Ethiopian Support to South Sudan from 1962 – 1983: Local, Regional and Global Connections
Lovise Aalen ليوفيزا اللان ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة: هذه ترجمة وتلخيص لمقال صادر عن مركز حقوق الإنسان بمعهد لالميشيلسن (CMI) بالنرويج بقلم الدكتورة ليوفيزا اللان. ويبدو أن المقال كان قد نشر سابقا في دورية J. Eastern African Studies عام 2014م بعنوان: Ethiopian State support to insurgency in Southern Sudan from 1962 – 1983 حصلت ليوفيزا اللان على درجة الماجستير في الآداب من جامعة لندن، وعلى ماجستير آخر في السياسات المقارنة من جامعة بيرجن، وعلى درجة الدكتوراه في العلوم السياسية عام 2008م من جامعة أوسلو. وتعمل الكاتبة الآن مديرة للأبحاث في معهد لالميشيلسن، وتُعد خبيرة في الشؤون السياسية الاثيوبية. المترجم ********* *********** *********** جاء في مقدمة هذا المقال أن دولتي إثيوبيا والسودان يواجهان ذات التحديات المتعلقة بالسيطرة على الحدود وبناء الدولة، وأن سكانهما يتميزان بتنوع عرقي وديني كبير. وحاولت طبقة الصفوة بالبلدين استيعاب أو قهر المناطق الطرفية، ولكنهما أخفقتا في السيطرة على المناطق الحدودية بهما. وللحفاظ على حدودهما من تغول الجيران، سعت دول القرن الأفريقي عقد تحالفات مع قوى خارجية في الشرق الأوسط وبقية دول العالم. وذكرت الكاتبة أن نظام الإمبراطور هيلاسيلاسي (1931 – 1974م) كان يعد السودان والصومال من الدول المسببة للمشاكل في القرن الأفريقي. وكان الإمبراطور يشعر بالتهديد من أهداف الصومال في إقامة دولة الصومال الكبرى، وكان في البدء يعد السودان دولة حليفة له، وكان يرغب في التعاون معه في كبح حركات التمرد على حدودهما المشتركة. غير أن الإمبراطور غير رأيه عندما شرع السودان في تأييد حركة التحرير الارترية في شمال إثيوبيا. وحينها بدأ كل من السودان وإثيوبيا في مساعدة حركة التمرد في الدولة الأخرى. وعدت الكاتبة أن التأييد الإثيوبي للحركة الشعبية وجيشها في السودان في الستينيات والسبعينيات كان جزءًا من شبكة أوسع من صراعات سلطة ومصالح محلية ومناطقية ودولية (ناتجة من تطلعات إثيوبيا لبناء دولة غربية الطراز في حدودها الغربية والمجاورة للسودان، ومن الصراع بين دول منطقة القرن الأفريقي، ومن الصراع بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة للسيطرة على القرن الأفريقي، على التوالي). ومع فشل إيجاد حلول سلمية بالمفاوضات بين إثيوبيا والسودان، كان من المنطقي أن يعمد البلدان للحرب بينهما بالوكالة (proxy war)، وذلك لتفادي التكاليف الباهظة للحرب المباشرة. وفي هذا المقال قامت الكاتبة بتحليل الوثائق المتاحة في أرشيف وزارة الدفاع الإثيوبية، والصحف الحكومية الإثيوبية، والأرشيف الوطني في لندن بين عامي 1962 و1983م، ونظرت أيضا في مصادر ثانوية متنوعة. وشهدت تلك الفترة بدايات ظهور حركة التمرد والحرب الأهلية بجنوب السودان، وبدايات التأييد السوداني لأريتريا. ولم تحظ أحداث تلك الفترة بذات الاهتمام البحثي الذي لقيته الحرب الأهلية الثانية بالسودان (بين عامي 1983 – 2005م)، ربما لأن مساعدة إثيوبيا للمتمردين الجنوبيين كانت متقطعة وسرية، ولأن الحركة الجنوبية المتمردة لم تتمكن من تنظيم نفسها كحركة