السودان أزمة العقل السياسي والمثقف

 


 

 

معلوم من قراءة الفلسفة؛ و كما قال هيجل: "أن العقل ليس وحده هو الذي يصنع التاريخ في المجتمعات، و لكن يصنع التاريخ من خلال الخلافات و الصراعات داخل هذه المجتمعات" أن الصراعات و الخلافات تشكل امتحانا حقيقيا للعقل السياسي في كيفية فهمها، و في نفس الوقت؛ إيجاد الحلول التي تعالج تناقضات الواقع، لذلك يظل هو الأداة التي تستطيع أن تحدث أختراق في الأزمة، و يقدم مشروعا للحل السياسي. و هناك مجتمعات تعاني من تعقيدات اجتماعية و سياسية و ثقافية كثيرة تعتبر هي العوامل التي تشكل عقبة في عملية التحولات السياسية التي تحدث في هذه المجتمعات، و السودان يعتبر واحدا من هذه المجتمعات التي تتعدد فيها الثقافات و العلاقات الاثنية و العشائرية و القبلية، و هي علاقات أولية تبين أن مساحة الوطن ضيقة جدا في الثقافة السياسية.
هذه الحالة لا تقف عند الموكونات الأولية بل تنسحب حتى على المؤسسات التي يجب أن تتجاوز المكونات الأولية. مثالا لذلك الأحزاب و منظمات المجتمع المدني، و يتمظهر ذلك في الولاءات المغلقة، و تتمترس فيها دون انفتاح على الأخر، مما يصعب عملية الحوار بين القوى السياسية، و معلوم أن الحوار يعبد طريق الديمقراطية في المجتمع، و يؤدي للانفتاح على التيارات الأخرى و أحترامها رغم الاختلاف معها. و الملاحظ لتناقضات بعض القوى السياسية و المثقفين يتحدثون عن الحوار، عندما تسألأهم من هؤلاء المطلوبين للحوار يقولون القوى الديمقراطية، القوى الديمقراطية متفقين معك. ماذا تفعل مع القوى غير المتفقة معك ترميها بحجر...!
المحزن جدا أن الصراعات بين القوى السياسية في السودان؛ لم تنتج أدبا سياسيا داعما للعملية الديمقراطية، لأنه صراع عدمي يرفض الأخر و يعمل على نفيه تماما، الأمر الذي يعقد المشكل، و يقلل فرص الحل، كما أن الولاءات المغلقة لا تسمح بالتفكير خارج الصندوق، لآن العضو محكوم بقرارات حزبية لا تسمح له أن يقدم أراء مخالفة لأراء قيادات لا تستطيع أن تخرج من دائرة الموروث الثقافي السياسي، و الذي كان سببا في كل نتائج الفشل في تاريخ السودان السياسي المعاصر.
الغريب في الأمر أن الشعارات الديمقراطية تستخدمها الأحزاب بهدف المناورة و التكتيك، الأمر الذي يعقد الأزمة. و المشكل الأخرأن المثقفين الذين يمكن الاعتماد عليهم لممارسة نقد الواقع، و تحليله تحليلا علميا بعيدا عن دائرة الاستقطاب الحاد، لكي يقدموا تصورات للحل يفتح حوارات لكي يقرب المسافات بين القوى السياسية، لكن للأسف أن الأغلبية اصبحت جزءا من عملية الاستقطاب الحاد في المجتمع، هذا يشير أن العقل السياسي و المثقف سوف يستمروا في ترديد مخرجات مؤسسات الولاءات المغلقة.
أن الساحة السياسية الآن منقسمة على نفسها، الشارع هو الذي يخلق معادلة القوى مع المؤسسة العسكرية، و كان على القوى السياسية أن تستفيد من معادلة الشارع لكي تقدم مشروعها السياسي، لكنها للأسف هي حتى اليوم لم تستطيع أن تقدم مشروعا سياسيا مقنعا تجعل الشارع يتبناه و يضغط من أجل تطبيقه، من خلال مساومة جديدة لإدارة الفترة الانتقالية، و إكمال المؤسسات الداعمة للديمقراطية و الترتيب لانتخابات عامة.
هناك العديد من المبادرات مطروحة في الساحة السياسية، إذا كانت من أحزاب، أو من مؤسسات أكاديمية، و من أفراد، لكنها لم تأخذ حقها في الحوار السياسي و المجتمعي، و حتى القوى التي طرحتها لا تقدمها بقوة الدفع التي تجعلها مادة حوارية متواصلة تعدل فيها و تغير حتى تكتمل المبادرة، و تجد الدعم القوى من المجتمع و مؤسساته، المانع لهذه المؤسسات في طرح مبادرتها بقوة، أنها لا تريد أن تخالف شعارات في الشارع، أو بسبب خلافات داخل التنظيم السياسي، أو خلاف داخل التحالف الذي تنتمي إليه المؤسسة السياسية، و أيضا أن تكون أطروحتها تخالف رؤية قوى سياسية أخرى لا تريد الدخول معها في صراع سياسي.
أن القوى السياسية الأخرى (خلاف الزملاء في الحزب الشيوعي) يجب عليهم أن يتبنوا المبادرة الأممية التي طرحها فوكلر رئيس البعثة الأممية، و الذي يؤيدها كل من الاتحاد الأفريقي، و أصدقاء السودان و الترويكة و الايقاد و غيرها، باعتبارها هي التي تقود البلاد لحل مرتبط بعملية التحول الديمقراطي، و تتيح للقوى السياسية الحوار من أجل وضع أجندة الحوار و الوصول لتوافق وطني. أما الزملاء قد رفضوا المبادرة و هم ساعين للثورية التي تؤدي إلي المجتمع الاشتراكي الراغبين فيه لكنه لا يؤسس لديمقراطية. أن القوى السياسية في قوى الحرية و التغيير بكلياتها و غيرها إذا لم تستفيد من قوة الشارع الآن لكي تخلق واقعا جديدا داعما للديمقراطية، إذا غدا ضعفت قوة الشارع سوف لم تبق غير تسوية أضعف من التي كانت سابقا. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء