اتفاقية الامم المتحدة لمحاربة الفساد 2003 – ولجم فساد الإنقاذ، الامكانات والعقبات

 


 

 

hmohieldin@hotmail.com

لا يقل الفساد تدميرا و تخريبا للدولة التي تبتليّ بة من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية و مستوى رفاهية الشعوب عن الكواراث الطبيعية . الا أن الآخيرة من فعل الطبيعة التي لا مناص من تقبل حكمها القاسي , في حين أن الفساد فعل اجرامى يشكل مخالفة للقوانين الطبيعية و الوضعية positive laws و التى توفرت فية أركانة الاساسية كالاتيان بفعل الفسادAct us Reus و الشروع فية Inchoate و النية المبيّتة intention المصاحبة بالقصد العمد للاضرار بالمجتمع لاجل تحقيق مصلحة فردية أو جماعية . و تأثير الفساد لا يقتصر علي الدولة الفاسدة انما يمتد تأثيرة و تبعاتة لكل الاسرة الدولية , لذا تنبة المجتمع الدولي الي ضرورة محاربة الفساد و القضاء علية كمسئولية جماعية لكل أفراد الاسرة الدولية . لهذاء السبب تم التوقيع علي أتفاقية الامم المتحدة لمحاربة الفساد ، و قد سبقها في ذلك قانون الفساد الاجنبي بالولايات المتحدة لعام 1977 و أتفاقية محاربة الفساد من قبل المجموعة الاوربية ومنظمة الدول الامريكية, وبعد ذلك تبعتها بقية التجمعات الاقليمية مثال ذلك منظمة الآسيان و الوحدة الأفريقية. و لما كانت أفريقيا آخر القارات التي ألتفتت الي معضلة الفساد الممنهج من الدول الافريقية الاعضاءعبر الاتحاد الافريقي , فأن هناك شكوك كبيرة من المراقبين المهتمين بالشأن العام و فقهاء القانون الدولي بشأن تطبيق أتفاقية الاتحاد الافريقي لمنع و محاربة الفساد الموقعة في عام 2003 . و يرجع ذلك لطبيعة الانظمة التي علي السلطة و أنعدام الشفافية في أجهزة ادارة الدولة, و بالاضافة الي غياب جهاز قضائي و اداري فاعل و مستقل الاداء و الذى تنقصة اصلا منظومة من القوانين التجريمية و الرقابية الصارمة . هذاء الوضع الكالح لايفوتة سوء سوى الوضع الراهن في السودان , حسب منظمة الشفافية الدولية والتي تعتبر السودان من افسد خمسة دول في العالم , و هذا الي جانب ان الفساد أصبح مبررا دينيا و سياسيا , حيث تحرسة الدولة و الحزب و الآيديولجيا الامر الذى يجعل من الاصلاح أمرا في حكم المستحيل . أمام هذاء الوضع الكالح و تركز الثروة في أيدى حفنة من المستفيدين من السلطة و افقار معظم افراد الشعب السوداني و تضرر العلاقات الاقتصادية الدولية , أين تكمن الامكانيات القانونية و الفقهية للاتفاقيات الدولية و الاقليمية لمحاربة الفساد و ملاحقة عناصر النظام الفاسدة و استرداد الاموال المنهوبة في ظل غياب القضاء الوطني .
في السابق كان القضاء السوداني تتوفر فية كل الشروط الطبيعية المطلوبة سوا في السلطة القضائية او القاضى الفرد الذى يضرب بة المثل في الشجاعة و النزاهة و نظافة اليد و امتلاك ناصية الفقة القانوني ، الامر الذى اصبحت تفتقدة السلطة القضائية الأن تماما . حيث فقدت السلطة القضائية سلطانها منذ استيلاء جماعة الاسلام السياسي علي السلطة ، بسبب تطبيق ما يسمي بسياسة التمكين وهو المبرر الديني و الايديولوجي و الاقتصادي لتحطيم الدولة السودانية و بناء دولة المشروع الحضارى . كنتيجة لهذة السياسة تم استهداف السلطة القضائية بشكل مباشر حيث افرغت من دورها و استقلاليتها تماما - منذ اليوم الاول لاستيلاء الاسلام السياسي علي السلطة - و ذلك بأحالة الآلاف من خيرة القضاة