الأبعاد والمصالح الإقليمية والدولية فى إقليم حوض نهر النيل

 


 

 



أوضاع أزمة تقاسم حصص مياه حوض نهر النيل
الأبعاد والمصالح الإقليمية والدولية فى إقليم حوض نهر النيل
يواجه إقليم حوض نهر النيل العديد من الإشكاليات حول كيفية تقاسم حصص المياه بين الدول المتشاطئة على حوضه,وكيفية الوصول إلى إطار قانونى ينظم الإستخدام المشترك لمياه حوض نهر النيل بين دوله العشرة والتى هى على التوالى مصر والسودان وأثيوبيا وكينيا وتنزانيا ويوغندا والكنغو الديمقراطية وبورندى ورواندا وأرتريا التى تعتبر عضو مراقب فى مبادرة حوض نهر النيل (NBI)التى تم التوقيع عليها فى فبراير من العام 1999 م فى العاصمة التنزانية دار السلام والتى تم دعمها من قبل العديد من الفاعلين الدوليين والبنك الدولى,ولكن بالرغم من الجهود التعاونية التى بذلت من خلال مبادرة حوض نهر النيل إلا أنه برز خلاف بين دول المحابس العليا ودولتى المجرى والمصب لحوض نهر النيل أدى إلى تكتل دول المنبع وإعلانها عدم قبولها ورفضها للإتفاقيات التى تم توقيعها فى العهد الإستعمارى (مبدأ نايريرى) وبالتالى قامت بالتوقيع على إتفاقية إطارية فى الرابع عشر من مايو 2010 م دون مصر والسودان مما يدلل على أن هنالك بالفعل صراع قد بدأ بين دول المنبع والمجرى والمصب حول المياه ربما يصبح صراعاً حتمياً فى إقليم حوض نهر النيل إذا لم يتم التوصل إلى إطار قانونى تتوفر فيه عناصر تلبى طموحات كل دول حوض نهر النيل من حيث إستخدام المياه دون أن يتضرر الآخرون أى ان يكون حوض نهر النيل أماً مرضعاً لكل الدول المتشاطئة عليه.
إن إتفاقيات مياه النيل الموقعة تعتبر إتفاقيات سارية المفعول من وجهة نظر القانون الدولى حيث تؤكد إتفاقية فينا1978 لقانون المعاهدات  المبرمة بشأن التوارث الدولى للمعهادات فى المادة (11) و المادة (12) على أن الإتفاقيات الخاصة بترسيم وتحديد الحدود الدولية أو الخاصة بالوضع الجغرافى الإقليمى تظل سارية المفعول بموجب قاعدة الوراثة ولا يمكن تعديلها أو إلغائها إلا بالإتفاق بين الدول الموقعة عليها وهو نفس ما أكد عليه ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية (الإتحاد الإفريقى حاليا) الموقع فى أديس أبابا فى مايو من عام 1963 بأن لا يفتح الباب أمام تعديل الحدود والحقوق المكتسبة فى الأنهار والإبقاء على الإتفاقيات القائمة منعا لفتح باب المنازاعات التى لا تنتهى حول الحدود والأنهار فى القارة الإفريقية, كما أجمع رجال القانون الدوليون وأحكام المحاكم الدولية على أنه لا يحق لدولة أن تقوم بتحويل مجرى نهر أو تنشىء خزانات أوسدود عليه الشىء الذى من شأنه أن يخفض حصة دولة أو دول أخرى منتفعة من هذا المجرى إلا بالتشاور والإتفاقات المسبقة مع هذه الدولة أو الدول.
لقد تصاعد الخلاف بين دول المنبع ودولتى المجرى والمصب فى إجتماع وزراء الموارد المائية لدول حوض نهر النيل المنعقد فى الإسكندرية فى يوليو 2009 حيث تركز الخلاف بين دول المنبع الرافضة للإتفاقيات السابقة(اثيوبيا ويوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبورندى) ودولتى المجرى والمصب (مصر والسودان) حول الأتى:
1.تطالب دول المنبع الرافضة للإتفاقات السابقة (أثيوبيا ويوغندا وكينيا وتنزانيا  ورواندا وبورندى) بفرض إتفاقية إطارية جديدة على مصر والسودان بحجة أن هذه الإتفاقيات القديمة عقدت فى فترة الإستعمار وأنها فى الوقت الراهن تحتاج الى إقامة مشاريع تنموية على نهر النيل.
