أهل الإسلام السياسي في السودان: فيم اختلفوا ولم اتفقوا !!

 


 

 



ايام الشمولية الاولي كانت للاخوان المسلمين شعارات تعبر عن اشواقهم و احلامهم ان اراد الله ان ينصرهم و تصل حركتهم السياسية الي سدة الحكم، و من هذه الشعارات شعار يقول " نريد ان نربط فضائل السماء بالارض". و لست في حاجة ان اقول لكم انه كان شعارا خاويا ، و هتافا لم يكن يؤمن به من عضويتهم الا القليل. و اليوم و قد مضي علي حكمهم ما يقارب نصف القرن ، اكاد اجزم انهم قطعوا كل الحبال التي تربطهم بالسماء، و اصبحت الدنيا اكبر همهم و مبلغ علمهم. لا استطيع ان اسقط مثل هذا الحكم علي الافراد ، و لكن ما اعنيه ان حركة الاسلام السياسي التي حكمتنا 25 عاما و مآلات حكمها ظاهر بين ايدينا ، لا يمكن ان تدعي هذه الحركة انها في حكمها كانت تتذكر السماء.

كانت مفاصلتهم في  1999 نتيجة لمذكرة العشرة التي تقول:

ونرى إن تجربة العشر سنوات الماضية قد أبرزت لنا مشكلات مهمة تحتاج منا إلي حلول مناسبة حتى نجني، ويجني وطننا كله وأمتنا، ثمرة الجهد الكبير الذي سهدته سنوات الإنقاذ العشرة، نمضي إلي نجاح إثر نجاح، تأسيساً عليه بلا ارتهان لصيغة أو تعصب لبنية بعينها.

ونرى تحديداً أن التحديات تتمثل في أربع مسائل .-
1. الشورى سعة وفاعلية.
2. فاعلية القيادة العليا.
3. المؤسسية كأسلوب للعمل.
4. الوحدة كسياج للحركة.


نعلم جميعا ان العشر سنوات الاولي من عمر الانقاذ كانت فترة التمكين التي قطعت فيها الارزاق و الاعناق، و اهين فيه الانسان السوداني في بيوت الاشباح ، و اغتيلت فيها المؤسسية ، و اغتصب فيه القانون ، و شوهت فيه صورة السودان في المحافل الدولية. و عندما يكون هذا هو الحال و نسمع بان بعض "عقلاء" الحركة الاسلامية يريدون اسداء النصح للقيادة لاصلاح ما فسد، المتوقع هو ان يخاطب هؤلاء العقلاء "المصائب" التي حطت علي الشعب السوداني. في تلك الفترة بدأت مرحلة تخلخل النسيج الاجتماعي ، و ظهرت آثار الفساد و فاحت رائحتها الكريهة . رغم كل هذا فقد كانت مفاصلتهم لا شأن لها بامر يهم الشعب السوداني ، و الاغرب من ذلك انهم يعتقدون ، كما جاء في مذكرتهم، ان ما تم في العشر سنوات الاولي نجاحات و ثمرة ، فانظر ماذا تقول مذكرتهم:

(  ونرى إن تجربة العشر سنوات الماضية قد أبرزت لنا مشكلات مهمة تحتاج منا إلي حلول مناسبة حتى نجني، ويجني وطننا كله وأمتنا، ثمرة الجهد الكبير الذي سهدته سنوات الإنقاذ العشرة، نمضي إلي نجاح إثر نجاح، تأسيساً عليه بلا ارتهان لصيغة أو تعصب لبنية بعينها. )


الواضح اذن انهم لا يعتقدون ان ما حدث في هذه الفترة يشكل ضررا للبلاد و العباد، بل يلخصون المشكلة في الآتي:

.1 الشورى سعة وفاعلية.
2. فاعلية القيادة العليا.
3. المؤسسية كأسلوب للعمل.
4. الوحدة كسياج للحركة.

فالمشكلة التي ادت الي انفصالهم مشكلة داخلية تخص حركتهم ، اي الاسلام السياسي السوداني ، و لا يخص الشعب السوداني. خلاصة ما اريد ان اصل اليه انهم لم يختلفوا من اجل السودان و شعبه، بل من اجل اقتسام "كيكة" الدنيا، من جاه و سلطان و مال.

و امر آخر اهم من ذلك ، ان الاسلام السياسي في السودان ، منذ ستينات القرن الماضي و حتي يومنا هذا لم يكن له برنامج سياسي واضح ، او رؤية سياسية في امر تطوير البلاد و تنمية مواردها، كما للاحزاب الاخري عندما تخاطب جماهير الشعب – ظلت الحركة الاسلامية تخاطب مشاعر الناس و معتقداتهم، بانهم "سيربطون مقاصد السماء بالارض"!! و من من المسلمين يعترض علي هذا الطرح؟! لكن المؤسف ان المتعلمين من عضوية الحركة الاسلامية لم يفتقدوا الرؤية السياسية! لماذا يا تري؟! كان هذا سؤال يؤرقني ، و فجأة صباح اليوم اتتني الاجابة في مقال حبيبنا مصطفي البطل في سلسلته بعنوان (المرفوع و المنصوب في وثيقة المحبوب):

(الفكرة التي خامرتني حينا من الدهر، ثم أختمرت في ذهني تماما، هي ان السودان ربما لم يعرف في الاصل حركة سياسية اسلامية و لا يحزنون. هذا وهم كبير. و انما التعريف الصحيح للكيان الحزبي الذي انشئ في العام 1964 هو ( الحركة الحسنية الترابية) و الذي يطالع وثيقة النقد الذاتي و المراجعات التي سطرها المحبوب بن عبد السلام لا بد ان يتخلق و يترسخ عنده هذا الاعتقاد.)

