الخرطوم تستضيف مفاوضات بين الحكومة التشادية ومعارضتها
4 April, 2010
الخرطوم- أفريقيا اليوم/ صباح موسى sabahmousa@hotmail.com
أرسلت الحكومة التشادية اليومين الماضيين وفدا برئاسة "عبدالرحمن موسى" الوسيط الوطني التشادي, و"أحمد محمد باشر" وزير الداخلية التشادي إلى الخرطوم وذلك لبحث سبل التفاوض المباشر بين الحكومة والمعارضة التشادية المسلحة بوساطة سودانية.
وقال " محمد شريف جاكو" المفتش العام للتحالف التشادي المعارض في إتصال هاتفي من فرنسا لـ " أفريقيا اليوم" www.africaalyom.com أنه قد تم لقاء ودي بين الوفد الحكومي والمعارضة التشادية أمس الأول، وأن المعارضة التشادية طلبت ضمانات دولية وإقليمية من أجل تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الدولة التشادية, مضيفا أن المعارضة التشادية حصرت هذه الضمانات في حضور المجتمع الدولي أي (الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والاتحاد الاوروبي وسيماك ، تجمع الساحل والصحراء وقطر ودول الجوار التشادي).
مشيرا إلى أن النظام التشادي يستخدم نفس الأساليب القديمة مع المعارضة التشادية في شرق البلاد و بنفس أولئك المهندسين السابقين, وقال أن على رأسهم "عبدالرحمن موسى" المهندس المخضرم مع تلميذه الجديد "أحمد محمد باشر", مع آخرين جدد وقدماء لتكرار ذات السيناريوهات السابقة مع المعارضة المسلحة, متسائلا هل التاريخ سوف يعيد نفسه!؟, معربا عن عدم تفاؤله من المحاولة, لأن المؤشرات غير سارة.
مؤكدا ان النظام اتشادي لا يريد السلام الحقيقي في البلاد, وأنه لم يقدم أي دليل عملي على الأرض لإرادة السلام, و تصريحات ديبي وتصرفات النظام خير دليل على هذا التأكيد
موضحا أن إختيار النظام لهذا الوفد الأمني والعسكري, وإرتكازه على الجوانب الإثنية والإقليمية, بدلا عن الوطنية والقومية, هو أشبه بنفس الوفد الذي سبق أن أرسل إلى الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد بليبيا وكانت نتائجه معروفة للجميع.
ورأى " جاكو" أن خلو هذا الوفد من الشخصيات الوطنية ذوي السمعة الطيبة, والشخصيات المعارضة الداخلية, ومن المجتمع المدني دليل آخر على عدم حسن نية النظام للمصالحة الوطنية بصورة حقيقية وبجدية تامة.
مشيرا إلى أن ظهور عدة بيانات متضاربة للمعارضة التشادية, دليل على أن البيئة صالحة الآن لإختراق جديد من قبل النظام في صفوف المعارضة, مؤكدا أنه إذا لم تتحرك الكوادر السياسية والعسكرية للمعارضة بسرعة, لتدارك المسرح السياسي والعسكري لها, وكذلك لملمة الموقف من الإنزلاق النهائي, سوف يتكرر نفس المشهد القديم.
وإنتقد عدم إيجاد أجندة موحدة للمعارضة في التفاوض تشمل الجوانب الإجرائية والعملية والمراحل المختلفة مثل مراحل التفاوض غير المباشرة والمباشرة وسقف التفاوض والمتن والهوامش المناورة وغيرها، ودون التركيز على المطلب الرئيسي حتى الآن, وهو ضرورة مشاركة المعارضة الداخلية والمجتمع المدني التشادي في السلام الوطني مع الأطر الدولية والإقليمية, مضيفا أن ذلك يفسر بأن المعارضة غير مستعدة حتى الآن لبلورة الرؤية الحقيقية للعملية التفاوضية مع النظام من جهة ومن فلسفة المصالحة مع النظام من جهة أخرى, ونتيجة الخبرة التاريخية للمعارضة مع هذا النظام ونواياه المبيتة, ومن هنا فإن المشروع برمته لا يتعدى مجرد ألاعيب من أجل إستهلاك الوقت لأيجاد فرص معينة لكلا الطرفين (المعارضة – والنظام).
