إتفاقية السلام الشامل (CPA)

 


 

 





بسم الله الرحمن الرحيم

إتفاقية السلام الشامل (CPA)

دورها فى فصل جنوب السودان وإعادة إنتاج الحرب بين الشمال والجنوب

مقدمة:
الكل إستبشر خيراً حينما تم التوقيع على إتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان, والحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة, التى أصبحت تستولى على مقاليد الحكم فى دولة جنوب السودان الوليدة, بعد أن قادت توجهات النخبة فيها إلى إنفصال جنوب السودان عن وطنه الأم جمهورية السودان فى التاسع من يوليو من العام 2011 م, الحكومة السودانية والشعب السودانى فى الشمال والجنوب رقصوا فرحاً يوم التوقيع على إتفاقية السلام الشامل (CPA) فى ضاحية نيفاشا الكينية فى التاسع من يوليو من العام 2005 م, ولكن فرحهم لم يدم طويلاً, نتيجة للمهاترات بين طرفى الإتفاقية خلال الفترة الإنتقالية, وتصاعد حدة العنف فى الخطاب السياسى بين طرفى الإتفاقية وخاصة من جانب الحركة الشعبية, الذى قاد فى النهاية لإنفصال جنوب السودان عبر إستفتاء نجحت فيه النخبة الحاكمة من الحركة الشعبية فى جنوب السودان وقوى إقليمية ودولية فى توجيهه لصالح توجهاتها الرامية لفصل السودان لقطرين شمالى وجنوبى, وبالرغم من إعتراف الدولة الأم جمهورية السودان بحق تقرير المصير وتكوين الدولة الوليدة فى جنوب السودان دون وضع عراقيل حول الإعتراف بدولة جنوب السودان الوليدة, إلا إن هذا لم يمنع  من إندلاع مناوشات بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان الوليدة بعد الإنفصال نتيجة لوجود العديد من الملفات العالقة بين البلدين والتى لم يتم حسمها قبل الموافقة على إنفصال دولة جنوب السودان, لقد أعاد تاريخ الإحتلال الأوربى لأفريقيا نفسه فى نيفاشا, فعندما إنسحب الإحتلال الأوربى من أفريقيا جعل من مشاكل الحدود بين الدول الأفريقية أحد أدوات تدخله فى الشؤون الداخلية للدول الأفريقية, ولضمان عدم إستقرار أفريقيا, وبالتالى العودة للتدخل فيها لنهب ثرواتها من جديد, وتدخل الولايات المتحدة فى إتفاقية السلام الشامل أسس أيضاً لسلام منقوص يضمن لها عدم إستقرار المنطقة, وتحقيق أجندتها, لم نقرأ التاريخ جيداً, ولوكنا إستوعبنا الدروس من المشاكل التى خلفها لنا المحتل الأوربى فى القارة الأفريقية بعد إستقلال الدول الأفريقية, لما كنا قبلنا بهذا السلام المفروض من الخارج,  ولبحثنا عن سلام ضماناته أفريقية, وبرؤى أفريقية, فأفريقيا أدرى بمصالح شعوبها من الذين يأتون لحلحلة مشاكلها من وراء البحار.
العوامل التى ساهمت فى نشأت الدولة الوليدة فى جنوب السودان:
العوامل الدولية:
لقد لعبت التحولات فى النظام العالمى دوراً كبيراً فى التأثير على مجريات الأحداث فى كل أقاليم العالم التى ترتبط إرتباطاً قوياً بمصالح القوى التى تسيطر على هذا النظام العالمى الجديد, فبعد إنتهاء فترة الثنائية القطبية بإنهيار الإتحاد السوفيتى السابق كقوى عظمى فى بداية تسعينات القرن الماضى, سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على مجريات الأحداث العالمية, وأصبحت القوة الوحيدة التى تسيطر على العالم, حيث أطلق علماء السياسة والإستراتيجية على عصر إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم, بعصر الأحادية القطبية, وفى هذا العصر بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بضبط إيقاع التفاعلات العالمية بالتعاون مع دول أخرى كبرى من أجل تحقيق مصالحها الحيوية فى كل أنحاء العالم, وبما أن إقليم منطقة القرن الأفريقى يرتبط إرتباطاً عضوياً بمصالح النظام العالمى الجديد, صكت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة القائدة للنظام العالمى الجديد مفهوم القرن الإفريقى الكبير ليعبر عن مصالحها فى المنطقة, والذى يستهدف صياغة منطقة القرن الأفريقى من جديد لتحقيق مصالحها فيه.
