السودان وثورته و لحظة تخلّق العالم ليولد من جديد

 


 

طاهر عمر
18 December, 2022

 

أيها الشعب السوداني لا شك في أنك تسير في الطريق الصحيح و الشاهد أن أحرار العالم قد بهرهم شعار الثور المجيدة حرية سلام و عدالة و هذا يدل على أن بداية خطواتنا قد سارت مع مسيرة الانسانية و لا شك في أن مسيرة الانسانية مأساوية و تراجيدية بلا قصد و لا معنى.
لهذا نقول أن مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة قد تزامنت مع لحظة يتخلق فيها العالم ليولد من جديد و هنا تكمن صعوبة إنزال شعار الثورة و خاصة أن من في القيادة ينطبق عليهم وصف ريادات وطنية غير واعية. و عدم وعيهم يكشفه تطفلهم على مواقع القيادة في وقت تنقصهم فيه الفكرة أي فكرة تأسيس دولة حديثة. خاصة و نحن في زمن يحتاج للأذكياء من أبناء الشعب السوداني لكي يفطنوا لصعوبة المهمة.
العالم اليوم يعيش في مفترق طرق و كملاحظة للمراقبين من داخل مراكز البحوث يمكن رؤية ما سيكون عليه العالم و هو يفارق حقبة النيوليبرالية و ينطلق نحو حقبة جديدة غير معلن عنها و لكن شعوب العالم المتقدم تسير نحوها بكل ثقة و لا تريد أن تنبّه شعوب العالم الثالث كما كانت حقب كثيرة قد مرت حتى على العالم الأول و قد أدت لموت العالم القديم و ميلاد الجديد و قد لاحظها علماء الاجتماع و الفلاسفة و الاقتصاديين و قد تحدثوا عن العالم الذي سينتج عنها على مدى يبعد عنا ثلاثة عقود في عد الزمن مستقبلا.
مثلا كان عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر يدرك بأن لحظة زوال سحر العالم قد زالت أي لم يعد للدين و الفكر الديني أي دور بنيوي على صعد السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و هذا قبل قرن من الزمن و يزيد و ما زالت نخبنا من أقصى يسارها الرث المؤمن بالعلمانية المحابية للأديان الى أقصى يمينها الغارق في وحل الفكر الديني لم تستوعب بعد بأن الفكر الديني ليس له أي دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع.
فكيف يقود مثل هؤلاء ثورة كثورة ديسمبر قد بدات مسيرتها مع مسيرة الانسانية لكي تفارق منظمومة الفكر السوداني القديم الذي يدافع عنه كثر؟ و تتجلى أنشطتهم في في الدفاع عن ثقافة عربية اسلامية تقليدية قد أنتجت مثقف سوداني يفصل ما بينه و نخب العالم المتقدم قرن من الزمن مقارنة بفكر ماكس فيبر و هو يتحدث عن خروج الدين من أي دور بنيوي سواء في السياسة أم في الاقتصاد أو الاجتماع.
وجود أبناء أحزاب وحل الفكر الديني على قيادة ثورة ديسمبر و بفكرهم الذي يريد تخليد فكر المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ كما عند الشيوعي السوداني ما هو إلا معركة بين نخب لم تستوعب ما يجري في العالم و كيف يستعد العالم و يسير ليتخلق ليولد من جديد.
و يظن أبناء أتباع وحل الفكر الديني و الشيوعي السوداني أنهم سيولدون مع العالم الجديد بعقلهم القديم و يواصلون كيدهم لبعضهم بعض و كل منهم يظن بأن كل شئ سيؤول له في خاتمة المطاف فالانصاري يظن بأنه سيعيد سيرة المهدية سيرتها الأولى و الشيوعي ما زال يظن بأن إضطراد العقل و التاريخ سيقود لنهاية التاريخ و إنتهاء الصراع الطبقي و كأن شئ لم يكن و كأننا في في نهايات القرن التاسع عشر لحظة بداية أزمة الليبرالية التقليدية و بداية أمشاج الليبرالية الحديثة بفلسفة تاريخ حديثة لم تظهر أشعة شروقها بعد في عوالم أتباع الامام و المرشد و الاستاذ الشيوعي.
