الأعراف.. في مواجهة الوصايا العشر
ناجي شريف بابكر
12 March, 2023
12 March, 2023
من خلال محاضراتها المصورة عن القراءات عبر التاريخ، خلصت البروف جاكلين شابي.. أن القرآن تختلف قراءاته باختلاف الأجيال والعهود.. بحيث أن القراءة والتفاسير المصاحبة لها والتي تسود في عهد ما، عليها ان تتوافق مع الرؤى والتحولات التي تسود ذلك العهد..
هذا المنحى إذا ما نظرنا إليه من منظور ان القران كنص سماوي يفترض فيه منطقا ان يستوعب كل المتغيرات الطارئة على المسيرة الإنسانية فلا غبار عليه البتة.
لكن محمله من الخطورة يتمثل في تماهيه مع نزعات تسود الرؤيا الأخلاقية تجاه التجاوزات والفظائع التي ارتكبتها القوى الإستعمارية على مختلف العهود.. التالد منها والطارئ.. لا يستثني ذلك المغول والأشوريين والبابليين والحملات والغزوات العربية لشمال أفريقيا والأندلس وآسيا الوسطى والحملات الصليبية والعثمانيين، ثم مؤخرا الحملات الإستعمارية الأوروبية في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين.
إن الأفعال التي اعتبرتها الكتب السماوية المقدسة آثاما وخطايا، منذ فجر النبوءة الأول والتي جسدتها الوصايا العشر في العهد القديم, ما سبق ذلك من شريعة حمًورابي، وما تلاه في الإنجيل ثم القران .. لا تقتل، لا تسرق لا تزنى.. إلخ.. يجب أن تظل تلك الوصايا كذلك دون تزوير.. على اختلاف العهود والحقب الزمانية..
هذه الرؤيا التي يتبناها مفكرون غربيون وعرب مسلمون للمفارقة، وتتبناها كذلك بروفيسور جاكلين شابي في الفيديو المرفق، والتي تسعى لتغليب السائد على المتنحى، في اعتبار أن الأعراف والتقاليد تغلب على الدلالة السافرة للنص المقدس. حينما تسعى للتبرير لفظائع تاريخية كانت قد سادت العالم في وقت ما، كالإعتداء على اراضي الغير وممتلكاتهم، وإهدار حقهم في الحياة وارتكاب مجازر وإزهاق مئات الآلاف من الأنفس، واتخاذ مئات الآلاف من الناس، رغم أنفهم، عبيدا للسخرة والتكسب. تسعى تلك الحيل أن تبرر لفظائعَ كتلك، من خلال إعتبار أن التقاليد والأعراف وعلاقات الإنتاج السائدة في تلك المجتمعات كانت لا تعتبر مثل تلك الإنتهاكات تجاوزات إنسانية.
بالتالي فإنه بموجب تلك الرؤيا، يصبح لزاما على القراءات السائدة للنصوص المقدسة في تلك الحقب أو حتى تلك التي تليها، الا تتقاطع مع الأعراف السائدة في اعتبار تلك التجاوزات انتهاكات وخطايا.. إنما عليها أن تتماهى معها.. بل علينا نحن كقراء معاصرين للتاريخ، وكضحايا، ان نتجنب الوقوع في خطأ الحكم على تجاوزات وقعت في الماضي من خلال أعراف وقراءات حديثة للنص المقدس، ترى فيما ارتكبه الأولون من تجاوزات وفظائع ما يستوجب الندم والإعتذار، وما يستوجب السعي لتعويض الأحفاد لقاء المكاسب المادية العملاقة التي جنتها أممٌ من الدم والعرق المجاني والعمالة القسرية، تلك التي تم إراقتها وإهدارها في وقت ما وفي أراض بعيدة، من أجل إنشاء إهراماتها وبنياتها التحتية المشهودة، التي جعلت هذه النهضة الحضارية المعاصرة تبدو كإنجاز غير مسبوق، أو كأنها معجزة سماوية خصّ الله بها أحفاد أولئك الأشرار العابثين..
دول كأمريكا وأستراليا ونيوزيلندا، على سبيل المثال لا الحصر، أقامت مستعمراتٍ للغزاة البيض على أجساد الملايين من ضحايا المجازر العرقية التي ارتكبوها في مواجهة السكان الأصليين.. وملوك كليوبولد الثاني الذي أسرف في القتل حتى بلغ عدد ضحاياه المليون قتيل في الكونغو إبان الإستعمار.. دول كفرنسا التي شنت حربا بلا هوادة وقامت باختبارات معملية نووية باسقاط قنابل على آلاف القروببن في صحراء الجزائر ليبلغ عدد القتلى مليونا آخر من الشعب الجزائري.. أخطاءّ فادحةٌ كتلك لن تفلح الدسائس والحيل المعرفية لمثقفي الراسمالية ومنظريها في غسل مرتكبيها من آثامهم، وتطهير أصابعهم من الدماء.