نتيجة لأهمية منطقة القرن الإفريقى الإستراتيجية, من حيث الموقع المتحكم فى طرق المواصلات العالمية والقريب من مناطق إنتاج النفط فى الخليج العربى, والثروات الهائلة من النفط والمعادن الإستراتيجية فى باطن أراضيه وسواحله, تأثرت هذه المنطقة بكل التحولات العالمية بدءاً من الإحتلال الأوربى لأراضيه, وفترة الحربين العالميتين الأولى والثانية, وفترة الحرب الباردة , وحتى هذه الفترة التى تهيمن فيها الولايات المتحدة الأمريكية على مجريات الأمور العالمية, مما أدى إلى عدم إستقرار المنطقة نتيجة لتفشى الصراعات الأهلية فى دول المنطقة والصراعات الحدودية بين دولها, نتيجة للمحاولات المستمرة من قبل القوى العالمية لتغيير الخارطة الجيوسياسية فى الإقليم لخدمة مصالحها, وبالتالى عززت الولايات المتحدة الأمريكية فى الآونة الأخيرة من وجودها العسكرى فى منطقة القرن الأفريقى لإرتباط مصالحها به, عبر إنشاء قوة المهام المشتركة فى منطقة القرن الأفريقى (CJTF-HOA), بهدف مكافحة ما يسمى بالإرهاب فى منطقة القرن الأفريقى على حسب زعم الولايات المتحدة الأمريكية, بينما أن الهدف الرئيسى يبدو من خلال أفعال الولايات المتحدة فى المنطقة هو السيطرة على مقدرات الإقليم الطبيعية والبشرية, والتى يشكل النفط العامل المهم فيها.
عليه لم يكن إندفاع الولايات المتحدة الأمريكية للتوسط لحل النزاع القائم فى السودان عبر آلية الإيقاد سوى إنهاء هذا الصراع بصورة سلمية تمكن الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة من السيطرة على كامل الجنوب السودانى, نتيجة لفشل الحركة الشعبية من حسم الصراع بوسيلة العنف المسلح, بالرغم من الدعم الإقليمى والدولى الذى توفر إليها لحسم المعركة بواسطة العنف المسلح, وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية من إسراعها فى حسم الصراع عبر الحل السلمى, لفصل جنوب السودان ليكون دولة فاصلة للمصالح الأمريكية فى المنطقة, وبغرض الإستحواذ على بترول الجنوب الذى يصل إنتاجه من النفط يومياً إلى حوالى 350 ألف برميل, وحرمان الصين والسودان من الإنتفاع من هذا البترول, الذى تقول الولايات المتحدة الأمريكية أنها إستكشفته, ولكن إبتعادها عن المنطقة فى فترة الحرب الباردة, سمح لكونسرتيم الشركات الصينية والسودانية والكندية من إستخراجه عام 1998 م, وبالتالى شكل البترول أحد العوامل التى أدت لظهور دولة جنوب السودان الوليدة نتيجة لتكالب الولايات المتحدة للسيطرة على أكبر حوض نفط فى العالم, والذى يمتد من ولاية الوحدة مروراً بهجليج وأبيى ودارفور وبحيرة شاد وحقل حوض تاودينى فى شمال مالى وصولاً إلى مستودع خام النفط فى خليج غينيا, بينما شكل مناوئة النظام السودانى للنظام العالمى الجديد عاملاً آخر فى إنبثاق وتكوين دولة الجنوب, لحرمان السودان من نفط الجنوب وأراضيه الخصبة التى يمكن أن تسهم فى زيادة الثراء الإقتصادى لجمهورية السودان, بينما شكل تبنى السودان للهوية الإسلامية العربية عاملاً أساسياً فى فصل جنوب السودان عنه, نتيجة لتعارض الهوية الإسلامية العربية مع مصالح النظام العالمى ومشروعه الحضارى الذى يهدف إلى تعميمه فى كل دول العالم (مشروع العولمة).
