التعويل على التدويل لحل مشاكل البلاد … بقلم: د.محمد الشريف سليمان/برلين

 


 

 

 Mohamed Adam [abu_suli@hotmail.com]

 

 اهم وظائف الدولة في النظام العالمي المعاصر تكمن في قدرتها القيام بحماية مواطنيها في الداخل والخارج، ويشكل هذان العنصران عنوان الدولة المستقلة ذات السيادة المؤهلة لصد اي عدوان خارجي على اراضيها. تختلف الوظائف التي تمارسها كل دولة حسب ظروفها، فلسفتها، وايديولوجيتها الخاصة. وتعتبر السيادة العمود الفقري لمقومات الدولة ورمز إستقلاليتها، وبدون سيادة لا يمكن ان تكون هناك دولة. كما ان هناك إختلاف جذري بين مفهومي السيادة السياسية والسيادة القانونية للدولة، حيث قد لا يتفق منبع السيادة الفعلية والواقعية مع ما هو محدد طبقا للدستور والقونين القائمة في البلد. اما سيادة الدولة الخارجية فيفسر بالإستقلالية الكاملة في صياغة القرار الوطني تجاه العالم الخارجي، وعدم القبول بإملاءات الشروط الاجنبية الا بالرضا والموافقة عليها، مع إثبات القدرة الذاتية على حل المشاكل الداخلية والخارجية.

يظهر الواقع المرير ان العوامل الخارجية غدت منذ إستقلال السودان كحكم فصل في حل مشاكلها التي لازمتها مع خروج المستعمر. وزاد الامر تعقيدا ان النخب التي حكمت   البلاد، ساهمت بفعالية مستوردة  في تعميق الإعتماد على العنصر الخارجي في ادارة شئوونها الخارجية(وحدة وادي النيل، التاج البريطاني، الإشتراكية، الإخوان المسلمون، الإتجاه العربي، والإتجاه الأفريقي). نعم لقد جنحت النخب السياسية الحاكمة دائما نحو التوازنات الخارجية على حساب التوازنات الداخلية والمواطنة، والجنوح دائما الى التركيز على كيفية إستمرارية القبضة الحديدية لزمام الحكم دون مراعاة الاخطار المحدقة بالبلاد، والتي تنصب في مجرى تقطيع   وتمزيق اوصال السودان. هذه السياسات دفعت بالدولة السودانية الى مرمى التدويل لحل أزماتها العالقة.

جميع مشاكل البلاد الكبرى( جنوب السودان، شرق السودان، دارفور، وأبيي)جرى ويجري حلها عن طريق المقاصة الدولية، ولم توقع إتفاقية واحدة قط داخل أرض الوطن. الجدير ذكره ان التجمع الوطني المعارض عاد ايضا الى البلاد عن طريق قطار القاهرة، ويعول الآن على مركبة المجتمع الدولي لإستنفار الشارع العام والوصول مرة اخرى الى سدة الحكم(الشارع السوداني اليوم ليس بشارع اكتوبر 1964 ولا بشارع مارس/ابريل 1985) ، التي سلموها للحركة الإسلامية عشية نهاية يونيو عام   1989 كما اغتصبها منهم ابو عاج في صبيحة 25 مايو 1969. نعم جاء اول نزع لفتيل بارود حرب الجنوب عام 1972 في العاصمة الإثيوبية تحت المظلة الدولية( الولايات المتحدة الامريكية أو العم سام كان حاضرا وفاعلا)، والمتخفية انذاك تحت عباءة هيلاسلاسي وعلى حساب الثورة الأرتيرية. أما نيفاشا فحملها العم سام على أكتافه(العصا والجذرة المشهورة)، وساهمت اوربا والإيغاد في حلحلة الرموز المستعصية الحل.  وفي ابوجا صال وجال العم سام حتى ولدت إتفاقية دون ارجل. والحال ليس بأفضل من إتفاقية اسمرا مع جبهة الشرق والتي تمت على حساب المعارضة الأرتيرية.

نعم لقد اتى الإنقاذ لمجابهة الخارج، ولكن اصبح الخارج سندا له في حل مشاكل البلاد الإقليمية الداخلية، وإستطاع تهميش الاصوات الداخلية ، واخرجها من دائرة صنع القرار بشرذمتها للأحزاب السياسية وتفكيك اوصالها بتوفير مستلزمات الحياة الفارهة لها، وتحويل البعض الى دائرة الثراء الإقتصادي واصبح المجتمع المدني في خبر كان ولا دور له في حياة البلاد.

 نطقت محكمة التحكيم الدولية في لاهاي حكمها حول قضية أبيي المدولة اليها من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لجنوب السودان، وقضت بالتوافق في حكمها. اعلن الطرفان قبولهم بالحكم الذي احجم عنه القاضي الاردني عون القصاونة، ولكن تفسيرات الحكم بدت في اليوم التالي متناقضة بين الشريكين ، مما يستدعي التدويل مرة اخرى والرجوع الى لاهاى لقول الفصل فيها! ويتخوف المراقبون من ان تتحول أبيي بعد ذهاب فصل الخريف الي كشمير اخرى؟ وينتظر ايضا   طاولة التدويل من الذي يحق له تقرير مصير أبيي ، الذي كان يأمل منه مثالا للتعايش السلمي بين الشمال والجنوب. ويجلس اليوم في هذه المنطقة، التي تنتج اكثر من ثلثي نفط السودان، الامم المتحدة بقواتها والمتحفزة لإستخدام الفصل السادس لحماية المدنيين عند اندلاع النار.كما   يجلس على باب التدويل مشروع الإنتخابات المقبلة في البلاد.

لقد تحولت البلاد لإستيراد الحلول والمقترحات الخارجية ، مثل إستيرادها للسلع الضرورية والكمالية. ويظهر جلاء المنظر تكالب الدول والمنظمات الإقليمية والدولية المتنافسة على ملف أزمة دارفور(مصر، ليبيا، قطر، السعودية، اريتريا، تركيا، الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا، المانيا، ايطاليا، الإتحاد الأفريقي وحكماء افريقيا، جامعة الدول العربية، المؤتمر الإسلامي، واخيرا صاحب العصا والجذرة حلال المشاكل العم سام والذي يمسك في نهاية المطاف بالخيوط لحسم الامور). صورة     حجم التنافس الدولي لحل مشكلة الإقليم الغربي تعكس عدد شرذمة الحركات المقاتلة ، التي تفككت اوصالها بين التنافس على مقاعد الحكم والإستمرارية في مناكفات إعلامية والبعد عن واقع وضعية اهليهم في معسكرات اللاجئين ومخيمات النازحين، بل يجب التفكير الجدي حول الوضع الإنساني المذري في الإقليم كله والخريف على الابواب، والامن في غياب. لماذا الهرولة من القاهرة عبر طرابلس، الرياض والدوحة، ثم التعريج الى برلين وباريس، والتوقف في لندن للتزود بالوقود من اجل الوصول الى العم سام في   رحاب عاصمته واشنطن؟  لماذا كل هذا التعويل على التدويل ونحن شعب مسالم مثقف قادر على حل مشاكله والخروج من أزماته!

 

نقلا عن أجراس الحرية

abu_suli@hotmail.com

 

 

آراء