أصول الحكم فى النظام السياسى الإسلامى

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم

تمهيد :
إن الدراسات االغربية التى تناولت ظواهر السياسة والسلطة والقضايا الإجتماعية نبعت كلها من فكر وضعى إنسانى كانت منطلقاته تتحكم فيها روح النزعة المركزية الأوربية (EURO CENTERISIM) وهى دراسات تعبر عن رؤى غربية أوربية سياسية نفعية متحيزة لثقافتها كما أنها تحاول بإستمرار أن تفرض ثقافتها على الآخرين فى المجتمعات الكونية الأخرى بما فيه المجتمعات الإسلامية عبر محاولات لتغريب (WESTERNAIZATION) الحياة الساسية فيها لكى تبقى هذه المجتمعات مرتبطة بها سياسياً وثقافياً (الإستلاب الثقافى),وعليه كان لابد للمجتمعات المسلمة أن تدرس العلاقة بين الظاهرتين السياسية والدينية لوضع منهج لدراسة العلوم السياسية من وجهة النظر الإسلامية مهتدى بالنظام السياسى الإسلامى المؤسس على النظرية السياسية الإسلامية المبنية على الشورى والعدل والمساوة وغيرها من المفاهيم الإسلامية التى تنظم معاملات المسلمين فى جميع مناحى الحياة العامة.
مقدمة :
النظام الإسلامى يختلف عن كل الأنظمة الكونية الموجودة التى تعتمد على السلطة الزمنية لضمان ما تقرره من حقوق وواجبات بأنه يضيف لهذه السلطة الزمانية وضمان ما تقرره من حقوق وواجبات ضمانة أخرى أقوى منها وهى الضمانة الروحية التى تثبت فى يقين المسلم أن الموت والحياة بيد الله سبحانه وتعالى,وأن الإنسان وكل المخلوقات الربانية الأخرى لا تملك أى قدرة فى هذه المسألة وهذا يتجسد فى قوله تعالى (إنا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون) صدق الله العظيم سورة الحجر الآية 23 ,إذن الإسلام نهى  عن الخوف من الموت حتى لو تم التهديد به من قبل أى طاغية,لأن الموت بإذن الله,إذن المسلم بهذه الضمانة يجب أن لا يتنازل عن حقوقه التى كفلها له الإسلام تحت الضغط والإكراه,وبنفس القدر نهى الإسلام المسلم من الخوف من الفقر حيث وضح الإسلام إن الله تعالى هو وحده الرازق حيث جاء فى قوله تعالى جل شأنه (أن الله هو الرازق ذو القوة المتين) صدق الله العظيم صورة الزاريات الآية 58,إذن الإسلام وقف عبر هذه الضمانة الروحية للمسلم ضد كل أنواع الإكراه ومحاربة خلقه فى أرزاقهم, كما نهى الإسلام من قتل الأولاد خشية من الفقر والعوز  بقوله سبحانه وتعالى (ونحن نررزقهم وإياكم) سورة الإسراء الآية 31,وعليه الإسلام حرر المسلم من الخوف على حياته ورزقه ليصبح قوياً ومتمسكاً بحقوقه التى كفلها الإسلام له,لذلك جاءت سياسات الحكم فى الإسلام أقوى من مثيلاتها التى تنتشر فى سائر دول العالم الأخرى لأن التشريعات فى الإسلام نابعة من كلام الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم وأحاديث رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى إنما كلامه هو وحى يوحى كما أن التشريعات الإسلامية سبقت كل أفكار الإنسان الوضعية الفردية التى تقدس حق الملكية الفردية والجماعية التى تلغى حق الملكية الفردية ودور الدين فى الحياة فبينما ظهرت هذه المذاهب الإنسانية فى أواخر القرن السابع عشر نجد أن النظام الإسلامى ظهر فى أوآخر القرن السادس ميلادى وبداية القرن السابع الميلادى أى قبل ما يقارب العشرة قرون من ظهور هذه المذاهب الوضعية الإنسانية,إن النظام الإسلامى يتعرض إلى كيفية الحكم فى الإسلام كما يتعرض للسياسات المالية والعلاقات الإجتماعية وكيفية تنظيم الحياة الأسرية بما يضمن صلاح المجتمع الإسلامى فى دنياه وآخرته,وعليه فإن الإسلام دين مضبوط الأصول بحكم شرائعه التى تنبع من كتاب الله وسنة رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل الذى علمنا أن نهتم بشؤون دنيانا العملية والعلمية من أجل أن نحقق النظام السياسى الإسلامى الذى الذى يعتمد على الشورى والعمل والعدل والمساواة.