العوامل الإقليمية:
بالإضافة للعوامل الدولية التى ساهمت فى نشأة دولة جنوب السودان, نجد أن هنالك عوامل إقليمية أسهمت أيضاً فى نشأة دولة جنوب السودان الوليدة, أهما التدخلات الإسرائيلية فى المنطقة فى إطار الصراع العربى الإسرائيلى, حيث ساهم التدخل الإسرائيلى لصالح الحركة الشعبية عبر بناء علاقات إستراتيجية مع نخبة قبيلة الدينكا الأكبر عدداً فى جنوب السودان, فى تأجيج نيران الحرب الأهلية فى السودان, وجاء هذا التدخل الإسرائيلى الداعم للحركة الشعبية عسكرياً وأمنياً فى إطار سياسة شد الأطراف وبترها التى تمارسها إسرائيل لزعزة إستقرار العالم العربى والإسلامى المساند للقضية الفلسطينية, والذى يفرض طوقاً من العزلة على إسرائيل, وبالتالى كان التدخل الإسرائيلى فى الصراع القائم فى السودان بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة يهدف إلى فصل جنوب السودان عن وطنه الأم جمهورية السودان, نتيجة لموقف السودان المبدئى من القضية الفلسطينية, ونتيجة لأن السودان يشكل الحزام الأمنى الجنوبى لمصر, التى خاضت حروباً ضارية فى عام 1967 م وعامل 1973 م مع دولة الكيان الصهيونى (إسرائيل) التى تحتل الأراضى الفلسطينية, ونتيجة لمساندة السودان لمصر إقتصادياً وعسكرياً وسياسياً عبر توفير قواعد فى عمقه للقوات الجوية المصرية, بالإضافة لإرساله لأغلب قواته لجبهة القتال فى قناة السويس فى حرب إكتوبر 1973م, إستشعرت إسرائيل أهمية السودان الإستراتيجية فى قضية الصراع العربى الإسرائيلى, وبالتالى قامت بتعميق أواصر علاقاتها مع قيادات عرقية الدينكا, ومدتهم بخبراتها العسكرية ودعمتهم بالأسلحة, ودربت قياداتهم فى شتى المجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية, حتى تم إنفصال جنوب السودان عن وطنه الأم فى التاسع من يوليو من العام 2011 م, وبعد إنفصال جنوب السودان قامت بدفع جنوب السودان بزيادة وتيرة أعماله العدائية ضد جمهورية السودان عبر دفع جنوب السودان للفرقتين التاسعة والعاشرة فى جبال النوبة والنيل الأزرق, وحركات دارفور المسلحة التى تقيم حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد علاقات وطيدة معها, للتأثير على إستقرار جمهورية السودان, وبالتالى إشغالها بالنزاع الإثنى والحدودى الجديد المفتعل, ومن ثم عزل السودان من التفاعل مع القضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية والإسلامية, وقضايا التعاون بينه وبين دول محيطه الإقليمى, والجدير بالذكر هنا أنه قبل هجوم جيش دولة جنوب السودان وإحتلاله لمنطقة هجليج البترولية السودانية فى العاشر من أبريل من العام 2012 م الجارى, كشفت مصادر موثوق بها عن نزول طائرات إسرائيلية محملة بصواريخ أرض جو, وأرض أرض, وأسلحة نوعية أخرى, وخبراء من يهود إسرائيل الفلاشا بمطار ربكونا فى جنوب السودان, بينما يشهد ميناء ممبسا (SECTION G) قبل الهجوم على هجليج وحتى هذه الآونة حركة تخليص مكثفة لشاحنات عسكرية ومدرعات وأسلحة من قبل مندوبى جيش جنوب السودان فى كينيا ممولة من قبل إسرائيل , مما يدل على تورط إسرائيل فى دعم دولة جنوب السودان لزعزعة إستقرار جمهورية السودان, وزيارة سلفاكير فى آواخر العام 2011 م لدولة الكيان الصهيونى (إسرائيل), تؤكد دور العلاقات الإسرائيلية بنخبة الحركة الشعبية المسيطرة على زمام الحكم فى دولة جنوب السودان الوليدة.
