الدولة والمجتمع والديمقراطية وشروط التسوية …نجاح أم إخفاق
د.الفاتح الزين شيخ إدريس
28 August, 2012
28 August, 2012
بسم الله الرحمن الرحيم
لاشك فى أن الحوادث الصعبة التى نمر بها الآن على كآفة جوانبها الاقتصادية والتحولات الاجتماعية والتحزب القبلي والانقسامات السياسية والتدهور الادارى كل ذلك ساعد على التقاط العديد من المفارقات التى نستطيع من خلالها أن نضبط المشترك السياسى بين الدولة ممثلة فى السلطة الحاكمة والمجتمع إضافة للمشترك التاريخى بين قيادات السلطة نفسها ، فقراءة فكرة الديمقراطية فى بلادنا وتطور منظوماتها ليست قراءة نظرية تقوم على ترجمة النصوص وتركيب فقرات الدستور بل هى محصلة لقراءة تاريخية ترتبط بتطور فكر القيادات السياسية ودور السلطة فى قيادة التحول الاجتماعى والاقتصادى والدستورى للبلاد . وهذا بالطبع يجعل اعادة قراءة الخريطة السياسية انطلاقاً من الاجابة على سؤالين : اولهما تحليل طبيعة السلطة ودورها فى تلبية حاجات المجتمع ومدى استعدادها للقيام بوظائفها الاجتماعية والدستورية والثانى تحليل المجتمع نفسه ثم الوصول لفكر السلطة وموقفها من وحدة البلاد ومعالجة مشاكل المواطن التى اصبحت فى المقومات الاساسية لحياته ، وبقراءة سريعة نجد أن الدولة فقدت وظيفتها وبدأت تنزلق سياسياً فى مواجهة مكشوفة مع التيارات السياسية التى صنعتها الدولة نفسها ونتج عن ذلك تأسيس نزعة سلطوية لا تحترم كثيراً التكوين التاريخى للمجتمع السودانى خصوصاً تلك الموروثات والهيئات الاهلية التى تشكلت فى فترات زمنية متباعدة وتقوم بوظائف حياتية مستفيدة من شبكة العلاقات الاجتماعية ومنظوماتها المتوارثة ، السلطة الحاكمة تصورت انها تستطيع باسم التقدم والتنمية أن تحقق قفزات اجتماعية بمعزل عن الجماعات السياسية وهيئاتها الأهلية ومنظوماتها المتوارثة تقليدياً ، وبسبب ذلك لجأت الى ابتكار واحياناً ابتداع اساليب قسرية فى صناعة التحول بينما لم يدرك الساسة أن التغيير بحاجة الى قوة بشرية تملك الإمكانات ومقتنعة بأن التقدم والتنمية تخدم مصالحها ولا تصب فى تعزيز السلطة وسيطرتها الكلية على حركة المجتمع وتوازنه . ساهم فى ذلك ضعف الوعى التاريخى عند بعض الساسة فى تكوين تصورات هى أقرب للأوهام لصياغة العلاقة مع الشعب وإعادة التقدم علماً بأن ذلك لم يحدث عشوائياً يمكن تقليده لنضع بلادنا فى مصاف الدول المحترمة ، فالسلطة لم تنتبه الى مسألة التاريخ والطبيعة الثقافية للمجتمع السودانى فالدستور لا يستورد بل هو نتاج التطور الداخلى للشعب ويعبر عن واقعه التاريخى وارثه الثقافى والحضارى ، كذلك الديمقراطية لا تترجم نصوصها وهى مثل قوانين الأحوال الشخصية وغيرها من المسائل التى تتعلق بالتربية والمعيشة وأسلوب الحياة والتنظيم المتوارث لذلك علينا أن نصل الى منطق التسوية بدافع اساسه الحرص على عدم دفع المجتمع والسلطة نحو المزيد من التفكك والانهيار ومحاولة الاستفادة من التجارب والكوارث الكثيرة التى مرت بها البلاد وأدت الى انفصال شمالها عن جنوبها اضافة للحروب المستمرة والتى اضعفت القرار السياسى للبلاد ، فالحرية تتطلب المناخ السياسى المعتدل الذى يساعد على وضع قوانين المصالحه من خلال دراسة الظروف التى نمر بها الآن . فالتغيير قادم تفرضه ظروف داخلية وخارجية ولنعلم أن الانقلاب العسكرى لا يؤدى الى تعديل التاريخ بل يعمل على كسر الجماعات والتنظيمات المعارضة ومحاولة دمجها بالقوة تحت مظلة السلطة وهذا بالطبع يؤدى الى الحروب والانقسامات بين الدولة والمعارضين لها وهذه تجربة نعيشها ولا زالت مستمرة ولم نتمكن من معالجة آثارها ، فالحل الواقعى هو تحقيق تسوية بين المؤسسات والهيئات الأهلية لإعادة ترتيب وتنظيم وتنسيق المصالح المشتركة وتقييم توازنها فى اطار سلمى وإذا نجحنا فى ذلك يصبح الخلاف على تسمية الاطار العام أمر ثانوى فالاتفاق على الاسم ديمقراطى أو شورى أو برلمانى أو دستورى ليس الجوهر بل هو الشكل الذى يتم من خلاله حل ازمة التمثيل السياسى ومعالجة مسألة السلطة وأسلوب الحكم . الاستبداد والتسلط لعب دوراً كبيراً فى مشاكلنا السياسية والإدارية والتى ادت الى خلق مجتمع مغلق تحيط به اسوار الاستبداد السياسى والادارى وهذا ادى بدوره الى تفكك المجتمع وتوزيع ثقافاته المتنوعة فالمرحلة القادمة تتطلب مشاريع تتجاوز مفهوم الاصلاحات ولا يكفى إلقاء المسؤولية على مؤامرات خارجية وتبرير سياستنا باتهام غيرنا بارتكاب الأخطاء فالمسألة تتطلب المزيد من الوعى التاريخى الذى يعيد تركيب السياسة وفكر السياسى بما يتناسب مع مستوى تطور المجتمع وحاجاته وبما يتناسب مع ثقافاته وهويته الحضارية وعلينا تصحيح الفهم للعلاقة بين السلطة وشعبها وعلى السلطة فهم دورها السياسى فالتطور يحتاج الى منظومات معرفية يعاد تأسيس ادواتها من خلال الهوية الثقافية فتصحيح الفهم يبدأ بمعالجة الخلل العام ويبدأ السؤال قائم هل السلطة والمجتمع على وفاق ؟ بمعنى أن السلطة تقوم بواجبها تجاه المواطن ، وهل المواطن راض عن سياسات الدولة ؟ ثم ماهى مقومات النجاح وفرضيات الاخفاق ؟ هنالك قرارات اضرت بمصالح المواطن هل كانت جماعية أم فردية ؟ تبدو فى تقديرى الدولة والمجتمع والديمقراطية وشروط التسوية اخفاق أكثر منها نجاح ، والله المستعان .
Elfatih eidris [eidris2008@gmail.com]