طالعت في "فوربس" بقلم الكاتبة جهاد عباس موضوع بعنوان "قطاع الألبان السعودي ينتج 7 ملايين ليتر يوميا ويدر 7 مليارات دولار سنويا". ومن بين الارقام التي وردت في المقال أيضا، أن هناك 10 ألف شاحنة تنقل الالبان يومياً، وأن هناك 10 ألف عامل سعودي يعملون في 12 شركة متخصصة ، كما أن المملكة السعودية اكتفت ذاتيا وتصدر ما بين 20 الى 30 في المائة من إنتاجها. و فوجئت بأن عدد الابقار في الحيازات الزراعية هو 30 ألف راس وفي المزارع المتخصصة 364 ألف راس، أي أن المجموع يقارب ال 400.000 الف بقرة..
ذلك الأمر ينقلني مباشرة لدولة الامارات المتحدة حيث "أظهرت بيانات وزارة الاقتصاد الإماراتية أن القيمـة الإجمالية لتجارة الإمارات الخارجية مـن الألبان ومشتقاتها بلغت فـي العام الماضي نحـو 2.33 مليـار دولار وتوجد 17 مزرعة أبقار تجارية في الإمارات.
ما سبق كان مثال لدولتين عربيتين صحراويتين ورغم ذلك وصلت للاكتفاء الذاتي من الحليب، أما إذا تواصل الحديث لدولة مثل هولندا التي تبلغ مساحتها ضعفين مساحة الخرطوم فقط، ورغم استصلاحها للأراضي ولكنها تبقى عالية الحموضة ولا تصلح لزراعة الخضروات والحبوب ولكنها تناسب زراعة العشب، ولذلك تم تجفيف كثير من الأراضي البحرية وحولت إلى مراع خضراء لتربية الأبقار التي يبلغ عددها 3.753.751 مليون رأس من الأبقار.
ويصل إنتاج البقرة الواحدة من 5,000 إلى 6,000 لتر سنويا، في حين يصل انتاج البقرة الواحدة في الدول الفقيرة 1000 لتر فقط.
لعل الكثيرون من الشعب السوداني سيصابون بالدهشة عندما يستمعون لمؤسس شركة الروابي والمدير التنفيذي لها المواطن السوداني والبروفسور أحمد التجاني وتصريحه في 22/02/2017م (كان تحدياً كبيراً أن نقيم مزرعة لإنتاج الألبان وسط الصحراء). ويجب ان نعلم أن شركة الروابي تضم في حظائرها أكثر من 13000 ألف رأس من الأبقار وتنتج ما يقارب من 275 ألف ليتر من الحليب يومياً.
تزداد دهشة المواطن السوداني إذا علم بأنه وبحسب ما أورده د. محمد حسن بتاريخ 31/03/2015م فأن (السودان هو ثالث دولة في تعداد ابقار اللبن في العالم وتعاني من نقصان الحليب)،ويستورد من الدنمارك وهولندا البان بقيمة مائة مليون دولار سنويا، ثم تتواصل الدهشة إذا علمنا أن متوسط إنتاج البقرة اليومي في السودان 10 لتر، بينما في هولندا 50 لتر أي خمس اضعاف البقرة السودانية في السودان
وبحسب د. مجمد حسن فإن (اقتصادية ادارة الابقار ليست في انتاج الحليب لأنه محسوم انما في سرعة الولادات) . ولعلي اختم اندهاش القاريء بما أورده خبير الانتاج الحيواني البروفيسور عمر عبدالرحيم في 19/08/2018 م من أن "عائد الطن من اللحوم يعادل عائد قيمة 121 برميل نفط"، حيث يعادل سعر طن اللحوم اربعة الاف دولار
يبقى السؤال عن كيفية الاستفادة من إمكانيات السودان الهائلة والتي تقدر بقرابة ال 140 مليون راس من الماشية، ضمنها قرابة 40 مليون من الابقار، 33 مليون راس من الضان،37 مليون رأس من الماعز، 5 مليون رأس من الابل، ذكرنا أعلاه، اكتفت السعودية ذاتيا من خلال 400 الف بقرة-، فيمكن إذن للسودان أن يصل للاكتفاء الذاتي من اللحوم والألبان ويصدر الى دول الخارج لحوم وألبان وعصائر وغيرها من مصنعات ذات القيمة المضافة بما قد يفوق ال 5 مليار دولار سنويا، مع العلم بأن صادرات الثروة الحيوانية في 2018م بلغت مليار دولار،
خاصة مع وجود سلالات مختلفة ومتعددة المزايا من الابقار في السودان، فهناك أبقار البقار-البطانة- وأبقار الزيبو –جنوب السودان- وأبقار السافنا والابقار الوافدة وسلالات أخرى، ولعل أهم ما "يميز اللحوم السودانية أنها ذات جودة عالية لاعتمادها على المراعي الطبيعية".