كما يشكل إهتمام إسرائيل بمياه النيل, ومحاولة فرض سيطرتها على الأراضى حول منابع حوض النيل الإستوائية والشرقية, وإقامة علاقات إستراتيجية مع دول منابع حوض نهر النيل, للتأثير على أهم محاور الأمن القومى المصرى (المياه), وبالتالى شكل إنفصال جنوب السودان أحد الأهداف الإسرائيلية الإستراتيجية التى تخدم إسرائيل فى قضية الصراع العربى الإسرائيلى والمتمثلة فى الضغط على مصر عبر إنبثاق دولة جنوب السودان الوليدة, حيث أن إضافة دولة جديدة لدول حوض نهر النيل, يمثل أحد العوامل التى تشكل خطراً على الأمن المائى المصرى, وبالتالى يصبح إنفصال جنوب السودان عن شماله, يعبر عن تحقيق المصالح الإسرائيلية المتمثلة فى تهديد الأمن القومى المصرى الذى تشكل مياه النيل أهم مرتكزاته, ومن ثم تهديد الأمن القومى العربى عبر محاولة إستمرار تفتيت السودان الذى يمثل أحد أهم الدفاعات الجنوبية للهوية العربية والإسلامية.
العوامل الداخلية:
لقد تعرضنا فى سردنا للعوامل الدولية والإقليمية لنشأة دولة جنوب السودان الوليدة, ولكن يبدو من قراءاة الأوضاع الداخلية فى السودان منذ الإستقلال وحتى توقيع إتفاقية السلام الشامل (CPA) فى التاسع من يوليو من العام 2005 م, أن النخبة السياسية السودانية التى أدارت البلاد عقب إستقلال السودان, فشلت فى التعامل مع أزمة الجنوب, مما مهد لقيام التمرد الأول فى عام 1955 م قبل إعلان الإستقلال رسمياً فى الأول من يناير 1956 م, وإستمرار التمرد فى فترة حكم الرئيس عبود, الذى إتخذ سياسة الحل العسكرى للمشكلة القائمة فى جنوب السودان, وفى فترة الديمقراطية الثانية التى تلت ثورة إكتوبر 1964 م التى أسقطت نظام عبود, لم يتم التوافق بين القوة السودانية لحل الأزمة القائمة فى جنوب السودان, ولكن نستطيع أن نقول أن إتفاقية أديس أبابا التى وقعها الرئيس الأسبق للسودان الراحل المشير جعفر نميرى فى عام 1972 م, وضعت حد للحرب الأهلية فى جنوب السودان, وحققت إستقرار دام لمدة عقد من الزمان, بيد ان تقسيم الجنوب لأقاليم ثلاثة وإعلان قوانين الشريعة الإسلامية فى البلاد عام 1983م, أدى لإندلاع التمرد للمرة الثانية بقيادة العقيد الراحل جون قرنق, وبالرغم من سقوط نظام نميرى عبر إنتفاضة السادس من أبريل من العام 1985 م, وقيام الديمقراطية الثالثة إلا أن النخبة السياسية السودانية فى الديمقراطية الثالثة لم تتوافق فيما بينها لوضع حد للحرب الأهلية القائمة فى جنوب السودان, نتيجة لكثرة الصراعات الداخلية بينها حول الإستحواذ السلطة, وقد أدى هذا الوضع لإزدياد شدة الحرب الأهلية فى الجنوب, مما أسهم فى إضعاف حكومة الديمقراطية الثالثة فى السودان, وسقوطها عبر إنقلاب الإنقاذ فى 30 يونيو من العام 1989 م.