حينما بارك الكرادلة حملات صيد العبيد في افريقيا، وحينما رافق الأساقفة جيوش الغزاة الأنجلوساكسون ليباركوها، وهم في حللهم الكنسية السوداء يحملون الصلبان والأناجيل، لم يكن ذلك كافياً وقتها لأن تشعر روما بالخجل. ذلك لأن القراءة السائدة للنص المقدس كانت تقول أن العبيد لا يدخلون ملكوت الله.. لأن العبيد لا قلوب لهم !!.
هذه الرؤيا فاسدة منطقيا ومغروضة في نفس الوقت، لأنها تحاول متعمدةً تغليب السائد على المتنحي، والخلط مابين المُثُلِ والخطايا.. فالتعاليم المقدسة، لدي المتدينين مسيحيين كانوا او يهودا أو مسلمين، إنما أنزلت لتهذيب الأعراف والتقاليد وتقييدها بمواثيق الفضيلة.. بالتالي فتلك التعاليم تمثل ثوابت المعادلة المنطقية، بينما التقاليد والأعراف تمثل متغيراتها.. لان الأعراف قد تجنح لما يخالف التعاليم أحيانا وما قد يطابقها أحيانا أخرى. إذا كانت النصوص هي المُثُل النظرية، فالأعراف هي تراكم الذاكرة التي تجسد الممارسة التطبيقية بِعِلَّاتها في سعيها واستذكارها للمُثُل.. فحينما كان سادة قريش يئدون مواليدهم من الإناث قبل الرسالة المحمدية، فإن قتل النفس قد كان محرما في التوراة والإنجيل. وحينما نزل القرآن ليعزز ما قبله من النصوص المقدسة، لم تكن اعراف قريش ولا قراءاتها حجةً كافية لتبرير ما كانوا يرتكبونه من الخطايا..
لقد بادرت في طرح رؤاي في مداخلات عديدة وكتعليقات على محاضرة البروف شابي لكن يبدو ان تلك المداخلات قد أثارت سخطها، فلم يسعفها علمها الواسع في أن تمسك عن إتهامي بالجهل والخلط مابين القرآن والوصايا العشر، وربما شريعة حمورابي.
إنتهى
رابط المحاضرة:
https://fb.watch/jcsSayzlX-/?mibextid=RUbZ1f
nagibabiker@hotmail.com
هذا المنحى إذا ما نظرنا إليه من منظور ان القران كنص سماوي يفترض فيه منطقا ان يستوعب كل المتغيرات الطارئة على المسيرة الإنسانية فلا غبار عليه البتة.
لكن محمله من الخطورة يتمثل في تماهيه مع نزعات تسود الرؤيا الأخلاقية تجاه التجاوزات والفظائع التي ارتكبتها القوى الإستعمارية على مختلف العهود.. التالد منها والطارئ.. لا يستثني ذلك المغول والأشوريين والبابليين والحملات والغزوات العربية لشمال أفريقيا والأندلس وآسيا الوسطى والحملات الصليبية والعثمانيين، ثم مؤخرا الحملات الإستعمارية الأوروبية في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين.
إن الأفعال التي اعتبرتها الكتب السماوية المقدسة آثاما وخطايا، منذ فجر النبوءة الأول والتي جسدتها الوصايا العشر في العهد القديم, ما سبق ذلك من شريعة حمًورابي، وما تلاه في الإنجيل ثم القران .. لا تقتل، لا تسرق لا تزنى.. إلخ.. يجب أن تظل تلك الوصايا كذلك دون تزوير.. على اختلاف العهود والحقب الزمانية..
هذه الرؤيا التي يتبناها مفكرون غربيون وعرب مسلمون للمفارقة، وتتبناها كذلك بروفيسور جاكلين شابي في الفيديو المرفق، والتي تسعى لتغليب السائد على المتنحى، في اعتبار أن الأعراف والتقاليد تغلب على الدلالة السافرة للنص المقدس. حينما تسعى للتبرير لفظائع تاريخية كانت قد سادت العالم في وقت ما، كالإعتداء على اراضي الغير وممتلكاتهم، وإهدار حقهم في الحياة وارتكاب مجازر وإزهاق مئات الآلاف من الأنفس، واتخاذ مئات الآلاف من الناس، رغم أنفهم، عبيدا للسخرة والتكسب. تسعى تلك الحيل أن تبرر لفظائعَ كتلك، من خلال إعتبار أن التقاليد والأعراف وعلاقات الإنتاج السائدة في تلك المجتمعات كانت لا تعتبر مثل تلك الإنتهاكات تجاوزات إنسانية.
