الأصل الأفريقي للحضارة : خرافـة أم حقيقـة ؟ (4) .. ترجمة / محمد السـيد علي

 


 

 



إن رؤية (فونتين) التي لا تحتاج إلى تعليق تؤكد مرة أخرى إستحالة تجنب واقع مصر الزنجية ، إذا ما أراد شخص قبول الحقائق . بعد أن قيّد نفسه بالمقاييس الموضوعية ، توصل (ليبسيوس) إلى إستنتاج منهجي هام وهو أن المصري المثالي زنجي . بمعنى أن هيكله العظمي زنجي وهذا هو السبب الذي حدا بعلماء الأنثربولوجيا بالحديث قليلا عن البنية العظمية للإنسان المصري . يناقش (فونتين ) الزعم القائل بأنّ مصر ربما تحضّرت بفعل البرابرة والليبيين القادمين من أوروبا عبر الغرب :

(( إذا ظهر أن الحضارة إنتقلت من الشمال إلى الجنوب ، من البحر المتوسط إلى أثيوبيا فإنه ليس من الضروري إقتفاء القول بأن الحضارة آسيوية فهي لا تزال أفريقية ، عدا أنها جاءت من الغرب بدلا من الجنوب . في هذه الحالة فإن برابرة شمال أفريقيا هم الذين (حضّروا) مصر . إن عددا ضخما من برابرة اليوم لهم بنية عظمية مصرية بشكل أساسي وربما كان قدماء البربر سمرا . إننا يمكن أن ننسب وصفهم للـ (تامهو) أي الليبيين العائدين للأسرة الحاكمة الثامنة عشر ذوي ( الوجه الشاحب ، الأبيض أو الخمري وعيون زرقاء )  من واقع تأثير السلالة الأوربية وهجرة (رجال الشمال) . إنّ هؤلاء البيض الذين أستؤجروا كمرتزقة بواسطة الفراعنة ، تهاجنوا بشكل قوي مع المصريين وكذلك الليبيين . بالتالي من الضروري تجاهل ذلك والعودة إلى الليبي الأسمر البربري الحقيقي للعثور على الشعب الذي ربما حضّر مصر القديمة . إن تلك مهمة شاقة ، حيث أن البربر الأفارقة أصبحوا معدودين بشكل متزايد في الجزائر . في مصر نجد أن النوع البربري ممزوج كذلك . وفقا لهذه النظرية فإنّ البرابرة الأفارقة من الغرب ، الليبيين السمر إستقروا في وادي النيل الجديد ، ثم مباشرة أو بعد وقت قصير من ذلك عمل غزو الأوربيين على تهجين ليبيي شمال أفريقيا. إنّ هذا الليبي ذو الدماء الممزوجة ، ذو البشرة البيضاء والعيون الزرق ، ربما عدّل من الإنسان المصري الأول . بدمه الأوروبي فإن هذا المصري ربما ينتسب للسلالة الهندية الأوربية والآرية )) .


إنّ هذه الأطروحة هي تحفة التفسيرات القائمة على التصور المحض فهي تستند بشكل مجرد على العاطفة . لقد إستشهد بها لأجل براعتها وتصميمها لإثبات أن للمصريين نوعا أو بأخر شيء آري . إن كلمة (آري) هي الكلمة الجوهـرية التي كان عليه أن يصلها . لقد إقتبست الفقرة لأنها واضحة وبخلاف النظريات السابقة . إنها ثمــرة الإفترضات الغير مبررة من قبل المتخصصين الذين إقتنعوا بأنّ كل شيء ذو أهمية في الحياة يأتي فقط من سلالتهم وأننا إذا ما بحثنا بعناية فإننا متأكدون على قدرتنا إثباته والتفسير لن يكتمل حتى يبلغ ذلك الهدف . منذ ذلك  أعير قليل من الإهتمام في إذا ما جرى دعم للإثبات بحقائق أم لا . إنه ذاتي الكفاية ومعيار صلاحيته يندمج مع هدفه .
لقد أشرنا مسبقا إلى الأفكار المضطربة عن البربر ، لذا فلا حاجة إلى العودة إلى ذلك الموضوع . إن الليبي الأسمر البربري الحقيقي ، النمط النموذجي للسلالة البيضاء ، هو  حقيقة مثل السيرانيين . علاوة على ذلك فإن المرء إذا ما إستند على الحجج الآثرية فإن شمال أفريقيا لم يكن أبدا نقطة إنطلاق للحضارة . لقد بدأت تؤخذ في إعتبار التاريخ فقط مع قرطاج المستعمرة الفينيقية ، حينما كانت عمر الحضارة المصرية عدة الآف من السنين ، فإذا كانت الحضارة المصرية قد جاءت من جنوب أوروبا كما يفترض (ماسبيرو) وإن كانوا قد تسللوا إلى الوادي عبر الغرب والجنوب الغربي لإدخال عناصر الحضارة ، فإننا لا نستطيع أن نفهم لماذا لم تخلف تلك الحضارة آثارا في موطنها أو على إمتداد الطريق الذي جاءت عبره . إنه من الصعب فهم أنّ يترك هذا العرق الأبيض المبشر بالثقافة  أوروبا حيث البيئة المؤدية لتطور الحضارة دون أنّ يصنعها ، كيف له أن يعبر السهول الغنية لـ (تيل) ، المساحات الشاسعة التي تفصل شمال أفريقيا عن مصر - قبل أن تصبح تلك المساحات صحراء – أو سبب عبورها مصر السفلى ، الإقليم ذو المستنقعات وغير الصحي ثم تمددها إلى الصحراء النوبية ، تسلق السهول العالية لإثيوبيا ، إجتياز الآف والآف الأميال لصنع حضارة في بعض المناطق النائية ، بحيث تعود هذه الحضارة لاحقا لتهبط إلى وادي النيل . لنفترض أن هذه هي الحالة ، كيف يمكننا تفسير أن جزء صغيرا  من هذه السلالة الذي بقي في موطنه ، في بيئة مواتية لإزدهار الحضارة ، بقي غير بارزا حتى القرون التي سبقت عصر المسيح ؟


بإعتراضنا على الفرضية التي مفادها أنّ شمال أفريقيا  سكنها الجنس الأبيض من بداية العصر القديم ، فإننا نستدعي الحجج الأثرية والتاريخية التي تشهد بشكل إجماعي بأن هذا الأقليم كان سكانه دائما من الزنوج . لقد أخبرنا (فيرون) بأن في نهاية العصرالحجري جرى إكتشاف خمسة طبقات لرجال متحجرين في منطقة قنسطنطينه  بالجزائر ، من بينهم العديد من شبيهي الزنوج الذين يشبهون نوبة مصر العليا . على إمتداد الحقب التاريخية تثبت الحجج اللاتينية بوجود السود على إمتداد شمال أفريقيا :
(( لقد أمدنا المؤرخون اللاتينيون بمعلومات عن السكان ، أسماء في الغالب تعني القليل بالنسبة لنا . إن علينا أن نتذكر بأن عددا كبيرا من الزنوج كان موجودا ، إثيوبيي هيرودتس الذين ربما تحدروا من سلالة (الهارتينز) في أعالي الأطلس المغربي )) . إن هذا الإقتباس الأخير يثبت حتى الآن أنّ السود موجودين في هذه المنطقة . إن الحضارة الوحيدة ما قبل التاريخ التي شّعت من هنا حتى مصر ، هي عائدة للسود على الأرجح .