وبالرغم من سعى حكومة الإنقاذ لتحقيق السلام فى السودان, عبر توقيع إتفاقية الخرطوم للسلام فى عام 1997 م, إلا ان هذه الإتفاقية لم تثمر فى تحقيق السلام ووضع حد للحرب الأهلية الدائرة فى البلاد, لعدم مساندة المجتمع الدولى والإقيلمى لها, لأنها لا تحقق مصالحهم, وبالتالى جاءت إتفاقية السلام الشامل (CPA) فى عام 2005 م, عبر الضغوط الأمريكية لطرفى النزاع, وقد أظهرت جميع البروتوكولات التى وقعت قبل الإتفاقية, مدى تأسيس هذه البروتوكولات فى باطنها لفصل جنوب السودان بالرغم من إظهارها لأن خيار الوحدة هو الأفضل للطرفين, وبينما كانت الحكومة السودانية تبحث عن مخرج لأزماتها الداخلية والخارجية التى تعانى منها, عبر توقيع إتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية, جاءت إتفاقية السلام الشامل (CPA), لتعبر صراحة عن فصل جنوب السودان, لتعزيز مصالح الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة الباطشة) فى المنطقة, وتبرز الإعتداءات الأخيرة  لدولة جنوب السودان على حقل هجليج النفطى فى جمهورية السودان فى العاشر من أبريل من العام 2012 م الجارى, ومن قبله إندلاع القتال فى جبال النوبة والنيل الأزرق وأبيى, من أن إتفاقية السلم الشامل (CPA) التى وقعت فى التاسع من يوليو من العام 2005 م, ما هى إلا مسرحية دولية بقيادة الولايات المتحدة, قصد منها فصل جنوب السودان لتحقيق مصالح الدولة القائدة للنظام العالمى الجديد (US) (إسرائيل القوة) للسيطرة والإستحواذ عل نفط الجنوب, وإيجاد قاعدة إنطلاق لإسقاط النظام القائم الآن فى السودان الذى يتبنى قيم الهوية الإسلامية العربية, التى تتعارض مع قيم الولايات المتحدة الأمريكية, وبالطبع إسرائيل نتيجة للتعارض الدائم بينهما وبين أهل القرآن الذين يرشحهم قرآنهم لقيادة التاريخ.
الخاتمة:
إتفاقية السلام الشامل التى وقعت منذ التاسع من يوليو من العام 2005 م, بغرض إنهاء الحرب الأهلية فى السودان, وتحقيق الإستقرار فى السودان, لم يشهد السودان بشقيه الشمالى والجنوبى بعد التوقيع عليها أى نوع من الإستقرار, ولم تسهم فى تخفيف حدة التوتر بين الشمال والجنوب, بل أججت الصراع بين الشمال والجنوب قبل وبعد إعلان إنفصال جنوب السودان عن دولته الأم جمهورية السودان, كما أنها من الواضح إستهدفت خلق شرخ عميق فى العلاقة بين أبناء الشمال والجنوب, وقد يسأل المتابعين للشأن السودانى, لماذا لم يتحقق السلام فى السودان بالرغم توقيع إتفاقية السلام الشامل, واين دور ضامنى عملية السلام السودانية, الولايات المتحدة الأمريكية وشركاء الإيقاد (إيطاليا, فرنسا, بريطانيا, السويد والنرويج), الذين تعهدوا بالعمل على دعم عملية الإستقرار والسلام فى السودان, من الصراعات التى تفجرت بين الطرفين قبل وبعد إنفصال جنوب السودان, أين الإيقاد, أين الجنرال سمبويا ذلك الإفريقى الذى صال وجال لتحقيق السلام, كلهم للأسف صمتوا بعد أن حققوا مبتقاهم الذى تمثل فى تمكين الحركة الشعبية من السيطرة على كامل الجنوب عبر خطة محكمة إسمها إتفاقية السلام