانط و علم اجتماع منتسكيو و ديمقراطية توكفيل و آخر أفكار العقد الاجتماعي كانت نظرية العدالة لجون راولز و قد أكمل بعثه عنها في مطلع سبعينيات القرن المنصرم فيما يتعلق بفكرة العدالة إنصاف مع التركيز على معادلة الحرية و العدالة و فيها من العلوم الذي فات على ماركس نفسه فيما يتعلق بنظرية المنفعة و فكرة الاشباع و كيفية الحديث عن فكرة الاشباع للمجتمع بدلا عن فكرة الاشباع في حيز الفرد و كانت لحظة ظهور نظرية العدالة في مطلع التسعينيات لحظة قد بلغ فيها كل من عبد الله علي ابراهيم و كمال الجزولي درجة كان يمكنهما التخلص من اوهام مثل وهم ان الماركسية أفق لا يمكن تجاوزه و لكنه الجهل بتاريخ الفكر الاقتصادي و ادبيات النظريات الاقتصادية كأم شرعية للعقلانية تجعلهما يجهلان بأن دراسة الظواهر الاجتماعية تحقق نظرية الحرية و العدالة و ليست فكرة الصراع الطبقي.
ما اود قوله ايها الشعب السوداني لا شك في أنك قد حققت مقولة اننا في زمن تقدم الشعب و سقوط النخب و حققت بان من يقوم بالتغيير هو الشعب و ليس النخب و عليه نرجع لنقول بان هدفك هو تحقيق عودة فكرة الدولة كمفهوم حديث تقود مسألة التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي و لا يكون ذلك في ظل أحزاب يقودها المرشد لاتباع الحركة الاسلامية السودانية و الامام في طائفية الصادق المهدي و مولانا في طائفية الميرغني و الاستاذ كما يفتخر أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية أن حزبهم هو حزب الاستاذ فنحن في زمن الفرد و العقل و الحرية زمن الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس فلا تلتفتوا لغزل كمال الجزولي في مدحه لطائفية الامام الصادق المهدي في روزنامته.
taheromer86@yahoo.com
/////////////////////////
لا يريد لها كمال الجزولي أن تغادر ما أعتاد عليه و كأن المجتمعات لا يغشاها التغيير بل يظل فرض العين أن نقبل الصادق المهدي كرجل دين من بين المفكريين السودانيين و محمد المكي ابراهيم الذي كرمه أحمد هارون المطلوب للمحكمة الدولية صاحب أمة و محجوب شريف بمرحب حباب الاشتراكية و غيرها من استهبال الشموليين أفق لا يمكن تجاوزه ستة و سبعين عام عمر أحزاب السودان و نحن مع صاحب الروزنامة مع اصراره لتسويق الصادق المهدي كرجل دين.
و المضحك صاحب الروزنامة شيوعي و مسألة تعلقه بالامام لا تشرحها حتى ملحمة جلجامش في سير العلاقة ما بين جلجامش و أنكيدو و الهدف هو أن يظل ما يعتقده صاحب الرزنامة أفق لا يمكن تجاوزه يكتب إلينا عن البرجوازية الصغيرة و هو البرجوازي الثقيل الذي لا يريد أن يفهم بأن فهمه لفكرة البرجوازية الصغيرة التي يتحدث عنها مع صاحبه عبد الله علي ابراهيم تفضح خواء فكرهم و أنهما لا يصلح لهما مقام إلا وسط نخب المجتمعات التقليدية كحال نخب السودان الآن.