منظمة وقوية. غير أن تلك المساعدات الاثيوبية أفلحت في تقديم مساعدات مهمة في حرب العصابات التي خاضها الجنوبيون، وأطالت أمد تلك الحرب الأهلية، وأفضت في نهاية المطاف لقيام دولة جنوب السودان المستقلة. وذكرت الكاتبة أن وقوع انقلاب نميري (في مايو 1969م) كان نقطة تحول كبير في العلاقات السودانية – الإثيوبية، إذ صارت سياسية السودان الخارجية أكثر "هجومية" بتأييدها للإرتريين ضد إثيوبيا، تلك الدولة المسيحية في وسط دول مسلمة، والمتحالفة مع إسرائيل. وأوردت الكاتبة بعض وثائق وزارة الدفاع الإثيوبية التي تؤيد ما ذهبت إليه، وعن سعى إثيوبيا لتقوية العلاقات مع الدول المعادية للسودان آنذاك (مثل تشاد وأوغندا). وقامت الكاتبة أيضا بتحليل وثائق وزارة الدفاع الإثيوبي في السبعينيات التي كانت تؤكد ضرورة الحفاظ على سرية المساعدات التي كانت تقدمها إثيوبيا لحركة الأنانيا، وتحاشي أي مواجهة مباشرة مع النظام السوداني. ويبدو – بحسب رأي الكاتبة – أن السلطات الحكومية السودانية كانت محتارة في أمر من بيده السلطة الحقيقية في إثيوبيا عقب وقوع انقلاب عسكري بها عام 1974م. فبحسب وثيقة عن محادثة لممثل للسفارة البريطانية بالخرطوم مع عمر الحاج موسى وزير الثقافة والاعلام السوداني يوم 30/10/ 1974م، ذكر الوزير السوداني أنه "يشاع أن والدة منقستو قائد الانقلاب قد تكون من قبيلة نيلية من جنوب السودان، ولذا فهو لن يُعد إثيوبيا خالص المَحْتِد. وهذا من شأنه أن يقلل من فرصه في الظهور أو البقاء كرئيس لإثيوبيا". ومعلوم أن هذا رأي خاطئ، إذ أن منقستو هو هجين من الولياتا (Wolayta) في جنوب إثيوبيا والأمهرا. وبدءًا من عام 1975م صار السودان يساعد حركة التقراي المسماة "الاتحاد الديمقراطي الاثيوبي" ضد النظام الإثيوبي الحاكم (المعروف بالحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية، واختصارا بـ "الدرك"). وفي المقابل ظل نظام (الدرك) يؤيد قضية الجنوبيين السودانيين. وفي عام 1983 أعلنت إثيوبيا رسميا عن تأييد الجنوبيين في تكوينهم لـ "حركة شعبية"، شريطة أن تعمل تلك الحركة من أجل وحدة السودان، ولكن ليس من أجل الانفصال عن السودان وتكوين دولة مستقلة (مثلما كانت تنادي به حركة الأنانيا الأولى). وتناولت الكاتبة تاريخ النزاعات الحدودية بين السودان وإثيوبيا (في مناطق قامبيلا على الجانب الاثيوبي من الحدود، وفي الاستوائية وجونقلي وأعالي النيل على الجانب السوداني). وذكرت أنه كان لسلطات دولتي إثيوبيا والسودان وجود ضعيف على جانبي تلك الحدود. وكانت منطقة قامبيلا – بحدودها شبه المفتوحة/ المسامية (porous) هي أكثر المناطق التي استخدمها رجال الحركة الشعبية في التدريب والانطلاق للقتال في داخل جنوب السودان. وكانت أيضا منطقة لجوء للجنوبيين الذين فروا من تلك الحرب الأهلية الثانية، مما خلق نزاعات مسلحة بينهم وبين سكان المنطقة الأصليين. وكان هؤلاء السكان (ومعظمهم من النوير والأنواك) لا يرغبون في أي وجود حكومي رسمي – إثيوبي أو سوداني – بالمنطقة. وذكرت الكاتبة أن متمردو إثيوبيا وجنوب السودان يمكن أن يوصفوا بأنهم كانوا وكلاء (proxies) لإسرائيل في محاولاتها لاحتواء النفوذ العربي في القرن الأفريقي، وعزت تركيز إسرائيل في اهتمامها بأفريقيا على شرق القارة وخاصة منطقة القرن الأفريقي