التكتلات الإقتصادية الإقليمية الأفريقية

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

التكتلات الإقتصادية الإقليمية الأفريقية
جماعة التنمية لدول الجنوب الأفريقى (سادك) أنموذجاً
Southern African Development Community
(SADC)
مقدمة:
شهدت القارة الأفريقية توجهاً كبيراً نحو تكوين تجمعات إقليمية إقتصادية فاعلة, وإتجاهاً آخر يهدف لتفعيل المنظمات الإقليمية الإقتصادية الأخرى القائمة فعلاً فى القارة الأفريقية، وذلك لمواجهة التحديات الجديدة التى تلوح فى أفق القارة الأفريقية, والتى ربما تبشر بمزيد من التهميش الإقتصادى للقارة الأفريقية، ومواجهة تحديات وتداعيات العولمة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية, ولمواجهة هذه التحديات القادمة, نشأت عدة  محاولات لتكوين وتطوير تجمعات أفريقية إقتصادية مثل الكوميسا، الإيكواس، السادك، السيماك وغيرها من منظمات إقليمية وإقتصادية أخرى، كما تم تحديث وتطوير منظمة الوحدة الأفريقية عبر تكوين الإتحاد الأفريقى الذى تم إقراره فى قمة  لومى الأفريقية فى يوليو من العام 2000 م، وإنبثقاه إلى حيذ الوجود عبر الإعلان عن قيامه فى قمة سرت الثانية بليبيا فى مارس من العام 2001 م, بينما إنعقدت أول قمة للإتحاد الأفريقى فى يوليو من العام 2002  م بمدينة ديربان بدولة جنوب أفريقيا, وعلى الرقم من قيام تللك التجمعات الإقتصادية الأفريقية وإرتباطها بأهداف إقتصادية أفريقية كبرى, يوجد خلاف حول الدور الذى قامت به هذه المنظمات الإقتصادية الأفريقية فعليا على الأرض، فهناك من يقلل من أهمية تلك التجمعات, وهنالك من يرى أنها تمثل قاعدة مستقبلية للتعاون الإقتصادى والسياسى والأمنى فى القارة الأفريقية.
خلفية تاريخية عن نشأة السادك:
لقد أثرت ممارسات النظام السياسى العنصرى السابق فى جنوب أفريقيا, على علاقات النظام العنصرى بمعظم الدول الأفريقية وبقية دول العالم, نتيجة لممارساته الغير أخلاقية المتمثلة فى سياسة التمييز العنصرى ضد المواطنين المحليين,  نتيجة لذلك وجهت إنتقادات عنيفة للنظام العنصرى بجنوب أفريقيا من قبل الجمعية العامة للأم المتحدة, أثرت فى مجملها على علاقات دولة جنوب أفريقيا العنصرية الخارجية فى ذلك الوقت, وفى فترة تصاعد حركات التحرر الأفريقية ونيل معظم الدول الأفريقية لإستقلالها من المستعمر الأوربى, قام رئيس وزراء النظام العنصرى فى ذلك الوقت "فيرفورد"  (1958 م – 1966 م) بوضع خطة للتعاون الإقتصادى الإقليمى فى منطقة الجنوب الأفريقى, شملت معظم الأوطان المحلية والمحميات البريطانية السابقة فى تلك المنطقة ( ليسوتو, سوايزلاند, روديسيا, بتسوانا), من أجل فك طوق العزلة الذى فرض على نظامه العنصرى, ثم جاء رئيس زراء النظام العنصرى "بوتا" (1979م – 1989 م), ليعمل على توطيد هيمنة جنوب أفريقيا الإقتصادية فى المنطقة, عبر إقامة تحالف إقتصادى يشمل بتسوانا, ليسوتو, سوايزلاند, ملاوى, روديسيا (زمبابوى), وجنوب أفريقيا, يعمل على تحسين صورة جنوب أفريقيا العالمية, وتحقيق الإستقرار الأمنى فى داخل جنوب أفريقيا ومنطقة الجنوب الأفريقى بأثرها, ونتيجة لرفض ليسوتو, بتسوانا وسوايزلاند, لهذا التحالف الإقتصادى المقترح من قبل رئيس وزراء نظام الفصل العنصرى السابق "بوتا" أجهضت فكرة تكوين هذا التجمع الإقتصادى, ولكن عندما أعلن عن إستقلال زمبابوى (روديسيا سابقاً) بقيادة رئيسها الحالى المناضل الأفريقى الثورى السيد روبرت موجابى, رعت زمبابوى فكرة إنشاء منظمة أفريقية إقتصادية إقليمية تشمل كل دول الجنوب الأفريقى عدا دولة جنوب أفريقيا, بغرض عزل النظام العنصرى فى جنوب أفريقيا والضغط عليه, وتقليل إعتماد دول الجنوب الأفريقى على الإقتصاد الجنوب أفريقى, وعليه تم تشكيل مجلس تنسيق التنمية لدول الجنوب الأفريقى منذ مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضى, ضم في عضويته الدول المحيطة بجنوب أفريقيا وعرفت حينها بدول المواجهة ، ولكن وبعد مرور عشر سنوات على إنشاء ذلك المؤتمر أدركت هذه الدول أنها في حاجة لتوسيع وتغيير هيكلة ومهام هذا التنظيم ووضع أهداف ومبادئ جديدة له تستوعب المتغيرات التي شهدتها بلدان المنطقة, وأهمها انتهاء نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا ودخول العالم في مرحلة بناء التجمعات والتكتلات الإقليمية والدولية.