مفهوم السلطة التشريعية فى الإسلام :
الدين الإسلامى دين توحيدى يقوم على أن السيادة والحاكمية لله سبحانه وتعالى وأن الخليفة أو الأمير هم أمناء وراعين لشعوبهم يلتزمون فى ذلك تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى ويقول الله سبحانه وتعالى فى محكم تنزيله فى هذا الصدد "أن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه"سورة يوسف الآية 40 ,كما قال تعالى فى محكم تنزيله"من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"سورة المائدة الآية 45 ,ومن هذه الآيات الكريمة نستدل على أن الله وحده له السلطان وأنه سبحانه وتعالى وضع وفقاً لهذه الآيات التى إستعرضناه أعلاه الفصل بين السلطة وشخص الحاكم وهو المعيار الذى يرتكز عليه نظام الدولة فى الإسلام ويتأكد هذا المفهوم فى كلمة الصحابى الجليل سيدنا أبوبكر الصديق رضى الله عنه عندما تمت توليته خلافة المسلمين بعد وفاة رسول الله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين حيث خطب فى جمع المسلمين وقال "لقد وليت عليكم ولست بخيركم,فإن أحسنت فأعينونى,وإن أسأت فقومونى,أطيعونى ما أطعت الله فيكم,فإن عصيته فلا طاعة لى عليكم" وعليه فإن أمة الإسلام هى صاحبة السلطة وما الخليفة إلا وكيل عنها فى إدارة أمور الرعية والعباد.
مرتكزات النظام السياسى فى الدولة الإسلامية :
لقد إستهدف الخطاب القرآنى لله سبحانه وتعالى تنمية الحس التاريخى والقدرة على التحليل الموضوعى لكل أمة الإسلام حتى يتمكنوا من توظيف عقولهم فى سبيل تحقيق أهدافهم السياسية,وقد تعرض الإسلام فى سور (الزمر) و(غافر) و(فصلت) و(الشورى) و(الزخرف) و(الدخان) و(الجاثية) و(الأحقاف) التى تبدأ جميعاً بأحرف حمّ تنزيل الكتاب أو حمَ والكتاب ليلفت نظر المسلمين جميعاً أن السيادة فى هذا الكون لله وللفكر التنزيلى الذى أنزله الله سبحانه وتعالى وبيان أن الفكر الوضعى الإنسانى ناقص وقابل للتغير ولا يصلح لكل الأمكنة والأزمنة وأن دين الإسلام هو الدين الوارث والخاتم وأن الله تعالى أمر فيه النبى محمد صلى الله عليه وسلم أن يتولى القيادة السياسية للمجتمع المسلم كما أمره بالعدل بين المسلمين وهذا ما جاء فى قوله سبحانه وتعالى فى محكم تنزيله "وأمرت لأعدل بينكم",وحتى يقيم الرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله العدل حسب الشريعة الإسلامية المنزلة من عند الله عز وجل كان لا بد له من إقامة دولة الإسلام على أساس فكرة المداولة فى الأرض والمغالبة على حيازتها وهى مداولة ومغالبة تستمر حتى يتمكن المسلمين من السيطرة على الأرض وتكون الغلبة لهم فيها,وعليه يرتكز النظام السياسى فى الإسلام على الآتى:
أ.دولة الإسلام دولة توحيدية : دولة الإسلام دولة يتوحد فيها الولاء لله سبحانه وتعالى وحده الواحد الأحد,وتوحيد الله سبحانه وتعالى فى دولة الإسلام يجعل الناس محررين من الولاءات الأخرى التى تخلق الفرقة والتضاد بين الناس حيث أن توحيد الله يخلق الوحدة بين أمة الإسلام ويسقط الولاءات الأخرى ويظهر هذا فى قوله تعالى فى محكم تنزيله "ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء يتشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون" سورة الزمر الآية 29 .