(( خلال ذلك العصر كان أشباه الزنوج في العصر الحجري القديم العلوي في أفريقيا والشرق -  التي لم يطأها الـ (سلوتور ) و (الماجدوليين) -  متواصلين مباشرة من خلال الحضارة القبصية – نسبة إلى قفصة بتونس –  ومن هناك ربما وصلت تلك الحضارة إلى باقي شمال أفريقيا ، إسبانيا ، صقليه ، جنوبي إيطاليا ، متنافسين مع القوقازيين والمنغوليين على حوض البحر الأبيض المتوسط من جانب ومع ليبيا ، مصر وفلسطين على الجانب الأخر . بإختصار فإن تأثير تلك الحضارة بلغ إلى حد ما الصحراء ، أفريقيا الوسطى وحتى جنوب أفريقيا . لقد قادت هذه الحضارة القبصية إلى إزدهار فني ، تماثل في رسوماتها المجوفة ما وصل إليه الماجدوليين في أوروبا ، غير أن الفن القبصي يميل إلى التجريد ، إلى ذلك الأسلوب التخطيطي للشخصيات الذي ربما أصبح منشأ للكتابة . ما هو صحيح بما يكفي أنه ليس كل شخص يوافق على التاريخ الذي عثرت عليه تلك الرسومات في أماكن متعددة من الصحراء وحتى في الجزائر . البعض يراها تعبيرا عن الحضارة القبصية ، بينما أخرون ينسبونها إلى حقبة متأخرة من العصر الحجري الحديث . إن منظر الكبش وهو ممسك بقرص أو جسم كروي بين قرنيه ، يجعل هذه الحضارة الصحراوية ترتبط  بالعبادات المصرية في عصر ما قبل الأسرات . هذا هو آمون الآله الكبش الذي رأيناه مبتدعا في الصحراء التي سكنها الرعاة الذين يقودون قطعانهم وثيرانهم إلى المرعى حيث هي اليوم مجرد صحراء )) .


عليه فإن دراسة الوثائق تشهد على وجود الحضارة الزنجية مبكرا في عصور ماقبل التاريخ عند تلك النقطة التي يعتقد أنها بداية الحضارة المصرية . إن الحقائق التي لوحظت سابقا في الحضارة القبصية والمجدولية ، تكشف عوضا عن ذلك  أن السود غزوا أوراسيا (آسيا وأوروبا) حيث يفترض أنهم هزموا العالم . لذا فقد كتب (دمولان دي لابلانتي) مشيرا إلى بداية العصر الحديث الأقرب : (( إن هجرة الزنوج من نوع الهوتينتو الذين غادروا جنوب أفريقيا ووسطها ، ربما أستقروا في شمال أفريقيا ، الجزائر ، تونس ، مصر وجلبوا معهم بشكل فعال حضارة جديدة إلى أوروبا البحر المتوسط . لقد كان هؤلاء البشمان أول من نقش رسومات غير منتظمة على الصخور ونحتوا تماثيل صغيرة من الحجر الجيري تمثل نساء حاملات بدينات بشكل مخيف .
هل يدين حوض البحر المتوسط الداخلي إلى هؤلاء الإفارقة بعبادة آلهة الخصوبة والأمومة ؟ إنّ هذه الفرضية المتمثلة في غزو الأفارقة الزنوج لشاطييء المتوسط ، تصطدم بالعديد من الإعتراضات . لماذا فر هؤلاء الرجال من حرارة الشمس سعيا وراء البرودة ؟ إذا ما قبلنا إفتراضا الهجرة من أفريقيا فإنه ليس من المدهش أن نعثر على أدوات العصر الحجري القديم العلوي (اورينياسي) في كل من فرنسا ، إيطاليا ، إسبانيا ، غير أنّ وجود هذه الأدوات في بوهيميا ، المانيا ، بولندا ، تجعل الفرضية أكثر هشاشة . أخيرا فإن أدوات العصر الحجري القديم العلوي موجودة في جاوا ، سيبيريا والصين . سواْ أكان السود قهروا العالم أو إفترضنا ذلك فإن هناك (تبادلات ثقافية) حدثت بين شعوب الأرض المختلفة )) .


مواجها بذات الدليل الأثري ، يتبنى (فورون) من جهته فكرة عبادة الخصوبة لتفادي الوصول إلى نفس الإستنتاجات . إن قبول هذه النظرية يصب في صالح نظرية الغزو الزنجي التي تدعمها هياكل الجريمالدي وجماجم العصر الحجري القديم العلوي . يتأكد الدور التحضري لأفريقيا حتى في عصور ما قبل التاريخ بشكل متزايد من خلال الباحثين الأكثر بروزا . يكتب (آبي برويل) : (( علاوة على ذلك يبدو من المرجح أكثر وأكثر أنه حتى في أيام العصر القديم للأدوات الصخرية الضاربة في القدم ، لم تكن أفريقيا فقط  تعرف مراحل الحضارة البدائية ، مقارنة بأوروبا وآسيا الصغرى ، بل ربما كانت منشأ العديد من هذه الحضارات التي قهرت حشودها المندفعة تلك الأراضي التقليدية تجاه الشمال )) . إن رأي هذا الباحث العظيم يمضي للأبعد فهو رأي يظهر بشكل متزايد أن الإنسانية ولدت في أفريقيا . في الواقع فإن السلالات الأكثر أهمية لعظام الإنسان التي عثر عليها حتى اليوم كانت في جنوب أفريقيا . مع أنه المكان الذي لم يلق تنقيبا أكثر توسعا ، فإنه المكان الوحيد في العالم الذي وجد فيه عظام بحيث يتيح لنا بإعادة تشكيل شجرة أنساب الجنس البشري دون إنقطاع منذ البداية وحتى اليوم .
مع أن ما سأقوله ليس في مجال علم الآثار ، إلا أنني سوف أتحدث أولا عن مسألة منشأ النوع البشري . بفضل نتائج دكتور / ريموند دارت في (تاونق) و (ماكبان) ونتائج دكتور / روبرت بروم في (ستيركفونتين) ، (كرومادراي) ، (سوارتكرانس) ، فإن تقدما كبيرا تحقق في ذلك البلد . قبل الإنسان كان هناك مخلوقا برجلين وبعدة أشكال ، غير أن سماته الإنسانية تطورت بشكل متزايد ، بحيث يمكننا الإعتقاد بأن النوع البشري قد خلق هناك . لقد إنجذب إهتمام المختصين أكثر وأكثر نحو هذه الإكتشافات العظيمة التي تتضاعف تقريبا كل شهر .



