تأملات وعبر في مدرسة الحوار الأولى في الأسلام ( 4 - 1 ) عرض عام لأطار و فصول الأزمة لقد أضحت غياب لغة الحوار و منطق العقلانية في هذا الزمان و الأستعاضة عنهما بلغة العنف و سلوك الرفض وعدم الأعتراف بلأخرو منطق اللاعقلانية والهيمنة ، أضحت كل ذلك ثقافة شائعة و عقلية عامة مترسخة و سمة مميزة تزين جيد سياسات و رؤى كثير من الحكومات و الأحزاب و الجماعات السياسية و الآيدلوجية المنظمة تجاه المعارضين لها في الفكر أو العقيدة أو الرأي أو الثقافة من الجانب الآخر . فالغرب في خيلاء أفتتانه بحضارته العصرية يسعى للأستفادة من تفوقه المنظور اقتصاديا و علميا و عسكريا على بقية الأمم الأخرى في أن يؤسس لنظام هيمنة يفرض من خلاله على أرض المعمورة جمعاء أسلوبا معينا للحياة و الفكر وتصورا وحيدا للحقيقة يسود العالم ككل ، ويمحو معه كل مظاهر الوجود البشري من تعددية الفكر و الثقافات و العقائد والعادات و المبادئ الأخلاقية و السياسية ، وهذا ما أصطلح اليوم على تسميته بعصر العولمة ! ! ؟ . وأما الشرق الذي أحسب أنه أقتدى بالأية الكريمة لقوله تعالى في سورة الفرقان ( وهو الذي جعل لكم الليل لباسا و النهار سباتا وجعل النهار نشورا ) فجعل من ظلمة لياليه الحالكة لباسا يستر به عورة تخلفه و تأخره الفكري و السياسي والعلمي و الأقتصادي العصري مقارنة بنظيره الغرب ! ! ؟ . فهو مازال حتى يومنا هذا يغص ليلا و نهارا في سباته العميق يترنح تارة أما تحت وطأة قهر أنظمة سلطوية شمولية أو تارة أخرى في غيابت جب الحروب الأهلية و النزاعات العرقية و القبلية ! ! ؟ ففي المحنة الآولى لأهل الشرق نجد أن النظام السلطوي الذي يحكم البلاد يحكمها بقوة و سند ( البندقية و الزناد ) لا بسند التأييد و القبول الشعبي لنظامه ، والحياة العامة لديه كلها مسخرة لتركيز سلطانه بأعلامها الرنان و مؤسساتها الرسمية و المدنية المتهالكة بفعل الفساد العام المالي و الأداري . والبلاد تدور في فلك واحد هو مدار الحزب الحاكم معطية لبقية فئات و فعاليات المجتمع الآخرى البراح الواسع للعب دور الكومبارس أو ( فضل تمومة الجرتق بالقول الشعبي ) . وأما الشعب ففي مثل هذه الحالات نجده على الدوام مقسم الى نحو ثلاث فئات رئيسية :- الفئة الأولي وهي فئة حاشية السلطان أو( المبخراتية ) أو المنعم و المغدق عليهم برياح السلطة الباردة ، هؤلاء نجد أن خطابهم السياسي العام نحو الشعب ينساق وراء أدب الشعارات و التطبيل الزائف للحاكم مضفين على صوتهم و خطابهم في بعض الأحايين شمار الأدلجة المقبولة شعبيا لأهل البلاد ( العروبة عند أنظمة البعث العربي الأشتراكي أو الأسلام و تطبيق شرع الله عندنا هنا في السودان ) وذلك لأكساب هذا الخطاب السياسي المتلون المصداقية أمام الجميع من جانب و الشرعية الثورية لنظامهم الحاكم من جانب آخر !!؟ . أما الفئة الثانية وهي التي تعارض النظام الحاكم وتطالب بأستعادة الحقوق المهضومة ورفع المظالم وكشف فساد الحكام و الحاشية المحيطة به ، يقال لهم حسب المصطلح السياسي المتداول في أروقة الكتاب و المفكرين بالمناضلين . هؤلاء غالبا ما نجدهم مكتوون بتعذيب ومطاردة السلطات الرسمية لهم وكثير ما يوصمون من قبل أعلام النظام بالخيانة أو بالتعبير الأسلامي الجميل ( المرجفون بالمدينة – الذين في قلوبهم مرض ) أشارة لصفة النفاق المستتر الذي يعتري خطابهم السياسي ، أو بالتبعية و الأرتهان بالعمالة لجهات خارجية مغرضة تخطط لضرب أوصال الوطن ! ! ؟ . ثم تأتي الفئة الثالة و الأخيرة التي تمثل السواد الأعظم من المجتمع الشرقي المتأخر وهي فئة عامة الشعب ، والذين تجدهم هائمين هوام الأنعام على ظهر هذه الحياة الدنيا ، غير مبالين بأي حدث أو أي أمر قد يطرأ جديدا على مجتمعهم ، وذلك ليقينهم التام بأن التغيير الشامل نحو الأفضل هو في عداد المستحيلات و الخيال تحت الظروف السياسية و الأقتصادية التي يعايشونها في بلادهم ! ! ؟ تجدهم يسخرون جل وقتهم للسعي وراء كسب الرزق و العيش لمقابلة ضرورات الحياة القاسية التي يعانونها بفعل الفقر المدقع الذي يسود المجتمع والتوزيع غير العادل للثروة بين مختلف فئاته و أفراده ، ضاربين بعرض الحائط أمر الأشتغال بأي هرطقات لأعلام الفئة الأولى ( أهل السلطة ) أو بصياحات و نبيح الفئة الثانية في المنتديات أوالطرقات ( المناضلون ) ! ! ؟ . أما أذا تناولنا و جنحنا بالحديث نحو الترنح الآخر الذي نجده في كثير من مجتمعات الشرق ونقصد به في ذلك الجنوح نحو الحلول العسكرية ، فنجد أن أمر أستشراء الحروب الأهلية أو الوقوف على شفا حفرة منها أضحى من المسلمات التي يلجأ أليها أنسان أو صانع القرار في الشرق أو في العالم الثالث عموما ! ! ؟ هذه البؤر الملتهبة للنزاعات و الحروب الأهلية تجدها في معظمها تدور حول حلقة واحدة و مفرغة من المنطلقات و الدعاوى السياسية المتكررة ، و هي بالكاد تنحصر في دعاوى الهيمنة و التهميش و السيطرة و الألغاء التي يقوم على فعلها الطرف القابض على السلطة . هذا الطرف هو بالكالد عبارة عن فئة (سياسية – عرقية – أجتماعية – ثقافية ) محدودة أو معزولة عن عامة الشعب ، ترعى و تدافع عن سلطان مصالحها الخاصة التي تتعارض قطعا في كثير من الأحيان مع المصلحة العليا للوطن أو تتعارض مع فكرة الوصول لحلول المنطقة الوسطى التي تجرد في الغالب الأعم الكثير من عضوية حاشيتها من الأمتيازات السلطوية التي نالوها بشرف الأنتماء للنظام الحاكم ! ! ؟ وما بين الشرق و الغرب وأنعدام براحات لغة الحوار و منطق العقل على المستوى الحضاري أو على مستوى فئات المجتمع الواحد ، يتبادر للذهن التساؤل المشروع عن وجود من عدم وجود مدرسة للحوار في عصور الأسلام الأولى ترعى مبادئ و أسس لهذه العملية السياسية و الأدبية و الفكرية المعقدة ! ! ؟ وهل وضع الأسلام عبر أنبيائه و رسله منهجا و خطوات محددة و معروفة للحوار مابين الأطراف المتصارعة التي تشترك أو تختلف في العقيدة و الدين ، أو التي تشترك أو تختلف في المجتمع أو في المستوى الحضاري ! ! ؟ وهل لنا أن نعيد قراءة بعض فصول التاريخ الأسلامي ، والتوقف بالتأمل و بالتفكر في بعض النماذج والأمثلة الحية التي حفل بها الكتاب و السنة النبوية و سيرة الخلفاء الراشدين لنبحث عن مساحات الحوار و منطق العقلانية و الأعتراف بلأخر في هذا الدين ، فنخلص لحقيقة مسألة وجود من عدم وجود هذه المدرسة الفكرية و الأدبية و السياسية ! ! ؟ وكيف لنا أن ندفع عن الأسلام دعاوى و تهم رعايته لثقافة التطرف و الأرهاب و العنف و الأعتداد بالرأي و رفض الآخر ! ! ؟ كما أنه كيف لنا أن نجرد الحملات المعادية للأسلام و التي تتصدر بعض الوسائط الأعلامية و الدوائر الفكرية و الثقافية الغربية المموله من قبل اللوبيات اليهودية التي تعمل كجهات ضغط على الحكومات ، أو تلك التي ترسيها و ترسخها في الفكر و النظرة الغربية تجاه الأسلام و الشرق عموما كتابات بعض المستشرقين الضحلة و السطحية و التي ماأنفكت تصور و تضع الشخصية المسلمة و الشرقية عموما في قالب نمطي معين و محدود بأطر الفقر و التخلف و الجهل ! ! ؟ وهل فطن الأسلام لكل الذي يحدث حاليا في العالم من فوضى و خراب و حروب عالمية وأهلية بسبب ضيق الأخ بأخيه الآخر ، و أزمة غياب لغة الحوار ومنطق العقلانية في ذهنية صانع القرار سواء في الشرق أو الغرب ، فأرسى هذا الدين الكامل في موروثه منهجا و أسلوبا للحوار بين مختلف التعدديات الفكرية و السياسية و الثقافية في قضايا الحكم و حوار الحضارات و البعد الأنساني لمسألة التعايش السلمي بين الشعوب ! ! ؟ هذه هي ثنايا مقدمات عرض المشكل التي بات من الأمور المتكررة التي ظل و مازال يعايشها المراقبون السياسيون للأحداث و الصراعات التي تدور حول العالم في العقود الأخيرة . ولكن وجب علينا وقبل أن نتحول الى مسألة الأحتكام للتاريخ الفكري و السياسي و الأنساني للأسلام من أمر هذا الموضوع ، حق علينا في البدء أن نعيد صياغة المحددات و المنطلقات التي يقوم على أساسها هذا المشكل المعني لتكون صورة المقاربة بين الأمس و الحاضر متوازنة و يكون جهد التصحيح تأصيلا يسير على نسق صحيح ! ! ؟ فلو تأملنا العقد الأخير من القرن العشرين سوف نجده أنه كان واحدا من أكثر العقود صخبا و عنفا و حراكا و تقلبا في تاريخ الأنسانية جمعاء . بدأ الأمر في بداياته بأنهيار مفاجئ للعالم ثنائي الأقطاب الذي عرفناه منذ الحرب العالمية الثانية و تخلصت البشرية معه من سيف الحرب الباردة الذي كان مصلتا على رقبتها . أنهار هذا العالم و أنهارت معه تحالفاته السياسية المعروفة آنذاك والتي قسمت العالم معها الي معسكرين شرقي مساند للسوفييت و غربي مساند للولايات المتحدة ثم فيما بعد فئة ضالة أخرى أسمت نفسها دول عدم الأنحياز ! ! ؟ بعدها جئنا لحقبة مابعد أنهيار الشيوعية وسقوط حائط برلين وظهور النظام العالمي الجديد وحيد القطب الذي ظن فيه الكثيرون الخلاص للبشرية من أزماتها السالفة وأنها بدأت للتو تقف على أعتاب حقبة تاريخية جديدة و مميزة يحل فيها منطق العقل و الحوار محل أو مكان القوة و الرفض ولفظ الآخر ! ! ؟ . لكن ومع نهايات القرن العشرين وبدايات ما بعده بدأت تظهر لشعوب المعمورة جليا أن نوايا و سياسات الولايات المتحدة ( القطب الأقوي والوريث الأوحد للنظام العالمي الجديد ) تجاه الآخرين لا ترمي ألا لتوسيع دائرة القهر و الرفض لكل من يعارض سياساتها ويقف حائلا أمام مخططاتها الرامية في الأخير الى السيطرة على العالم والأستئساد على كل الحقوق والمصالح المشروعة و غير المشروعة لها ، وذلك لتسيير الجميع كالقطيع وفق منهجها السياسي و الفكري و الأقتصادي أستنادا على حقيقة و واقع تفوقها التقني و العلمي على كافة دول العالم وقوة مركزها المالي و العسكري بينهم ! ! ؟ وحيث أن أثبات نظرية تخلي الولايات المتحدة عن منطق العقل و الحوار وأستبدال ذلك بمنطق اللاعقل و رفض الآخر و الكيل بمكيالين في سياساتها الخارجية تجاه العالم ليس بمحل جدل بين أي أثنين وأنه لا يحتاج منا لكثير معاناة في الأستذكار و ضرب الأمثلة ، ألا أننا نجد أنفسنا مرغمين على السير و لو سريعا في ذلك بحكم أولا أننا سوف نتخذها كمثال لحالة الغرب من ثقافة الحوار وعدم الأعتراف بلأخر ، ثم ثانيا أنها الجهة السياسية الأشهر في الغرب تحديدا و العالم عموما التي تتدعي ليلا و نهارا حمايتها لمنطق السلم و الحوار والعقل وصيانتها لحقوق الأفراد و الجماعات والأقليات داخل أراضيها وفي دهاليز صانعي القرار السياسي في أداراتها المتعاقبة و المنتخبة ! ! ؟ مثلا يجد المراقب العام للسياسة الأمريكية الخارجية أن نقطة أرتكاز الولايات المتحدة في علاقاتها السياسية الدولية مع الآخرين تتمحور حول قاعدة بسيطة هي ( من يخدم و يحمي المصالح الأمريكية ومن لا يخدمها ) ، وبالتالي وعلى هذا الأساس تقوم أداراتها السياسية الحاكمة والمتعاقبة و تحت هذه المظلة بتقسيم أنظمة و حكومات العالم الأخرى أما الى أنظمة صديقة تحتمي بهذا الطوق الأمريكي تسميهم حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة أو أخرى رافضة له تسميهم أما أنظمة مارقة أو راعية للأرهاب او محاور الشر ! ! ؟ أن أرادت الولايات المتحدة على سبيل المثال الملاينة و الظهور بمظهر المعتدل و الطرف الحريص على تنفيذ القوانين و المعاهدات الدولية أتبعت سياسة العصا و الجزرة مع الطرف الآخر أو الند ! ! ؟ الجزرة تكون هنا هي حزمة الحوافز الشكلية التي تعرضها للنظام المارق تحفيزا له للدخول في الطوق الأمريكي الآخاذ ( طوق التبعية و الهيمنة ) كدعاوى أنهاء العزلة المضروب عليه و الأندماج مجددا في المجتمع الدولي ثم الوعود برفع الحصار الأقتصادي عن كاهله وأسمه من قائمة الدول الراعية للأرهاب التي تعدها سنويا وزارة الخارجية الأمريكية ! ! ؟ ثم تكون بعد ذلك ( العصا ) أن عصى المجنى عليه شروط الجاني (شرطي العالم) ويكون ذلك ممثلا في التهديد بالتدخل العسكري (و الذي جرت العادة أن يسمى حاليا في الأعلام الغربي بالحرب على الأرهاب ) المقنن دوما برضاء مجلس الأمن الدولي الذي تسيطر عليه وعلى كل دوائر القرار السياسي الولايات المتحدة و القوى العظمى المساندة لها ! ! ؟ ودوننا في ذلك ضرب المثال بأسلوب الولايات المتحدة في معالجة الحالة الأيرانية أو السورية أو الكورية الشمالية ! ! ؟ هنا يمكننا بعد ذلك أن نتأمل النتيجة المتحصلة من هذا الفكر الشاذ وذلك المنطلق الأخرق لتلك السياسات الهوجاء ! ! ؟ وجدنا أن الحروب و النزاعات المسلحة قد أشتعلت في البقاع شرقا و غربا وأنتهكت معها سيادة العديد من الدول و أستبيحت أعراض شعوبها وتعددت بؤر التوتر و الفوضى و الخراب ( كالذي يجري حاليا بالعراق و أفغانستان و الصومال) ، وكل ذلك يجري و يندرج عندها تحت دعاوى و أوهام و شعارات نشر الديمقراطية و ثقافة الحريات وحقوق الأنسان التي ينعم بها المواطن في الولايات المتحدة و الغرب عموما ، وأن تصدير هذا الأمر لبقية شعوب الأرض واجب وطني و مسؤولية أخلاقية يجب أن تضطلع بها لينعم الجميع بتلك الحقوق التي ينعم بها المواطن الأمريكي ! ! ؟ فكريا وبعد أنهيار الأتحاد السوفيتي وأفول نجم الشيوعية ، بدأ مثقفي و مفكري الولايات المتحدة و الغرب عموما يبحثون عن سيناريو الصراع الجديد و العدو الآخر المحتمل الذي يمكن له أن يهدد مسألة دوام سيطرة الغرب على العالم و يخل بميزان تفوقهم المنظور على الآخرين بدلا من محاولة و السعي وراء نشر ثقافة السلام و روح المحبة بين الشعوب وأعلاء لغة الحوار و راية التسامح بين مختلف الحضارات التي تشكل حاليا الحاضر الأنساني للبشرية ! ! ؟ وهنا تحديدا لا أجد أبلغ من دليل أو أدق من مثال أكثر من ذكر الكتاب الصدمة للكاتب و المنظر الأمريكي صمويل هنتنجتون ( صدام الحضارات وأعادة بناء النظام العالمي ) الصادر في العام 1996م تطويرا لمقالة نشرها المؤلف نفسه في العام 1993م ! ! ؟ ففيه يقول المؤلف ( الحضارات هي القبائل الأنسانية وصراع الحضارات هو صراع قبلي على المستوى العالمي . وفي هذا العالم المنبثق دولا و جماعات من حضاراتين مختلفتين ربما تتشكل أرتباطات و تحالفات تكتيكية بينهما لخدمة مصالحها ضد كيانات من حضارات ثالثة أو لأغراض مشتركة أخرى ، ولكن العلاقات التي بين الجماعات من حضارات مختلفة لن تكون حميمة ، فهي باردة وغالبا عدائية ! ! ؟ ويفترض المؤلف من روح خطاب صدام الحضارات الذي عبر عنه في كتابه هذا مقولة أن ( أن الديانات هي المعيار الأول لرسم الفوارق بين الحضارات ) ومن ثم يكون الصدام الديني حتميا بين الحضارات ويتجلى في أقسى حالاته على جانبي ما أسماه ( خطوط الصدع ) أي الخطوط الفاصلة بين الحضارات الدينية المتجاورة و المتباينة ! ! ؟ وعلى الرغم من أن المؤلف أشار في الكتاب للحضارة الكونفوشيوسية التي تمثلها الصين ( كخصم مستقبلي للحضارة الغربية ) وكذلك حضارة أمريكا اللاتينية و البوذية و الهندوسية و الأفريقية ، ألا أنه أختص الحضارة الأسلامية بوصف العدو الأول ضمن ما أسماه بالحضارات المتحدية ! ! ؟ وهذا لعمري لمثال ناصع في بيانه ليمثل لنا جزئا ليس باليسير لفكر الغرب ورؤيته للآخروهو الذي يدعي في نفس الوقت أنه حامي حمى ثقافة الحوار و السلم والرأي و الرأي الآخر ! ! ؟ وأما ثقافيا فقد ذهبت الولايات المتحدة و الغرب من خلفها بعيدا في مسألة التغييب الحضاري ولغة الرفض و عدم الأعتراف بلآخر عبر سياسات العولمة التي تنتهجها ( في جانبها الثقافي ) ، والتي تهدف في الأول و الأخير لوضع شعوب العالم بأسره في وعاء و قالب فكري و ثقافي واحد ، متجاوزين في ذلك حقيقة التعدد العرقي و الحضاري و الثقافي الذي يزخر به التاريخ الأنساني للبشرية وضاربين بعرض الحائط أمر خصوصية هذه العرقيات و حقها الأنساني البسيط و المشروع في العيش داخل كنف ثقافاتها المحلية التي تعرفها وتفاخر الآخرين بها ! ! ؟ وبنفس سياسات العولمة ( في جانبها الأقتصادي ) هيمنت الولايات المتحدة و الغرب عموما على أقتصادات السوق العالمية وكرست سيطرتها عليه بشكل محكم عبر منظماتها الدولية التي تديرها و تخطط سياساتها الأستعمارية المستحدثة من خلالها ، كالبنك الدولي و صندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية وغيرها من جهات التمويل الخارجي الدولية ! ! ؟ أحكمت قبضتها عليها جيدا فأضحت الدول النامية و دول مايعرف بالعالم الثالث في عبودية و تبعية مالية و سياسية لها ، غير قادرة على الأنعتاق و التحرر والأنطلاق بأقتصاداتها المحلية نحو النماء والأذدهار و على الدوام تعيش سجينة في فلك الديون المالية المتراكمة عليها بفعل الفوائد التي تتجاوز مع مرور السنين في معظم الحالات قيمة أصل الدين الأول أو الأصلي ! ! ؟ هذا هو الحال وهذه هي الصورة عند الولايات المتحدة كمثال غربي من مسألة ثقافة الحوار والأعتراف بلأخر وحقوقه الطبيعية المشروعة في أن يعيش في عزة و كرامة حاله في ذلك كحال المواطن في الغرب ، رغم علمناو قناعتنا بأن الغرب نفسه يحفل و يعج بدوائر و مفكرين يعارضون هذا المنهج ويطالبون بضرورة أحترام ثقافات و خصوصيات الشعوب الآخرى ( دوننا في ذلك الجموع التي خرجت في أمريكا و بريطانيا لمعارضة الحرب على العراق ) ، ولكن يبقى هؤلاء وعلى رجاحة افكارهم ومواقفهم و رؤاهم السياسية و الفكرية المعتدلة ، يبقى هؤلاء محصوري التأثير و بعيدين كل البعد من مسألة توصيل هذه الأفكار و المواقف الجيدة لصانع القرار السياسي ! ! ؟ أما أن تطرقنا لمشكل غياب منهج الحوار و منطق العقلانية لدى الشرق سواءا كان هذا الشرق شرقا أوسطيا أو شرقا أدنى فسنجد أن الأمر في أبعاده العامة يختلف كثيرا عن ذلك الذي تحدثنا عنه سابقا في الغرب ! ! ؟ فالغرب تلخيصا لما سبق نجد أن أزمة غياب لغة الحوار ومنطق العقلانية عند صانع القرار السياسي لديه تأخذ أبعادا خارجية تتصل بقضايا العولمة و صراع الحضارات فقط ، ولا توجد لديه أي أزمة حوار بين فئات و مكونات مجتمعه الداخلي ، فالكل عندهم سواسية كأسنان المشط من وزيرهم حتى غفيرهم في الحقوق و الواجبات وأمام القانون ! ! ؟ فالضعيف عندهم مثلا قوي حتي يسترد عافيته وليس حقه العام أو الخاص ، لأنهم ببساطة ليست لديهم في أعرافهم حقوق مهضومة أو مسلوبة سياسية كانت أو أنسانية ، وأنما حقوق مكفولة عبر الدستور أو القانون أو أخرى مرتجعة عبر المظاهرات السلمية و الأضرابات المهنية ! ! ؟ . أما الضعيف في المجتمع الغربي فهو أما ذلك العاطل عن العمل أو المريض بداء عضال عاجز عن خدمة نفسه ، ومثل هؤلاء نجد أن الجميع من حكومات و مؤسسات رسمية و شعبية تعمل جميعها في تناسق و ترتيب لكي يسترد عافيته و وضعه الطبيعي في المجتمع ، وكل ذلك يتم في صورة مقننة وفقا للحقوق و الأمتيازات العديدة التي كفلها له القانون أو الدستور الأوربي أو الأمريكي لمراعاة مقتضيات أزمته و حالته الخاصة ! ! ؟ أما الشرق و عودة أليه مرة أخرى وكما ذكرنا أعلاه في مقدمة هذا المقال فنجد أن أزمته من غياب ثقافة لغة الحوار و منطق العقلانية في مجتمعاته تصطبغ بأبعاد داخلية بين مختلف الفئات السياسية و الفكرية و الثقافية و الأجتماعية من مفردات الوطن الواحد ، مترنحة تارة بين الأنظمة العسكرية أو الشمولية في ظل السلام ، أو مترنحة تارة أخرى في ظل حروب أهلية و صراعات قبلية تأخذ في كثير من الحالات طابعا اثنيا أو عرقيا ! ! ؟ هذه الصراعات المريرة و الجدالات السياسية و الفكرية العقيمة ذات الطابع البيزنطي والتي يدور في فلكها مفكري و صانعي القرار السياسي في الشرق ، نجد أنها أقعدت هذه الجهة من الأرض وسجنتها خلف أسوار التخلف و التأخر التنموي و الأقتصادي و السياسي ، فأضحى أهلها في غمرتهم يعمهون و يدورون حول دائرة خبيثة واحدة تبدأ من حيث أنتهى الجميع ثم تعاود من جديد لتبدأ من حيث أنتهى الجميع ( جدلية أيهما جاء أولا البيضة أم الدجاجة ) ! ! ؟ في العراق على سبيل المثال المشهد السياسي يغمره التدخل الدولي في أدق شؤونه الداخلية مغذيا الفوارق الطائفية بين كتله و أحزابه السياسية ، فأصبحت دواعي و أسباب قيام حرب طائفية بين الشيعة و السنة من طرف ثم الأكراد من طرف آخر ثالث تنتظر فقط شرارة الأشتعال الأولى للفتنة ! ! ؟ في لبنان المشهد السياسي نفسه ذلك في العراق ، البلاد على شفا حفرة من نار الحرب الأهلية و التدخل الدولي السافر يقسم قادة أهل هذا البلد ألى حلفين أو محورين . . . محور( دمشق – طهران ) الذي يمثله حزب الله وحركة امل وحلفائهما من بقية الأحزاب السياسية الصغيرة الأخرى ، ومحور الغرب ( باريس – واشنطن ) الذي تمثله قوى الرابع عشر من آذار كتيار المستقبل الذي يضم سعد الحريري كممثل للسنة و وليد جنبلاط كممثل لطائفة الدروز و المسيحين المطارانة بقيادتهم الروحية للمطران نصرالله صفير ! ! ؟ في مصر مازالت أدخنة الفتنة في قضية المسلمين و الأقباط تعاود التصاعد بين الفينة و الأخرى مابين العواصف تارة و الهدوء الكامن التي يسبقها تارة أخرى . القضية تفتعل في غياب حوار حقيقي ومباشر بين الطرفين يجمعهما ( شد) ذو جهد محلي يحاول بأستمرار أزالة حواجز الأنفصال بين الطرفين ومعالجة جذور الفتنة لأستئصالها بصور خاطئة و شكلية ، و( جذب) يحمل طابع التدخل الدولي يستخدم القضية كورقة ضغط على النظام الحاكم كلما لزم الأمر بذلك ! ! ؟ في الشرق الأدنى يمكن لنا ان نكتفي بالمثال الصيني في قضية أقليم التبت و المثال السيرالانكي في قضية الأقلية التاميلية والمثال الكوري الشمالي كمثال للأنظمة الشمولية العسكرية طويلة الأمد ! ! ؟ ونختم الحديث بالمثال السوداني المحلي وأنعكاس هذه الأزمة على مجمل القضايا السياسية في البلاد ، حيث كيف نجد أن الصراع حول السلطة يراوح مكانه منذ أنقلاب الأنقاذ و أزمة الثقة بين الحكومة و شركائها الحقيقيين من جانب والمعارضة من جانب آخر تتجدد فصولها و تتبدل أشكالها ولافتاتها آخذة طابعا سياسيا و فكريا تارة وطابعا دينيا أو تنمويا تارة أخرى والمحصلة في الأخير أن حوار الطرشان مازال قائما بين الطرفين ! ! ؟ أما داخل الأحزاب السياسية نفسها فلأزمة تنجلى في صورة واضحة من خلال الأنقسامات و الأنشقاقات العديدة التي طالت عضويتها ، فباتت هذه الأحزاب بفعل غياب الحوار البناء الداخلي بين القيادة و قيادات ما يعرف بالصف الثاني و القاعدة تنشطر مثنى وثلاث ورباع و دوننا في ذلك مثالا ما جرى للحركة الأسلامية و الحركة الأتحادية وحزب الأمة و جماعة أنصار السنة المحمدية و الحزب الشيوعي ! ! ؟ وهنا نعود مرة ثانية لنسأل نفسنا عن دور الأسلام المفروض من قضايا الحوار بين التعدديات العقائدية المختلفة أو داخل تيارات و فئات المجتمع الأسلامي الواحد ! ! ؟ وهل أوجد الأسلام نظريات فعلية يمكن أن تطبق في الزمن المعاصر للتعايش السلمي بين الدول و لحوار الشعوب مع بعضها البعض على المستوى الحضاري ! ! ؟ هل يمكن لنا أن نسقط بالتجريب منهج الأسلام وتجاربه و طرقه وأساليبه في الحوار مع المشركين في حوار الحضارات أو حوار الشرق المسلم مع الغرب المسيحي! ! ؟ أوأسقاط تجربة تجربة الحوار الأسلامي – الأسلامي التي كانت في منظومة دولة المدينة في نظرية الحوار داخل المجتمعات المسلمة ، أم أنه ترك كل هذه الأمور للأجتهاد وتجريب الفكر البشري ! ! ؟ ولماذا تتم دائما محاكمة الأسلام من خلال تجربة الجماعات و الأحزاب الأسلامية كتجارب عملية من واقع اليوم حول رؤى و وجهة نظر الأسلام في مثل هذه القضايا ، ويتم بالمقابل قبر التجارب المشرقة في تلك الأمور التي جسدها بنجاح انبياء و رسل الله عليهم أفضل الصلاة و السلام وأتباعهم بتوفيق من المولى عز وجل ! ! ؟ هذه الأسئلة وغيرها هي بالكاد ما سوف نحاول ان نبحث عن اجابات لها ثم نحدث المقاربة و التمثيل المقارن في الجزء الثاني من هذا المقال، علنا ننجح في ذلك المسعى أو نفسح المجال و الطريق لغيرنا للبحث و الدلو في هذه القضية المهمة ونكون بذلك قد أخذنا أجر المناولة .