الانتخابات وضرورة التغيير
9 March, 2010
alnahlan.new@hotmail.com
أصبح التغيير هو الشعار الغالب في شتى المحافل العالمية، و هو النداء البرّاق الكفيل بتحقيق الشعبية العارمة التي تشمل نطاقاً واسعاً من الشباب الفعّال المتلظي بنيران واقع يريد الفكاك من إساره؛ فعلى صهوة خيول التغير اكتسح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ولم تنحصر شعبيته على نطاق محصور من أمته وقفاً؛ بل فشت ونمت حتى صار أوباما حلماً عالمياً عُلقت عليه الآمال وصيغت الأحلام، وما ذلك إلا تولهاً بشعار التغيير، وعلى نغماته تتبارى التيارات في التوصيف وعلى سيرته تتقاطر الجموع صادقة وراغبة في انتهاجه، ولعل الأمر الآكد في هذا الخضم العارم هو أن التغيير أصبح ضرورة و لازماً يجب أن يتعدى مرحلة الشعار والرغبة إلى التنزيل و التنفيذ.
التغيير ليس مطلباً تحده الحدود لينحصر داخل إطار تنظيمٍ أو دولةٍ أو منظمة إقليمية بل إنه يفرض نفسه حتى على إطار الخطابات الإستراتيجية العالمية و الرؤى القومية و الإنسانية، و إعادة موازنات القوى العالمية، فبعد سنوات من القطبية الواحدة التي كانت تسوق العالم إلى هديها و رؤيتها، نرى اليوم تغيراً يناقض المسلمات التي تكونت خلال العقود الماضية، إذ تحاول قوى عالمية مثل الصين والهند واليابان ومثيلاتها من القوى الحديثة الدخول برؤية جديدة، وهي تسعى جاهدة لفرض نفسها كقوى عالمية؛ فالصين –مثلاً- نجحت من حيث الأرقام والمنطق الرقمي في تشكيل بعد مهدد للقطب الأوحد وإن كان يُعاب عليها غياب معنى المشاركة الديمقراطية وضيق إطار الحريات الحقيقية! و لكنها تُطِل كقوة مهمة قد تغلِب وتسود بعد أن بدى المد الحضاري لها في الإتساع، و إذا ما بُسطت فيها الحريات و مكنتها فإنها ستكون منافساً قوياً، و تُطِل الهند أيضاً كرقم مهم في الخارطة العالمية وهي أمة تضطرد نجاحاتها على صُعد مهمة وحيوية، وينضاف إلى مزاياها أن بها قدرا من الديمقراطية يؤهلها لتصبح ذات ثقل حقيقي على المدى المستقبلي، ولسنا نهضم حظوظ اليابان إلا أن تهديدها ينحصر في مناحي الإقتصاد السلمية، و زائداً إلى هذه المسميات الإتحاد الأروبي الذي بدأ يُرتب أولوياته من جديد ليطرح فكر العولمة بديلاً للثقافة الأحادية التي تسعى بدت تستشري إبان عهد القطب وهو يطرح نفسه الآن كما يرى المراقبون (القطب العولمي الجديد)، تزامناً مع هذا كله تطل روسيا لتؤكد أنها جديرة بلعب دور الإتحاد السوفيتي وبجدارة -هذه المرة- و تتبدى هذه الملامح في تطورها العسكري (المذهل) الذي دفعها لتغير (عقيدتها) العسكرية؛ بكل المقاييس فإن عهد القطب الواحد بدأ في الإنحسار، خاصة بعد الزلازل الإقتصادية والأخلاقية والسياسية الأخيرة، ولربما نشهد قريباً عالماً ثانياً يلي الأول ويقابله منافسةً تعيد للقوى توازنها، تنافساً حميداً يعود بالخير على البشرية.