2.تطالب مصر والسودان على أن يبقى الوضع على ما هو عليه فيما يخص الحصص المائية وتريتبات الوضع الحالى بين دول المنبع والمصب وتتمسكان بالآتى:
أ. الموافقة المسبقة على قيام أى مشروعات على حوض النيل.
ب.الحقوق التاريخية لدول المجرى والمصب فى مياه نهر النيل.
ج.الإجماع على القرارات المتخذة حول مياه نهر النيل.
نتيجة للإختلاف فى وجهات النظر نشبت أزمة بين دول المنبع ودولتى المجرى والمصب حول النقاط الخلافية المذكورة أعلاه,ولقد فشلت عدة لقاءات بين دول حوض نهر النيل في التوصل إلى اتفاق منذ اجتماع كينشاسا المنعقد يوم 22 مايو 2009 الذى اعترضت مصر فيه على نقاط تراها جوهرية وتمس بحقوقها المائية،وهى نفس النقاط التي اعترضت عليها في اجتماع الإسكندرية الذى إنعقد فى الفترة من 27 إلى 29 يوليو 2010 م وإجتماع شرم الشيخ المنعقد فى اليوم الرابع عشر من أبريل 2010 م مع الدول ذاتها,وتتلخص اعتراضات مصر في ثلاثة نقاط,الأولى هى المحافظة على حقوق مصر المكتسبة في مياه النيل،والثانية هو ضرورة موافقتها على أي مشاريع ستقام في دول حوض النيل،والثالثة أن يكون لمصر والسودان حق النقض,أما دول المنبع الرافضة للإتفاقيات المائية السابقة فصرحت بعد إجتماع شرم الشيخ على أنها سوف تقوم بتوقيع اتفاقية منفردة يوم 14 مايو 2010 م بدون مصر والسودان بعد فشل مباحثات شرم الشيخ،حيث صرح المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية (شامليس كيمال) لوسائل الإعلام في أديس أبابا بعد فشل إجتماعات شرم الشيخ بأن إثيوبيا وست دول أخرى ستوقع اتفاقا إطاريا "حول الاستخدام المنصف لنهر النيل" وأضاف (كيمال) أن الاتفاقية قائمة على أساس القانون الدولي "ولكن مصر تتلكأ،وجميع البلدان السبع رفضت الاتفاق السابق بين مصر وبريطانيا الاستعمارية",وبالفعل قامت كل من أثيوبيا ويوغندا ورواندا وتنزانيا بتوقيع إتفاقية إطارية جديدة بينهما من أجل تقنين إستخدامات المياه فى حوض نهر النيل دون مصر والسودان حيث إنضمت للإتفاقية كينيا بعد يوم من توقيعها وبورندى مؤخراً فى 28 فبراير 2011 م بعد إندلاع ثورة 25 يناير المصرية,كما أن موقف دولة جنوب السودان الوليدة من الإتفاقية ربما يجعل الأزمة تميل إلى نوع من التعقيد حيث طلبت دولة جنوب السودان فى الإجتماع التاسع عشر الوزارى لدول مبادرة حوض نهر النيل الذى عقد مؤخراً فى كينيا فى الثامن والعشرون من يوليو 2011 م الإنضمام للمبادرة لتكون جزءاً من التفاوض بعد مشاركتها فى هذا الإجتماع بصفة مراقب,لقد نفذت دول المنبع تهديدها بتوقيع إتفاقية إطارية جديدة عقب إنتهاء إجتماع شرم الشيخ,وفى أوآخر يونيو2010 م انعقد فى العاصمة الاثيوبية أديس ابابا اجتماع وزراء الرى لدول حوض النيل، للقيام بمراجعة المشروعات المشتركة بين دول حوض نهر النيل