أما اصرارهما عن فكرة الصراع الطبقي و جهلهم بفكرة التقارب الطبقي و التضامن الطبقي و التصالح الطبقي فهو أمر محزن حيث يكمن سر بقاء حال الفكر و الوعي متدني في السودان في ظل أحزاب يسوقها المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ عن أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية. و مسألة التقارب الطبقي و التضامن الطبقي و التصالح الطبقي تأتي بعد أن يفهم أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية بدلا من مسألة إضطراد العقل و التاريخ في هيغلية و ماركسية لاهوتية غائية دينية لا تفتح إلا على نظام شمولي أن يفهم أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية قد أصبح علم الاجتماع بعد معرفي في صميم الديالكتيك و لكن كيف يعترف الشيوعي السوداني بما يجعله و هو ما زال في ايمانه بنهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي بأنه هو و أتباع الحركات الاسلامية و النازية و الفاشية في مقام من يقاوم الحداثة و بالمناسبة أتباع الشيوعية على طريقة نسختها السودانية لا يؤمنون بفكرة الدولة من الاساس و هذا يذّكر أيام ثورة الشباب في فرنسا عام 1968 و كيف كانت مقاومة السلطة و فهمها كظاهرة اجتماعية.
المهم في الأمر واحدة من استهبال أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية محاولة مواصلة خداع النخب السودانية بأن الشيوعيين السودانيين من أدخل أفكار الحداثة و الفكر الحديث و غيرها من المضحكات المبكيات و كما قلنا في أي مكان في العالم و الشعوب الحية لا يختلف اثنين عن أن الشيوعية لا تقل بشاعة و قبح عن النازية و الفاشية و الحركات الاسلامية إلا في السودان حيث تجد أكبر المفكرين السودانيين ما زالوا في شيوعية لا تؤمن بفكرة الدولة من الاساس أو كما يكتب صاحب الروزنامة عن البرجوازية الصغيرة بجهل غريب إذا ما قارنا كتاباته حتى بكتابات هشام شرابي دعك من أفكار فلاسفة المجتمعات الحية كما رأينا كتابات علماء الاجتماع و الاقتصاديين و لكن هل يفوق أحد في العلم صاحب الروزنامة و قالوا كل ديك في بلده عوعاي اذن فليعوعي صاحب الروزنامة ما دام يكتب لمحبيه في بلده كديك عوعاي.
المضحك يتحدث صاحب الروزنامة عن القوة الحديثة و غيرها من استهبالهم الذي قد أوصل الحال بأن تصل الانقلابات العسكرية بأن تكون في الفترة الانتقالية و هم من خططوا لاسقاط حكومة الفترة الانتقالية و هذا يضعهم في مقام واحد مع الكيزان و الفلول بالله شوف؟ قال القوة الحديثة اين قوة حديثة في بلد أكبر مفكر مستعد يكون كنفوس لسيده الامام أو مولاه أو مرشده و استاذه كما رأينا حال النخب السودانية طيلة الستة و سبعون عام التي أعقبت قيام ما تسمى بأحزاب سودانية أي مفكر متدني الفكر ما زال يتحدث عن البرجوازية الصغيرة على أساس أن الشيوعية أفق لا يمكن تجاوزه كما يتوهم صاحب الروزنامة كمال الجزولي في شيوعية لا تصلح إلا أن تكون رابط لمن يتوهمون انهم أكبر مفكري مجتمعاتهم التقليدية و بالتالي يتحدثون عن الصادق المهدي كرجل دين و يرفعونه الى مستوى المفكر السياسي لكي تستمر المسألة الى ما لا نهاية مرشد امام مولانا استاذ غصبا عن توكفيل الذي انتصر على ماركس في كل مكان إلا في بلد صاحب الروزنامة.