العالم اليوم يا سادة يستعد لحقبة سوف تعقب ديناميكية النيوليبرالية و هي ديناميكية جديدة كما كانت الكينزية ديناميكية و أعقبتها النيوليبرالية و ها هي ديناميكية الحماية الاقتصادية و هي أيضا من صميم الفكر الليبرالي و تسير على خط أفكار أصحاب العقد الاجتماعي نقول لهذا و خاصة أن كثر من النخب السودانية لا يفرق ما بين النيوليبرالية كديناميكية و الليبرالية كفكر بجناحيه السياسي و الاقتصادي و هي تقصد سبيل فكر جون لوك الأب الشرعي للفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي.
و إذا تحدثنا عن جون لوك لابد من ذكر رسالة في التسامح حيث لا يمكننا أن نتحدث عن التسامح في ظل فكر الامام الصادق و هو رجل دين أكثر من أن يكون سياسي و كذلك نجده أي جون لوك يمقت عدم فصل الدين عن الدولة كما يمقت الإلحاد و من هناك جاءت فكرة أن الديمقراطية صيرورة و قد أصبحت بديلا للفكر الديني.
فلا ديمقراطية مع فكر ديني و لا ديمقراطية مع أحزاب وحل الفكر الديني الذي يسود في السودان من أقصى يمينه الى أقصى يساره. في الوقت نفسه فان الديمقراطية كصيرورة هي الطريقة الوحيدة التي تخرجنا من عوالم المجتمع التقليدي و المجتمع السوداني تقليدي للغاية و لهذا يعيش السودان في دائرة مفرعة و محكمة الإغلاق و لا يمكن فكها و الشب عن طوقها بغير مفارقة فكر الحضارة العربية الاسلامية التقليدية و ها قد رأينا ولي عهد السعودية يفارق فكر الوهابية و يقول للسعوديين لا يمكننا الدخول للحداثة و تحقيق تنمية اقتصادية و نحن في ظل الفكر الوهابي.
متى يصل العقل السوداني الى مستوى عقل البدوي السعودي أي ولي العهد و هو يفارق وحل الفكر الديني من أجل أن يكون للسعودية موعد مع الحضارة و موعد مع التاريخ؟ على العموم العالم اليوم يتخلق ليولد من جديد و السودان ليس جزيرة معزولة عن العالم بل سيلتقي معه في تجارة خارجية و سيلتقي في إمكانية التعاون من أجل نقل خبرات العالم الصناعية و غيرها من الفرص التي يلتقي فيها السودان مع العالم الخارجي فكيف يسير السودان بعقل الارادة الالهية مع عالم يسير بفكرة الحق في الحقوق؟
كيف يسير السودان مع عالم يسير مع الحماية الاقتصادية مع سياسي سوداني يسير بفكر ديني تقليدي و كأن السودان قد أصبح مكب نفايات الدين و أمامك مثال إزدهار أنصار السنة في السودان و كبح جماحهم في السعودية من قبل فكر ولي العهد السعودي؟
نقول لكم أيها الشعب السوداني ما يفعله ولي العهد في السعودية و هو يجمد فكر الوهابية و يسير على هدى موروث الانسانية لتحقيق تقدم اقتصادي قد سبقه عليه دينغ شياو و هو يزيل كل أفكار ماو و يفتح الطريق لنمط الانتاج الرأسمالي في الصين و كان ذلك منذ عام 1978 و لو تتذكر أيها القارئ الحصيف أن بداية الصين مع دينغ في عام 1978 يصادف وصول تاتشر و ريغان بفكرة النيوليبرالية في كل من بريطانيا و أمريكا.