عبر فترة العشرة سنوات الماضية بحضور المانحين الدوليين والبنك الدولى وتم فى هذا الإجتماع نقل رئاسة المجلس الوزارى من مصر إلى اثيوبيا طبقا لنظام الرئاسة دورية المتبع بين دول حوض النيل,وبالرغم من أن هذا الإجتماع يخص مبادرة حوض النيل المقرر لها أن تنتهى فى ديسمبر 2012 م إلا أن إتفاقية عنتيبى ظلت حاضرة فى أجندته حيث تمسكت الدول الموقعة على إتفاقية عنتبى بمواقفها وقالت أنها غير قابلة للتراجع عما أقدمت عليه ولكنها أبدت تجاوبا تمثل فى موافقة المجلس الوزارى لدول حوض نهر النيل على دعوة السودان لاجتماع استثنائى لمناقشة الآثار القانونية والاقتصادية التى ترتبت على التوقيع المنفرد لإتفاقية عنتبى وإنعكاسته السلبية التى ربما تؤدى إلى وقف التعاون الذى كان بين دول حوض النيل طيلة العقود الماضية, والحدث الأبرز فى هذ الإجتماع أن السودان اعلن فى نهايته عن تجميد مشاركته فى كل أوجه النشاطات الخاصة بالمبادرة المشتركة الى ان ينعقد الاجتماع الاستثنائى المتفق على عقده بالخرطوم لمناقشة تداعيات الأزمة التى نجمت من إتفاق عنتبى وذلك كنوع من الاحتجاج على تعنت مجموعة عنتيبى واصرارها على المضى فى محاولة فرض سياسة الأمر الواقع على السودان,هذا الموقف السودانى أرسل فى طياته إشارة الى الدول الموقعة على إتفاق عنتيبى ان السودان لن يوافق ويوقع على أى إتفاقية ما لم تعترف بالحقوق والاستخدامات والمشروعات المائية القائمة فى السودان،عليه أعلن السودان على لسان وزير الرى والموارد السودانية السيد كمال محمد على أنه لن يوقع على هذا الاتفاق الاطاري الا اذا تم الاتفاق بين دول حوض النيل على نقاط الخلاف حيث أن هذا الخلاف إذا لم يتم تسويته سوف ينسف مبادرة حوض النيل,واعلان السودان تجميد عضويته فى مبادرة دول حوض النيل  يعبر عن عدم رضاءه عن ما ورد فى الإتفاقية الإطارية التى تم توقيعها فى عنتبى كما أن وجهة نظر السودان وموقفه الرافض يتطابق مع وجهة النظر المصرية الرسمية,وبالرغم من التباين فى الآراء بين دول المنبع والمصب فقد طرحت كل من مصر والسودان موقفا مشتركا فيه الكثير من المرونة من أجل التغلب على الخلافات القائمة بينهم وبين دول المنبع الرافضة للإتفاقات المائية الموقعة فى العهد الإستعمارى،وتمثل الطرح السودانى المصرى على ان تكون طريقة اتخاذ القرارات بين دول الحوض بالاغلبية المشروطة،التى تعنى شرط وجود أحد دولتى المجرى والمصب داخل هذه الاغلبية،ولكن هذا الطرح تم رفضه من قبل دول المنبع ايضا،الأمر الذى يثير التكهنات حول وجود  سيناريوهات مرسومة تعمل على فرض اوضاع فى حوض نهر النيل تتعارض مع المصالح المائية للسودان ومصر,وفى الإجتماع الوزارى الأخير لمبادرة حوض النيل الذى عقد بكينيا فى الثامن والعشرون من يوليو 2011 م تحت شعار (حوض النيل ضرورة