من الناحية العملية فإن هناك إتفاق على أنه حتى العصر الجليدي الرابع ، كان أشباه الزنوج ذوي الأنوف المفلطحة هم البشر الوحيدون . لقد أعلن علماء جنوب أفريقيين مؤخرا أنّ الرجال الأوائل كانوا سودا ، شديدي صبغة اللون . ربما إستغرق الأمر حتى العصر الجليدي الرابع الذي أستمر 100.000 عام  حتى ظهرت سلالات يمكن تمييزها في سلالة أشباه الزنوج ، عقب فترة طويلة من التكيف من خلال عدد يسير جرى إحتجازه وعزله بواسطة الجليد ملامحها : ضيق المناخير ، فتح البشرة ، بؤبؤ العينين . تبقى حقيقة واحدة تمنحها الوثائق في أطروحة (الليبي) – الآري التي إستشهد بها فونتين – وهي إستغلال الفراعنة السود للبيض الشقر ذوي العيون الزرقاء  والوشم كمرتزقة . كانت هذه القبائل جماعات متوحشة تعيش في الجزء الغربي من الدلتا حيث كان وجودها ، غير أنها لم تكن معروفة تاريخيا حتى الأسرة الحاكمة الثامنة عشرة . لقد عمل المصريون الذين كانوا يعتبروا هؤلاء كمتوحشين حقيقيين على أن لا يختلطوا بهم . في الغالب إستخدموهم كمرتزقة ، كما لم يتوقف المصريون عن كبح جماحهم في حملات مستمرة لضبط حدودهم . عند العصر الأدنى جرى إختراق مصر تدريجيا بواسطة الليبيين المستأنسين الذين أستقروا في منطقة الدلتا .


بحسب وصف (هيرودتس) أنه حتى نهاية التاريخ المصري فإن الليبيين ظلوا في الحلقة الأدنى من الحضارة فكلمة (متحضر) مهما كانت واسعة التعريف لا يمكن أن تنطبق عليهم . فيما يتعلق بقبيلة (ادرماشايدي) الليبية ، كتب أب التاريخ ( كانت نساؤهم يرتدين حلقة من البرونز على كل رجل وكانوا يتركون شعورهم تنمو طويلا وحينما يلتقطون هواما مؤذيا يعضونه ثم يرمونه بعيدا ) . بناء عليه فإننا نجد أنفسنا محتارين أمام محاولات نسب الحضارة المصرية إلى الليبيين . كنتيجة لهذه الفرضية فقد بذلت جهود لربط اللغات البربرية والمصرية بزعم أن البربر هم أسلاف الليبيين ، غير أن البربرية لسان غريب يمكن ربطه بكل أنواع اللغات : من جانب فقد جرى ملاحظة المتشابهات بين اللغة البربرية ، الغالية ، السلتية ، الويلزية ، غير أن اللغة البربرية تستخدم نفس القدر من الكلمات المصرية والأفريقية وبناء على وجهة نظر واحدة فإن أساس لغاتهم أصبحت هندية – أوربية ، آسيوية أو أفريقية . في الواقع فإن اللغات الليبية هي لغات أفريقية . من خلال هذه اللغات ربما حمل (الليغور) و (السيكول) عند وصولهم أوروبا قادمين من شمال أفريقيا لسانا أفريقيا ويمكن أن تكون لغة الباسك مثالا لذلك . الشيء ذاته ينطبق على قواعد اللغة البربرية فالمتخصصون في اللغة البربرية حريصون على أن لا يصروا على العلاقة بين اللغة البربرية والمصرية . من جهته كان الأستاذ (أندريه باسيه) مثلا يرى بأنه يجب أن تطرح مزيد من الحقائق المقنعة قبل أن يقبل الفرضية  الحامية - السامية (علاقة اللغة البربرية والمصرية على وجه الخصوص) فكلا اللغتين تتأنث عندهما الأسماء عند إضافة الـ (ت) والشيء ذاته بالنسبة للغة العربية . مع التسليم بما يعرف عن الشعوب البربرية والعربية فإننا نتعجب بشأن (الأميلينيو) فيما يخص التأثير وعدم إفتراض مجيئه من الجهة المقابلة ، مما يتطابق مع العلاقة التاريخية للشعبين .


إن هذه ليست القصة كلها . يكشف البحث الدقيق أن الأسماء المؤنثة في اللغة الألمانية تنتهي بـ (ت) و (س ت) . هل علينا أن نعتبر أنّ البرابرة تأثروا بالألمان أو العكس ؟ إن هذه الفرضية لا يمكن رفضها مقدما ، حيث أن القبائل الألمانية إجتاحت في القرن الخامس شمال أفريقيا عبر إسبانيا وأسسوا إمبراطورية حكمت لمدة (400) عام . بعد ذلك الفتح إستقر الفاندال الذين بقوا هناك مع السكان ، فيما قاد قسم منهم بقيادة (جينسيريك) محاولة غير ناجحة لقهر روما بالعبور عبر صقلية وربما عادوا إلى شمال أفريقيا . إضافة إلى ذلك فإن الجمع في 50% من الأسماء البربرية يتشكل بإضافة (ي ن) كما في الأسماء المؤنثة في اللغة الألمانية ، كما أن 40%  يتشكل فيها الجمع بإضافة (أ) مثل الأسماء المحايدة في اللغة اللاتينية . بما أننا نعلم أنّ الفاندال هزموا من الرومان فلماذا لا يتوجب علينا أن نميل للبحث عن تفسيرات بشأن البرابرة في ذلك الإتجاه من حيث الناحية اللغوية والشكل الجسماني : الشعر الأشقر ، العيون الزرقاء ، الخ .. ؟ متجاهلين كل تلك الحقائق فإن المؤرخين حكموا بأنه لم يكن هناك تأثير فاندالي وأنه من غير الممكن نسب أي شيء للبربر إلى موطنهم . على ضوء أعدادهم الكبيرة ومكانتهم كمنتصرين فإننا لا نعتقد أنهم هجروا لغتهم بشكل تلقائي إلى تبني لغة البرابرة ، كما أنه لا يوجد نص لاتيني يشير إلى ذلك . عادة ما تكون العلاقات الإجتماعية أكثر تعقيدا وينعكس هذا التعقيد على اللغويات . حتى حينما تختفي اللغة تتفاعل على لسان غالب من خلال نقلها غير أنها لا تبقى مثلما كانت ذي قبل . لذا من الصعب فهم كيف أن اللغة البربرية الحديثة خالية من أي تأثير فندالي . كذلك من الصعب فهم أن البربر الحديثين ليسوا من نسل الفاندال ، خاصة عندما يكون لهم عيون زرقاء وشعر أشقر .


لقد كانت (مقدمة إبن خلدون) عن البربر مجرد سلسلة من الإقتباسات غير الموثقة . إن الحقيقة التي مفادها  أنه لا يوجد بربر في مصر مع وجود قليل لهم في تونس وأن أعدادهم تزايدت من الشرق إلى الغرب ليصل إلى ذروته في المغرب ، تبدو مؤيدة لفرضية منشأ الفاندال . لقد أولى المؤرخون قليلا من الإهتمام  لأنه من الضروري جعل البربر قدماء بما فيه الكفاية لتبرير الحضارة المصرية . مع أن (20) جملة بربرية وجدت في نصوص عربية تعود للقرن الثاني عشر ، إلا أنّ أن كتابة الـ (تيفيناق)  ذات الرموز التي لم تفك شفرتها حتى اليوم والتي يطلق عليها (ليبية) تبدو عائدة لتأثير العنصر المحلي للمستعمرة الفينيقية شبه الزنجية لـ (قرطاج) قبل وصول الفاندال . بإيجاز فإن ترتيب سكان شمال أفريقيا منذ ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا هو على النحو التالي :

- الزنوج والكرومانيون (سلالة إنقرضت من 10.000 سنة) .
- الزنوج في العصر القبصي .
- الزنوج خلال العصر الفينيقي .
- الهنود الأوربيون إبتداء من 1500 قبل الميلاد وربما إمتزجوا مع الزنوج .
- الزنوج في عصر الرومان مع نسبة مئوية كبيرة من الدماء المختلطة .
- الفاندال والعرب .