اذن فهي الطريقة الترابية ، و كل هؤلاء المتنافسون علي مناصبها و مغانمها هم حيران للترابي ، منتسبون للطريقة. و يوم ان ضاقوا بسلطة "الشيخ" و ارادوا ان يغيروا الحال، طالبوا مطالب فيها كثير من العقلانية  و الجدية. و لكن عندما تحقق لهم ما ارادوا ، لم يستطيعوا ان يمخروا بسفينتهم بسلام وفق المبادئ الاربعة التي حددوها ، و بغياب القائد انفرط عقد النظام ، و اصبحوا شيعا و جماعات متصارعة ، و ادخلت المؤسسية غرفة الانعاش، و انهارت الدولة سياسيا  و اقتصاديا ، فلجأووا الي الاحزاب المعارضة لتنقذها. فالمؤتمر الوطني لا يعرف اهله فقها او فكرا سياسيا يعتمدون عليه، و كل من تسأل يقول لك ان دستورهم القرآن. أنزل الله محكم التنزيل و فسره لنا الرسول عليه افضل الصلاة و السلام. فان كان دستوركم القرآن فسروا لنا كيف ستحكمون بالقرآن؟ القرآن يحرم الظلم و انتم ظالمون، و القرآن يحرم قتل النفس التي حرم الله الا بالحق و انتم تقتلون، القرآن يحرم اكل المال العام و انتم تمارسونه عادة يومية.
خلاصة القول ان لا احد يستطيع ان يفسر هذا الجانب غير شخص واحد "الترابي سيد الاسلام السياسي في السودان". و هذه الخلاصة ليست من عندي ، فقد قالها احد مفكري الاسلام السياسي، الدكتور عبد الوهاب الافندي الذي يري ان الدكتور الترابي وحده هو الذي له القدرة علي تبيان فقه و فكر و استراتيجية الاسلام السياسي في السودان، بل يدلل علي ذلك ب:

(و قد ظهر ذلك جليا عندما غيب الترابي مؤقتا بعد الاعتداء الذي تعرض له في كندا صيف العام 1992. حيث اكتشف الجميع ألا أحد سواه كان علي علم بوجهة السفينة او خارطة الطريق)
بعد ان عرفنا فيم كان الاختلاف ، دعونا نجاوب علي السؤال لم اتفقوا؟ عندما تصاب دولة بالفساد الشامل ، لا يستطيع احد ان يحارب الفساد ، و ان ارادوا و فعلوا فالضحية كبش فداء ، لذر الرماد علي العيون وليعود اهل الدنيا ليمارسوا حب المال و الشهوات. و باستمرار الفساد و غياب القانون بهذه الصورة تنهار الدولة اقتصاديا ، و تواجه الحكومة بمشكلات لا قبل لها بحلها. و عندها تبحث الحل مع الآخرين ، لكن بمنطق غريب "نشاوركم و ناخد برايكم، لكن ما تحكموا معانا!!"  و لا شك انهم افتقدوا الشيخ في محنتهم هذه ، و ان لم يفكروا في اعادته الي البرلمان. و ربما استبعد بعضهم ان يعود الشيخ "لسفينتهم" بعد ان اعلن علي الملأ ان لا سبيل الا باسقاط النظام. لكن الذي نعرفه للدكتور الترابي انه "ميكافلي" الاسلوب عند الضرورة – و هذا امر لا يحتاج لشرح فهو في "التاريخ مدون" ، كما ان حبيبنا مصطفي البطل اهداني هذه الخلاصة في مقال اليوم عن " المرفوع و المنصوب في وثيقة المحبوب":

(ثم ان الوثيقة تكشف بجلاء عن حقيقة مروعة اخري، سواء صرح بها المحبوب ام لم يصرح، و هي ان هذه الحركة الحسنية الترابية، افتقرت افتقارا كليا الي روح المبدئية في سلوكها السياسي، بحيث انه كانت علي الدوام قادرة علي التحول في مواقفها بمقدار مائة و ثمانين درجة ، وفقما تقرر مصالحها الظرفية و توقعاتها المستقبلية.)
و تزامن مع كل هذه الفرضيات ازمة الاسلام السياسي العربي ، و اشار عقلاؤها لاسلامي السودان بضرورة (الوحدة كسياج للحركة) ، و هكذا وجد الدكتور الترابي ان فقه الضرورة يقتضي تقديم مصلحة الاسلام السياسي علي مصلحة الشعب السوداني ، و نزل الحل "علي سيد الرايحة" بردا و سلاما . و هكذا اذا عرف السبب بطل العجب.
لكن ماذا نحن الشعب السوداني الفضل فاعلون؟ هذا سؤال يجب ان نفرد له مقالا .
رب ابتليتنا باهل الاسلام السياسي في السودان فصبرنا و مسنا الضر و انت ارحم الراحمين.
و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.


hussain772003@yahoo.com

 

آراء