السادك التكوين والعضوية :
الجماعة الاقتصادية لتنمية الجنوب الأفريقى (السادك), تعتبر من أحدث التجمعات الاقتصادية الوليدة وأقواها على الإطلاق على المستويين السياسى والاقتصادى، وتم الإعلان عن قيام التجمع فى أغسطس من العام 1992 م، وذلك امتداداً  لما تم التوصل إليه فى مؤتمر تنسيق التنمية للجنوب الأفريقى  (SADCC) , الذى تم الإعلان عنه فى قمة أروشا بتنزانيا عام 1979، ويضم التجمع أربع عشرة دولة هى (أنجولا، بتسوانا، ليسوتو، موريشيوس، موزمبيق، نامبيا، سوزيلاند، سيشل، جنوب أفريقيا، الكنغو الديمقراطية، ملاوي، تنزانيا، زامبيا، زيمبابوى), وتركزت أهداف (السادك) حول تحقيق التنمية والنمو الاقتصادى، وتخفيف حدة الفقر والجوع، ورفع مستوى معيشة شعوب منطقة الجنوب الأفريقى، وتعميق ودعم العلاقات والروابط التاريخية والاجتماعية والثقافية بين شعوب المنطقة، وتبنى (السادك) قيمًا ونظمًا سياسية واقتصادية واجتماعية لتعزيز القدرة التنافسية لمؤسساته الإقتصادية، وتعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة, وتقدر المساحة الإجمالية لبلدان السادك بنحو 26%من إجمالى مساحة القارة الإفريقية، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 257.7 مليون نسمة, نصفهم تقريبا يواجهون متاعب معيشية صعبة, وأغلبهم يعيشون تحت خط الفقر.
الهيكل التنفيذى للسادك:
1.    يتكون الهيكل التنفيذى للجماعة الإقتصادية لتنمية الجنوب الأفريقى السادك من الآتى:
2.    قمة رؤساء الدول الاعضاء ال 14 لصنع السياسة وتجتمع على الاقل مرة فى العام.
3.    مجلس الوزراء وهو الجسم المسئول عن متابعة مهام وتطوير السادك وضمان تنفيذ السياسات الخاصة به.
4.    اللجنة الدائمة للمسئولين وهو الجهاز الإستشارى الفنى التابع لمجلس الوزراء, وجهاز للإتصال بكل الدول الوطنية المنتمية للسادك.
5.    السكرتارية التنفيذية للسادك وتوجد فى مدينة جابورون عاصمة بوتسوانا.
6.    السكرتير التنفيذى.
الأهداف:
تستند رؤية جماعة التنمية لدول الجنوب الأفريقى (سادك), على تحقيق أهداف من شأنها أن تضمن تحقيق الرفاهية الإقتصادية، وتحسين مستويات المعيشة, ونوعية الحياة, والحرية والعدالة الاجتماعية, والسلم والأمن لشعوب الجنوب الأفريقى, وترتكز رؤية الجماعة, على مجموعة مشتركة من القيم والمبادئ والصلات التاريخية, والثقافية الموجودة بين شعوب الجنوب الأفريقى, واهداف جماعة التنمية المنصوص عليها فى المادة (5) من معاهدة الجماعة تتمثل فى الآتى:
1.    تحقيق التنمية والنمو الاقتصادى، والتخفيف من حدة الفقر، وتحسين مستوى ونوعية الحياة لشعوب جنوب أفريقيا ودعم المستضعفين اجتماعيا من خلال التكامل الإقليمى.
2.    تطور سياسى مشترك للقيم والنظم والمؤسسات.
3.    تعزيز وحماية السلام والأمن.
4.    تعزيز التنمية المستدامة ذاتيا على أساس الاعتماد الجماعى على الذات، والاعتماد المشترك بين الدول الأعضاء.
5.    تحقيق التكامل بين الاستراتيجيات الوطنية والاقليمية والبرامج.
6.    تعزيز وزيادة العمالة المنتجة والاستفادة من الموارد في المنطقة.
7.    تحقيق الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية وحماية فعالة للبيئة.
8.    تعزيز وتوطيد منذ فترة طويلة التاريخية، والوشائج الاجتماعية والثقافية والروابط بين شعوب المنطقة.