التعاون)  الذى سلم فيه وزير المياه الإثيوبي السيد (ألمايو تيقونو) مهام رئاسة المجلس الوزاري للسيدة (شاريتي إنجيلو) وزيرة الري والمياه الكينية,  وقد إفتتح هذا الإجتماع السيد (أوهورو كينياتا) نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الكيني نجل الرئيس الكينى الراحل جومو كيناتا والذي أكد فيه على ضرورة التعاون بين دول حوض نهر النيل,وبالرغم من أن دول حوض نهر النيل أظهرت فى هذا الإجتماع نوع من التفاهم حول كيفية حماية المكتسبات التى تحققت من مبادرة حوض  نهر النيل وأجازة موازنة العام 2011 م و 2012 م وإجازة التقارير والبرامج المتعلقة بالمبادرة إلا أن الإجتماع رفض مناقشة الطلب الذى تقدمت به جمهورية السودان وحمهورية مصر العربية حول عقد إجتماع إستثنائى للمجلس لإعادة النظر فى الإتفاقية الإطارية التى وقعت فى كمبالا فى الرابع عشر من مايو 2010 م,إلا أن الإجتماع قرر فقط  مراجعة الآثار القانونية والمؤسسية للإتفاقية الإطارية فى إجتماع يعقد فى كيجالى فى إكتوبر المقبل من العام الجارى مما يدلل على أن إشكالية المياه فى إقليم حوض نهر النيل لا تزال قائمة وأن النقاش فيها فقط تم إرجائه لمدة ثلاثة أشهر,والجدير بالذكر أن صحيفة الديلى نيشن أوردت خبر فى التاسع والعشرون من يوليو 2011 م مفاده أن الأمم المتحدة أعلنت ضم صوتها للمطالبين بوقف بناء السد الأثيوبى الجديد مالم تتحقق أنه يحقق فوائد لدولتى المجرى والمصب (UN calls for suspension of giant hydroelectric dam in Ethiopia),وكانت إثيوبيا قد أعلنت في شهر مارس من هذا العام البدء في تنفيذ سد الألفية العظيم (Gibe III hydropower project) على النيل الأزرق على بعد حوالي 40 كيلومتر من الحدود مع السودان لتوليد حوالي 5250 ميقاواط من الكهرباء وهو يعتبر من أكبر السدود في أفريقيا والعاشر في العالم,وقد كان رد الفعل السودانى والمصرى تمثل فى الرفض التام لهذا السد باعتبار أنه سيضر بمصالحهما المائية،وطلبا من إثيوبيا إمدادهما بكل الدراسات والمعلومات المتعلقة به لدراستها,إلا أن السودان قد صرح في العشرين من يونيو من  العام 2011 م عبر سفيره في إثيوبيا السيد محي الدين سالم عن دعم السودان  لتشييد سد الألفية ويبدو أن السودان قد ترسخت لديه قناعة بأن هنالك فوائد سوف ستعود عليه من إنشاء سد الألفية مثل حجز الطمي وتنظيم جريان مياه النيل الأزرق ووقف الفيضانات وتقليل كمية المياه المتبخرة من النيل الأزرق والإستفادة من الطاقة المولدة من السد,وهذا ربما يخلق تباين بين مواقف السودان ومصر التي تطابقت رؤيتهما نحو تكتل دول النبع عند توقيعها لإتفاقية عنتبى الإطارية دون السودان ومصر,والجدير بالذكر أن بحيرة سد الألفية المراد قيامه تبلغ سعتها التخزينية 62 مليار متر مكعب من المياه.