الشامل, نتيجة لعدم تمكن الحركة الشعبية من السيطرة على الجنوب عبر وسيلة العنف المسلح الذى دعموه بكل قوة ولكنه لم ينجح فى فصل الجنوب, وإلا لماذ ا يشاكش الجنوب دولته الأم التى إحترمت حق تقرير مصيره ووافقت على إنفصاله بكل هدوء, لماذا لا يحترم جنوب السودان الآلية الأفريقية بقيادة الحكيم الأفريقى ثامبو مبيكى ويرفض إحترام قراراتها والتنكر لها بإستمرار, يبدو من قرائن الأحوال أن دولة الجنوب ترتكز بثقلها على الدعم الأمريكى (إسرائيل القوة) لها, الذى ساهم فى إنبثاقها ومن ثم دعمها سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً من أجل أن تلعب له أدواراً مفصلة لخدمة مصالحه فى المنطقة, وطاقية الكاو بوى التى أهديت لسلفاكير من قبل نائب الرئيس الأمريكى, والتى لم تفارق رأسه حتى الآن هى رسالة لكل من السودان ودول المنطقة مفادها أن جنوب السودان دولة فاصلة لمصالحنا وأنها تتحرك وفق أجنداتنا, وكما يقول المثل اللبيب بالإشارة يفهم, عليه من قرائن الأحوال نجد أن دولة جنوب السودان تكونت للعب أدواراًُ مفصلة لصالح الدولة القائدة للنظام العالمى الحالى (US), تتمثل فى حصار جمهورية السودان وإسقاط الحكومة القائمة فيه المناوئة للنظام العالمى, وتقويض الوحدة الأفريقية عبر عدم الإلتزام والمراوغة بما تصل إليه الآلية الأفريقية لفض النزاع بين الشمال والجنوب, وبالتالى الترويج لعدم ثقتهم فى الآلية الأفريقية مما يساهم فى إظهار صورة سالبة تكرس لضعف الإتحاد الأفريقى, وبالتالى تشكيل إتجاه يخدم هدم الشعور بالوحدة الأفريقية فى وسط جميع الأفارقة, وبالتالى التمكن من من السيطرة على مقدرات شعوب القارة الأفريقية ومواردها, ومن المعروف ان تشكل إتحاد أفريقى قوى يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من إظهارها لعكس ذلك, لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر القارة الأفريقية مخزون إستراتيجى للموارد الطبيعية والبشرية يسهم فى الإحتفاظ برفاهية شعبها, وعليه لم يكن السودان موفق فى التوقيع على إتفاقية السلام الشامل, حيث أن تكاليف الأرباح التى من المفترض أن تتحقق من هذه الإتفاقية كانت ضئيلة بالنسبة للخسائر المتوقعة من توقيع هذه الإتفاقية, والأحداث التى نشهدها الآن خير دليل على ذلك, فالحرب الإقتصادية والسياسية والعسكرية التى يشنها جنوب السودان على جمهورية السودان فى هذه الآونة بمساندة واضحة من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبعض دول الإقليم الأخرى, تؤكد أن ليس هنالك سلام أو إستقرار تحقق فى السودان بشطريه الشمالى والجنوبى, وإن إتفاقية نيفاشا أسست فقط لتمكين الدولة القائدة فى النظام العالمى الجديد لاتغيير الأوضاع الجيوساسية فى منطقة القرن الأفريقية وإقليم حوض نهر النيل لتحقيق مصالح الأمن القومى الأمريكى وتطويع الهويات الثقافية فيها الرافضة لعملية  العولمة فى المنطقة. 
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الأفريقية ومتخصص فى شؤون القرن الأفريقى
asimfathi@inbox.com

 

آراء