فيا صاحب الروزنامة كل السرديات الكبرى تبدأ بمسألة سحب البساط من تحت الدين بما فيها ماركسية ماركس المرفوضة من بين السرديات كعقد هوبز ايضا رفض لأنه يفتح على نظام حكم شمولي مثله و الشيوعية فكيف انت تتحدث عن رجل دين و تحاول فرضه على الناس كمفكر سياسي أم ان المسألة مجاملات و لجان تكريم و حوليات في ذكرى الامام و يجب إلقاء خطاب مجاملات و كذلك مواصلة استهبال نخب اليسار الرث في تماهيها مع الخطاب الديني و استمرارها في جبنها في محاولة بحث عن دور للدين كما فعل استاذكم عبد الخالق في منتصف الستينيات و كما واصل على دربه محمد ابراهيم نقد في حوار الدولة المدنية و قد توصل لعلمانية محابية للأديان و على دربه يسير الشفيع خضر بمساومة بين يسار رث و يمين غارق في وحل الفكر الديني و كذلك الحاج وراق بدعوته لمهادنة احزاب الطائفية و نسخة الشيوعية السودانية و حيدر ابراهيم كتقليد اعمى يطرح لاهوت التحرير و كله لا يقابله الا وصف هشام شرابي لجبن نخب اليسار في مسايرتهم لخطاب التيارات الدينية.
كنا نتوقع من صاحب الروزنامة ان يصل مستوى وعيه الى مستوى يجعله يفهم بان الثورة المهدية و الثورة الوهابية و السنوسية كانت دليل مرض العالم العربي و الاسلامي في مجافاته للعقلانية و بسبب الوهابية و السنوسية و المهدية في السودان تأخر انتشار العقلانية و حتى العقود الاخيرة في زمن الصحوات الاسلامية و تيارات الاحياء الديني حيث كان الصادق المهدي لا يستحي أن يمتدح الطائفية لكي يضمن استمرار مجد اسرته كاسرة دينية و يعتقد بأن تسير حسب هواهم الى الأبد و نسوا بأن تقدم العالم و موروثه سوف يساعدنا في تخطي طائفية الصادق المهدي و سوف يأتي يوم تختفي فيه اسر الطائفية أي المهدي و الميرغني و حتى من يحلم بان يلحق بهم و يحقق ما حققوه مثل حال اسرة بابكر بدري و قد حقق لهم بابكر بدري امجاد عبر الاحفاد فهي أقل اهمية من حزب طائفي و لكنها تقربهم من مستوى اسر أحزاب الطائفية لذلك تجد اسرة بدري تدعم الصادق المهدي لأنها تعترف بها كاسرة طائفية تتقدم عليهم و لكنها في اتجاه سيرهم باتجاه تكوين اسرة ذات دور في مجتمع تقليدي كما حال اسرة آل بدري في ادارة جامعة الاحفاد.
المضحك أن النخب السودانية أغلبها حالها كحال كمال الجزولي صاحب الروزنامة مثلا نجد كتابات محمد ابراهيم ابوسليم تخدم طائفية الصادق المهدي و علي صالح كرار تخدم فكرة صحيح الدين و تتماهى مع خط الخطاب الديني و كذلك كتابات يوسف فضل و كلها أي كتابات يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و علي صالح كرار لا تخرج عن فكرة صحيح الدين و جبن المثقف السوداني في مجاراته الى خطاب وحل الفكر الديني لذلك نجد صاحب الروزنامة كمال الجزولي يسير كسائر في نومه على درب المؤرخيين السودانيين يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و علي صالح كرار على درب فكرة صحيح الدين و التغزل في احزاب الطائفية و امامها و مرشدها بعكس هشام شرابي الذي يرى في المهدية و السنوسية و الوهابية شر محض قطع طريق بداية العقلانية في العالم العربي و الاسلامي و أخّر وعي الشعوب بنزعتها الانسانية و تفسير سير الحياة وفقا لعقل الانسان و ضمير الوجود.
