البت سعاد ..!
منى أبو زيد
16 January, 2012
16 January, 2012
في ميزانيات الدول هنالك علاقة مباشرة بين تفاقم الديون وارتفاع النفقات العامة، بسبب تعثر الاقتصاد، وقد تلجأ الدولة إلى ضخ أموال في شركات ومؤسسات كبرى لإنقاذها من الانهيار (مشروع إنقاذ بريطانيا من تداعيات الأزمة الاقتصادية كلفها أكثر من ثمانمائة مليار جنيه إسترليني، ذهب ما يقارب الربع منها لتوفيق أوضاع البنوك) ..!
هناك مقولة حصيفة لـ كاتب اسكندنافي – لا أذكر اسمه – تقول (إذا كان المال يعني الثراء، فإن الديون تعني المال أيضاً!) .. والدليل أن أزمة الرهن العقاري قوضت مفهوم العلاقة الطردية بين درجة الفقر ومقدار الديون، فأصبح السلف - بحسب مبادئ الحداثة الاقتصادية - هو الوجه الآخر للثروة ..!
توماس جيفرسون - الرئيس الأسبق للولايات المتحدة – له عبارة مماثلة يقول فيها إن (الديون هي عملية إنفاق المال قبل الحصول عليه)، فالثروة وفقاً لذلك ما عادت تعني تكديس الأوراق النقدية، أو امتلاك الأصول والعقارات فقط، بل برصيد المستثمر من العلاقات ومقدراته على كسب تسهيلات البنوك والمستثمرين ..!
معظم الأسر السودانية المحسوبة على الطبقة المتوسطة تعيش اليوم - رغم الغلاء وتفاقم النفقات - تحت ضغوط الأقساط والديون بهدف تحقيق مظهر اجتماعي تغلب عليه المبالغة مقارنة بمستوى الدخل الحقيقي لمصادر رزقها .. والسبب بحسب مصارع الرجال يكمن في قسوة طموح النساء ..!
فلولا "ركزة" العاشق في حضرة "البت سعاد" (أيقونة المرأة الحلم في رائعة الدوش)، ولولا إصرار "البت سعاد" نفسها على ازدراء الخاطب الذي لا يملك من أسباب سعة العيش - ما يؤهله للصمود تحت سياط الأزمات الاقتصادية – لما أصبحت الديون في مجتمعاتنا هي الوجه الآخر لسعة العيش ..!
كلما أتى ذكر ديون الرجل "فتش عن المرأة" فطموح الحبيبات والخطيبات وربات المنازل – بحسب معظم المدينين - هو الوجه الآخر لتاريخ ديون الأسرة .. والدليل أن قيمة ومواصفات "القربان" - كسبب رئيس للقبول أو الرفض – بقيت حاضرة كلما تقدم رجل للزواج من امرأة، منذ عهد قابيل وهابيل وحتى آخر زيجة في العالم! ..
وفي الأدب العالمي شواهد كثيرة تشد من أزر هذا المعنى .. فلولا إصرار "بسانيو" على الزواج من "بورشيا" ابنة الدوق "بالمونت" في مسرحية شكسبير، "تاجر البندقية"، لما اضطر صديقه "انطونيو" لاقتراض المال من المرابي "شايلوك" .. ولولا لعنة "جوليا" زميلته في العمل لما تعرض "سميث" بطل رواية (1984) لجورج أورويل للعقاب بدلاً عنها ..!
بعض الأضابير التاريخية أيضاً تقول إن المعاملة بالديون نشأت في عصر الفراعنة والسومريين، عندما كان ميزان العدالة وقتها في يد النساء كما يظهر جلياً في معظم الحفريات والصور والنقوش القديمة، وفي أحلك المآسي التي تعرض لها أبطال الأساطير اليونانية، كان ميزان العدالة دوماً في أيدي النساء ..!
هي محض افتراضات لا ترتقي لمراتب القناعة، وعلى كل حال – كانت المرأة سبباً أم لم تكن – المؤكد هو أن الديون في مجتمعنا المحلي أصبحت قاسماً مشتركاً طريفاً بين الغني والفقير، مع فارق سهل/ممتنع، مفاده أن الأول يتفنن في إغراقها، أما الثاني فـيبقى غارقاً فيها ..!
munaabuzaid2@gmail.com