مؤكدا أن النظام التشادي لايريد سلاما عادلا, وأنه يريد فقط تفكيك لوحدة المعارضة
وعن التقارب السوداني التشادي الأخير قال " جاكو" أن المعارضة التشادية المسلحة لا شأن لها بما يجري بين الدولتين على صعيد الرسمي, لأن المعارضة لديها أجندة وطنية حول إصلاح سياسي وإقتصادي وإجتماعي شامل في تشاد, مؤكدا أن المعارضة التشادية لن تقبل بغير هذه الإصلاحات بأي حال من الأحوال، وأن المعارضة التشادية تفضل تحقيق تلك الأجندة بوسائل سلمية, وعبر مؤتمر وطني جامع يجمع كافة القوى السياسية في البلاد ومنظمات المجتمع المدني وفق الطاولة المستديرة. مضيفا ولكن النظام في تشاد رفض ذلك المطلب الوطني, لأنه لا يعرف غير لغة ومنطق القوة, ولذا المعارضة مضطرة لحمل السلاح لتحقيق تلك الأهداف بأية وسائل منها عبر وسيلة العنف وذلك لا يتعلق بتطور العلاقة بين النظامين الرسميًن في البلدين
ونفى " جاكو" مايتردد من أن الخرطوم تدعم المعارضة التشادية وقال أن هذا الزعم عار تماما من الصحة ، وأن المعارضة التشادية المسلحة ليست فقط في الحدود التشادية السودانية, وهناك حركات مسلحة تشادية في كل من الحدود التشادية مع أفريقيا الوسطى, ولواء الرابع للمعارضة التشادية بقيادة العقيد "آدم يعقوب" في داخل الأراضي التشادية، والحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد بقيادة "شواه دازي" تعمل في شمال تشاد على الحدود التشادية الليبية, مضيفا إذن لماذا يقال أن المعارضة التشادية في شرق تشاد مدعومة من قبل السودان دون غيرها؟ فتلك أكذوبة كبرى ومغرضة من قبل النظام في تشاد, لأسباب منها تبرير ما يقوم به ضد السودان بدعمه للحركات الدارفورية خاصة العدل والمساواة وتصريف الانظار عن الأزمة السياسية الداخلية وذلك بإثارة أزمة إقليمية مع السودان. مؤكدا أن المعارضة التشادية تعتمد على أنصارها من الشعب التشادي والسلاح والمعدات للجيش التشادي لأن معظم القادة العسكريين في المعارضة كانوا قادة في جيش النظام فانضموا إلى المعارضة بكافة أسلحتهم.
وقال " جاكو" على العكس تماما فإن معظم الحركات بدارفور كانت مدعومة من قبل النظام في تشاد, بل أن هناك بعض الحركات صنيعة النظام في تشاد,وأعتمدت حركة العدل والمساواة في السودان على التعاون مع الحكومة التشادية, وهذا أشبه بابرام إتفاقية للدفاع المشترك أي تدخل الحركة في قتال ضد المعارضة التشادية للدفاع عن النظام في تشاد والعكس صحيح! وأكبر دليل على ذلك نجد في مشاركة قوات العدل والمساواة في الحرب مع النظام في تشاد في فبراير عام 2008م بانجمينا ضد المعارضة التشادية وكذلك في أبريل 2008م أم زوير وغيرها, هذا في الساحة التشادية, مبينا أنه في الساحة السودانية قد وصلت قوات العدل والمساواة الى أم درمان بدعم مباشر من الجيش التشادي وإعتقال بعض من أفراد الجيش التشادي في ذلك الهجوم خير دليل على ما ذهبت المعارضة التشادية اليه, وزاد أن تمكن الرئيس ديبي من إقناع دكتور خليل للتوقيع على الإتفاقية الإطارية بين الحكومة السودانية والعدل والمساواة في غضون خمسة أيام فقط, وذلك كان من الصعوبة بمكان منذ عام 2003م الأمر الذي يفسر قدرة ديبي على تحريك العدل والمساواة اذا أراد ذلك ومتى وكيف؟!.
مشيرا إلى أن الحالة الإنسانية للنازحيين في تشاد تفوق حد الوصف في جوانب المأكل والمشرب والمسكن والمأوى والصحة والصرف الصحي وغيرها من الأمور الحياتية المهمة.
موضحا أن الجانب الأمني متدهور جدا, وأن هناك تقارير تؤكد على تفشي جرائم عديدة في وسط هذه المعسكرات مثل الإغتصاب وتجنيد الأطفال قسرا, من قبل الحركات الدارفورية والمتاجرة بالبشر, وقال أن واقعة المنظمة الفرنسية التي حاولت نقل أكثر من مائة طفل معظمهم من أطفال النازحيين بطرق غير الشرعية الى فرنس ليست بعيدة.
وعن الموقف الفرنسي الداعم لأنجمينا قال " جاكو" أن فرنسا مثل كافة القوى الغربية تساند الأنظمة الفاسدة والدكتاتورية من أجل نهب ثروات هذه البلاد وتحقيق المصالح الغربية والشركات المتعددة الجنسيات في سبيل بقاء هذه الأنظمة على الحكم، كان ذلك واضحا ولولا تدخل فرنسي بشكل صارم لصالح النظام لسقط النظام في تشاد يوم الثاني من فبراير عام 2008م, كما أن هناك بعض التقارير تشير الى أن الرئيس ديبي قدم تنازلات كبيرة للرئيس ساركوزي لإعادته الى الحكم في ذلك الوقت, مضيفا أن الدور الفرنسي السيئ ليس فقط في تشاد بل في عموم إفريقيا حتى في قضايا الإبادة الجماعية, وان ما جرى في رواندا خير شاهد للجميع.
وقال لا نتوقع تقليص هذا الدور الفرنسي في تشاد وأثره السيئ على الأوضاع الا بقرار من الشعب التشادي, وذلك بضرورة وضع حد لهذا النفوذ السيئ والسلبي من أجل إقامة وضع متوازن في البلاد.
وفسر " جاكو" التقارب المفاجئ بين الرئيس " ديبي" والحكومة السودانية قائلا أن ذلك يرجع إلى تعرض الرئيس ديبي مؤخرا لضغوط كبيرة من قبل الاتحاد الأوروبي بضرورة القيام باصلاحات حقيقية في البلاد, وإلا سيشهد نظامه إجراءات صارمة, وذلك بعدما أثار المجتمع المدني في أوروبا سلسلة من الفضائح للنظام علنا منه"ا اغتيال "ابن عمر محمد صالح", وإغتيال ابن الرئيس ديبي في باريس من عصابة مشبوهة نتيجة سوء السمعة والسلوك في المحاكم الفرنسية، مضيفا أن "ديبي" أراد أن يقوم بتلك الخطوات الدراماتيكية لتخفيف الضغط عليه, والظهور بمظهر كاذب على أنه رجل السلام والتسامح خاصة وهو يستعد لإجراء انتخابات صورية.
مشيرا أن ديبي يحتاج إلى بعض الأموال لتنظيم إنتخاباته الشكلية, وأنه سبق أن قام بزيارات كالعادة الى ليبيا طالبا تلك الأموال, وإلى الكاميرون والغابون, ولكن دون جدوى, وقال حيث تتطلب تلك النفقات الإنتخابية أموال طائلة لشراء الذمم وتنظيم الموائد والحملات الدعائية, خاصة أنه يعاني من الجفاء مع البنك الدولي نتيجة تخليه بوعوده للمجتمع الدولي حول إدارة رشيدة لأموال البترول التشادي, وإستخدامها لمحاربة الفقر والتنمية وجعل صندوق خاص للأجيال القادمة ولكن المجتمع الدولي نفسه تعرض على خداع من النظام أكثر من المجتمع التشادي نفسه, منوها أن النظام أراد أن يقوم بهذه الخطوات للوصول إلى منطقة الخليج من البوابة السودانية, أملا في لحصول على بعض الأموال, وقال يفسر ذلك بقيام الرئيس ديبي بزيارة إلى الرياض وهو في طريقه الى الدوحة أي ليقبض ثمن ما قام به من السعودية التي كانت قد قامت بالوساطة بين الدولتين وتم توقيع على المصالحة بين الخرطوم وانجمينا في الكعبة المشرفة ولكن دون جدوى.
مضيفا أن ديبي قد شعر أن المجتمع الدولي أراد أن ينهي أزمة دارفور, ولذلك أراد أن يقوم بخطوات إستباقية لجني بعض الثمار لصالحه من جهة, ومن جهة أخرى أنه من المفترض قد تلقى الضوء الأخضر من الرئيس ساركوزي للقيام بهذا الدور المفاجئ.
وكان الوفد الحكومي التشادي قد بحث مع قيادات المعارضة التشادية المسلحة في الخرطوم أول أمس العودة الى البلاد والإنخراط في النشاط السياسي السلمي، وأكد وزير الداخلية التشادي " أحمد محمد باشر" أن الإتفاقية التي وقعتها حكومة بلاده مع قادة المعارضة التشادية في مدينة سرت ما زالت سارية, وأنه ليس هناك ما يمنع من عودة المعارضة إلى تشاد، وامتدح "باشر" علاقة بلاده بالسودان خاصة بعد زيارة الرئيس ديبي الأخيرة للخرطوم، وقال: لقد بدأنا صفحة جديدة ونحن نتشاور الآن في جميع المجالات، ولفت الى أن هناك هدوءاً كبيراً تعيشه الحدود التشادية السودانية بفضل التحول الأخير في علاقات البلدين، مؤكدا إلتزام تشاد القوي بعدم إستضافة أي عنصر من قوات العدل والمساواة، وقال إن تشاد لن تسمح لهم حتى بمجرد عبور أراضيها ناهيك عن التواجد داخل تشاد.
و أضاف "الطيب عبد الرحمن موسى" الوسيط الوطني التشادي عقب المُبَاحثات في الخرطوم، إنّ بلاده تسعى من أجل أن تَتَوصّل حركة العدل والمساواة إلى إتفاق سلام مع الحكومة السودانية.
ويذكر أن مُباحثات الجانبين السوداني والتشادي التي رأس الجانب السوداني فيها د. غازي صلاح الدين، مستشار رئيس الجمهورية، مسؤول ملف دارفور قد ناقشت مجالات التعاون الأمني والإقتصادي والثقافي بين البلدين، وأعْرَب د. غازي عن إرتياحه لمسار العلاقات بين بلاده وتشاد.