إلى قربهما من البحر الأحمر. وكان قيام دولة ارتريا المستقلة مصدر قلق لإسرائيل. وكان هذا ما دعاها لمساعدة حليفتها إثيوبيا عسكريا في حربها ضد الانفصاليين الإرتريين. غير أن إسرائيل لم تبد ذات الاهتمام بجنوب السودان، ولكنها أيدت حركة "الأنانيا" ببساطة من أجل إقامة قاعدة ثانية ضد السودانيين العرب، ولجعل جزء كبير من الجيش السوداني ينشغل بمحاربة حركة "الأنانيا" ولتقليل فرص دخوله في حرب بالشرق الأوسط. وأثبتت الكثير من الوثائق التي اِطَّلَعَت عليها الكاتبة بأن حكومة السودان كانت منذ عام 1963م تشك في أن إسرائيل تساعد حركة الأنانيا، وأن زعماء الاتحاد الوطني الأفريقي السوداني (سانو) كانوا يتصلون بسفارات إسرائيل في كنشاسا وكمبالا ونيروبي طلبا للعون العسكري والمالي. وبالفعل تم إِرسال جوزيف لاقو لإسرائيل لتلقي دورة عسكرية مكثفة، وأشرف على عملية إلقاء أسلحة إسرائيلية على جنوب السودان (1). وسمح هيلاسيلاسي بإقامة معسكر تدريب إسرائيلي للمقاتلين الجنوبيين في بلاده. غير أن موقف أوغندا من العمليات الاسرائيلية العسكرية في أوغندا تغير بعد وصول ملتون أوبوتي ثم عيدي أمين للسلطة. وكان لذلك أثراً سالبا على حركة الأنانيا، ولكنه ضاعف من أهمية قاعدة إسرائيل في أثيوبيا. تناولت الكاتبة أيضا ديناميّات الحرب الباردة والتي تشكلت وعملت خلف النزاعات المحلية والإقليمية في منطقة القرن الأفريقي، حين شرعت القوتان العظميان في استخدام نفوذهما عند الإسرائيليين والعرب وعند النظامين السوداني والإثيوبي. وكان للاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة اهتمام خاص بمنطقة القرن الإفريقي لوقوعها على البحر الأحمر والمحيط الهندي، وقربها من منابع النفط في الشرق الأوسط ومن النيل الذي يعبر المنطقة. وفي بداية السبعينيات ساندت الولايات المتحدة نظام هيلاسيلاسي في إثيوبيا، بينما دعم الاتحاد السوفيتي السودان ونظام (سياد بري) في الصومال المعادي لإثيوبيا. غير أن الوضع تغير بعد قيام "الثورة الاشتراكية" في إثيوبيا عام 1974م، فصار الاتحاد السوفيتي مناصرا لإثيوبيا، خاصة خلال حرب اوغادين بين الصومال وإثيوبيا عام 1978م (2). وغدا هو المصدر الأول للسلاح لإثيوبيا، وصارت إثيوبيا تحارب بالوكالة عنه ضد الصومال والسودان. وفي ذات الوقت واصلت إسرائيل – حليفة أمريكا – في مساندتها لإثيوبيا ولحركة "الأنانيا"، مما يدلل على أن الوكلاء لا يعملون فقط بالإنابة عمن وكلهم، بل يعملون خدمةً لأجنداتهم ومصالحهم المحددة. وكانت لأمريكا مصلحة (استراتيجية) خاصة في إثيوبيا منذ الخمسينيات، إذ أن أمريكا كانت قد أقامت محطة اتصالات كاقنيو Kagnew بأسمرا ومُنشآت بحرية في مصوع (3)، وقدمت لإثيوبيا مساعدات عسكرية بقيمة 280$ بين عامي 1953 و1977م، استخدمت (بعضها) ضد أريتريا والسودان، بحسب ما ورد في كتاب الليزابث اشمدت المعنون” التدخل الإفريقي في أفريقيا Foreign Intervention in Africa، الصادر عام 2013م. وتوقف العون العسكري الأمريكي لإثيوبيا في عام 1977م عندما أغلقت الحكومة الإثيوبية محطة اتصالات كاقنيو وطردت الأمريكيين العاملين بها. وغدا السودان حليفا لأمريكا منذ عام 1976م حتى نهاية الحرب الباردة. وأَضْحَى السودان في عهد كارتر أكبر متلقٍ للعون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وعَدَّ ريجان أن العون الأمريكي للسودان يمكن أن يكون أداة فعالة ضد نظام القذافي بليبيا، وضد إثيوبيا حليفة الاتحاد السوفيتي. وفي المقابل سمح جعفر نميري للأمريكيين باستخدام الأراضي السودانية لقوات تدافع عن المصالح الأمريكية في الخليج، وكقاعدة لعمليات سرية ضد ليبيا. ***** ***** **** وفي ختام المقال، أوردت الكاتبة استنتاجات جاء فيها: (تعد شبكة الصراعات التي ظهرت في القرن الإفريقي منذ سنوات الستينيات مثالا للحروب بالوكالة بحسبانها اعترافا لا يمكن نكرانه بالمصلحة الذاتية. وتلك حروب يقدم فيها المشاركون أقل ما يمكن تقديمه، ويحصلون منها على أقصى ما يطمحون في الحصول عليه. ويوضح تأييد حكومتي السودان وإثيوبيا للحركتين الانفصاليتين في أريتريا وجنوب السودان أن النظامين (الذين يتبنيان رسميا سياسة وحدة الدول والحفاظ على سلامة أراضيها) كانا يضعان مصلحتهما الاستراتيجية فوق أي دوافع ايديلوجية. وفي ذات الوقت حافظ قادة السودان وإثيوبيا على الظهور في الساحات الدولية وفي منظمة الوحدة الإفريقية التي يعد احترام سيادة الدول الإفريقية وقاعدة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى من ركائزها المعيارية المركزية. وأضافت ديناميّات الحرب الباردة نكهة إيديولوجية لشبكات الحرب بالوكالة في القرن الإفريقي (خاصة عند اثيوبيا، التي كانت تتلقي عونا عسكريا من الاتحاد السوفيتي في نهاية السبعينيات). وأوضحت شبكة الحرب بالوكالة في القرن الإفريقي أن النزاعات التي خِيضَتْ لم تكن كلها من صنع أو قيادة أو سيطرة الدولة التي كانت تتبني تلك الحرب بالوكالة. فقد كانت النزاعات في قامبيلا وداخل أراضي جنوب السودان قد وقعت من قبل تقديم مساعدات من الخارج، وكانت قد ظهرت وتطورت جزئيا بصورة مستقلة عن الصراعات الإقليمية أو الدولية. لذا يمكن القول بأن رعاة الحرب بالوكالة في القرن الإفريقي (وهم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبعض دول الشرق الأوسط ) لم يكن يسيطرون بصورة كاملة على المشاركين في تلك النزاعات، وهي نزاعات محفوفة بالمخاطر، ويصعب التنبؤ بها وبنتائجها، إذ أن من يخوضونها كثيرا ما يغيرون من تحالفاتهم (ضربت الكاتبة هنا مثلا بإثيوبيا التي حافظت على علاقة طيبة بإسرائيل وبالمملكة العربية السعودية في ذات الوقت، وحرصت على الحفاظ على مكانة رفيعة في منظمة الوحدة الأفريقية، تلك المنظمة التي غدت أكثر عدائية لإسرائيل في سبعينيات القرن الماضي. المترجم). كانت الحركة الشعبية في جنوب السودان قد استفادت في البداية من تعدد طبقات تلك الحرب بالوكالة لمصلحة قضيتها. غير أن تلك الحرب بالوكالة خلقت إرثًا من التبعية الخارجية ومن الشقاق وغياب أي قاعدة مدنية. وخلف كل ذلك أثرا بعيد المدى على قدرات الحركة الشعبية، كحركة تحرير، ومؤخرا كحزب رسمي يدير شؤون دولة جنوب السودان المستقل). ********** ********* ********* إحالات مرجعية 1/ للمزيد يمكن مراجعة مقابلة جوزيف لاقو في صحيفة "الأمارات اليوم" https://www.emaratalyoum.com/politics/reports-and-translation/2011-01-07-1.339046 2/ يمكن النظر في هذا الرابط: https://tinyurl.com/yydvbjtx 3/ للمزيد عن هذه المنشآت يمكن النظر في هذا الرابط https://en.wikipedia.org/wiki/Kagnew_Station