ب.دولة الإسلام دولة كل من يعيش فيها من الناس :بمعنى أن القرآن أنزل لكل الناس ليحكم فيهم بالعدل أى أن القرآن لم ينزل على المسلمين فقط إنما أنزل لكل البشر,كما أن حاكم المسلمين يجب أن يحكم بالعدل بين جميع الناس فى دولته وليس بين المسلمين فى دولته فقط,كما أن الدولة الإسلامية لا تطرد رعاياها الذين لا يعتنقون الإسلام كما أنها لا تجبرهم على إعتناقه وهذا يتضح فى قوله سبحانه وتعالى فى محكم تنزيله "إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن إهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل"الزمر الآية 41 .
ج.الدولة فى الإسلام دولة يحكمها القانون :دولة الإسلام يحتكم فيها جميع الناس إلى شريعة الله سبحانه وتعالى التى أنزلها فى القرآن على رسوله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتكون أساس العدل فى الحكم,وشريعة الحكم فى الإسلام فيها قواعد حددها الله سبحانه وتعالى فى خطابه القرآنى الذى وجهه إلى أمة الإسلام,أى أن القانون فى الإسلام مستمد من عند الله سبحانه تعالى جل شأنه حيث ينص القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع المسلمين  هم تحت دائرة التكليف والمسائلة وأن عليهم الإحتكام إلى شريعة الله المنزلة فى كتابه القرآن المبين والتى تختلف عن سائر القوانين الوضعية الأخرى التى تم وضعها بواسطة البشر والتى غالباً ما تكون موضوعة من أجل غرض حماية فئة دون أخرى أو فيها تحيز أو قصور أو تعبر عن وجهة نظر الأقوياء الذين يمتلكون السلطة,بينما شريعة الله خالق الناس أجمعين هى التى يحتكم إليها العباد بحكم أنهم جميعاً من مخلوقاته وأنه هو الذى خلقهم من نفس واحدة,ويقول الله سبحانه وتعالى فى هذا الصدد فى محكم تنزيله "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون"الجاثية الآية 18 .
د.الدولة الإسلامية هى دولة كل الأمة الإسلامية التى تقطنها :الدولة الإسلامية مؤسسة على على أن تكون دولة تكون فيها الجماعة المسلمة هى السلطة التنفيذية لشرائع الله التى أنزلها فى قرآنه المبين حيث أمرهم الله سبحانه وتعالى أن يستجيبوا لأمره ويعبدوه ويحكموا بالشورى بينهم وأن ينفقوا من أموالهم ويتصدوا للبغى والعدوان,أى أن الدولة الإسلامية دولة لا تحكمها طبقة من رجال الدين أو أى فئة أخرى إنما تحكمها أمة الإسلام تحت مبدأ الشورى وقد جاء فى هذا الصدد قوله سبحانه وتعالى فى محكم تنزيله "والذين إستجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون*والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون"سورة الشورى الآيات 38 و 39 .