من مختلف الدرجات الي الصالح العام ,و تعيين عناصر موالية للنظام و اخرى ضعيفة تنقصها الكفاءة و الخبرة و الشجاعة لتكون طيعة في يد السلطة . كذلك تعيين عناصر موغلة في الفساد أمثال جلال محمد عثمان للاجهاز علي استقلالية الجهاز القضائي و تنفيذ سياسة النظام في تقطيع أوصال السلطة القضائية لجعلها طيعة في يد السلطة التنفيذية و الولاة . و المقابل الوحيد لذلك في السوء هو سن القوانين السالبة لاستقلال القضاء و المكبلة لحريته . و لكل تلك الاسباب فأن السلطة القضائية أصبحت كسيحة للاسف و غير قادرة علي اداء دورها في تطبيق القانون و مراقبة أداء السلطة التشريعية و التنفيذية . و بالضرورة استحالة كبح جماح فساد الدولة بواسطة القضاء السوداني و النظم الرقابية الاخري حسب السلطات المخولة لها بموجب الدستور و القانون.
للاسباب المذكورة سابقا فأن امكانية محاربة الفساد في ظل هذا النظام بواسطة اجهزة الدولة الداخلية –في الوقت الحالي- تكاد أن تكون مستحيلة ، الامر الذى يتطلب النظر الي الامكانيات التى توفرها المنظومة الدولية لمحاربة مثل هذة الظواهر . لم تغب هذة الظاهرة عن ضمير المجتمع الدولي قد أولاها قدرا كبيرا من الاهمية عن طريق آلياتة الممثلة في المنظمات الدولية و الاتفاقيات الدولية . حيث خاطبت الاتفاقيات الدولية المعضلات القانونية والفقهية فيما يتعلق بالآثار الضارة لظاهرة للفساد ، و من أهم الاتفاقيات التي خاطبت هذة الظاهرة هي أتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 United Nations, Convention against Corruption والتي تعتبر من أميز الاتفاقيات التي انجزتها الامم المتحدة و حيث اشارت في مقدمتها بأنها ,اى الاتفاقية ,فاتحة لملاحق قادمة أو أتفاقيات أخرى أكثر تطورا و توسعا في دور المنظمة الدولية لمحاربة هذة الظاهرة . قبل الدخول في توضيح أمكانية هذة الاتفاقية في محاربة فساد السلطة و بشكل أكثر تحديدا الفساد القائم في السودان . في البدء فأنة لابد من ذكر ايجابيات هذة الاتفاقية , ذلك بأعتراف المجتمع الدولي بخطورة آثار الفساد فهذا يعد في حد زاتة تطورا كبيرا في فقة القانوني الدولي كأحد الآليات المطلوبة و الفعالة لمحاربة مثل هذا النشاط بواسطة الارادة الدولية . حيث يعد وضع تعريف محدد و شامل و مبسط في تحديد الفساد ، واكثر تحديدا فساد الدولة و اجهزتها و الافراد المنتمين لها ، والذى لا يتطلب العلاقة المباشرة بالوظيفة الحكومية كما أشارت المادة (2)(أ) من نصوص الاتفاقية الامر الذى سوف يغلق الباب امام الجدل في تحديد ماهية الفساد و علاقتة المباشرة و الغير مباشرة مع السلطة ، في حين تكتفي معظم القوانين الحالية بالعلاقة المباشرة بالسلطة او المنصب الوظيفي مثال لذلك فساد أخوان عمر البشير وعائلاتهم بالرغم من أن معظمهم لايتقلدون و ظائف في الدولة أو عرف عنهم استمرارهم في و ظائفهم القليلة العائد فأن التعريف الحالي يغطي مسئوليتهم الجنائية و المدنية . و من آيجابيات الاتفاقية التركيز علي دور المجتمع المدني و الافراد في محاربة الفساد و المسؤلية الجنائية و المدنية للشخصيات الاعتبارية. و كذلك من أهم الايجابيات ما نصت علية المادة (43)(1) الخاصة بمساعدة الدول في التحقيقات و الاجراءات الخاصة بالمسائل المدنية ، التجارية و الجنائية ، بالاضافة الي تسليم الجرمين extradition التي أشارت الية المادة (44)(1) من الاتفاقية. غير ان