السودان الجديد من الفكرة إلي الواقع (1 – 7)

 


 

 

أن تعقيدات المشهد السياسي في السودان بعد ثورة ديسمبر 2018م التي أدهشت العالم بشعاراتها و سلميتها، كان المتوقع أن تسير عملية التحول الديمقراطي بسلاسة و توافق بين القوى السياسية التي ناصرت الثورة، لكن كانت التحديات تهزم الأفكار التي تؤسس على مصالح ضيقة، و كانت التعقيدات تكشف أن الأحزاب السياسية التقليدية و الحديثة و حتى منظمات المجتمع المدني فشلت أن تقدم أفكارا تحدث حوارا وطنيا ينتج عنه مشروعا سياسيا تلتف حوله الجماهير، و تجعله مشروعها الذي يجب أن ينفذ، كانت الاتصالات من البعد مع عدد من القيادات السياسية الظاهرة في المشهد السياسي و قيادات منظمات المجتمع المدني و العديد من الأشخاص الذين يمكن أن نطلق عليه مفكرين، تؤكد أن المشهد السياسي الماثل لا يقدم حقائق يمكن الرهان عليها. و لابد من البحث على المؤثرات المهمة التي تؤثر في فاعلية و ضعف العملية السياسية، و لابد أيضا من القراءة المنهجية بعيدا عن المؤثر العاطفي و السياسي.
للتعرف على حقائق الواقع، انتقلت من حالة المراقبة و السمع عبر وسائل الاتصال من استراليا للحضور للخرطوم، و كانت الفكرة أن أجري لقاءات مباشرة مع النخب السياسية الظاهرة في المشهد السياسي، و ناشطين السياسيين في لجان المقاومة الذين يمثلون الجيل الجديد، إضافة إلي نخبة من الصحفيين و الإعلاميين و يصدر في كتاب بعنوان ( السودان : الديمقراطية و تحدياتها) لكن غير الاتجاه بعد عدد من الجلسات و الحديث مع بعد النخب الأكاديمية. أول حديث كان مقتضبا مع الدكتور إبراهيم الأمين من حزب الأمة، ثم جلسة مع الدكتور بكري خليل استاذ الفلسفة في جامعة النيلين. و جلسة أخرى في منزل الدكتور محمد محجوب هارون المدير السابق لمعهد السلام في جامعة الخرطوم، و ضم كل من الدكتور صديق تاور عضو مجلس السيادة السابق و الدكتور خالد التجاني رئيس تحرير جريدة إيلاف، و الأستاذ عبد العزيز أحمد دفع الله النائب البرلماني السابق. و جلستين في مركز الدراسات السودانية الأولى مع الدكتور حيدر إبراهيم على مدير مركز الدراسات السوداني و الثانية جلسة أخرى مع الحاج وراق و اثنين من الأخوة السودانيين المهاجرين سأل أحده سؤالا مهما أين موقف الشعب السوداني في كل ما يجري الآن؟ الجلسة الأخرى مع الدكتور مضوي إبراهيم أدم الأستاذ في كلية الهندسة جامعة الخرطوم و أحد رجال الأعمال الناشطين في تحريك الفعل السياسي و جلسة مع كل من الدكتور الفنان التشكيلي و المخرج السينمائي وجدي كامل و أخرى مع الناقد و الإعلامي السر السيد. هذه الجلسات فتحت ذهني لقضية مهمة جدا أين موقف الشعب من كل ما يجري الآن؟ و هل هذه الأحزاب تمثل قاعدة اجتماعية عريضة، أم أن الشعب ذهب إلي كراسي المتفرجين على المشهد؟
لذلك عدلت الفكرة من إجراء للقاءات إلي التقلقل في الوسط الاجتماعي بكل مكوناته و البحث عن الحقائق المطلوبة و المؤثرة في المشهد السياسي، على أن لا يقف البحث عند أسوار النخب السياسية و بعض الناشطين، و الإعلام كناقل لكل هذه التفاعلات. يتعدى إلي مؤثرات مهملة من الرصد و تعتبر الأكثر أثرا في المشهد. نجدأن الجيل الجديد و طريقة تفكيره، تمثل ركن مهما في المشهد، و أيضا دخول قاعدة اجتماعية عريضة من باب الاقتصاد لم ينظر إليها، إلي جانب وسائل الاتصال الاجتماعي و دورها في خلق تساؤلات مستمرة تتجاهلها النخب السياسية. هذا التغيير و التخلق في خلق واقع جديد شكل ستة حلقات عبارة عن تروس تحرك بعضها البعض. هذا الحراك الذي يعتقد أنه بطيء لكنه هو الذي يعقد المشهد السياسي، الذي يتمثل في عدد من العوامل و السياقات، و هو الذي يشكل ملامح السودان الجديد. فكرة السودان الجديد ليس تلك التي نادى بها الدكتور جون قرنق في منفيستو 1983م و هي فكرة اعتقد قرنق سوف تشكلها فوهات البنادق، و لكن هذه الفكرة تشكلت من خلال عوامل بعيدة عن السلاح. فالسودان الجديد بدأ يتخلق بصورة واضحة في ستة حلقات التالية:-
1 – استمرار حكم الإنقاذ ثلاث عقود و دوره في تفكيك العرى القديمة من خلال مشروع التخطيط الاجتماعي.
2 – الأحزاب السياسية التقليدية و غياب أثرها الفاعل كقوى أجتماعية سياسية و أثر ذلك في تعقيدات المشهد السياسي.
3 – الحركات المسلحة و أثرها في طرح تساؤلات جديدة في الساحة السياسية عجزت الأحزاب الإجابة عليها، إلي جانب صعود مصطلحات الجهوية و العشائرية و أثرها في الضغط على مركزية الدولة.
4 – التنقيب و البحث عن الذهب في العديد من الولايات، هذا العمل أوجد أثرا كبيرا على قطاع جماهيري تراكم عنده رأس المال يعمل خارج الدور الاقتصادية، بدأ يحدث واقعا جديدا في المجتمع.
5 – القوات المسلحة السودانية دورها في العملية السياسية، و هل خروجها من المشهد السياسي كما هو مطروح من قبل بعض القوى السياسية سوف يكون هو الحل الأمثل للسودان الديمقراطي.
6 – النخب المثقفة و الإعلاميين و الصحفيين و دورهم في المشهد السياسي و تأثير الاستقطاب عليهم.
هذه الست حلقات هي التي تشكل السياقات للعملية السياسية، و أيضا تشكل ملامح السودان الجديد، أن الحوار مع أي مجموعة سياسية أو اجتماعية، يتلمس المرء أن طريقة التفكير المركزي القديمة بدأت تغيب عن المسرح السياسي، و ليس هناك قناعات راسخة يتمسك بها الناس يمكن أن تكون هي محور النقاش. أن انتشار التعليم و انتشار التلفونات الذكية و التجارة في الذهب و متطلباته خلقت طبقة اجتماعية لها تطلعاتها المؤثر في السياسة. و نواصل التفصيل في كل حلقة من الحلقات المشار إليها كل على حدا. نسأل الله حسن البصيرة

zainsalih@hotmail.com
/////////////////////////

 

آراء