أنا وجائزة العنقاء والخلّ الوفي
كيف لا
ما زلت أستغرب لرفض شخص عاقل وبكامل قواه العقلية جائزة معتبرة تُقدّم تكريماً له وإعراباً عن الإعجاب بإبداعه في مجاله. فقد دار جدل وسط دائرة من مثقفي اليسار الأكراد حول ترشيح أحدهم لجائزة تسمى جائزة العنقاء الذهبية . رفضها المرشح الكردي رزكار عقراوي وهو يعرّف نفسه بأنّه المنسق العام لمؤسسة الحوار المتمدن، ومنسق مركز دراسات وأبحاث الماركسية واليسار، في توضيح أعلن فيه رفضه للجائزة على موقع الحوار المتمدن "لأسباب تتعلق بالموقف السياسي و بقواعد المصداقية والشفافية المتبعة في مؤسسة الحوار المتمدن". وقال إنّه لا يعلم عن منظمي الجائزة شيئاً ولم تتم استشارته في الترشيح أو قبول الجائزة . وتمادى المعلقون في الإطراء على موقف المرشح الرافض بأنه أكبر من الجوائز وأنّه لن يبيع ذمته لأي جهة بجائزة مهما ارتفع ثمنها ، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى أن نصحوه برفع دعوى قضائية ضد الجهة منظمة الجائزة !
وبالبحث عن هذه الجائزة التي صورها المرشح وكأنها نكرة وجدت أنها جائزة محترمة وهي عبارة عن قلادة ذهبية نالها قبله جمع من المثقفين والفنانيين العرب منهم الموسيقار العراقي نصير شمة والموسيقار المصري صلاح الشرنوبي والممثلة المصرية سميحة أيوب وآخر من نالها الأديبة الأردنية سناء الشعلان. وكل هؤلاء لهم وزنهم في مجالاتهم.
يعبّر رفض مثل هذه الجوائز أحياناً عن موقف حقيقي يتبناه المرشح للجائزة وقد يكون موقف مبدأي أو عرَضي ظرفي، وفي أحايين كثيرة يكون الرفض مجرد عنتريات ومحاولات لاتخاذ مواقف بطولية تزكّي الرافض وتزيد من رصيده في حسابات النضال والمناضلين بتصوير أي جائزة وكأنّها محاولة لشراء الذمم ، أو كما صوّر لنا أصحاب رزكار عقراوي وشيعته. والحقيقة أنه ليس هناك ما يلزم بالإخطار بالجائزة لأنّ فكرة الجائزة من هذا النوع هي أقرب لفكرة المسابقة والتي يلفها التكتّم وتُحاط بالتحكيم السري.
ولاستيعاب هذا الرفض لا بد لنا أن نعرج على مواقف من رفضوا جائزة نوبل أرفع جائزة عالمية. فأول من رفض جائزة نوبل هو جورج برنارد شو الكاتب المسرحي الأيرلندي المعروف في عام 1925م وعلّق على ذلك بقوله :"هذه الجائزة أشبه بطوقِ نجاة يُلقى به إلى شخصٍ وصل برَّ الأمان ولم يعد عليه من خطر، إضافة إلى أني أكتب لمن يقرأ لا لأنال جائزة" .
أما الشاعر والروائي الروسي بوريس باسترناك صاحب رواية (دكتور زيفاغو) الشهيرة، فقد رفضها عام 1958م، ولكن بسبب ضغط السلطات السوفياتية. وعبّر عن موقفه بقوله :"عليَّ أن أرفض هذه الجائزة التي قدمتموها إليَّ والتي لا أستحقها. أرجو ألا تقابلوا رفضي الطوعي باستياء".
وجاء رفض المفكّر الوجودي الفرنسي جان بول سارتر للجائزة عام 1964م . ولم يخرج عن إطار فكره حين عبّر عن رفضه :" إنّ حكم الآخرين علينا، ما هو إلّا محاولة لتحويلنا إلى موضوع وتشييئنا، بدل النظر الينا كذوات انسانية".
أما السياسي الفيتنامي لي دوك ثو فقد رفض استلام جائزة نوبل للسلام بعد أن نالها بسبب أهميته في اتفاقية باريس عام 1973م، وذلك بحجة أنّ السلام لم يكن موجوداً على أرض فيتنام.
وعلى سيرة الرفض والقبول، فنعلن ثلاثتنا من على منبر حلف الزبادي: مصطفى البطل ومحمد عثمان إبراهيم وأنا، عن استعدادانا التام لقبول أي جائزة حتى ولو كانت تعمل على تحويلنا إلى موضوع و"تشييئنا"، ومن أي جهة كانت سواء أكانت من العنقاء أو حتى من الغول أو الخلّ الوفي.
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]