بالتالي فإنه بموجب تلك الرؤيا، يصبح لزاما على القراءات السائدة للنصوص المقدسة في تلك الحقب أو حتى تلك التي تليها، الا تتقاطع مع الأعراف السائدة في اعتبار تلك التجاوزات انتهاكات وخطايا.. إنما عليها أن تتماهى معها.. بل علينا نحن كقراء معاصرين للتاريخ، وكضحايا، ان نتجنب الوقوع في خطأ الحكم على تجاوزات وقعت في الماضي من خلال أعراف وقراءات حديثة للنص المقدس، ترى فيما ارتكبه الأولون من تجاوزات وفظائع ما يستوجب الندم والإعتذار، وما يستوجب السعي لتعويض الأحفاد لقاء المكاسب المادية العملاقة التي جنتها أممٌ من الدم والعرق المجاني والعمالة القسرية، تلك التي تم إراقتها وإهدارها في وقت ما وفي أراض بعيدة، من أجل إنشاء إهراماتها وبنياتها التحتية المشهودة، التي جعلت هذه النهضة الحضارية المعاصرة تبدو كإنجاز غير مسبوق، أو كأنها معجزة سماوية خصّ الله بها أحفاد أولئك الأشرار العابثين..
دول كأمريكا وأستراليا ونيوزيلندا، على سبيل المثال لا الحصر، أقامت مستعمراتٍ للغزاة البيض على أجساد الملايين من ضحايا المجازر العرقية التي ارتكبوها في مواجهة السكان الأصليين.. وملوك كليوبولد الثاني الذي أسرف في القتل حتى بلغ عدد ضحاياه المليون قتيل في الكونغو إبان الإستعمار.. دول كفرنسا التي شنت حربا بلا هوادة وقامت باختبارات معملية نووية باسقاط قنابل على آلاف القروببن في صحراء الجزائر ليبلغ عدد القتلى مليونا آخر من الشعب الجزائري.. أخطاءّ فادحةٌ كتلك لن تفلح الدسائس والحيل المعرفية لمثقفي الراسمالية ومنظريها في غسل مرتكبيها من آثامهم، وتطهير أصابعهم من الدماء.
حينما بارك الكرادلة حملات صيد العبيد في افريقيا، وحينما رافق الأساقفة جيوش الغزاة الأنجلوساكسون ليباركوها، وهم في حللهم الكنسية السوداء يحملون الصلبان والأناجيل، لم يكن ذلك كافياً وقتها لأن تشعر روما بالخجل. ذلك لأن القراءة السائدة للنص المقدس كانت تقول أن العبيد لا يدخلون ملكوت الله.. لأن العبيد لا قلوب لهم !!.
هذه الرؤيا فاسدة منطقيا ومغروضة في نفس الوقت، لأنها تحاول متعمدةً تغليب السائد على المتنحي، والخلط مابين المُثُلِ والخطايا.. فالتعاليم المقدسة، لدي المتدينين مسيحيين كانوا او يهودا أو مسلمين، إنما أنزلت لتهذيب الأعراف والتقاليد وتقييدها بمواثيق الفضيلة.. بالتالي فتلك التعاليم تمثل ثوابت المعادلة المنطقية، بينما التقاليد والأعراف تمثل متغيراتها.. لان الأعراف قد تجنح لما يخالف التعاليم أحيانا وما قد يطابقها أحيانا أخرى. إذا كانت النصوص هي المُثُل النظرية، فالأعراف هي تراكم الذاكرة التي تجسد الممارسة التطبيقية بِعِلَّاتها في سعيها واستذكارها للمُثُل.. فحينما كان سادة قريش يئدون مواليدهم من الإناث قبل الرسالة المحمدية، فإن قتل النفس قد كان محرما في التوراة والإنجيل. وحينما نزل القرآن ليعزز ما قبله من النصوص المقدسة، لم تكن اعراف قريش ولا قراءاتها حجةً كافية لتبرير ما كانوا يرتكبونه من الخطايا..
لقد بادرت في طرح رؤاي في مداخلات عديدة وكتعليقات على محاضرة البروف شابي لكن يبدو ان تلك المداخلات قد أثارت سخطها، فلم يسعفها علمها الواسع في أن تمسك عن إتهامي بالجهل والخلط مابين القرآن والوصايا العشر، وربما شريعة حمورابي.
إنتهى
رابط المحاضرة:
https://fb.watch/jcsSayzlX-/?mibextid=RUbZ1f
nagibabiker@hotmail.com