الايجابيات التى تعد فتحا مهما في هذة الاتفاقية هو التحفظ و استرداد الموجودات كما أشارت المادة (51) من نفس الاتفاقية الامر الذى سيمكن من استرداد أموال الشعوب المنهوبة assets recoveryبواسطة الحكام . حيث لا يخفي علي احد ان معظم اطراف النظام قد هربت اموالها الي الخارج لدى دول معروفة بقبولها هذا النوع من الاموال المنهوبة . حيث ان معظم هذة الاموال سوا كانت في هيئة اموال سائلة او استثمارات عقارية و غيرها يسهل تتبعها عن طريق نظام المقاصة الدولي لحركة الاموال و قوانين محاربة غسيل الاموال الفاسدة .
غير ان من سلبيات هذة الاتفاقية انها اتفاقية بين حكومات و من ثم يحكم هذة الاتفاقية مبداء عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول من أى دولة اخرى عضوة في الامم المتحدة . و في ذات الشأن تعتمد الاتفاقية كثيرا علي آليات الدولة من أجهزة و قوانين لتطبيق بنود الاتفاقية و ذلك حيث أشارت الاتفاقية بتفعيل محاربة الفساد و تكوين هيئات تتولي منع الفساد للنظام القانوني الداخلي . أيضا من سلبيات هذة الاتفاقية أن تركت تحديد التقادم المسقط statute of limitation لتقدير الدولة و نظامها القانوني, مما يشجع مثل هذة الدول الفاسدة علي التلاعب القانوني في مسائل العقاب و سياسة اسقاط العقاب . حيث يعد هذا الجانب في الاتفاقية اكثر الجوانب ضعفا في محاربة الفساد و تحديدا فساد السلطة ، الامر الذى سيصيب هذة الاتفاقية بالعجز في حالة كالسودان حيث الفساد لة تبريراتة الدينية و الايديولوجية التي تستند علي التمكين و ما أدراك ما التمكين . ما يمكن أن يقال عن هذة السلبيات، أن التطور و التجربة سوف يكشفان عجز تلك الآليات مما تأتي الحاجة للبحث عن آليات أكثر تقدما و اوسع اثرا ، كما حدث في انشاء الية المحكمة الجنائية الدولية ICC . بعد الاشارة الي ايجابيات و سلبيات هذة الاتفاقية و الاتفاقيات الاخرى ، يأتي التساؤل المهم هل لهذة الاتفاقية و الاتفاقيات الاقليمية دور في محاربة فساد السلطة القائمة في السودان بعد ان تم تدجين taming الاجهزة المنوط بها هذاء الدور؟ . في هذاء الجانب يجب التفرقة بين وضعين ، الاول هو في حالة زوال هذا النظام و الثاني هو حالة وجودة في السلطة كما الوضع الراهن . في الحالة الاولي فأن الهدف من الاتفاقية يمكن أن يتحقق في تفعيل المادة (43)(1) الخاصة بمساعدة الدول لبعضها البعض ، حيث تلزم الاتفاقية الدول الموقعة من تقديم جميع المساعدات القانونية كالمساعدة في التحقيق و التحفظ الجنائى علي الادلة و أصدار الاوامر القضائية . وكما يجدر الاشارة ايضا ان التوقيع اللاحق أو حتي عدم عدم التوقيع لاينتقص من حق الدولة الغير موقعة من طلب مساعدة الدول الموقعة علي الاتفاقية مثال ذلك الطلب المصرى بمساعدة بعض الدول علي التحفظ علي أموال الرئيس المصرى و أعوان نظامة بالرغم من عدم توقيع النظام المصرى السابق علي الاتفاقية. وايضا تخاطب الاتفاقية جزء مهم جدا بغيرة لا تكتمل الفائدة من الاتفاقية في محاربة هذة الظاهرة و هى ما تشير الية المادة (44)(1) والخاصة بتسليم المجرمين لينالوا جزائهم العادل ,حيث تعد هذة المادة من أهم مواد الاتفاقية علي الاطلاق و التي تغطي كثير من النظريات الفقهية القانونية في مسائل العدالة justice والردع العام و الخاص specific and general deterrence حيث توازن الاتفاقية بين النظريات الفقهية وخطورة الفعل المجرم و