و بسببها أي المهدية ترسخت كتابات الهوويين الصاخبين و أصبح الحديث يطول عن الهوية بدلا عن الحرية في زمن تتقدم فيه قيمة القيم أي الحرية و ليست الهوية و لكل هذا نجد كتابات كمال الجزولي في مدح الامام الصادق المهدي و ينسى أن الصادق المهدي رجل دين لا يستحي ان يرى في الطائفية صحتها و انها تصلح ان تجعله سيد و يستمر مجده في ابناءه الى الأبد و كمال الجزولي لا يخالف سير المؤرخيين السودانيين أمثال ابوسليم و يوسف فضل و علي صالح كرار و هم قد هيأوا العقل السوداني لقبول الطائفية و الخطاب الديني بفكرة صحيح الدين و نجدهم في توافق مع كتابات الدكتور عبد الله الطيب و تلاميذه أمثال عون الشريف قاسم و الحبر يوسف نور الدائم فلا يخدم فكرهم غير فكرة صحيح الدين.
و لهذا في مشهد الفكر السوداني يزدهر الكتاب الانصرافيين في متاهات الهوويين الصاخبين و تنتشر كتابات الكتاب العسكر و الكتاب الدبلوماسيين و الكتاب رجال الدين و كلها تؤشر الى مستوى تدني الوعي في مشهد الفكر في السودان بالمناسبة كتابات كمال الجزولي في مدح الامام الصادق المهدي و وصفه بالمفكر و هو رجل دين فقط لا علاقة له بالفكر و السبب بأن غياب التفكير النقدي جعل مسألة انتاج ثقافة علمانية أشبه بالمستحيل في مجتمع قد رأينا جبن نخبه في مجاراتهم للخطاب الديني و وحل فكره كحالة كمال الجزولي فمثلا في المجتمعات الحية كان هناك فلاسفة و مفكريين و علماء اجتماع و مؤرخيين قد أجبروا رجال الدين على قبول العلمانية بل جعلهم ينتجون من داخل نصوص الدين ما يقبل العلمانية فأين ذلك من كتابات كمال الجزولي في مدحه الكاذب للأمام الصادق المهدي؟
و بمثل نشاط مفكري اليسار الرث ككمال الجزولي لا تنتظر أن تنتج أحزاب وحل الفكر الديني أي ثقافة ذات قدرة على قبول العلمانية و هذا الذي لا يخطر ببال كمال الجزولي و هو أن الشعوب الحية في سردياتها الكبرى قد أجبرت حتى رجال الدين على قبول العلمانية بل أن الدين نفسه قد أنتج ثقافة علمانية من بطن نصوصه فهل يكون ذلك في حيز الامكان مع مفكري مجتمع تقليدي امثال كمال الجزولي لاحق لأحداث الصادق المهدي يمتدح قبيحها و هو مسألة ايمانه بأن الطائفية لا تشوبها شائبة بدلا من نقده و معارضته و رفض أفكاره و خاصة اعتقاده بان الطائفية تليق بمجتمع عريق كالشعب السوداني؟
فبدلا من مجاملات كمال الجزولي بالحق و بالباطل للصادق حيا و مغازلا الطائفية بعد موت الصادق المهدي فهذا لا ينتج ثقافة علمانية و بدونها لا تكون اي ديمقراطية إلا اذا كانت ديمقراطية من يؤمن بانتهاء الصراع الطبقي و لكن كيف يفكر امام الطائفية في قبول فكرة العلمانية و كل المؤرخيين السودانيين أمثال يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و علي صالح كرار تصب كل دراساتهم و مقارباتهم في فكرة صحيح الدين؟ و كأنهم لم يسمعوا يوم بأن الفارابي كان منتصرا للفيلسوف بعكس ميولهم لرجال الدين فالغلبة للفيلسوف فيما يتعلق بمسألة السلطة كظاهرة اجتماعية و ليست لرجال الدين و قطعا مثل هذا القول لا يكون إلا في ظل مفكرين يمكن تصنيفهم بالنوابت و فلسفة النوابت كما يتحدث عنها الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني و فلسفة النوابت تكاد تكون معدومة في فكر المفكريين السودانيين.