لقد تصاعد الصراع بين دول المنبع ودولتى المجرى والمصب فى إقليم حوض نهر النيل نتيجة لتدخلات إقليمية ودولية لها مصالح تريد أن تحققها فى الإقليم بالتحالف مع بعض دوله حيث أن آخر دراسة إحصائية صدرت عن مياه النيل حددت الكمية الكلية لمياه النيل بحوالى (1.66) مليار متر مكعب من المياه يأتى منها ما يعادل 85% من الهضبة الأثيوبية ونسبة 15% منها ياتى من بحيرة فكتوريا كما تفيد الإحصائية أن ما نسبته 5% فقط من المياه هو الذى يصل إلى السودان ومصر حيث تتقاسم كل من مصر والسودان نسبة 5% بواقع 65% لمصر أى ما يعادل 55.5 مليار متر مكعب و 35% للسودان أى ما يعادل 18.5 مليار متر مكعب أما بقية دول حوض النيل تتقسم الحصص بينهما بنسبة 3% لأثيوبيا و 3% لبورندى و 2% لكل من كينيا ويوغندا ورواندا وتنزانيا والكنغو الديمقراطية وأن 60% من مياه نهر النيل تضيع بسبب التبخر وأن مياه نهر النيل المستفاد منها فى الأنشطة الزراعية وتوليد الكهرباء والأنشطة الإقتصاديةالأخرى تقدر بحوالى 40% وهذه الكمية تساوى أقل من نصف المياه الكلية لنهر النيل وتشير الإحصائية إن الغالبية من دول المنبع لحوض نهر النيل لا تحتاج لكميات كبيرة من المياه نتيجة لمحدودية وضعف أنشطتها الإقتصادية وأن الحصص التى تستهلكها حاليا تكفيها على المدى القريب والمتوسط,إذن من هذه الإحصائية يتضح أن الموقف بين دول حوض نهر النيل لا يحتاج لتصعيد الصراع لهذا المستوى وأن التعاون بين دول حوض نهر النيل عبر مبادرة حوض نهر النيل كان بإمكانه التوصل لتفاهمات بين دول حوض نهر النيل دون تصعيد وتأزيم الموقف ولكن يبدو أن هنالك أطراف إقليمية ودولية مهدت لهذا الصراع وروجت له منذ مؤتمر جامعة تل أبيب حول نهر النيل الذى إنعقد فى مايو من العام 1997 م,ومؤتمر لندن حول مياه النيل الذى عقد فى الفترة من الثانى إلى الثالث من مايو من العام 2003 م الذى قال فيه خبير المياه الأثيوبى (Z.Abate) "ينبغى أن يتم توزيع مياه نهر النيل بالتساوى بين دوله جميعاً,وإذا أرادت دولة من دول حوض نهر النيل الإستئثار بحصة أكبر فيجب أن تدفع تعويضات مناسبة لدول الحوض الأخرى التى سوف تتأثر الكمية التى ستحصل عليها من جراء ذلك",وهذين المؤتمرين مؤتمر تل أبيب ومؤتمر لندن حول مياه النيل يوضحان مدى تدخل البعد الدولى والإقليمى فى ملف مياه النيل فى إقليم حوض نهر النيل,إذن تأثر التفاوض بين دول إقليم حوض نهر النيل بمواقف العديد من الدول التى لها مصالح فى إقليم حوض نهر النيل من بينها الولايات المتحدة الأمريكية التى تبنت إستراتيجيتها بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 م الحرب على الإرهاب فى أفريقيا والسيطرة على موارد الطاقة والبترول والموارد الطبيعية الإفريقية لذلك أنشئت قوات المهام المشتركة فى القرن الإفريقيى (CJTF-HOA) فى العام 2002 م والتى تم ضمها فيما بعد إلى القيادة الأمريكية لأفريقيا (AFRICOM) عند إكتمال إنشائها فى الأول من إكتوبر من العام 2008 م الشىء الذى يعكس مدى تزايد المصالح الأمريكية فى القارة الإفريقية وتزايد الدور العسكرى فى حماية تلك المصالح عبر التنسيق مع قوى إقليمية مؤثرة فى القرن الإفريقيى (أثيوبيا وكينيا) من أجل تطبيق مفهوم القرن الإفريقيى الكبير (New Horn of Africa Draft) والفصل بين أفريقيا شمال الصحراء وأفريقيا جنوب الصحراء,بينما يشكل التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الصاعدة الأخرى فى إفريقيا خاصة الصين إلى توجه الولايات المتحدة الأمريكية