أليس من الطبيعي إذن أن ينتمي أساس مفردات اللغة البربرية  إلى لغات هندية أوربية ، سامية ، أفريقية ، بناء على وجهة نظر ما ؟ مع تطور علم الآثريات المصرية نصل إلى (ماسبيرو) الذي وصف أصل المصريين في كتابه (التاريخ القديم لشعوب الشرق) : (( يبدو أنّ المصريين قد فقدوا مبكرا ذاكرة بداياتهم . هل جاءوا من أفريقيا الوسطى أو من داخل آسيا ؟ وفقا لشهادة قدماء المؤرخين شبه الإجماعية فإنهم ينتسبون إلى سلالة أفريقية إستقرت أولا على ضفاف النيل الأوسط ، ثم إتجهت تدريجيا نحو البحر ، متتبعة مجرى النهر حتى البحر . لإثبات ذلك فإنه يمكن الإستناد على التشابهات الواضحة بين عادات وديانة مملكة مروي وعادات وديانة المصريين . ما هو معلوم اليوم بشكل قاطع أنّ أثيوبيا التي يعرفها الإغريق ، التي لم  تستعمر مصر ، كانت قد أستعمرت من قبل مصر ، إبتداء من الأسرة الحاكمة الثانية عشر ولقرون ضمن مملكة الفراعنة ))


قبل الإستمرار مع أطروحة (ماسبيرو) ، علينا أن نلاحظ ما جرى من تغيير في بعض الجمل الإفتتاحية . إنه من المستبعد أن ينسى المصريون أصلهم أبدا . لقد خلط (ماسبيرو) بشكل ظاهر فكرتين بارزيتن : المنشأ الأولي الذي بدأ منه الشعب والأصل العرقي المسئول عن لون السلالة ، فالمصريون لم ينسوا أبدا الأول مثلما لم ينسوا الأخير . إنّ ذلك معبر عنه في كل فنونهم ، على إمتداد أدبهم ، في كل ظواهرهم الثقافية ، في تقاليدهم ولغتهم ، بل أن بلادهم سميت بإسم (كيميت) وهو إسم يتطابق مع حام (شام) ، الجد الأعلى للسود بحسب الكتاب المقدس . إن القول بأن (كيميت) تشير إلى لون التربة المصرية أكثر مما تشير إلى لون السلالة المصرية ، يلهم على إستدلالات مشابهة لتفسير التعبيرات الراهنة اليوم : (أفريقيا السوداء) و (أفريقيا البيضاء ) . مع أنّ (ماسبيرو) أشار إلى شهادة جماعية لقدامى المؤرخين عن السلالة المصرية ، إلا أنه تجاهل بشكل متعمد دقتهم . إنّ ما نعرفه مسبقا عن شهادة القدماء يثبت أنهم لم يستخدموا المصطلح المبهم (السلالة الأفريقية) .  منذ (هيرودتس) وحتى (ديودورس) - الذين إستشهد بهم (ماسبيرو) – وحيثما ذكروا الشعب المصري ، حددوا بأن هناك سلالة زنجية كانت حاضرة .


هنا يمكننا تتبع التطور في التغيير التدريجي للحقائق في الكتب المدرسية الذي سوف يشكّل الرأي لدى طلاب الثانويات والجامعات . إن ذلك هو الأكثر خطورة لأن قدرا عظيما من المعرفة التي سوف تكتسب ، لا تدع للجيل الجديد - عدا المتخصصين - مجالا للرجوع إلى المصادر الأصلية وتقييم الفارق بين الحقيقة وبين ما درسوه . في المقابل فإن هناك ميل مؤكد للتراخي عن تشجيعهم بالإكتفاء بالكتب المدرسية وقبول الأفكار النمطية لـ (مرجع معصوم من الخطأ) كما لو أنها كتاب لتعليم الدين . إذا ما أستخدمنا إستدلال (ماسبيرو) لدحض أفكار (ديودورس) عن عراقة إثيوبيا فإننا قد نكون قادرين على أن نستنتج القول بأنه بما أن (نابوليون) قهر إيطاليا وضمها في القرن التاسع عشر ، فإن روما لم تعمل على تحضّر فرنسا – وهو ما سيكون خطأ تاريخيا واضحا . يقول (ماسبيرو) (( علاوة على ذلك فإن الكتاب المقدس يذكر أنّ مصرايم بن حام وأخ كل من كوش وكنعان ، قد جاء من بلاد ما بين النهرين ليستقر بجانب أبنائه على ضفاف نهر النيل )) . يفشل (ماسبيرو) في الإضافة بأنّ حام ، كنعان ، كوش هم زنوج وفقا للكتاب المقدس الذي إستشهد به . إنّ ذلك يعني مرة أخرى أنّ مصر (حام ، مصرايم) ، إثيوبيا (كوش) ، فلسطين وفينيقيا قبل اليهود والسوريين (كنعان) ، والجزيرة  قبل العرب (بوط ، هيفيلا ، سابا) ، قد سكنها جميعها الزنوج حيث صنعوا في تلك المناطق حضارات عمرها آلاف السنين وأحتفظوا بعلاقات عائلية . يواصل (ماسبيرو) قائلا :


(( لقد جسّد (لوديم) الإخ الأكبر بينهم المصريين الأصليين على النقوش الهيروغلوفية وهم الروتو والروميتو . أما (عناميم) فقد مثّل قبيلة (عنو) العظيمة التي أسست (أون) شمال (هليوبوليس) و(أون) جنوب (هيرمونثيس) في عصور ما قبل التاريخ . بالنسبة لـ (ليهابيم) فقد مثّل الشعب الليبي الذي أقام غرب النيل ، أما (نفثوحيم) فقد إستقر في الدلتا جنوب مفيس وأخيرا (باثروسيم) الذي إستقر في أرض الجنوب (باتروزي) والتي تقع اليوم بين مفيس والشلال الأول )) . إن هذا التقليد الذي جلب المصريين من آسيا عبر برزخ السويس كان معروفا لدى الكتاب التقليديين . (بليني) الأكبر  نسب تأسيس هليوبوليس إلى العرب ، لكنه رأي لا يلاقي رواجا أبدا مثل ذلك الرأي القائل بأنهم قدموا من السهول العالية لأثيوبيا )) .