الآن تصل ديناميكية النيوليبرالية الى منتهاها و تبداء حقبة جديدة غير معلن عنها و لكن اقتصاديين كثر يدركون أنها قادمة و هي ديناميكية الحماية الاقتصادية و هي أيضا من صميم الفكر الليبرالي لمن يقراء تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية و سوف تسود لثلاثة عقود قادمة و كانت ارهاصاتها قد بانت في خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي و انتخاب الشعبوي ترامب و لكن سوف ينزلها على أرض الواقع سياسيين يختلفون عن الشعبويين و عليه ننبه النخب السودانية أن العالم يتجه لحقبة جديدة و يحتاج لمفكريين من نوع نادر وسط النخب الفاشلة و هاهم يتصارعون مع أفشل قائد إنقلاب فكيف يكون إستعدادهم لإنزال حقبة جديدة؟
و هي فكر الحماية الاقتصادية و هي فيها سوف تنكمش و تنطوي كل أمة على نفسها من أجل إعادة بناء صناعاتها الوطنية فهل إستعدت النخب السودانية لمثل هذه الحقبة التي تحتاج لنخب تهتم بالفكر السياسي و فكرة الاقتصاد و المجتمع و هذه أفكارها تندر عند الأحزاب السودانية كندرة الكبريت الأحمر.
هاهم النخب الفاشلة تناور عسكري إنقلابي فاشل و هو البرهان عسكري لا يفهم شئ و لكن بسبب تخلف النخب الفاشلة ها هو يتحدث عن انتخابات و حكومة منتخبة و هو لا يفهم أن حقبة خروج ديناميكية و دخول ديناميكية تنتج الانتخابات حكومات لا تستطيع أن تقوم بالتغيير و هذا ما تعاني منه الشعوب المتقدمة فدعك من مجتمع تقليدي كالسودان.
و لهذا نقول للشعب السوداني انت مصدر السلطة و فوق الكل مدنيين و عسكريين و حزب شيوعي أي أنك أيها الشعب السوداني فوق الحزب الشيوعي إذا لم تستطع النخب السودانية تحقيق شعار حرية سلام و عدالة سوف يطول طريق الثورة و سيطول إنتظار شخصية تاريخية تستطيع أن تعبر و تتجاوز عقلنا الجمعي التقليدي و لكن بعد إحباط ربما يفوق قدرة كل فرد و لكن تستطيعون تجاوزه كشعب يريد أن يحقق حياة تنتصر يوما ما للفرد و العقل و الحرية.
ففي لحظة خروج ديناميكية النيوليبرالية و دخول ديناميكية الحماية الاقتصادية مسألة الانتخابات حتى في المجتمعات الحية و المتقدمة لا تنتج حكومات تقوم بالتغيير المنتظر و دليلنا انتخابات فرنسا و هاهو ماكرون قد فاز مرتين و لكن لم ينجز تغيير ينتظره الشعب لأنه جاء في حقبة نهاية النيوليبرالية و زمن ينتظر الحماية الاقتصادية التي لم تأتي بعد لكي تعيد الصناعات الوطنية في فرنسا.
لذلك على الشعب أن يستعد و يفهم أن الانتخابات التي سوف تعقب الفترة الانتقالية تحتاج لنخب تفهم ما يحصل في العالم أي خروج النيوليبرالية و دخول الحماية الاقتصادية و هي من صميم الفكر الليبرالي فلا تتركوا البرهان يتحدث عن انتخابات لا يفهم فيها غير أنها إدلاء بأصوات كما يفعل من صنعوه أي الكيزان انتخابات الخم و الزج و التعبئة التي لا تنتج غير خبوب أتباع وحل الفكر الديني.
نقول للشعب السوداني جاء الوقت أن تحرس ثورتك من العسكر و من الأحزاب و انت فوق الكل أيها الشعب انت فوق الكل فوق العسكر و فوق الإطاريين و فوق الجذريين أي فوق حزب الامة و فوق الحزب الشيوعي السوداني و انت مصدر السلطة.

taheromer86@yahoo.com
//////////////////////////

 

آراء