في هذه البحور من التغيرات تجرى الإنتخابات السودانية، وياله من تحدي -لو تعلمون- عظيم! ولا يقتصر التحدي فيها على المناخ العالمي المتوتر و المتنافس و الحرج، بل زاد نارها أواراً المشاكل الداخلية والأزمات المعقدة والإبتلاءات المتوالية التي تجعل من الإنتخابات تحدياً مصيرياً، وهنا تكمن خطورة الأمر وحساسيته الأكيدة، فالمخاطبات الآنية تُلزم الأحزاب السياسية على طرح برامج خدمية تخاطب مشاكل المواطن وتجد الحل لها، وهي نظرة نجزم بأهميتها، ولكن ما نؤكد عليه، هو مخاطبة محور إيجاد وضع ملائم للأمة في خضم التغيرات المتوالية التي تعصف بالمنطقة، واتخاذ أرضية ثابتة تؤسس للإنطلاقات الخدمية المشار إليها، وهنا نتكئ على برنامج الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل، ونشيد بمرشحه الأستاذ المناضل (الريس) حاتم السر -المحامي- الذي رسم خطاً أصيلاً و عزيزاً يشبه الحزب الإتحادي المعطاء، فسرد برنامجاً انتخابياً واعياً ارتكز على هموم الوطن ولم يهمل المواطن الإستراتيجية الهامة، فمثل رؤية حقيقة –عملية- تؤدي لرفع المعاناة عن المواطن، وتجلب الخير للأمة.
الإنتخابات بوابة الديمقراطية ومسلك حميد يجب أن نحسن استغلاله، و هو مدخل أصيل لنهضة حقيقية تضع الأمة في المسار الصحيح، ولكن شرط ذلك أن تأتي منزهة عن التلبيس والتزوير، مبرأة من الجبر والإحتكار و الغش، وقد تتحول إلى كارثة إذا جاءت صوريةً تتلبس لبوس الديمقراطية وهي كافرة بقيمها، فحينها لن تكون إلا بهتاناً ومضيعة لوقت الأمة ومالها، الإنتخابات التي تؤسس لدولتنا المنشودة ينبغي أن يكون الحوار فيها حوار برامج ورؤى وأفكار، و المناظرات مناظرات في أبعاد حقيقية للأزمة وقضايا أصلية تخاطب المواطن ومصير وهوية الوطن، بعيدةً عن (المهاترات) السياسية ومنطق (فش) الغبائن، إن رجحان الديمقراطية و سبيلها (الإنتخابات) كمنهج يستقوي بفرضية أنها تمنح براحاً للشورى ومداولة الآراء، حول الحلول الحقيقية لمشاكل الوطن، وحتى يرى الحاكم أن هناك رأي ورأي آخر، فتزيد بكثرة الآراء احتمالات الصواب، وقد أشار البُحاث أن الأمم التي تريد نهضةً تواكب بها ايقاع الحضارة المضطرد، لا تحسن صنع ذلك مالم تُعيد للمواطن هيبته، وتتواضع على حدٍ ادنى من الإجماع على قضايا الوطن ، فحكم الشعب يؤسس لأن تتوافق إرادة النهضة مع من له مصلحة منها، فتندفع بإذن الله.
إن الذي نطالب به الآن هو وضع برنامج واحد للتعامل مع المتغيرات الدولية، ورسم خارطة طريق متحدة تجاه العلاقات الدولية، بما يعيد للسودان هيبته، ورمزيته، فإن للسودان الآن قضايا دولية شائكة، يجب على المرشحين تناولها، ووضع استراتيجيات واضحة في كيفية الإستفادة منها، فإن الأمة اليوم لم تعد تتأثر بمتغيرات الداخل فحسب بل أضحت ذات مد عالمي وتأثر بمتغيراته، والبرنامج الناجح يستطيع ان ينقل السودان من محنة افريقيا إلى منحة العالم، و من بؤرة توتر ونزاع إلى بذرة نفع وسلام وتنمية، فيجب أن يتفق قادة هذا الوطن على الخطاب العالمي لأمة السودان. و الإتجاه نحو العولمة أو نحو الإنغلاق! نحو ترجيح كفة تيار عالمي أو تكوين لبنة لتيار جديد، أسئلة يجب أن تعد لها الصياغات المناسبة، صياغة موحدة لكل القوى وجواب متراض عليه.
