الدكتورة سعاد إبراهيم احمد: كانت نخلة وارفة الظلال

 


 

حسين الزبير
3 January, 2014

 




اشبهها بالنخلة ، ليست لانها نوبية فقط، و لكن لايثارها و عطاءها للآخرين،  الشبيه بعطاء النخلة. النخلة للنوبيين لا تعطي الثمار فقط، بل كل جزء فيها له دور معلوم في حياة المزارع النوبي، فالنخلة تعطي الطاقة لاعداد الطعام، و من المواد الاساسية في بناء البيت، بل ايضا صناعة الاسرة. و بالمقابل كانت الدكتورة سعاد تجند كل طاقاتها و قدراتها من اجل اسعاد الناس جميعا و بصفة خاصة الفقراء و المهمشين.

نخلة بذرتها من الحضارة النوبية، و شتلتها القيم التي تربت عليها في بيت ابويها في حديقة اليسار، و بالبحث الدؤوب عن المعرفة ، وجدت ضالتها في مشكلة الطبقية، و عرفت سر شقاء الانسان، فاصبحت تلك النخلة التي نسميها (الاوسر) ، اي النخلة التي لا يشاركها حفرتها اية نخلة اخري، و اصبحت تلك الشجرة التي يتمدد جريدها و سعفها ليغطي ارض المليون ميل. كانت كشجرة النخيل كلها خير من اجل غمار الناس في السودان: نضالها في الحزب الشيوعي ، ممارستها للعدالة الاجتماعية في كل شؤون حياتها، في السجن و ما تقدمه للسجينات قبل خدمة قضيتها ، في كتاباتها و في كل انشطتها الاجتماعية. ما اعظم هذه السيدة الانسانة الانسانة ... كيف استطاعت ان ترتقي بخصلة الايثار الي هذه الدرجة الرفيعة؟!!

من العادات النوبية ، و التي اراها في طريقها للانقراض اليوم، عادة ان تفتح ابواب البيوت مع اذان الصبح و لا تقفل الا في منتصف الليل عند النوم. أكد لي الصديق مصطفي عبد الجليل، و هو من المقربين اليها، انها تمارس هذه العادة في فيلتها في الخرطوم 2، لا احد يقرع جرسا او ينتظر ان يفتح له الباب، يدخل و يصل للغرفة التي فيها، باصوات من حولها. يقول مصطفي انهم كانوا يقولون لها اهمية ان تكون لها خصوصية في بيتها: غرفة خاصة بها لايدخلها احد ، و وقتا خاصا بها ترتاح  فيه من ازعاج الجمهور المتردد عليها في بيتها كل يوم ، و كانت تقول: هل هنالك  ازعاج اكثر من ان تنعزل عن الناس؟!! فلسفة تعبر عن وجود الآخر عندها في كل لحظة. و هذه درجة رفيعة من الاطمئنان  و حب الناس . (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ).

في ندوة بجامعة امدرمان الاهلية في عام 1996 بعنوان التعليم و الثورة تقول:
(ونحن الشيوعيون نبدأ دائما ونكرر دون كلل أو ملل بالتساؤل حول: من يتعلمون، وماذا يتعلمون، وكيف يتعلمون، لأننا نصبو لتحقيق ديمقراطية التعليم كخطوة أولى فى طريق تمكين كل الشعب من امتلاك ناصية العلم والمعرفة وكل أدوات الاستزادة منها لكى يساعد كل ذلك على ارتقاء الوعى لديه، وتفجير طاقاته، وزرع الثقة فى دواخله بأنه قادر على الإبداع وتحسين حياته بالتحرر من الاستغلال والاضطهاد والقهر الناجم عن الهيمنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المفروضة عليه..) و هذا لا يعني شيئا آخر غير اعلي درجات الايثار و تعميم الخير علي كل فئات الشعب و لو كره الانانيون ذوي النفوس الضعيفة. ثم تزيد الدكتورة سعاد و تقول:
(إن ديمقراطية التعليم التى نصبو إليها ونناضل من أجلها تعنى إتاحة فرص الاستيعاب المجانى فى مدارس مكتملة التجهيزات والمعلمين لجميع الأطفال فى عمر السابعة أينما كانوا فى كل شبر من أرض الوطن دون تمييز بالجنس أو العرق أو الدين أو أى شئ آخر على الإطلاق. الديمقراطية التى نناضل من أجلها تتطلب ابتداع الوسائل لتوفير التعليم للرحل والقرى المتباعدة، وتمكين الفقراء من البقاء فى التعليم بعدم تكليف أهلهم بالإنفاق على احتياجاتهم المدرسية، وبالتغذية التكميلية المجانية فى المدارس.)
عاشت لهذه المعاني و كرست لها كل قدرانها و طاقاتها ، و من اجل تحقيقها بدأت رحلة النضال في ستينات القرن الماضي ، حيث تقدمت الصفوف وطالبت عساكر الشمولية الاولي باطلاق النار عليها!! و ظلت تعمل بنفس الحماس ، لم تثنيها سنوات السجن الطويلة ، و لم تثنيها شراسة قوي البغي التي سعت بكل ادواتها ان تكمم مثل هذه الافواه الناطقة بالحق في كل حين.

هذه الانسانة العظيمة التي كرست حياتها كلها من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية في ربوع السودان كله، هذه الانسانة التي قال عنها الشاعر محجوب شريف ، و هي علي قيد الحياة، انها زعيمته و قائدته و مثله الاعلي، انسانة جديرة بان تحكي سيرتها للاجيال و يخلد اسمها في البلاد، و اني اتوجه بالرجاء للقادرين علي ذلك ان يفعلوا.

رب انت اعلم منا بسعاد ، سرها و علنها ، و انا لندعوك ان تجز سعاد بما قدمت لشعب السودان ، و تشملها برحمتك و عفوك و رضاك ، و تجعل منزلتها في الجنة مع الصديقين و الشهداء، انك سميع مجيب.
و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.



hussain772003@yahoo.com

 

آراء