وتعمل جماعة التنمية للجنوب الأفريقى لتحقيق أهدافها عبر السوائل التالية:
1.    تنسيق السياسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخطط الدول الأعضاء.
2.    تعبئة شعوب المنطقة ومؤسساتها على اتخاذ مبادرات لتنمية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جميع أنحاء المنطقة، والمشاركة الكاملة في تنفيذ البرامج والمشاريع من الجماعة.
3.    خلق المؤسسات والآليات المناسبة لتعبئة الموارد اللازمة لتنفيذ برامج وعمليات الجماعة ومؤسساتها.
4.    وضع سياسات تهدف الى القضاء التدريجي على العقبات التي تحول دون حرية انتقال السلع ورؤوس الأموال والعمالة والخدمات، وشعوب المنطقة عموما في الدول الأعضاء.
5.    تعزيز تنمية الموارد البشرية.
6.    تشجيع تطوير ونقل والتمكن من التكنولوجيا.
7.    تحسين الإدارة والأداء الاقتصادي من خلال التعاون الإقليمي.
8.    تعزيز التنسيق والانسجام في العلاقات الدولية بين الدول الأعضاء.
9.    ضمان التفاهم الدولي والتعاون والدعم، وحشد  تدفق الموارد العامة والخاصة في المنطقة.
10.    تطوير أنشطة أخرى مثل الدول الأعضاء قد تقرر في ذلك تعزيزا لأهداف الجماعة.