بشكل أكثر أو أقل فإن هذا التعريف لا أساس له فهو يبدو متناقضا عند ربط الليبيين ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر مع (ليهابيم) إبن مصرايم وكلاهما زنجي . هناك تناقض أخر فـ (ماسبيرو) يقبل في بعض الأحيان بنظرية الأصل الأسيوي للمصريين ويستدعي رأي (بليني) الأكبر الذي ينسب تأسيس (هليوبوليس) للعرب . في ذات النص يؤيد (ماسبيرو) إستقرار الـ (عنو) في تلك المدينة وهم الذي عرّفهم مع (عناميم) بأنهم زنوج . إن تعليقاتنا على العرب في الفصل الأخير تستبعد أي إحتمال لتأسيسهم لـ (هليوبوليس) ، خاصة إذا حدث ذلك في عصور ما قبل التاريخ كما أكد المؤلف . يمكننا أن نرى لماذا لم تتمتع رؤية (بليني) بالرواج بين القدماء كما هو رغّب في ذلك . نعود إلى رواية (ماسبيرو) :


(( لقد أوحى المنشأ والتشابهات العرقية الجغرافية للسكان في أيامنا  بإثارة جدل مطول . أولا لقد ضلل رحالة القرن السابع عشر والثامن عشر بمظهر الأقباط المهجنين ، شاهدهم في ذلك أنّ أسلاف الأقباط في العصر الفرعوني لهم وجه منتفخ ، أعين ضيقة ، أنف مفلطح ، شفاه مكتنزة وأنهم أظهروا ملامح مميزة للعرق الزنجي . هذا خطأ شائع منذ بداية القرن وقد تلاشى وللكل حالما نشرت اللجنة الفرنسية عملها الكبير )) . إنّ أي شخص يقرأ هذه الرواية من دون أن يرجع أولا إلى شهادة (فولني) والملاحظة التفسيرية عن التأثيرات المناخية على الشكل العرقي ، ربما يقتنع بسهولة من أنّ هؤلاء الرحالة في القرون الماضية كان يمكن أن يخدعوا بسهولة من خلال الشكل . واضعين في الإعتبار ما قيل عن التسلل التدريجي للبيض إلى الدلتا في مصر ، خاصة خلال العصر الأدنى – فإن كان هناك تهجينا فإنه يمكن أن يؤدي فقط إلى تبييض السكان ، لا أن يكون بتسويد البيض السابقين بحيث يكون غير قابلا للتمييز بواسطة مراقبين محايدين . دعنا نرى إذا كان علينا أن نصدق بأن (ماسبيرو) في قوله بأن (خطأ شائعا) قد تلاشى وللكل حالما نشرت اللجنة الفرنسية عملها الكبير :


(( عند فحص النسخ التي لا حصر لها للتماثيل والنقوش الصخرية فإننا ندرك بأن الشعب الذي جرى تمثيله على الآثار يشابه حقيقة السلالات البيضاء لأوروبا وآسيا الغربية ، بدلا من أن تظهر الشكل العام وتفاصيل الإنسان الزنجي . يكفي أن تزور متحفا وتفحص التماثيل ذات النمط القديم التي جمعت هناك . منذ الوهلة نشعر بأن الفنان قد سعى إلى إنتاج مضاهاة متقنة في الرسم التصويري الدقيق للرأس والأطراف . بإستبعاد الفروق الخاصة بكل فرد فإننا نكتشف بسهولة السمات العامة والأنواع الرئيسية للسلالة . أحد هذه التماثيل سميك وثقيل ، يشابه تماما أحد الأنماط السائدة اليوم بين الفلاحين المعاصرين . هناك تمثال أخر يصّور أفرادا من الطبقة العليا ويظهر لنا رجلا طويلا ونحيفا بمنكبين عريضين وصدر بارز ، أذرع عضلية ، أيدي صغيرة ، أفخاذ وسيقان نحيفة . التفاصيل التشريحية للركبة وعضلة بطة الساق بارزة كما هو الحال مع معظم الناس الذين يمشون كثيرا . قدميه طويلة ، رقيقة ، مسطحة في النهاية بسبب التعود على المشي بدون حذاء  ، أما رأسه فهو في الغالب ثقيل على جسمه ، يعبر عن الرقة والحزن الفطري ، أما جبينه فهو مربع وربما كان منخفضا قليلا ، أنف قصيرة ، عينين واسعتين ، خدود مستديرة ، شفاه غليظة لكنها غير مرتدة ، الفم عريض يحتفظ بإبتسامة تكاد تعبر عن الألم . إن هذه السمات العامة لمعظم تماثيل الإمبراطورية القديمة والوسطى ، إستمرت خلال كل العصور . إنّ آثار الأسرة الحاكمة الثامنة عشر مع أنها تقل من حيث الجمال الفني عن تلك التي للأسر القديمة الحاكمة ، إلا أنها تنقل النمط البدائي دون تغيير محسوس . مع أنّ الطبقات العليا قد جرى تشويهها من خلال إمتزاج الأجناس المتكرر مع الأجانب ، إلا أن الفلاجين العاديين  إحتفظوا في كل مكان تقريبا بشكل أسلافهم . إنّ أي فلاح يمكن أن يتأمل بدهشة تماثيل (خفرع) أو (سونسوريت) وهي تحمل بعد 4.000 سنة سحنة أؤلئك الفراعنة القدامي )) .


هذا هو محور إثبات (ماسبيرو) ولم نسقط كلمة واحدة منه . ماذا يثبت ؟ ماذا علّمنا (العمل الكبير) ؟ يؤكد لنا المؤلف أن علم الآثار المصرية هو علم قديم تماما وأنّ المتخصصين ظلوا لقرن من الزمان ينقبون ويبحثون واليوم نعرف الصورة النموذجية للمصري القديم حتى أكثر التفاصيل العرقية ثانوية . لقد صّور الفنان (مضاهاته المتقنة) في الرسومات وبفضل هذا الفن الواقعي يمكننا أن نعيد تشكيل أفراد الطبقة العليا من الناحية العرقية . وفقا لملاحظات (ماسبيرو) فإن لهم (أنف قصيرة ومكتنزة ، فم عريض ، شفاه غليظة ، عيون واسعة ، خدود مستديرة ، منكبين عريضين عضليين ، أيدي قصيرة ، أفخاذ وسيقان نحيفة) . إنّ هذه السمات العامة إستمرت على إمتداد الممالك القديمة والوسطى . (  تشبه بشكل حقيقي السلالات البيضاء لأوروبا وغربي آسيا ولا تظهر خصائص الزنوج وشكلهم العام ) . إنّ هذا الإستنتاج لا يحتاج إلى تعليق .


