الجواز السوداني وتجاوز النظرة السوداوية … بقلم: كمال الدين بلال / لاهاي
16 July, 2010
تناول الشقيق ضياء الدين بلال الأسبوع الماضي في هذه صحيفة الرأي العام الغراء بمرارة مبررة تجربته الشخصية مع جواز السفر السوداني الجديد والأخطاء التي رافقته، ويقيني أن المشكلة أكبر من عدم ذكر مهنة حامل الجواز واختلاف كتابة أسمه باللغتين العربية والإنجليزية، وذلك حتى يتم حلها بتصغير كتابة الاسم أو زيادة حجم الجواز، فللمشكلة في ظني جذور تغور أبعد من ذلك بكثير بعضها ثقافي والآخر تنظيمي، أولها طريقة اختيارنا لأسماء المواليد وكتابتها منذ صدور شهادة الميلاد، حيث تغيب في السودان ثقافة أسم العائلة الذي يهيمن على الأسماء الوسطية للفرد، فعادة ما نجد أسماء رباعية خفيفة الوزن مثل محمد أحمد علي يوسف ليس ضمنها أسم واحد يعلق بالذاكرة إضافة لتكرارها لدرجة التطابق في بعض الأحيان مما يحرمنا من التفرد والتميز، وللأسف لم يخرج السودان من تجربة الاستعمار الإنجليزي بفائدة وراثة ثقافة أسم العائلة بصفته (غنيمة حرب)، وحتى لا يتهمني البعض بموالاة الغرب الذي أعيش بين ظهرانيه أقول أن ثقافة اسم العائلة منتشر في معظم دول العالم العربي والإسلامي لدرجة ارتباط أسماء معينة بدول بعينها. وعلاقة أسم العائلة بالموضوع الذي نحن بصدده أنه لو كانت ثقافة أسم العائلة سائدة في السودان لحلت مشكلة طريقة كتابة الأسماء في الجواز الجديد بحيث تصبح الأسماء التي تقع في الوسط أقل أهمية ويمكن أن يكتفي بالإشارة لحروفها الأولى.
من حيث المبدأ أشيد بفكرة وزارة الداخلية تطوير جواز السفر ووثائق الهوية الأخرى بعد كل فترة من الزمن بما يواكب التطور ويستوعب مثالب الوثائق القديمة ويستر عوراتها، ولكن يفترض في تنفيذ هذه الممارسة مراعاة بعض النواحي التنظيمية، فالأسلوب الذي نفكر ونخطط به سيحدد قطعا مسارنا في المستقبل، ومع علمي بأن بالوزارة ضباط كبار متخصصين في هذا المجال إلا أنني أصر على طرق هذا الباب لأهميته، وقديما قيل أن تاج القصر لا يحميه من الصداع.
في ظني وليس كل الظن أثم أن أهم النقاط التنظيمية التي يجب مراعاتها عند إصدار أي وثيقة هوية جديدة عدم التسرع وتعميم استخدامها بين المواطنين قبل مرورها بعدة مراحل أولها عرضها على أحد بيوتات الخبرة المتخصصة في وثائق الشخصية وذلك لإعطاء تقييم محايد لكيفية تنفيذها، وهذا الإجراء شبيه بطلب رأي ثاني في المجال الطبي (Second opinion)، وهو يندرج تحت باب الشك النبيل الذي مارسه سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو أصل الأيمان حين قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}. وللمعلومة وليس تسويقا لهولندا التي أعيش فيها فإن بها واحد من أشهر هذه البيوتات تسمى (Keesing Reference Systems) وهي مؤسسة متخصصة في نظم مراجعة وثائق الهوية من حيث نوعية الورق والأحبار السرية والمميزات المرئية والمخفية في جواز السفر والبطاقة الشخصية، وقد تم اختيار المؤسسة من قبل المنظمة العالمية للطيران المدني كجهة صناعية رائدة في مجال مراجعة بيانات وثائق الهوية والتأكد من أمان تشفير البيانات. هذا إضافة لإمكانية استفادة وزارة الداخلية السودانية من خبرات رئاسة الشرطة الدولية (الأنتربول) في ليون الفرنسية حيث لديها قسم متخصص في أمن وثائق الهوية وكشف تزويرها.