هـ.. دولة الإسلام دولة تكفل جميع الحريات لمواطنيها :
أولاً الحريات والحقوق الفردية المهمة فى الإسلام :
المنهج المعرفى الإسلامى فى مجال الحقوق والحريات الفردية يختلف عن جميع المناهج والنظم الأخرى حيث حوى الإسلام حقوق وحريات للمسلم وعززها بضمانات روحية لا توجد فى النظم الكونية الأخرى,فالمنهج الفردى الرأسمالى يقدس الحقوق الفردية والإقتصادية دون وضع قيود عليها وحدد نطاق ممارسة الدولة لوظائفها فى إطار فكرة الدولة الحارسة,أم الفكر الجماعى الإشتراكى نجده قد قيد كل الحريات الفردية وأطلق يد الدولة فى جميع النشاطات الإجتماعية والإقتصادية والساسية,بينما تقف النظم الإجتماعية الأخرى لتمثل حلاً وسطاً يعمل للتخلص من سلبيات كل من النظام الفردى الرأسمالى والجماعى الإشتراكى,وعليه يقدم الإسلام نموذجاً معرفياً مستقلاً عن النظم سالفة الذكر حيث أنه أوجد منهجاً خاصاً يختلف به عن جميع المناهج الأخرى فلسفياً وفكرياً يميزه عن بقية النظم التى لا يتفق معها لا فى الإصول أو الفروع,عليه النظام الإسلامى كفل مسألة الحريات الفردية وأهم هذه الحريات الفردية التى كفلها الإسلام هى:
1. حرية الذات :وهى حسب قول فقهاء المسلمين أن لا يتعدى المسلم على ذاته بأى إعتداء,وفى هذا الإطار وضع الإسلام حدوداً لحماية ذات المسلم ووضع لها أوامر ونواهى وحدد عقوبات وجزاءات لضمان عدم تجاوز هذه الحدود.
2. حرية المسكن : أقر الإسلام حرمة المسكن فى إطار إقراره للحريات الفردية فى الإسلام,وذلك تحقيقاً للأمن الذاتى للمسلم وجاء ذلك فى قوله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستانسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون,فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم,وإن قيل لكم أرجعوا فأرجعواهوى أزكى لكم,والله بما تعملون خبير) صدق الله العظيم سورة النور الآية 27 و 28 ,كما أكدت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حق حرمة المسكن والجزاء لمن يخالف هذا الحق الذى كفله الإسلام بقوله عليه الصلاة والسلام (من إطلع فى بيت قوم بغير إذنهم,ففقأواعينه فلا دية له ولا قصاص).
3. حرية العقيدة : كفل الإسلام حرية العقيدة حيث جاء فى قوله تعالى قدره وشأنه (لأ إكراه فى الدين) سورة البقرة الآية 256 وقوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) سورة الكهف الآية 29 , كما أنه دعا الناس أن لا يعتنقوا الإسلام عن تقليد وإنما عبر التفكر والتدبر والتأمل حيث جاء فى قوله سبحانه وتعالى (إن فى خلق السموات والأرض وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب) سورة آل عمران الآية 190,أى أن الإسلام أكد على حرية العقيدة وطالب المسلم أن يبنى عقيدته على التفكر والتدبر والتأمل,وأن حرية العقيدة فى الإسلام لا يتمتع بها المسلمون فقط بل غير المسلميين الذين يعيشون خارج أو داخل  ديار الإسلام.
4. حرية الرأى : حرية الرأى يطلق عليها الفقه الإسلامى حرية القول وقد أقر الإسلام حرية الرأى وتعبير المسلم قولاً عن رأيه وجاء ذلك فى النص القرانى الكريم (وأمرهم شورى بينهم) سورة الشورى الآية 38 ,وقد تم التأكيد على حق التعبير عن الرأى بالقول فى العديد من أحاديث النبى الكريم صلاوات الله عليه وسلامه كقوله صلى الله عليه وسلم (إستعينوا على أموركم بالمشاورة),كما فرض الإسلام على الحاكم أن يسلك منهج الشورى وقد كان ذلك من خلال توجيه الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد خاتم الأنبياء والرسل بقوله (وشاورهم فى الأمر) سورة آل عمران الآية 159 .