بعد تأكيد جاد للمنشأ الزنجي للحضارة لمؤلف كان قصده دحض ذلك ، نرى مرة أخرى إستحالة إثبات عكس الحقيقة . إن (قاستون ماسبيرو) الذي أصبح مديرا لمتحف القاهرة عام  1889  ندين له في الواقع بالعديد من ترجمات النصوص المصرية . لقد كان لدية الإستعداد الفني اللازم لإرساء كل ما هو قابل للإثبات . إنّ إخفاقه رغم تلك المعرفة الذي  يماثل إخفاق الباحثين الذين سبقوه ومن جاءوا من بعده في تناولهم لهذه المسألة  ، يشكل البرهان الأكثر متانة  للأصل الزنجي . ثم نجيء لأطروحة عالم في الآثار المصرية نادرا ما يشار إليه وهو - آبي إيميلي أميلينو- ( 1850- 1916) . لقد نقّب الرجل في (أم القعب) بالقرب من (أبيدوس) وأكتشف مدافن ملكية ، حيث إستطاع تحديد أسماء (16) ملكا ، ربما كانوا أكثر قدما من (مينا) نفسه . لقد عثر على مدافن لأربعة ملوك هم : كا ، دين ، الملك الثعبان دجيت (الذي توجد مسلته في متحف اللوفر) وملك أخر لم تفك شفرة إسمه . مثلما أورد (أميلينو) فقد جرت محاولات لإدراج هؤلاء الملوك في الحقبة التاريخية : ( في إجتماع أكاديمية النقوش والمسجلات الأدبية حاول ماسبيرو أن يضغ هؤلاء الملوك في الأسرة الحاكمة الثامنة عشر ، ثم الخامسة ثم الرابعة ) . بعد أن دحض رأي مناوئيه ، توصل (أميلينو) إلى ( إن هذه الأسباب لا تبدو لي مستحقة للإزدراء ، بل العكس أنها تستحق الدراسة الجادة من قبل الباحثين ذوي النية الحسنة ، فيما لا أعر إهتماما للأخرين ) .


إلى (أميلينو) يعود الفضل في إكتشاف مقبرة (أوزيرس) في (أبيدوس) والذي بسببه لم يعد أوزيريس (بطلا أسطوريا) ، بل شخصية تاريخية ، الجد الأولي للفراعنة ، جد أسود مثل أخته إيزيس . لذا يمكننا أن نفهم سبب طلاء المصريين لآلهتهم باللون الأسود الفاحم في صور سلالتهم منذ بداية تاريخهم حتى نهايته . إنه لمن التناقض وعدم الإستيعاب أن لا يقوم الشعب الأبيض بطلاء آلهته باللون الأبيض ، بل أن يختار بدلا عن ذلك طلاء  أوزيرس وإيزيس وهي أكثر الكائنات قداسة باللون الأسود على الآثار المصرية .
إنّ هذه الحقيقة تكشف واحدة من تناقضات المعاصرين الذين يشددون بشكل قاطع على أنّ الجنس الأبيض قد صنع الحضارة المصرية مع سلالة سوداء مستعبدة كانت تعيش بجواره . أما إختيار لون العبيد بدلا من لون السادة والمتحضرين ليكون لونا للآلهة فهو أمر لا يمكن قبوله ويتعارض مع المنطق والموضوعية . إنه (أميلينو) بعد معطياته الهائلة ودراسته العميقة للمجتمع المصري ، توصل إلى الإستنتاج التالي الأكثر أهمية بالنسبة لتاريخ الجنس البشري : (( من العديد من الأساطير المصرية أصبحت قادرا على أن أتوصل إلى أنّ السكان الذين أستقروا في وادي النيل كانوا زنوجا ، لأنه يقال أنّ الآلهة إيزيس كانت إمرأة سوداء اللون بصبغة محمّرة . بمعنى أخر كما شرحت فإن لون بشرتها كانت أشبه  بلون القهوة مع الحليب ، مثل ذلك الذي لسود أخرين تبدو بشرتهم مثل لمعان النحاس )) .


يسمي (أميلينو) السلالة السوداء الأولى التي سكنت مصر بإسم (أنو) ويبين أنها هبطت ببطء على وادي النيل وأسست مدن : إسنا ، أرمنت ، قوص ، هليوبوبيس ، حيث يقول :
(( إنّ لكل هذه المدن رمز مميز يشير إلى إسم (أنو) . إن علينا أن نقرأ هذا المصطلح بذات الحس العرقي مطبقا على أوزيريس . في الفصل  الذي يقدم الأناشيد تمجيدا لـ (رع) ويتضمن الفصل الخامس عشر من (كتاب الموتى) نقرأ ( سلام عليك يارب أنو في أرض أنتيم الجبلية ، أيها الرب العظيم ، ياصقر الجبل الشمسي الثنائي ) . إذا كان أوزيريس من أصل نوبي ، مع أنه ولد في طيبه ، سيكون من السهل فهم سبب الصراع الذي دار بين (سيت) و (حورس) في بلاد النوبة . علي أي حال إنه من المدهش أن تحمل الآلهة (إيزيس) وفقا للأسطورة ، نفس لون البشرة الذي عادة ما يحمله النوبيون ، كما أنّ الإله (أوزيريس) له نعت عرقي يشير إلى أصله النوبي . إن هذه الملاحظة لم ترد أبدا من قبل )) .  إذا ما قبلنا بدليل إبداعاتهم ، كتاب الموتى من بين أخريات ، فإن هؤلاء الـ (أنو) الذين حاول (ماسبيرو) تحويلهم إلى عرب ، يبدو بالأساس زنوجا . في دعم لنظرية (اميلينو) يمكن الإشارة إلى أنّ (ان) تعني رجل بلغة الـ (ديولا ) . لذا فإن (أنو) يمكن أن تعني رجال ( لمشابهات أخرى يمكن قراءة الفصل العاشر) . وفقا لـ (أميلينو) فإن الـ (انو) هذه السلالة السوداء قد صنعت كل عناصر الحضارة المصرية في عصور ما قبل التاريخ ، التي إستمرت دون أن يطرأ عليها تغيير هام على إمتداد وجودها الطويل . ربما كان هؤلاء السود أول من مارس الزراعة والري في وادي النيل ، أقاموا السدود ، إبتدعوا العلوم ، الفنون ، الكتابة ، التقويم . لقد إستنبطوا نظرية نشأة الكون في (كتاب الموتى) ، نصوص لا تدع مجالا للشك عن زنجية السلالة التي صّورت الأفكار .


يقول أميلينو (( كان هؤلاء الـ (انو) مزارعين يربون الماشية على مساحة واسعة بجانب النيل ، يحمون أنفسهم بمدن ذات أسوار لأغراض دفاعية . لهذا الشعب يمكننا أن ننسب وبدون خوف من الوقوع في خطأ ، أكثر الكتب المصرية عراقة : (كتاب الموتى) و (نصوص الإهرامات) وبناء عليه كل الأساطير والتعاليم الدينية وسوف أضيف إلى ذلك كل النظم الفلسفية تقريبا التي عرفت ولا تزال بالنظم الفلسفية المصرية . لقد كانوا يدركون بشكل جلي الحرف اللازمة لأي حضارة وكانوا على معرفة  بأدوات تلك الحرف المطلوبة . كانوا يعرفون كيف يستخدموا المعادن ، على الأقل المعادن الأولية وأجروا محاولات مبكرة في الكتابة ، حيث  أن كافة التقاليد المصرية تنسب هذا الفن  إلى (تحوت) هرميس العظيم والذي يسمى بالـ (أوني) في الفصل الخامس عشر من (كتاب الموتى) وفي (نصوص الإهرامات) . من المؤكد أنّ الشعب كان يعرف الفنون الرئيسية فقد خلف برهانا على ذلك في هندسة المدافن في (أبيدوس) ، خاصة مدفن (أوزيريس) وفي أغراض الأضرحة التي وجدت وهي تحمل بصمة واضحة لمنشأها ، مثل العاج المنقوش أو رأس الفتاة النوبية الصغير الذي عثر عليه في مدفنة صغيرة بجوار (أوزيريس) ، أو الأوعية الخشبية أو العاجية التي إتخذت شكلا لرأس قط – كل المستندات التي نشرت في المجلد الأول من كتابي - حفريات أبيدوس  )) .