تداعياتة الوطنية المدمرة و اندياح أثار الضرر ليشمل عددا غير مقدرا من مواطني الدولة الفاسدة ، و هذا بالاضافة الي آثارة الدولية علي الاقتصاد العالمى . تعكس تلك المادة من الاتفاقية استشعار المجتمع الدولي بخطورة الفساد المسنود بالسلطة و استغلال النفوذ للولوغ في الفساد و الهروب من الجزاء العادل عن طريق تهريب الاموال المنهوبة او الهروب الي دولة اخرى طلبا للحماية . هذا و بالاضافة الي المادة (46)(1)و(2)و (3) الخاصة بتقديم المساعدة القانونية للدول الاطراف حيث لاتقل أهمية هذة المادة عن المواد السابقة ، و ذلك للفائدة التى سوف يجنيها النظام العدلي السوداني خاصة بعد التدمير الممنهج للسلطة القضائية و الاجهزة الاخرى من المساعدات الفنية والقانونية . و لايخفي علي احد ان مسائل التحقيق عن الفساد والبحث عن الادلة و الانتهاء بمحاكمات ناجحة تحتاج الي قدر عالي من التدريب الفنى و العلمي للتغلب علي كثير من العقبات و التعقيدات التى تواجها مثل هذا النوع من القضايا .
اما في حالة وجود النظام في السلطة فأن امكانية مطاردة عناصرة و استرداد الاموال المنهوبة تحيطة كثير من تعقيدات القانون الدولي و الاعراف الد بلماسية و مسائل السيادة . من اهم هذة التعقيدات ان اتفاقية الامم المتحدة لمحاربة الفساد اتفاقية بين حكومات ، حيث اولت الاتفاقية لاجهزة الدولة و قوانينها القيام بعبء محاربة هذة الظاهرة كمثال لذلك المادة (5)(1) من الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد من الاعتماد كليا علي المنظومة المحلية من القوانين و الاجراءات في محاربة الفساد. حيث لا حيث لا حاجة لتريديد الكلام عن تدجين تلك اجهزة الدولة من قبل جماعة الاسلام السياسي . اضافة الي ذلك نجد ان الاتفاقية تتناغم مع الاتفاقيات الدولية الاخرى المتعلقة بالسيادة ، كما اشارت بذلك المادة (4)(1)(2) من الاتفاقية بمراعاة مبادىء سيادة الدول و اقليمها او مباشرة اى عمل ينتهك السيادة . أمرا آخر لا يقل اهمية عن سابقة هو مسألة الحصانات التى تسبغها الاتفاقيات الدولية لشاغلي المناصب الحكومية ، و لا يخفي علي احد ان معظم العناصر الفاسدة و التى تضع اموالها في الخارج من الذين يتولون مناصب حكومية ، حيث تتمتع هذة المناصب بالحصانات المقررة حسب القوانين الدولية . و آخيرا كذلك عدم وجود آلية فعالة و موحدة للتقاضى الدولي من حيث النظام الاتهامي و القضائى الامر الذى يشكل عقبة لمحاربة فساد الدولة . و فوق كل ما ذكر ضعف الارادة الدولية –في الوقت الحالي علي الاقل- في اتخاذ نظام اتهامى موحد و متقدم جدا ضد فساد الدولة و الحكومات بسبب المصالح الدولية المتقاطعة بين الدول و الحماية التى تجدها الدول الفاسدة نتيجة استغلال هذا الوضع.
و في الختام نذكر بأن السلبيات السابقة لا تحد من اهمية هذة الاتفاقية في الفوائد العظيمة للقضاء و الشعب السوداني في ملاحقة فساد عناصر النظام و سد كل منافذ الهروب و محاصرة الاموال المنهوبة و تتبع طرق هروبها، الامر الذى سوف يردعهم من الهروب لمواجهة مصيرهم المظلم و تلقي الجزاء العادل لما حاقت ايديهم تجاة شعوبعم . و آخيرا فان ارادة المجتمع الدولي ديناميكية و متطورة حيث لا تتقيد بالنصوص الجامدة ،و ان وضع الاتفاقية في حد زاتة يكشف مدى التطور في هذا الجانب و جوانب القصور يمكن معالجتها اسوة بما حدث في التطور المجيد للاتفاقية الجنائية الدولية .

 

 

 

آراء