5. حرية التعليم : يطلب الإسلام من المسلمين تعلم كل أنواع العلوم وقد جاء فى قوله تعالى فى مديح الخضر عليه السلام (آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) سورة الكهف الآية 56 كما جاء فى قوله تعالى (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لايعلمون) سورة الزمر الآية 9,وقد جاء على لسان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فى العديد من الأحاديث الحث على طلب العلم كقوله عليه الصلاة والسلام (ما شق مسلم طريقا إلى العلم إلا وشق الله له به طريقا إلى الجنة) صدق رسول الله ,ولا يقصد بالعلم فى المفهوم الإسلامى معنى معيناً أو مفهوماً خاصاً,ولا يوجد فى الكتاب  أو السنة أى إشارة لتخصيص العلم بانواع معينة من العلوم والمعارف دون غيرها,والثابت ان المسلميين  قد كانوا فى صدر الإسلام ملمون بالعديد من العلوم وجددوا ونظروا فى الكثير منها,وقد كانوا من أوائل العلماء الذين وضعوا الأسس الأولى لعلم الجبر والرياضيات والكمياء,والفارابى وإبن رشد والكندى وإبن سيناء كانوا أصحاب فضل فى تطور العديد من العلوم التى يتبناها الغرب الآن.
6. المساواة : الإسلام قرر مبدأ المساوة ليس بين المسلمين فقط بل بين كل من يقطنون دار الإسلام وقد تم التأكيد على مبدأ المساوة فى الإسلام بنص القرآن فى قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) سورة الحجرات الأية 13 ,كما جاء فى قول النبى صلى الله عليه وسلم (الناس سواسية كأسنان المشط) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم,وقد سوى الإسلام بين المسلم وغير المسلم وقد جاء المضامين التى تعبر عن ذلك فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذميين والمعاهدين من أهل الكتاب (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) صدق النبى الكريم,كما حقق الإسلام المساواة بين الذكر والإنثى فى قوله تعالى (أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) صدق الله العظيم سورة آل عمران 195.
ثانياً الحريات الإقتصادية فى الإسلام :
1.حق الملكية الفردية : النظام الإسلامى كفل حق الملكية الفردية لكل الناس والملكية الفردية فى الإسلام هى وظيفة إجتماعية أكثر من أنها حقاً فردياً وهى محكومة بعدد من المبادىء أى أن حق الملكية فى الإسلام حق له وظيفة إجتماعية يؤديها دون تقديس لهذا الحق,ووضع الإسلام ضمانة روحية لذلك الحق فى قوله تعالى فى محكم تنزيله "وآمنوا بالله ورسوله وأنفقوا فى ما جعلكم مستخلفين فيه"سورة الحديد الآية 7 ,وهنا يقرر الله أن الملكية المطلقة لله تعالى وأن الأفراد وكلاء عن الله فى هذه الملكية.
2.حق الإرث : نظم الإسلام الإرث ووضع له قواعد محددة يجب أن يلتزم بها جميع المسلمين,وهذه القواعد والأوامر التى نزلت فى كتابه بخصوص حق الإرث تعمل لتحقيق نتيجتين مهمتين أولهما تأكيد حق الملكية الفردية وذلك بتأكيد إنتقال المال إلى الخلف العام,والثانى هو العمل على عدم تركيز المال وتراكمه عبر توزيعها للورثة والحيلولة دون تجمعها وقد جعل الإسلام من إختلاف الدين مانعاً من موانع الإرث.
3.حرية التعاقد :إحترام النظام الإسلامى لحق الملكية الفردية وإعتباره لها أنها وظيفة إجتماعية دعى الإسلام لصيانة حق الملكية فى الإسلام عبر كفالته لحرية التعاقد بين المسلمين عبر شروط وهى توافر الأهلية (العقل والبلوغ والإختيار) حيث لا صحة لعقد يعقد تحت ضغط الإكراه,ثم إشترط الإسلام بعد ذلك كتابة العقد وجاء ذلك فى قوله سبحانه وتعالى "وليكتب بينكم كاتب بالعدل" وأن تتم الكتابة بشاهدين وجاء ذلك فى قوله تعالى "وأستشهدوا شاهدين من رجالكم" كما أباح الإسلام التعاقد دون شرط الكتابة فى حالات التجارة فى قوله تعالى "إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها فليس عليكم جناح ألا تكتبوها.
