" تعِسَ عبدالدينار، وعبدالدرهم، وعبدالخميصة، إن أُعطِي رضي، وإنْ لم يُعطَ سخط، تعِس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش " !! رواه البخاري وابن ماجة..
صرح وزير المالية الجديد –والمغلوب على أمره- للصحف بأن الشخص الفائز بعطاء مدخلات الإنتاج الزراعي لهذا الموسم، قد (نط) ! بكل ما تحمله (النطة) من دلالات علمية واضحة.. وعزا بعض المحللين الاقتصاديين والأمنيين ذلك إلى انهيار قيمة الجنيه بسبب سياسات بدرالدين محمود وإجراءات د.حسن أحمد طه، حيث إن الشخص المتعاقد قد وجد أن الجنيه السوداني صار لا يسوى شيئا أمام قيمته يوم توقيع العقد ! وبمثل ذلك خسر الكثيرون في البلد قيمة ما يمتلكونه من أوراق بالية ورديئة الصناعة اسمها الجنيه.
لا شك أن السياسات الاقتصادية والوعود الكاذبة التي يجعجع بها المسيطرون على القطاع الاقتصادي طيلة السنوات الماضية هي فاشلة ولا يحاسبهم أحد على فشلهم في عملهم، بل ربما ترقى لمراقي الخيانة العظمى في حال كانت (مجرد) طاعة وتنفيذ لموجهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أو كانت سياسات وإجراءات موضوعة لمصلحة شركات بعينها، وهذا ما ستواصل كشفه حملة قوش وجهاز الأمن في عهده الجديد.
من مخاطر الحياة أن تكتشف عدم وجود قيمة لمدخرات حياتك وأبنائك، وأنها لا تسوى الحبر المطبوع على (البانكنوت) ! فأوراق العملة هذه ليس لها قيمة حقيقية، فهي ليست مصنوعة من معدن ذي قيمة، لتأخذ قيمتها المنطقية من وزنها بالجرام.
والتضخم hyperinflation الذي يفضح وعود مسؤولي الاقتصاد من التكنوقراط الذين وضعوا الموازنات وكذبوا بها على السياسيين، يجعل حياتنا وحياة أبنائنا رهينة لتخطيط متواضع، ليس بحجم هذا البلد وموارده.
إن استخدام الجنيه المحلي (شديد المحلية) في التداين بين الناس، يجعل أتباع أطول آية في القرآن، وهي آية التداين في سورة البقرة في حيرة من أمرهم: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه..) !!
قبل أعوام قمت بتسليف أحد أصدقائي مبلغ 5000 جنيه وكانت تساوي وقتها 2000 دولار بالضبط كنت أستطيع شراء بعض الأفدنة الزراعية بها، واليوم يريد إعادتها لي 5000 جنيه أي ما يعادل الآن 100 دولار فقط وخسرت 1900 دولار بسبب سياسات القطط السمان من الوزراء، فما فائدة كتابة الديْن ولا ضرر ولا ضرار !؟
وأي مستثمر سيقوم بالمخاطرة بالقدوم للسودان أرض الفرص الحقيقية والموارد الضخمة، طالما أن السياسات المالية والنقدية big zero، في ظل هذه العملة المحلية والتي ينبغي استبدالها ؟
وأي خطة لتشجيع السياحة ستنجح طالما أن السائح يواجه مشاكل عدم التعامل ببطاقات الائتمان، ويستلم في يده عملة محلية لا يعترف بها جيراننا في اثيوبيا ولا ارتريا ولا مصر ولا السعودية ولا ليبيا ولا تشاد !
إن الغلاء الذي يطحن المواطنين طحنا فتسمع جعجعة وترى طحينا، يبرر له التجار بأنه لارتفاع سعر الدولار الأمريكي الذي عذبنا ولم يدن عذابه بعد !!
فلنقم بتعذيب الدولار الأمريكي وجعله مواطنا سودانيا، وللخرطوم (نجيبو حي!!)، وليكن الدولار هو العملة التي نستخدمها رسميا في الدولة، لنرى أين ستختفي كل الحجج ومن هم تجار وتاجرات العملة الذين سيمارسون النط من البلد كلها بعد ذلك.
ليس السودان أول دولة تستخدم الدولار كعملة ثانية أو أولى، أو تقوم بإلغاء التعامل بعملتها تماما ولو لفترة زمنية محددة، لتقوم بعملية ال full dollarization إلى حين مرور الأزمات العميقة في البلد، وانخفاض التضخم، وجذب العملة الصعبة إلى مواعين وشرايين البلاد.
إن جنيهنا السوداني قد تعب تعبا لا يدانيه تعب، فمرة بالتزوير ومرة بالتخزين تحت الأرض ومرة بتغيير اسمه بعد البلوغ إلى دينار ومرة بتغيير قيمته ومرة بتسميته بثلاثة أسماء لكل منها قيمة ومرة بإعادة طباعته بعد أن يبلى جلده ومرة بالاحتكار ومرة بحذف الأصفار !
وقد آن أوان أن يرتاح الجنيه السوداني العزيز لعدة سنوات بعد إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية، ونأتي بالدولار الأمريكي من دكة الاحتياط ليلعب أساسيا وحده لا شريك له..
وأفضل ما نواجه به تجار و (ِعباد الدولار) ونتعسهم به هو أن نجعل إلههم مشاعاً بين الناس، وليس حكراً لأحد.. ولنا عودة للروبل والدولار بعد أن نفدت من بعضِ القومِ الحيلُ والأفكار !
Obay.Alakhbar@gmail.com صحيفة الأخبار – 25 يوليو 2018