لخلق تكتل فى منطقة منابع النيل والدليل على ذلك موقف أثيوبيا التى تعتبر من دول حوض النيل الشرقى الذى يضم السودان ومصر حيث لها مصالح مشتركة مع السودان تتمثل فى مشروع الربط الكهربائى وميناء بورتسودان كما أن السودان يمدها بالبترول بأسعار مخفضة بالإضافة للعديد من المصالح الإستراتيجية الأخرى مع كل من السودان ومصر, حيث نجد أن الموقف الأثيوبى قد إنحاز إلى دول حوض النيل الجنوبى الذى يضم كل من (يوغندا وتنزانيا والكنغو وبورندى ورواندا) مما يؤكد أن أثيوبيا قد وقعت على هذه الإتفاقية بناء على مصالح جديدة سوف تتحقق لها عبر توقيعها لهذه الإتفاقية مع دول حوض النيل الجنوبى دون أن تضع أدنى إعتبار لمصالحها الإستراتيجية المشتركة مع السودان ومصر ودون أن تضع فى حساباتها الإستراتيجية أن حل أزاماتها الداخلية هو فى أيدى دولتى المجرى والمصب والدول المجاورة لحوض النيل الشرقى,والتوجه الأمريكيى لخلق تكتل فى دول منابع النيل يهدف عموماً  لتشكيل ضغط على الدول التى لها تحالفات مع الصين (السودان) والضغط على مصر عبر تأثير اللوبى الإسرائيلى فى القرار الأمريكى حيث أن إسرائيل هى اللاعب الإقليمى الرئيسى الداعم لدول المنبع الرافضة لإتفاقيات مياه النيل الموقعة فى السابق والمتبنية للإتفاقية الإطارية الجديدة التى عقدت فى عنتبى فى الرابع عشر من مايو 2010 م,إذن إسرائيل هى المستفيد الأول من إستمرار مشكلة المياه بين دول المنبع والمصب من أجل مواصلة الضغط على السودان ومصر فى إطار صراعها مع الدول العربية عبر تهديد الأمن المائى العربى لتحقيق المزيد من التناولات العربية فى شأن القضية الفلسطينية وتقف من خلفها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية نتيجة لتأثيرات اللوبى الصهيونى فى قرارات تلك الدول.
لقد شكل موقف دول المنبع فى إقليم حوض نهر النيل الرافضة لإتفاقيات المياه الموقعة فى العهود السابقة وتوقيعها لإتفاقية إطارية دون السودان ومصر فى عنتبى فى الرابع عشر من مايو 2010 م سابقة غير عادية ربما تؤدى ربما إلى إضطراب فى العلاقات بين دول حوض نهر النيل (تكتل دول المنبع ضد دول المجرى والصب) مما  يترتب عليه تهديد للسلم والأمن فى إقليم حوض نهر النيل الإفريقيى قد يقود إلى نتائج ربما يصعب تدراكها وحلها بصورة سلمية إذا إنفجر الصراع,كما أن التحلل من الإتفاقات السابقة بحكم أنها وقعت فى الفترة الإستعمارية (فترة الإحتلال البريطانى الإيطالى الفرنسى للقارة الإفريقية) ربما يفتح الباب أمام حروب حدودية بين دول القارة نتيجة لإعتمادها مبدأ التحلل من الإتفاقيات الحدودية والمائية السابقة,وعلى سبيل المثال نجد أن إتفاقية 15 مايو من العام 1902 م التى وقعها الملك (منليك الثانى) بحضور مستشاره السويسرى (ألفريد أليج) مع (هارنجينتون) ممثل اللورد (كرومر) حاكم السودان الذى تنازل عن إقليم بنى شنغول والمتمة السودانيتين لصالح أثيوبيا الغير خاضعة للإستعمار فى ذلك الوقت مقابل تعهد ملك أثيوبيا (منليك الثانى) تأمين حقوق مصر فى مياه النيل,أى أن الإتفاقية وقعت بين أثيوبيا وإنجلترا كممثل لمصر حيث أن الإتفاقية لم تراعى مصالح السكان السودانيين فى المنطقة  وربما يفتح التحلل من هذه الإتفاقية المجال أمام سكان إقليم البنى شنغول للمطالبة بإرجاع إقليمهم للسودان والمطالبة بحق تقرير المصير لأنهم تم ضمهم لأثيوبيا دون مشورتهم ايام العهد الإستعمارى مما أدى إلى تقسيم قبائل المنطقة بين السودان وأثيوبيا وتعرضهم للعديد من الآثار السياسية