التزييف العميق في الحروب السودان مثالاً

 


 

 

تقنية ما يعرف ب "التزييف العميق" أي “DeepFake” عبارة عن تقنية تقومُ بصنعِ فيديوهات مركبة غير حقيقية عبر برامج الحاسوب من خِلال تعلّم الذكاء الاصطناعي وتعتمد على إمكانية دمجِ عددٍ من الصور ومقاطع الفيديو لشخصيّةٍ ما من أجلِ إنتاج مقطع فيديو جديد – باستخدام تقنية التعلم الآلي. تستخدم هذه التقنيّة في المجال الأكاديمي في بضعِ مجالات على رأسها مجال الرؤية الحاسوبية Computer Vision وهو حقل فرعي لعلوم الكمبيوتر يستند غالبًا إلى الذكاء الاصطناعي بحيثُ يركز على معالجة الكمبيوتر للصور ومقاطع الفيديو الرقمية بشكلٍ آلي.

إن استخدام هذه التقنيات في مجال السياسة والحروب ليس بجديد فقد تم استُخدامها من قبل لتشويه صور بعض السياسيين المعروفين فعلى سبيل المثال لا الحصر استخدمت تقنية التزييف العميق للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وهوَ يتكلّم بصوتٍ عالٍ حول هذه التقنيّة مُحاولًا شرحَ مخاطرها وهو ما لم يفعلهُ الرئيس الأمريكي أصلًا بل تم استخدام برنامج تزييف عميق سمي ب سانثيسيزينغ أوبام (Synthesizing Obama) قامَ بجمعِ عددٍ من فيديوهات الرئيس ثمّ حاولَ استخراج الكلمات التي يحتاجها – والتي نُطقت في سياقٍ مختلفٍ – من أجلِ استعمالها في الفيديو الوهميّ الجديد. كذلك بثت شبكة فوكس التلفزيونية فيديو مصنوع بتقنيّة التزييف العميق في يناير 2019، للرئيس ترامب خلال خطابه في البيت الأبيض.

ما دعاني الى التطرق لهذا الموضوع ما شاهدته وغيري كيف ان قوات الدعم السريع قامت باستخدام أدوات الحرب الاعلامية بمهارة عالية في حربها ضد القوات المسلحة السودانية في حين لم تتمكن هذه الآخيرة من الاستفادة من الاعلاميين ذوي المهارة والمعرفة بتقانة المعلومات وكيفية الاستفادة منها في مجال الاعلام وهم كثر لتغطية الجانب الاعلامي من المعركة. هذه التقنيات وصلت لمستوى معقول من النضع وهنالك الكثير من البرامج بعضها مجانية والبعض الآخر تجارية وتعمل على معظم المنصات إبتداء بأجهزة الحواسيب والهواتف المحمولة من الاندرويد والآيفون وإنتهاء بأجهزة الآيباد. لقد قام الدعم السريع بتجنيد عدد كبير من المثقفين كمستشارين بعضهم على قدرمعقول من الالمام بالتقانة الحديثة خاصة في مجالي الاعلام وتقنية المعلومات, هذا بالإضافة إلى أن هنالك معلومات شبه مؤكدة بأن الدعم السريع قام باستجلاب تقنية اتصالات وتجسس في غاية التطور من إسرائيل وغيرها في الآونة الآخيرة.

من ملاحظاتي لمقاطع الفيديو والمقاطع الصوتية التي تبثها مواقع الدعم السريع وتلك الموالية لها تبين لي أن هذه المواقع تستخدم بشكل مكثف وبمهارة عالية تقنية "التزييف العميق" بالإضافة إلى تقنية أخرى ألا وهي تقنية تحويل النصوص ألى كلمات منطوقة (Text-To-Speech) وهذه أيضا من التقنيات التي تستخدم في عالم التعليم الالكتروني حيث تقوم بتحويل آي نص مكتوب الى كلام آي كلمات منطوقة باستخدام ذات اللغة التي كتبت بها أو بعد تحويلها الى لغة أخرى باستخدام الترجمة الألية.

إنني أعتقد - ولكني لا أجزم - بأنها استخدمت هذه التقنيات وقامت بتركيب نص مقروء - بصوت قائدهم حميدتي - على صورته في التسجيل الذي تم بثه له قبل أيام وهو يخاطب جنوده والشعب السوداني بعد أن راجت في الآسافير بأنه مصاب أو قضى نحبه. والغرض الأساسي من ذلك هو رفع الروح المعنوية لجنوده أو لإظهار أنه ما زال على قيدالحياة معافى ويقود جنوده في الميدان.

كذلك لا يراودني شك في أن الدعم السريع استخدم التقنيتين (التزييف العميق وتحويل نص الى كلام) في الفيديوهات التي تم بثها لبعض من تم إلقاء القبض عليهم مثل أنس عمر ود. الجزولي حيث أن الوقائع التي أدلى بها كلا من هذين الآسيرين هي ذات الوقائع التي كان وما زال يريد قادة الدعم السريع تثبيتهما على الأسيرين والمجموعات التي ينتميان اليها. ففي إعتقادي - ولكني لا أجزم كما ذكرت من قبل - أن العبارات التي أدلى بها كل من الآسيرين عبارة عن نصوص مكتوبة بعناية تم تحويلها الى كلمات منطوقة بصوت الشخص (أنس أو الجزولي) حيث أن أصواتهما محفوظة في تسجيلات سابقة لهما على مواقع مختلفة بالشبكة العنكبوتية.هذا في إعتقادي مجرد تحليل منطقي لما شاهدته خلال هذه المعركة اللعينة ومدى امكانية الاستفادة من مثل هذه التقنيات في الحروب لكنه لا يعبر عن رأيي الشخصي في جوهر ما تم عرضه ومحتوياته فهي إدانة صريحة للجهات المذكورة - إن صحت.

من هنا نعلم كيف إستفادت قيادة الدعم السريع من مثل هذه التقنيات لكسب المعركة إعلاميا على الأقل - وإن لم يكن في الواقع- وهذا ما أخفقت فيه قيادة القوات المسلحة.

*استاذ جامعي
وعضو تجمع الأكاديميين والباحثين والخبراء السودانيين

elnagarco@yahoo.com
/////////////////////////

 

آراء