إن الرعيل الأول وجيل الإستقلال الجيد، بل وقبل ذلك على امتداد تاريخ الحركة الوطنية الماجدة، أحسنوا استغلال المتحركات العالمية لمصلحة السودان، وساهموا بذكاء في رسم خارطة العالم، عبر مواقف مشهودة، فكان للسودان دوره المهم، في تشكيل تاريخ القرن الماضي، وتحقق ذلك لأن قادته اجمعوا على النقاط الرئيسية لمخاطبة المتغيرات العالمية فاستطاعوا عبرها وعبر التنسيق الداخلي انتزاع الإستقلال واكتساب دور ريادي هام، فكانوا دعماً لحركات التحرر الافريقية والعالمية بالرأي و ما دون ذلك وفوقه، و كان لهم من المجد و المقام السني ما جعل مواطن السودان مقام احترام وتقدير في كل أصقاع العالم، فتفوق السوداني –حينها- على رصيفه في كل الاتجاهات.
السباق نحو القصر الرئاسي ومجالس التشريع أمر طبيعي، و شحذ الجماهير له صحيٌّ ومطلوب، ولكن لا بد أن يتم ذلك عقب الإتفاق على أسس و توفير ضمانات مناسبة، لذلك فإننا لا زلنا ننادي بضرورة تأمين المناخ السياسي، الذي لا زلنا نراه غير مأمون، ونطالب بضرورة الوقوف عليه، فإن العديد من الدول و مراكز البحوث تشدد على التريث، فإن الإنتخابات مالم تنضبط بضوابط متفق عليها يُخشى تفلتها.
و الأمل كل الأمل أن يمد الله أهل السودان بالمحبة، فيتوادوا ويتداولوا أمرمهم بالحسنى، ويهيئ لهم المناخ الملائم لمخاطبة المشاكل التي بدأت تزحف وتدخل في مجتمعهم وتهدده، مثل العنف في المدارس و الجامعات و تفشي المخدرات وارتفاع معدلات التوتر الاسري وإشكالات اجتماعية خطيرة تطل بقرونها، وهذا أمور لا تحاربها الدولة فحسب ولا تندحر مالم يتوافق كل (قيادات) السودان، ومالم تعود مكونات المجتمع الأساسية متكونة في الطرق الصوفية و الأحزاب السياسية كوعاء لتداول الآراء وتهذيبها و بثها في إطار مؤسس ومسؤول، وبهذا فإن هذه الآليات تستطيع مقاومة قرون المشاكل العصية ودحرها بمنطق يتناسب وتكوين الشعب ويكون بذلك خير السودان.
إن مستقبل السودان اليوم بيد قادته وأشياخه و رجاله، ولا سبيل إلى قيامهم بدورهم المنشود إلا عبر بوابة الوفاق الجامع، ومنصة الحد الأدنى من الإجماع الوطني، و التغيير يبدأ بتدارك أخطاء الماضي، وصياغة برامج حقيقية، وتقبل الآخر ، وتغليب ثقافة الحوار و المفاكرة و الشورى، وتمتين احترام الرموز السياسية والدينية، و(توسيع المواعين)، فإنه لا فشل إلا من تشتت، و لاذهاب للريح إلا من اختلاف، ولو صحت النوايا فإن السودان سيكون نواة التغيير لا في محيطه الإقليمي فحسب بل في العالم، تغييراً نحو المحبة والسلام، نحو تقبل الآخر، نحو سيادة ثقافة احترام الإنسان، هذا وبالله العون بادية وختاماً.