و قد اعجبتهم امواج فكرهم و هم يتحدثون عن الهويات القاتلة كما يقول امين معلوف و المضحك ان مفكري السودان يهتمون بالمنبت في السودان بسبب الرق و فتحي المسكيني في مفهوم فلسفة النوابت يتحدث عن الفيلسوف المنبت الذي يمكنه ان ينتج فكر معاصر و يضرب مثلا بكل من نيتشة و جبران و بمناسبة فلسفة نيتشة كمنبت و يعتبر أب لفلسفة النوابت فيما يتعلق بتوسيع ماعون الحرية و على فكرة فلسفة نيتشة كفيلسوف إشكالي و تعارضي تحتاج لدربة للقارئ حتى يعالج مقاصدها و نجد الآن أن ريجيس دوبريه من الساهرين على قراءة نيتشة و معروف ان ريجيس دوبريه له توضيحات مهمة فيما يتعلق بقراءة ماركس المشوّهة لأهم ضلع من أضلاع الثورة الفرنسية و هي مسألة الأخاء و سياسة اليد الممدودة. أما عند ماركس فكانت وهم يا عمال العالم اتحدوا لذلك كان ريجيس دوبريه يؤكد بأن الماركسية تفاؤلية مريضة و عمياء و ان بريقها يعمي من يذهب الى الحزب قبل الذهاب الى الكتب.
و لهذا لا تستغرب أيها القارئ أن تجد في كتابات كمال الجزولي تأييدهه لفكرة ثورة في الثورة عندما طرحها حيدر ابراهيم علي كعنوان كتاب لريجيس دوبريه و نسى كل من كمال الجزولي و حيدر ابراهيم علي أن ريجيس دوبريه قد فارق أفكاره التي صاغها في ثورة في الثورة بكتاب مذكرات برجوازي صغير و لكن هل لكمال الجزولي زمن لقراءة مذكرات برجوازي صغير؟ و إذا كان له زمن فهمها كما اراد لها ريجيس دوبريه فهل يفهم بقية أتباع اليسار الرث في السودان في ترديدهم الببغاوي لنقد البرجوازية الصغيرة؟
على العموم مثل كتابات كمال الجزولي عن البرجوازية الصغيرة مع صديقة عبد الله علي ابراهيم كتابات من ما زال يؤمن بفكرة الصراع الطبقي في زمن قد أصبح البديل في دراسة الظواهر الاجتماعية و إفتراض العقلانية و الاخلاق للفرد في سبيل تحقيق معادلة الحرية و العدالة و هنا يمكننا ان نتسأل لماذا يصر كل من عبد الله علي ابراهيم و كمال الجزولي علي رطانة نقدهم عن البرجوازية الصغيرة لأنهم في ماركسيتهم التي لا تؤمن بفكرة الدولة من الأساس يزدرون أفكار علماء الاجتماع و بفضلهم قد صنفت الماركسية و الحركات الاسلامية و النازية و الفاشية بانها ضد الحداثة.
بعكس إعتقاد كل من كمال الجزولي و عبد الله علي ابراهيم في ان النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية هي من ادخلت أفكار الحداثة و لك ان ترى المفارقات العجيبة فمتى يستوعبون بان العالم الآن يحتفي بانتصار توكفيل على ماركس في كل مكان إلا في السودن؟ و لكن لفت انتباهي غياب أفكار تاريخ الفكر الاقتصادي و أدبيات النظريات الاقتصادية من كتابات كل من كمال الجزولي و عبد الله علي ابراهيم بشكل واضح يؤشر على جهلهم بالاقتصاد و من يجهل بتاريخ الفكر الاقتصادي و ادبيات النظريات الاقتصادية لا يمكنه استيعاب فكرة العقلانية و الأخلاق بالنسبة للفرد في زمن الفرد و العقل و الحرية و كله بسبب اعتقادهما بأن الماركسية يمكنها ان تصبح مدخل للاقتصاد و الاجتماع و السياسة و هيهات و مشكلة كل من كمال الجزولي و عبد الله علي ابراهيم تشبه مشكلة سارتر و ماركسيته التي جعلته بسبب جهله بعلم الاجتماع أكبر مدافع عن النظم الشمولية كما نعته كلود ليفي اشتراوس.