قمت أدناه بتلخيص عدة مقالات تتحدث عن الثروة السمكية الايرانية وخاصة منتج الكافيار ويلاحظ التنسيق بين المرجعيات الدينية والحكومة التنفيذية لتطوير حقل الثروة السمكية بتوفير بيئة مثالية كمصدر دخل مهم لإيران فبالرغم من أن الفقه الشيعي يعتبر أن الأسماك ذات المقاييس هي فقط الأسماك الحلال ولكن رغم ذلك ، اجتمع العديد من الشخصيات الدينية والأكاديميين في 5 فبراير 1983 للإدلاء بشهادة مكتوبة بأن سمك الحفش له موازين. وبالتالي أصدر الخميني فتوى أعلن فيها أن سمك الحفش-سمك الكافيار- حلال وصالح للاستهلاك". ويقول البعض أن الدافع وراء القرار كان لاعتبارات اقتصادية...على عكس المزارع في أوروبا...فإن مياه بحر قزوين النقية هي الموئل الطبيعي لأسماك الحفش وبالتالي توفر نظام إيكولوجي ممتاز يضمن جودة عالية.
ولكن لم تتحسن نوعية الكافيار الإيراني إلا بفضل التنظيم الصارم من قبل الحكومة الإيرانية ، وهذا هو السبب في إنتاج الكافيار ممتازة مرارا وتكرارا. و بحسب نبي الله خون ميرزائي رئيس منظمة صيد الأسماك الإيرانية تبوأت إيران المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج أسماك السلمون المرقط، وتخطط إيران لإنتاج مئة طن من الكافيار، وعشرة آلاف طن من لحم سمكه، مع حلول عام 2025. وقد أعلن رئيس منظمة الثروة السمكية الايرانية عن انتاج 1.28 مليون طن منتجات سمكية في السنة المالية المنتهية في 19 مارس2020. تقارب 5 مليار دولار. هذا الرقم يجعلني أصرخ بأنهم "يصنعون من الفسيخ" مليارات!!! فما بالنا نحن مع قرابة 140 مليون رأس من الماشية!!!
لعل جائحة الكرونا من ناحية ومشاكل نقص المياه من ناحية أخرى ينبه الى ضرورة الانتباه للأمن الغذائي واعتباره هدف استراتيجي يمكن التفوق فيه بقليل من الاهتمام الحكومي والشعبي والتخطيط الجيد. والاستثمار بطرق علمية .
بداية بالاهتمام بالثروة الحيوانية ككل وجعل وزارتها وهيئاتها من اهم الوزارات. وتأهيل العاملين في الحقل البيطري وكذلك تأهيل الرعاة وتطوير مراكز البحوث وتطوير السلالات.
الاهتمام بالرعي من خلال توفير بيئة سليمة للحيوان تتوفر فيها الاعلاف الطبيعية والمصنعة برعاية طبية علمية، والاعتناء بصحته ومداوته، ووجود قاعدة بيانات واضحة بكل ما يخص الماشية. وهذا يقود للاهتمام بالأعلاف زراعة وصناعة، وتطوير كل الصناعات المرتبطة باللحوم والالبان وغيرها، كذلك من الأساسيات الاهتمام بالنقل بإيجاد سكك حديدية جيدة ثم مواعين مواكبة للشروط الدولية للتصدير من حيث التكييف والتبريد والتخزين. إيجاد سوق في افريقيا واسيا واوربا يشجع على زيادة الإنتاج والتطوير للصناعات المتعلقة بالماشية.
يبقى السؤال إن بلدا مثل السودان بكل هذه الموارد الطبيعية من أرض وشمس ومراعي تصل إلى مرحلة أن الرعاة يضطرون أحيانا الى دلق الالبان على الأرض حتى لا تضار البهائم من وجود اللبن في ضرعها. فهل بنفس الأسلوب "تدلق" وتهدر الحكومات المتعاقبة إمكانيات السودان الطبيعية بسبب "المشكلة ليس في عدد البقر ولكن في العقول التي يحملها البشر" .
أنشد صديقي الشاعر عزمي أحمد حمد
"ياوجع شارع القيادة ياجبر كسر الدواخل بي خبر شوه إفادة القيادة أرضها السامعانا كانت وشربت الدم من ولاده الزواهر شالو صوتم وفاتو قدام للشهادة *** همهم كان دنيا احسن لي عقول تحتاج عيادة ولي قلوب أمات بتصرخ ولسه تحلم بي بلاده. "