الاقتصاد وعالم المال مرتبط إرتباط وثيق بحياة الناس وسلوكهم وعاداتهم تجاه التعامل مع التنمية الاقتصادية في البيئة التي يعيشون فيها، لذلك لم يغفل الاقتصاديون بإن الإنسان جزء لا يتجزأ من المشكلة الاقتصادية وقد يكون هو من يتسبب في التطور والنماء كما قد يكون المسبب الاساسي في إعاقة النمو والتطور. عالم المال والاقتصاد عالم سريع التغيير من حال الي حال سلبآ وإيجابآ، لذلك لايصح أن نركن لحقبة تاريخية ماضية زاهره ونفترض إستمراريتها ، والعكس إذا لم يكن هناك قدر من القياس لمعدلات النمو وتلافي أسباب القصور. فالاقتصاد النامي ينظر للمستقبل وتطوره ويستصحب التاريخ لقياس ما حققوه من تطور في حقبة زمنية سابقة. الاقتصاد الحديث يحتاج إلي أكثر من ماضي حافل بمشروعات سابقة غير متجدده ،بل يحتاج لحاضر واقعي يواكب التطورات التكنلوجيه والمجتمعية وواقع الانفتاح علي العالم والاندماج فيه ليصبح جزء منه . واذا أخذنا مثال لوطننا السودان لابد أن نذكر أنه محظوظ بهبات ربانية طبيعية قلما توجد في مكان واحد منها الماء والارض المنبسطه، غير أنه ينقصه الانسان الخلاق المبدع أو قد يكون موجود ولكن لا يستخدم إبداعه في إستغلال ما لديه من نعم الله ، فالاقتصاد النامي الحديث يعتمد علي القدرة الابداعية لتحويل الموجودات البسيطه لاشياء نافعة كبيرة بأقل جهد وفي أقصر مدة زمنية ممكنه. نحتاج إلي اجيال تبدع في مجالات متعددة حتى تغطي كافة إحتياجيات المجتمع ، فالسودان لديه عدد من السكان ما يكفي لتغطية كافة إحتياجات المجتمع دون تهميش لبعض المهن وتحقيرها ، مما يتسبب في عزل النشاط الاقتصادي الخدمي لعدم تقبل المجتمع له رغم الاحتياج الفعلي له، ولرفع من همم هذه المهن التي ينعتها المجتمع (بالهامشية) بتغيير مسمياتها ومنحها ميزات تفضيلية حتي تكون جاذبه للممارستها. مجتمعنا لديه نظره تقليدية قديمة في قبول كثير من المهن التي في معتقداتهم لاترفع من شأنهم في الاوساط المجتمعية هذا خلاف ما إذا سببت لهم إحراج ، والتهميش والنظرة التقليدية طالت حتي المهن التي تحتاج إلي موهبه ربانية ومقدرات فردية مثل المهن الفنية التي لابد من وجودها في المجتمع لتمثل الحس الفني وجزء من مكوناته، فلا يعقل أن نستجلب عمالة خارجية لتعمل في مجال التمثيل مثلا في دولة لا تعطي أهمية للفنون والمسرح ، في وقت أصبح لفن التمثيل سوق إقتصادي رائج وصناعة تدر أموالآ طائلة في جميع العالم. نأتي لمشكلة اقتصادية أخري مفادها سوق المحاكاة ، فكثير من المشروعات صغيرة أو كبيرة يصيبها الكساد بسبب تقليد نفس المشروع دون وجود قوي شرائية كافية وبالتالي كساد السوق ، طالت حتي الزراعة (الحرفة الرئيسية) لهذا المجتمع وتسببت في فشل مواسم زراعية بسبب زراعة كل المشاريع لمحصول واحد در ربح في الموسم السابق فيصاب بكساد منطقي في العام الاخر وكل ذلك لعدم وجود دراسة الجدوي وتوجيه من الجهات المسئوله لإحتياج السوق وكيفية تصريف الفائض منه أو حتي حفظه، فحرفة التجارة بمفهومها الحديث والقديم مبنية علي دراسة جدوي وخبرة عملية ،خاصة لمجتمع لم تكن التجارة هي الحرفة الاساسية له لتنتقل الخبرة عبر المعرفة السابقة.
تنمية روح الابتكار لاتنشأ من عدم، فهي تدرب في مجتمعات أخري من خلال التعليم الاولي للسكان بأن علي كل طالب الاتيان بموضوع مختلف غير مسبوق وبالممارسة يرفض الشخص الخلاق التكرار للافكار السابقة وقد يعدل فيها بالإضافة للاتيان بشئ جديد ، هذا خلاف مبدأ فكره الكساد العام في الإبداع يولد نوع من عدم القبول للمبدعين في كافة المجالات وهذا سلوك مضر بالاقتصاد المجتمعي والاقتصاد بصوره كلية. لذلك علي المؤسسات التعليمية تغيير مفاهيم المجتمع بدآ بقبول التخصصات للدارسين في مراحل التعليم وتعلية همم المهن وقيمتها في المجتمع و التي تساهم في تنمية الدولة، والتخلي عن نظرة الاستعلاء لكثير من المهن . كذلك لابد للمجتمع من تغيير من بعض عاداته ، بقبول فكر الإحلال والابدال في العمل وتهيئة الاجيال الجديدة للمساهمة في العمل بكافة أنواعه من خلال أن توفر فرص لاشراك فئات الشباب في جميع جوانب الحياة لتطوير المجتمع الاقتصادي والإداري بمفاهيم وأساليب فيها شئ من التجديد، وإعمال دور المتقاعد كمستشار للاستفادة منهم أيضا، حيث درجت مجتمعاتنا علي التعامل مع المتعاقدين من العمل كأشخاص غير فعالين مما حذا بهم التمسك بالعمل لسن تفوق المقرره في قوانين العمل لتجنب الاقصاء المجتمعي وبالتالي هم يحرمون الاجيال الاخري من التسلسل الطبيعي للحياة ، ويحبذ منح المتقاعدين وظائف إستشارية تشريفية ، مما تتيح لهم فرصة التمتع بحياتهم الاجتماعية دون التقييد بالروتين الوظيفي مثلآ.
كذلك نجد أن التركيبة العمرية للسكان أصبحت أحد مقاييس التخطيط الإقتصادي ، فدولة مثل المملكة العربية السعودية تصنف بأنها دولة فتية وذلك من واقع أن ثلث السكان هم في سن الشباب ، وبالتالي يتوقع أن يستفاد منهم في تنمية المجتمع في المرحلة المقبلة دون الحوجة للإعتماد علي العمالة الاجنبية، وبذات القدر السودان يعتبر دولة فتية من المتوقع أن يسهموا في التمنية الاقتصادية إذا توفرت لهم الفرص المناسبة ، فالنمو الاقتصادى يحتاج الي معينات من المجتمع نفسه بتوظيف التركيبة السكانية وفق الإحتياج ، دون إقصاء لدور المرأة في المجتمع ودون تهميش لبعض المهن، يحتاج لقبول الآخر ويحتاج الي التخلي عن بعض المورثات السالبة من عدم إحترام للوقت والعمل من خلال المناهج التعليمية ،والاعلام الموجه وعدم ترسيخ أنها صفات من الشخصية والمجتمع اللذان يحتاجان للتعليم ونظم وقوانين للتعديل من الممارسات السالبة مع تنمية الروح الإيجابية لإعمال الفكر والإبتكار لتحسين الاوضاع الاقتصادية دون تعالي علي نوعية العمل مادام في إطار الكسب الحلال.
nazikelhashmi@hotmail.com