الدور الإقتصادى للسادك:
يهدف تجمع دولتنمية الجنوب الأفريقى, إلى تحقيق التنمية والنمو الاقتصادى ومحاربة الفقر والارتقاء بمستوى المعيشة من خلال تحقيق التكامل الإقليمى فى منطقة الجنوب الأفريقى، والعمل على الربط بين البرامج والاستراتيجيات الوطنية والإقليمية لتطوير الهيكل الإقتصادى فى منطقة الجنوب الأفريقى, والإسراع بعملية التكامل الاقليمى فى محاولة للاسراع بالتنمية وتحسين قدرتها على التعامل مع الازمات فى منطقة الجنوب الافريقى,  وقد دفعت جنوب أفريقيا بثقلها السياسى والاقتصادى لتحقيق التكامل الاقتصادى بين دول الإقليم، فقامت بالعمل على توقيع اتفاق التجارة بين الأعضاء فى 25 يناير من العام 2000 م , وبدأ تنفيذه فى سبتمبر من العام 2000 م, ويمثل هذا الإتفاق أحد أهم الدعائم الرئيسية لتحقيق التكامل الاقتصادى بين دول السادك, وشكلت الجماعة منطقة التجارة الحرة لدول تنمية الجنوب الأفريقى (FTA) في 17 أغسطس من العام 2008 م, فى مدينة ساندتون بجنوب أفريقيا, خلال مؤتمر القمة 28 من رؤساء دول الجماعة والحكومة،كما تعهدت جماعة تنمية الجنوب الأفريقى بتكوين الاتحاد الجمركى (CU) بحلول العام 2010، وإقامة السوق المشتركة (CM) بحلول عام 2015 م، وتكوين الاتحاد النقدى (MU)  قبل العام 2016 م, وإصدار العملة الموحدة بحلول عام 2018.
الدورالأمنى:
نص ميثاق تجمع  التنمية لدول الجنوب الأفريقى فى المادة (4), (5) و المادة (21), على أن تعمل الجماعة (السادك) على تكريس مبادىء التعاون فى جميع المجالت السياسية والأمنية ودعم الأمن والسلم, والدفاع عن الجماعة, وقد إتفقت دول (السادك) فى الثامن عشر من يونيو من العام 1996 م على تكوين جهاز للجماعة يختص برسم وتنفيذ سياسات الجماعة فى مجال الدفاع والتعاون الأمنى, وقد تم لاحقاً تحديد أهداف جهاز السادك للسياسات والدفاع والتعاون الأمنى, فى برتوكل السياسات والدفاع والتعاون الأمنى الذى وقعته دول الجماعة فى الرابع عشر من أغسطس من العام 2001 م, وقد تم الإتفاق أيضاً على تكوين آلية للجماعة لتحقيق التعاون فى سياسات الدفاع والمجالات الأمنية, وتنص المادة (2) من برتوكول السياسات والدفاع والتعاون الأمنى للجماعة على الآتى:
1.    دعم السلم والأمن فى الإقليم.
2.    حماية السكان والعملية التنموية ضد أخطار عدم الإستقرار.
3.    دعم التعاون الإقليمى فى مجالت الدفاع والأمن.
4.    منع وإدارة وتسوية الصراعات.
5.    المشاركة فى عمليات السلم والأمن الإقليمى والدولى.
ولتفعيل برتوكول السياسات والدفاع والتعاون الأمنى وقعت الدول الأعضاء فى (السادك) معاهدة للدفاع المشترك بين دول المنطقة بدار السلام بدولة تنزانيا عام 2003 م, ولعبت السادك جهوداً مقدرة فى عملية تسوية الصراعات, منها تدخل الجماعة فى ليستو عام 1998 م لإعادة النظام المنتخب, وإقناع طرفى النزاع فى أنغولا للوصول لسلام فى أبريل من العام 2002 م (الحكومة وحركة يونيتا), والتوصل إلى إتفاق بين الحكومة والمتمردين فى الكنغو الديمقراطية فى 30 من يونيو من العام 2003 م.

الخاتمة:
يتضح من الإستعراض أعلاه أن السادك فى وقت قصير من عمرها تمكنت من وضع أساساً قوياً لتنظيمها على كافة المستويات, السياسية والإقتصادية والأمنية, فى سبيل تحقيق التكامل الأقليمى, وتحقيق طموحاتها فى مجالات التنمية الاقتصادية من ناحية, وإبراز دورها كتكتل اقتصادى إقليمى من ناحية أخرى على الساحة الأفريقية و الساحة العالمية، ولكن يرى بعض الخبراء الإقتصاديين أن هذا التجمع يعانى من عدة نقاط ضعف,تمثلت فى أنه لا يزال العديد من الدول الأعضاء بتلك الجماعة يرتبط بالدول الغربية من الناحية الاقتصادية والسياسية والثقافية إلى حد كبير، وهو ما يؤثر بالسلب على علاقات تلك الدول بباقى دول التجمع من ناحية، والدول الأفريقية من ناحية أخرى, كما هناك العديد من الصراعات والخلافات السياسية فيما بين الدول الأعضاء من ناحية, وداخل الدولة الواحدة .
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الأفريقية ومتخصص فى شؤون القرن الأفريقى
asimfathi@inbox.com

 

آراء