مواصلا صياغة نظريته يقول (أميلينو) :
(( إن الإستنتاج الذي يمكن إستخراجه من هذه الإعتبارات هو أنّ شعب الـ (أنو) المهزوم قد كان دليلا على الأقل  لقاهريه إلى بعض من مسارات الحضارة والفنون . إنّ هذا الإستنتاج هو الأكثر أهمية بالنسبة لتاريخ الحضارة الإنسانية وتاريخ الديانة . إن ذلك ينبع بشكل جلي مما ذكر سابقا : ان الحضارة المصرية ليست ذات منشأ آسيوي ، بل منشأ أفريقي وزنجي وإن بدأ في ذلك مخالف لما هو شائع . إنه ليس من المعتاد في الواقع أن نخلع على السود والسلالات ذات الصلة قدرا كثيرا من الذكاء ، أو حتى قدرا كافيا من الذكاء يمكنهم من تحقيق الإكتشافات الأولى اللازمة للحضارة . مع ذلك فليست هناك قبيلة واحدة سكنت داخل أفريقيا لم تمتلك أو لا تزال لاتمتلك واحدة من تلك الإكتشافات الأولى )) . لقد إفترض (أميلينو) أنّ مصر الزنجية التي تحضّرت مسبقا بواسطة الـ (أنو) قد جرى غزوها من داخل أفريقيا بواسطة الجنس الأبيض الخشن الذي قهر أهل الوادي تدريجيا حتى وصل مصر السفلى . هذه السلالة البيضاء عديمة الثقافة ، ربما جرى تحضّرها على يد الـ (انو) السود ، مع أنه قضي على عدد كبير منهم . لقد إرتكز المؤلف في نظريته على تحليل المشاهد المصّورة على (لوحة نعرمر) التي أكتشفت بواسطة جيمس إدوارد كويبيل (1867 – 1935) عند هيراكمبوليس (الشكل 31) . يقر الرأي الحالي بشكل إجماعي بأن السجناء المصورين على تلك اللوحة بأنوفهم النسرية ، يمثلون الغزاة الأسيويون الذين جرت هزيمتهم ومعاقبتهم على يد الفرعون الذي كانت عاصمته في تلك الحقبة البعيدة في مصر العليا .


إنّ هذا التفسير تؤيده الحقيقة التي مفادها أنّ الأشخاص الذين كانوا يسيرون أمام الملك وينتسبون إلى جيشه المنتصر هم نوبيون ، يرتدون الشارة النوبية مثل رمز إبن آوى والباشق والتي يمكن أن نسميها الطواطم النوبية . إضافة إلى ذلك فإن المعطيات الأثرية لا تدعم فرضية أن السلالة البيضاء نشأت في قلب  أفريقيا . إنّ ذيل الثور المحمول بواسطة الفرعون على هذه اللوحة والذي كان الفراعنة والكهنة يحملونه على الدوام ، لا يزال يحمل في الإحتفالات والمهام الرسمية بواسطة الزعماء الدينيين النيجيريين . الأمر ذاته صحيح بالنسبة للجلباب الذي يرتديه الفرعون والتميمة التي على صدره والتي كانت حاضرة دائما على إمتداد التاريخ المصري . توجد هذه التميمة على صدر أي زعيم زنجي يتولى منصبا فيه مسئولية ، في قبيلة الوولف يسمونه (داك) . يحمل الخادم حذاء الفرعون مشابها للـ (فوجانتي) الزنوج ، كما أن السير خلف الملك وحمل الإبريق له موقف مماثل من الخادم الزنجي المعاصر أو بيك – نك ، مقارنة بـ (باك) باللغة المصرية القديمة . إن حقيقة أن الملك قد خلع نعليه نوحي بأنه على وشك أن يقدم قربانا في مكان مقدس ، إذ عليه أن ينظف أطرافه أولا بماء في الإبريق . لقد عرف عن المصريين أنهم كانوا يمارسون الإغتسال قبل ألآف السنين من ظهور الإسلام . لذا فإن (لوحة نعرمر) ربما صّورت مشهدا طقسيا للتضحية عقب تحقيق إنتصار . إن حالات مشابهة لتقديم القرابين البشرية كانت لا تزال سائدة في أفريقيا حتى أوقات قريبة ، داهومي مثلا . فوق الضحية هناك مشهد يصّور (حورس) وهو ممسك على ما يبدو بحبل يمر عبر مناخير رأس مبتور ، ربما يجسد الحي الذي قدم قربانا للألهة ، متسللا الحبل عبر مناخير الضحايا والتي قبلت بواسطة (حورس) . إنّ (الحياة) و (الأنف) هما كلمتين مترادفتين في لغة الولوف وتستخدم غالبا بشكل متبادل .


ما هي الهوية العرقية للأشخاص الممثلين على هذا الجانب من اللوحة التي أعتقد أنها مقدمة اللوحة وليست مؤخرتها كما يعتقد عموما ؟ إنني مقتنع بأنهم ينتمون إلى ذات السلالة السوداء . للملك شفاه غليظة ، مرتدة بشكل متساوي ، صورته الجانبية لا تستطيع أن تخفي حقيقة أنفه المكتنزة والأمر نفسه ينطبق على كل الأشخاص ، حتى الأسرى الذين في أسفل المشهد الذين فروا بعيدا . الأخيرين مثل الضحايا كانوا على وشك أن يقدموا قرابينا ، لهم شعر مستعار مرتب على شكل طبقات أو إصطفاف ، أسلوب لا زلنا نشاهده في أفريقيا السوداء . هناك غطاء للشعر مشابه يسمى الـ (جمبي)  ترتديه الفتيات ، عدّل على نحو قليل لترتديه النساء المتزوجات وسمي بـ (جيري) وقد إختفى من السنغال قبل نحو (15) عام وحديثا إنقطع الرجال عن ممارسة هذا العرف بسبب الإسلام . إنّ غطاء الشعر هذا لم يعد يشاهد إلا عند (السيرير) غير المسلمين قبل الختان وعند الـ (بيول) . هناك نوع خاص من أغطية الشعر هذه تسمى (نوجمبال) . يخفى شعر الملك وكذلك خادمه بواسطة قلنسوة . في مصر فإن إستخدام هذا الشعر المستعار هو أمر رائج بين كل الطبقات الإجتماعية ، أما في السنغال فهي لا تزال تلبس بواسطة الذين على وشك الختان ، مع أنّ هذا التقليد قد مال للإختفاء تحت تأثير الإسلام . بالنسبة للقلنسوة فهي تصنع بخياطة قطعتين بيضاويتي الشكل بلون أبيض بفتحة واحدة عند اليسار لمرور الرأس . يمنح خشب المامبو الإطار شكلا كالتاج الذي إرتداه فراعنة مصر العليا . عند إرتداء هذه القلنسوة بواسطة الرجال البالغين فإن إطار المامبو ينحى فيما يكون الجزء المستطيل أصغر . إن ذلك ينجم عنه ما سمي بشكل الفلنسوة الفريجية التي نقلها الإغريق إلى العالم الغربي . في (صور ضوئية) نشر مارسيل قرياولي صورا فوتوغرافية لهذه القلنسوات يرتديها الدوجون (شعب أفريقي أسود في مالي) .