الخطوة الثانية من إجراءات إصدار أي جواز سفر جديد تتطلب إصداره لفترة تجريبية ما بين ستة أشهر إلى عام لفئات مجتمعية معينة مثل رجال الأعمال وكبار موظفي الدولة لكثرة سفرهم الخارجي وذلك مع فتح مكتب خاص لتلقي الملاحظات والتجارب العملية التي يتعرض إليها هؤلاء بسبب الجواز الجديد في المطارات الدولية، فمن الطبيعي أن يرافق إصدار أي وثيقة جديدة أخطاء ونواقص تتكشف بالتجربة العملية التي تقوم بدور الشموع التي تنير الظلمة. ويتم عادة بعد مرور الفترة التجريبية إجراء تقييم للتجربة بهدف تكملة النواقص وتصحيح الأخطاء من قبل الجهة المنفذة للجواز قبل تعميمه على كافة المواطنين.
الخطوة الثالثة المرتبطة بإصدار جواز إلكتروني سوداني تتطلب تزويد مطار الخرطوم بأجهزة متطورة تعمل بالأشعة فوق البنفسجية لقراءة البيانات الموجودة على الشرائح الإلكترونية لجوازات السفر السودانية والأجنبية على حدا سواء، فالتقنية الإلكترونية يجب ألا تنحصر في أماكن إصدار الجوازات في المكاتب بل يجب أن تعمم كذلك في المطار، فالمقدرة الإلكترونية للإصدار تفترض المقدرة الإلكترونية للقراءة مع تدريب العاملين في الجوازات على سبل كشف التزوير.
رابعا يتطلب إصدار جواز إلكتروني إنشاء بنك مركزي للمعلومات لتخزينها وحمايتها من الاختراق من قبل أي جهة معادية، ولا ننسى أن جريمة اغتيال القيادي بحركة حماس «محمود المبحوح» كشفت مقدرة أجهزة المخابرات الأجنبية على أخترق نظم المعلومات الإلكترونية لبعض الدول الغربية وتزوير جوازات سفر لبعض مواطنيها لتسهيل ارتكاب الجريمة، كما يرجح المحللون أن تستخدم الحروب الإلكترونية في المستقبل لتعطيل المرافق الحيوية للدول كما حدث إبان الحرب الروسية الجورجية مؤخرا. ويتطلب إنشاء بنك مركزي للمعلومات سن قانون لحماية الخصوصية ينظم استخدام تلك البيانات وكيفية تبادلها مع الدول الصديقة بغرض مكافحة الجريمة.
الجدير بالذكر أن معظم الدول الغربية تخطت مرحلة إصدار جواز سفر إلكتروني بسيط يحمل بصمات الأصابع والتوقيع الالكتروني إلى مرحلة إصدار جوازات سفر تحمل مواصفات بيولوجية أكثر تعقيداً مثل بصمة العين لتمييز حدقة أعين الأشخاص من خلال التقاط صورة لقزحية العين ومن ثم تخزينها في الشريحة الإلكترونية، وللمعلومة فإن حجم عيني الشخص البالغ هو نفس حجمها عند ولادته فالعيون لا تنمو كما أثبت الطب. وقد سهل هذا النوع من الجوازات حركة المسافرين عبر ما يعرف بالخدمة الذاتية في المطارات الغربية بحيث يستطيع الشخص القيام بجميع إجراءات سفره بنفسه إلى أن يصل إلى سلم الطيارة دون الحاجة للمرور عبر موظفي كاونتر خطوط الطيران أو رجال شرطة الجوازات والحصول على تأشيرة خروج أو دفع رسوم مغادرة. ودعني عزيزي القارئ لا أدع الدهشة ترحل عن بؤرة تركيزك بالقول أن العالم يتجه الآن نحو توحيد الوثائق الرسمية بهدف تقليل البيروقراطية والنفقات وتخفيف العبء على المواطنين بحيث يصبح بالإمكان إصدار وثيقة شخصية موحدة ممغنطة عبارة عن جواز سفر وبطاقة شخصية ورخصة قيادة وكرت بنكي وسجل ضريبي.
كمال الدين بلال / لاهاي
kamal Bilal [kamal.bilal@hotmail.com]