والإجتماعية والإقتصادية السالبة على مجتمعاتهم حتى الآن وإن كانت هنالك إتفاقية حدودية بين السودان وأثيوبيا تم توقيعها فى العهد الراهن,وربما يخلق أيضاً التحلل من الإتفاقات السابقة العديد من المشاكل الحدودية مثل إشكالية إقليم النفد بين الصومال وكينيا ومثلث أليمى بين دولة جنوب السودان الوليدة وكينيا ومسألة إقليم الأوغادين بين أثيوبيا والقومية الصومالية فى الأوغادين والعديد من المشاكل الحدودية بين دول القارة الإفريقية,عليه فإن التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية فى إقليم حوض نهر النيل لن تخدم الأجندات الوطنية لدول حوض نهر النيل بل سوف تعمل على تصعيد الصراع بين دوله من أجل تحقيق أكبر قدر من عدم الإستقرار فى المنطقة بطريقة تساعد على تحقيق أطماع اللاعبين الدوليين والإقليميين فى المنطقة حسب المتطلبات التى تقتضيها مصالحهم,عليه يجب على دول المنبع الرافضة للإتفاقيات السابقة فى إقليم حوض النيل أن تلجأ لمنطق العقل والتوجه نحو التعاون والتنسيق المشترك فيما بينها وأن تبنى مواقفها التفاوضية لحل خلاف تقاسم المياه بينها وبين دول المجرى والمصب دون أن ترهن قراراتها لأى تدخلات خارجية لأن الأجندات الخارجية سوف لا تخدم مصالحها و سوف تعمل على تعميق الخلاف بين دول حوض النيل ولن تجنى منها دول الحوض غير الدمار والتخلف وهو ما ينشده الإستعمار الجديد من أجل فرض سيطرته على كل الموارد الطبيعية والبشرية الإفريقية,إن المتغيرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأمنية فى دول إقليم حوض نهر النيل تفرض على شعوب وصانعى القرار فى هذه الدول نبذ كل الخلافات حول المياه والتوجه نحو التعاون والتنسيق المشترك فيما بينهم حيث أن تحديات التنمية تشكل مسؤلية متعاظمة تفرض على دول حوض النيل أن تكون مياه النيل محورا مشتركا للتعاون بينهم لدفع إستحقاقات التنمية فى بلدانهم.
وأخيراً هنالك قواعد وإجراءات قانونية تنظم إقتسام المياه بين الدول حيث أنه بموجب إتفاقية هلسنكى الموقعة عام 1966 وإتفاقية الأمم المتحدة لعام 1972 يتم إقتسام المياه وفقا للتعداد السكانى مع الأخذ فى الإعتبار بالحصة التاريخية بيد أن القانون الدولى يعترف أيضا بالسيادة المطلقة للدول بشأن مصادر المياه التى تقع تحت إقليمها وأن هنالك إتفاقيات عديدة منظمة لإستغلال مياه النيل نجد أنه لا يحق لأى دولة أو مجموعة دول أن تلغى أو تعدل من إتفاقية دون الوصل لإتفاق جماعى بين دول حوض النيل بشأن تعديل الإتفاقيات الموقعة سابقا مما يؤكد أنه يجب على دول إقليم حوض نهر النيل (دول المنبع الرافضة للإتفاقيات السابقة) و(دولتى المجرى والمصب الرافضة للإتفاقية الإطارية الموقعة فى 15 مايو 2010 م بعنتبى ) من إيجاد تسوية قانونية لمسألة تقاسم المياه بين الدول المتشاطئة على إقليم حوض نهر النيل عبر إتباع إستراتيجية تعزيز الثقة والربط بين المصالح و وضع الصراع فى إطار إيجابى بعيداً عن العوامل السياسية والدينية والثقافية عبر إستخدام الأدوات السلمية لتسوية الصراعات دون اللجوء للحلول العسكرية كما يجب أن يلعب الإتحاد الإفريقيى دوراً ملموساً فى تسوية قضية مياه النيل قاطعاً الطريق أمام كل المحاولات الإقليمية والدولية للمساس بأمن القارة المائى الذى إن خضع لمصالح القادمين من وراء البحار سوف يعرض أمن كل القارة الإفريقية للخطر.




عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الإفريقية ومتخصص فى شؤون القرن الإفريقى
asimfathi@inbox.com



 

آراء