السلام والحرب فى السودان: حدود القوة
husselto@yahoo.com
الحرب والسلم (بالروسية: Война и мир، فوينا إي مير) هي رواية للكاتب الروسى الشهير ليو تولوستى ، نشرت أول مرة من سنة ١٨٦٥م إلى سنة ١٨٦٩م في مجلة المراسل الروسي . تحكى الرواية قصة خمس أسر أرسطوقراطية وورطات حيواتهم الشخصية مع التاريخ بين ١٨٠٥م – ١٨١٣م ، وبشكل رئيسي غزو نابليون لروسيا سنة ١٨١٢م . وفى سياق الأحداث, فإن تولستوي وبشكل منتظم, يحرم شخوصه أية حرية اختيار ذات قيمة, ودور التاريخ المندفع إلى الأمام يحدد السعادة والمأساة على السواء.
احداث السلام والحرب ليس فى الخيال او فى أوراق الكتب واحبار الاقلام إنما تقع كل يوم فى بلادنا وسطورها القتل واحبارها دم الانسان ومنذ امد طويل وكانما نحن اقدر على صناعة الموت وقد عجزنا عن صناعة الحياة. ولذا لم تنال منى المفاجاة وقد فشلت الأطراف السودانية في التوصل لاتفاق لوقف الأعمال العدائية في دارفور والمنطقتين بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات التي انعقدت من ٩-١٤ أغسطس الجارى في أديس أبابا، أثيوبيا.
ودون الغرق فى التفاصيل وتوجيه إصبع الاتهام الا ان سبب الاخفاق هذه المرة لا يعود الى الحيثيات المعتادة او حتى كما كان يتصور البعض يكمن فى شيطان التفاصيل بل ان السبب الحقيقى والوحيد لم يطرحه أيا من الجانبين او آلية الوساطة وهو بوضوح مفضوح : الولايات المتحدة الامريكية . وكما كان يقول الرئيس المصرى الراحل السادات وهو يتحدث عن السلام فى الشرق الأوسط قبيل توقيعه اتفاق كامب ديفيد سنة ١٩٧٨م من ان ٩٩٪ من الحل فى يد الولايات المتحدة الامريكية.
أطراف الازمة فى بلادنا جلست الى طاولة المفاوضات وعيونها ترنو واذانها مرهفة نحو الولايات المتحدة الامريكية ولم تكن تتناقش او تتفاوض مع بعضها. فقد نقلت صحيفة اليوم التالى فى عددها بتاريخ ١٧ من هذا الشهر : ( علمت (اليوم التالي) من مصادرها أن دونالد بوث المبعوث الأمريكي لدولتي السودان وجنوب السودان سيصل الخرطوم خلال الـ(٧٢) ساعة المقبلة للقاء المسؤولين في الحكومة، وأنه طرح مزيدا من المطلوبات وحث الحكومة على ضرورة التوقيع خلال جولة المفاوضات المقبلة) انتهى
واضافت : (وكشفت مصادر رفيعة في الاتحاد الأفريقي لـ(اليوم التالي) أمس (الثلاثاء) عن أن الأطراف توصلت خلال الاجتماعات إلى اتفاق حول أغلب القضايا، وأوضحت أن العقبة الوحيدة التي حالت دون التوقيع على الاتفاق في اللحظات الأخيرة تمثلت في كيفية توصيل المساعدات الإنسانية بعد تمسك كل طرف برؤيته، وقالت : ( كنا قريبين جدا من توقيع اتفاق). انتهى
وأشار بيان لاحق من الآلية الافريقية الى ما وصفه قيام وفد الحركات المسلحة مناقشة مسائل تم الاتفاق حولها والدفع باخرى لم تدرج فى الأصل اضافة لتعنت الحكومة فى مايتعلق بالمساعدات الانسانية للسكان فى منطقتى جبال النوبة والنيل الأزرق . غير ان كل ذلك لم يكن سوى مناورات من الجانبين فى سبيل تحقيق مكاسب قصوى من اللاعب الرئيس فى عملية المفاوضات كما قدمت وهو الادارة الامريكية . فالحكومة تتطلع الى قيام الولايات المتحدة بحلحلة الملفات العالقة والتى بدأت تقصم ظهرها وبالذات رفع العقوبات الاقتصادية والحظر المالى على النظام المصرفى وشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وقبلا من كل هذا وذاك لملمة موضوع المحكمة الجنائية الدولية فى مواجهة الرئيس البشير . اما الحركات المسلحة فإنها تراهن على ممارسة نوع من الضغوط المعنوية على الادارة الامريكية وبريطانيا وفرنسا والنرويج بحيث تحظى بقدر من الدعم المعنوى والمادى حتى لا يصبح حالها كاليتيم فى موائد اللَئام.
الموقف الحكومى عسكريا وسياسيا وداخليا واقليميا ودوليا لصالحها بل واضافت الى ذلك المساهمة فى إطفاء حريق السودان الجنوبي والذى تحول الى كابوس يقض منام الادارة الامريكية وقد أشار عدد من مسؤولى الحكومة انهم تعلموا درس اتفاقية نيفاشا بدفع مستحقات اى دور للحكومة قبل الانخراط فى تنفيذ اى دور مطلوب. وتضم قائمة الإغراءات ايضا المشاركة فى مكافحة الاٍرهاب والحد من الهجرة غير الشرعية الى أوروبا على وجه الخصوص بعد ان تحول السودان الى معبر تتدفق عن طريقه إعداد ضخمة من المهاجرين .
فى كتابه : ( حدود القوة...نهاية الاستثنائية الأمريكية ) والذى صدر فى ٢٠٠٩م يشير آندرو باسيفتش, أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن, الى الأزمات الكبرى (الاقتصادية والسياسية والعسكرية) التي طالت الولايات المتحدةالأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, والتي أدت ببداية القرن الحالي, إلى نشوب حروب إقليمية, أهدرت فيها الولايات المتحدة أموالا وأرواحا ضخمة, لكنها كشفت بالمقابل, عن تواضع وحدود القوة الأمريكية في إعادة تشكيل العالم.
ويضيف وهو جانب لعلنا نتعلم منه : ( أن القتال بالطبع هو جزء من الحرب, ولكنه ليس كل الحرب,التي تبقى في الأساس عملا سياسيا بالدرجة الأولى,حيث يبقى تبرير شنها وجدوى عوائدها مسألة خاصة بالسياسيين ). انتهى
تلك حدود القوة ونحن فى بلادنا فى حالة حرب منذ عهد تطاول لكننا لم نتعلم شيئا ولم ننس شيئا غير اننا قوم عمون.