للتوضيح قليلا فيما يتعلق بوهم أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية فان مدرسة الحوليات منذ عام عام 1929 قد أبعدت ماركس و قد أصبحت ماركسية ماركس لا تخدع إلا المثقف المنخدع الذي ما زال يتعاطى أفيون المثقفين وفقا لكتاب لريموند أرون بنفس العنوان و منذ ذلك الزمان البعيد فقد أصبح ماركس مؤرخ عادي يمكن الاستدلال به كاي مؤرخ و لكن ليس بوهم أنه الأفق الذي لا يمكن تجاوزه بل قد أصبح أشهر وجه لأفشل أقتصادي و يمكننا ان نتحدث عن كيف استخدمه هشام شرابي في فكرة الأبوية المستحدثة و كيف عبرها قد وضح له جبن اتباع اليسار في تماهيهم مع الخطاب الديني كحالة كمال الجزولي و مع افكار الامام الصادق المهدي وكذلك نجد ايمان تود في فرنسا في استخدامه لماركس كمفكر عادي و ليس الافق الذي لا يمكن تجاوزه في ظاهرة فشل النخب في فرنسا و كيف تدمرت بنية الصناعات الوطنية في فرنسا و كيف وصل بعدها لفكرة الحماية الاقتصادية و هي من صميم الفكر الليبرالي الذي يمثل يسار الرأسمالية.
المهم في الامر ان العالم الآن يجدد أفكار العقد الاجتماعي و نجد منوالها في أفكار جون لوك و جان جاك روسو و عمانويل كانط و علم اجتماع منتسكيو و ديمقراطية توكفيل و آخر أفكار العقد الاجتماعي كانت نظرية العدالة لجون راولز و قد أكمل بعثه عنها في مطلع سبعينيات القرن المنصرم فيما يتعلق بفكرة العدالة إنصاف مع التركيز على معادلة الحرية و العدالة و فيها من العلوم الذي فات على ماركس نفسه فيما يتعلق بنظرية المنفعة و فكرة الاشباع و كيفية الحديث عن فكرة الاشباع للمجتمع بدلا عن فكرة الاشباع في حيز الفرد و كانت لحظة ظهور نظرية العدالة في مطلع التسعينيات لحظة قد بلغ فيها كل من عبد الله علي ابراهيم و كمال الجزولي درجة كان يمكنهما التخلص من اوهام مثل وهم ان الماركسية أفق لا يمكن تجاوزه و لكنه الجهل بتاريخ الفكر الاقتصادي و ادبيات النظريات الاقتصادية كأم شرعية للعقلانية تجعلهما يجهلان بأن دراسة الظواهر الاجتماعية تحقق نظرية الحرية و العدالة و ليست فكرة الصراع الطبقي.
ما اود قوله ايها الشعب السوداني لا شك في أنك قد حققت مقولة اننا في زمن تقدم الشعب و سقوط النخب و حققت بان من يقوم بالتغيير هو الشعب و ليس النخب و عليه نرجع لنقول بان هدفك هو تحقيق عودة فكرة الدولة كمفهوم حديث تقود مسألة التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي و لا يكون ذلك في ظل أحزاب يقودها المرشد لاتباع الحركة الاسلامية السودانية و الامام في طائفية الصادق المهدي و مولانا في طائفية الميرغني و الاستاذ كما يفتخر أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية أن حزبهم هو حزب الاستاذ فنحن في زمن الفرد و العقل و الحرية زمن الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس فلا تلتفتوا لغزل كمال الجزولي في مدحه لطائفية الامام الصادق المهدي في روزنامته.
taheromer86@yahoo.com
/////////////////////////