يمكن هنا ملاحظة أن الملك يحمل فقط صولجانا في يده اليمنى ، بينما يمسك بيده اليسرى رأس الضحية . ربما يعتبر الصولجان صفة لمصر العليا ، مثلما كان التاج الأبيض . في المشهد الأول ربما بدأ الملك فتح وادي النيل . ربما كانت تلك هي اللحظة التي أخضع فيها رجالا من ذات سلالته إلى هيمنته . تبدأ خلفية اللوحة بمشهد نموذجي : الضحية المقهور ينتمي إلى مدينة (الممقوتين) كما يتبين من الخط الهيروغلوفي كما أشار بذلك (أميلينو) . ربما كانت المدينة المحصنة مدينة في مصر السفلى ، التي سكنتها سلالة تختلف يشكل واضح عن السلالة السوداء في الجانب الأخر : سلالة آسيوية بيضاء ، شعر الأسرى طويل بدون طبقات ، الأنوف طويلة بشكل إستثنائي ونسرية الشكل ، الشفاه باهتة تماما . بإختصار فإن كل السمات العرقية للسلالة التي على الخلف متعارضة تماما لتلك السلالة التي في المقدمة . إننا لا نستطيع ان نفرط في التشديد على حقيقة أن السلالة التي في الخلف هي التي لها فقط ملامح سامية .


بعد هذا الإنتصار الثاني تحقق توحيد مصر العليا والسفلى ويرمز إليه من خلال  مشهد في منتصف خلفية اللوحة : تماثل قطين برأسي أسدين متحفزين ، تشير وضعيتهما إلى القتال إن كانا طليقين ، غير أنهما مقيدين وغير قادرين على إلحاق الضرر بكليهما ، بسبب الحبال الملتفة حول عنقيهما والتي يمسكهما شخصين متماثلين . إن ذلك يرمز إلى التوحيد ، في توافق لتمثيل مميز هو شائع للمصريين والسود عموما . في أعلى المشهد يرتدي الملك تاج مصر السفلى (الوجه البحري) الذي يظهر أنه قد قهرها وأن الفرعون قد أنهى المرحلة الثانية من فتح وادي النيل وهو الآن ممسك بكلتا يديه ما يمكن إعتباره شعاري الوجه القبلي والبحري . هنا يخلع الملك مرة أخرى حذائه التي يحملها خادمه ، حاملا نفس الإبريق ، سائرا خلفه كما في المشهد الذي على الجانب الأمامي . عليه فإننا نفترض أن المكان مكان مقدس وأن الضحايا قد قدموا قربانا حسب الطقوس ولم يجر قتلهم . أمام الملك يقف خمسة أشخاص ، أربعة منهم يحملون أعلاما بها رموز وثنية (طواطم) . من الواضح أن الطواطم الأول  –  الباشق وإبن آوى – تمثل الوجه القبلي ، بينما الطوطم الأخير لا يمثل حيوانا ، بل شيئا غير محدد ربما يجسد رمز الوجه البحري المهزوم .


لكل هذه الأسباب فإن تفسير (أميلينو) يبدو غير مقبول . إن الرأي القائل بأن جميع الأسرى الذين صّوروا كانوا أسيويين ، إنما تعميم يتجاهل تفاصيل اللوحة . إلى حد ما فإن تفسير (أميلينو) بأن كل المهزومين هم نوبيون ، يبدو تقسيرا خاطئا . إن حقيقة أن الأسرى هم نوبيون فعلا قد قاده إلى أن يتجنب الفارق العرقي بين الأخير والضحية الذي سحقه الثور الذي على خلفية اللوحة . وفقا لرؤية (إيميلينو) فإن الأخير لم يكن شعره مصفوفا في طبقات مثل النوبيين الذين على الجانب الآخر . إضافة إلى ذلك فإنه لم يكن يحمل ملامحهم العرقية الأخرى . بتجاهله هذه التفاصيل – عن حسن نية – فإن أميلينو توصل إلى الإستنتاج الذي مفاده أن أن سلالة بيضاء عديمة الثقافة  جاءت من وسط أفريقيا وقهرت الـ (أنو) الزنوج سكان وادي النيل . الواقع أنه حتى إذا ما كان هناك تسللا في فترة ما قبل التاريخ من قبل الآسيويين أو الأوربيين الآوائل ، فإن الزنوج المصريين لم يفقدوا السيطرة على الوضع في بلادهم . تشير بذلك التماثيل العمرية الصغيرة التي صّورت السلالة القاهرة للأجانب . في كتابه (بدايات الفن المصري) قدم عالم الآثار البلجيكي (جيان كابارت) صورة تمثال لأسير أبيض وهوراكع ، يديه مقيدتيان خلف ظهره ، له جديلة شعر طويلة تتدلى من خلفه . 


في نفس تلك الفترة تم العثور على ما يشبه الأعمدة في شكل سيقان أثاث ، تصّور نوع من سلالة بيضاء تعرضت للهزيمة . بالمقارنة فإننا نرى سودا يتجولون بحرية كمواطنين في بلدهم : (( هنا نشاهد أربعة نساء يرتدين أربعة تنورات ، يشبهن تماما النساء السود اللائي جرى تصويرهن على مدافن السلالة الحاكمة الثامنة عشر بما في ذلك مقبرة ( رخمرع ) . مع أنه يبدو غامضا بحيث يعتقد أن الشيء الذي يحملنه هو أذن بقرة ، إلا أنني أميل إلى الإعتقاد بأنه الشكل الأولى للصليب ذي العروة وهو الرمز الذي سرعان ما دخل بعد ذلك علم الدلالات المصرية ولم يبارحها . إن ذلك يشير إلى أن النساء الزنجيات كانوا مطمئنات في ديارهم وهن بين الحيوانات في أرضهم . لكن يبرز السؤال مرة أخرى : كيف يتسنى لمصرييي تلك الحقبة أن يعرفوا حيوانات وسط أفريقيا وسكانها إذا كانوا آسيويين أو ساميين دخلوا وادي النيل عبر برزخ السويس ؟ أليس الوجود الموثق على قطع العاج للحيوانات والسود المذكورين سالفا دليل على أن قاهري مصر جاءوا من وسط أفريقيا ؟ (نفس المرجع ص 425 – 426)) .


بخلاف الأفكار المقبولة بشكل عام فإنه من الواضح أن الوثائق الأكثر عراقة والمتوفرة في التاريخ المصري وتاريخ العالم تصّور السود كمواطنين أحرار ، سادة للبلاد والطبيعة وبجانبهم  أنماط للعديد من السلالات البيضاء التي هي نتاج لتسلل أوروبي وآسيوي ، جرى تصويرهم على أنهم أسرى وأيديهم مغلولة خلف ظهورهم ((ربما يمثلون أصل الأعمدة الممثلة للأشخاص في معبد الأرخثيون في القرن الخامس عشر والتي جرى إقتباسها بواسطة الأغريق بعد ذلك بالآف السنين)) .





msaidway@gmail.com
////////////

 

آراء