4.حرية التجارة :أحل الإسلام التجارة المترتبة على حق الملكية الفردية ولكنه وضع قيوداً على حرية التجارة لوضع التجارة فى موضعها الصحيح فى النظام الإسلامى الذى يتمثل فى أن التجارة وظيفة إجتماعية تعمل على إشباع الحاجات الإنسانية والقاعدة الأساسية فى النظام الإسلامى عدم الإتجار فيما هو محرم وأن لا يكون هنالك غش فى التجارة أو إحتكار أو ربا (بيع النقود).
و.العناصر الإجتماعية فى دولة الإسلام :
المنهج الإسلامى  يحمل بين طياته شرائع تعمل على محاربة الفقر وضمان الحياة الكريمة لجميع المحتاجين حيث عمل النظام الإسلامى على إتباع طريقين لتحرير المجتمع من الفقر والعوز وتأمين الحياة كريمة للذين يعجزون عن أداء العمل والفقراء,أولهما تشجيع المسلمين للعمل حيث أنه يعمل على دفع الفقر من الناس وجاء ذلك فى قوله تعالى "قل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"سورة التوبة الآية 105 ,كما جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رفع قيمة العمل وجعله فوق كل العبادات فى حديثه الذى يقول فيه:"أن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها صوم ولا صلاة,قالوا وما يكفرها يا رسول الله ؟ قال:يكفرها السعى وراء العيش",وثانيهما أن الإسلام فرض الزكاة وجعلها فريضة محكمة لتوفير حياة كريمة للعاجزين عن العمل والعُجّز والقارمين وكل من يستوجب الصرف عليه فى دار الإسلام,كما أن الوالى فى الإسلام يحق له فرض ضرائب على المستطيعين لسد حاجة بيت مال المسلمين,وقد جاء ذلك فى قوله تعالى فى محكم تنزيله"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة فى قلوبهم وفى الرقاب والقارمين وأبن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"سورة الآية 60 ,كما يقول سبحانه وتعالى فى محكم تنزيله "وفى أموالهم حق للسائل والمحروم"سورة الذاريات الآية 19 ,وهكذا قرر الإسلام الضمانات الإجتماعية فى المجتمع المسلم. 
الخاتمة :
كفالة الحقوق والحريات الفردية فى الإسلام وجدت أهمية كبيرة من المشرع وبالتالى هى أحد الركائز التى يعتمد عليها النظام الإسلامى لتدعيم أركان الحكم الراشد,وعليه يختلف المنهج المعرفى الإسلامى عن غيره من المناهج الغربية والشرقية الأخرى,حيث يستمد المنهج الإسلامى فرضياته من المسلمات التى تم النص عليها فى القران والسنة,وعليه كفل الإسلام حقوق وحريات المسلم فى النظام الإسلامى وجعل من الضمانات الروحية التى بناها فى يقين المسلم أنه لا يجب عليه أن يتنازل عن حقوقه تحت ضغط الإكراه لأن الحياة والأرزاق بيد الله تعالى جل شأنه,بعكس النظم الأخرى التى كثيراً ما تقرر حريات لأفرادها ثم تستخدم ضدهم وسائل القهر مما يجعلهم يتنازلون عن بعضها أو كلها خوفاً على أقواتهم وأرزاقهم وبالتالى نستطيع من خلال تعرضنا له من مرتكزات نظام الحكم فى الإسلام أن الإسلام نظام دينى وسياسى يحكم بشرائع الله خالق الكون وهو نظام متكامل يختلف عن كل القوانين الوضعية الإنسانية الأخرى التى هى من صنع البشر.

والله ولى التوفيق
أ.عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الإفريقية و متخصص فى شؤون القرن الأفريقى
asimfathi@inbox.com

 

آراء