السياسة في خدمة الاقتصاد
عادل الباز
15 October, 2011
15 October, 2011
اصطحبنا الأستاذ علي عثمان النائب الأول في زيارة مبهرة هي الأولى من نوعها له لمصر بعد الثورة. الزيارة وما جرى فيها جاءت على إيقاع حرارة الثورة وشفافيتها، وقدرتها على استنهاض الهمم. سأبدأ بإذن الله منذ الغد نشر حلقات عن ما وراء ما جرى بقاهرة الثورة آملاً أن تتضح صورة الأسس الجديدة التي دعا النائب لإرسائها في علاقتنا التاريخية بمصر، وهي ما وضع فيها النائب عصارة خبرته السياسية وتجربته الثرة في السياسة والحكم أمام قادة مصر الجُدد. اليوم سأعتني بفكرة عامة أوحت لي بها زيارة النائب، وزيارة الرئيس، ثم التحركات النشطة التي يقوم بها السيد وزير الخارجية على الصعيد الدبلوماسي.
تاريخياً كان الاقتصاد في خدمة السياسة. وُظفت موارد الدولة دائماً لصالح الأجندات سواء كانت هذه الأجندات تتعلق بمصالح خاصة أو مصالح عامة. استفادت الأحزاب من بقائها في الحكم لتوظف موارد الاقتصاد لصالح خطها السياسي، ولكسب الولاءات عبر إنفاذ البرامج في الدوائر التي تهمها وتعود بالنفع على جماهيرها بما يضمن ولاءها باستمرار. استفادت الأحزاب دائماً من فعاليتها السياسية بغض النظر عن جماهيريتها في تحقيق مكاسب اقتصادية وبغض النظر عن ولائها للحكم أو معارضتها له. خذ عندك مثلاً المكاسب التي حققها حزبا الأمة والاتحادي إبان الانتخابات السابقة في حصد أكثر من ثلاثة مليار جنيه من الحزب الحاكم للنزول كمتنافسين في الانتخابات الماضية. حصدوا المليارات عبر عمل سياسي لم يقوما به، إذ إنهم قاطعوا الانتخابات في نهاية الأمر. خدمهم اللعب السياسي النظيف أو غير النظيف على حسب موقعك اقتصاديا.
التوظيف السياسي عبر الاستوزار أو جيوش وزراء الدولة أو المستشارين أو قيادات الخدمة العامة بغض النظر عن الكفاءة ظل مجالاً مفتوحاً وخصباً لتحقيق مكاسب اقتصادية لكوادر الأحزاب. حققت السياسة مكاسب اقتصادية لفئات ما كانت لتبلغها لولا التحاق هؤلاء وأولئك بفعل سياسي أو بتنظيم سياسي ما أو حكومة ما.
المؤسف أن الاقتصاد الذي ظل هو الشريان الرئيس للسياسة شهد إهمالاً وتخريباً لبنياته.. وكانت السياسة والسياسيون هم الأداة الرئيسية للتخريب الذي جرى. فبدلاً أن يصبح الاقتصاد قاطرة للاقتصاد، أصبح مقطوراً بلا وعي للسياسة، حتى تداعت بنياته التحتية، وانهارت مشاريعه الزراعية، وأفلست بنوكه. قادته السياسة ولاعبوها لهذا المصير. أكلت السياسة عرق الاقتصاد واستنزفت موارده وبددتها في حروب لخمسين عاماً لا طائل من ورائها. لم تبلغ السياسة عندنا بعد رشدها لتخدم الاقتصاد. السياسيون في كل العالم يوظفون علاقاتهم السياسية والدبلوماسية لخدمة الاقتصاد والتنمية لا لتخريب دولهم.
الاقتصاد بإمكانه أن يفعل فعل السياسة بل وأكثر، ولكن السياسة لا يمكن أن تشكل بديلاً لفعالية الاقتصاد. خُذ تركيا نموذجاً. الإنجازات الاقتصادية لحزب العدالة منذ أن كان اردوغان رئيساً لبلدية اسطنبول هي التي صعدت به سياسياً إلى أن وصل إلى رئاسة الوزراء كسب معركته الاقتصادية بالداخل التركي، فارتفع بمؤشر دخل الفرد من خمسة آلاف جنيه في العام إلى اثني عشر ألف جنيه، وصعد بالدخل القومي من 120 مليار دولار إلى 414 مليار دولار!! من هنا بدأ في مقارعة السياسة للقلاع العلمانية الأقوى وهي الجيش التركي، ثم استعاد دوره الإقليمي بقوة، وأصبحت تركيا لاعباً رئيسياً في قضايا الشرق الأوسط، بل صار أردوغان نجماً ساطعاً في سماء الثورات العربية. خدم الاقتصاد تركيا سياسياً؛ خارجياً وداخليا.. والدرس المستفاد هو حين تحاول أن تلعب السياسة بعضلات اقتصادية مهترئة لن تحصل إلا على دولة مصوملة!! .
الآن إذ تتجه الدولة لجعل السياسة في خدمة الاقتصاد فإنها تصحو لأداء الفريضة الغائبة، وبإمكانها أن تذهب في إنفاذها بعيداً. زيارة السيد النائب الأول لمصر وما شهدناه فيها من تحرك باتجاه المصالح الاقتصادية العليا للسودان نأمل أن تمثل نهاية تاريخ السياسة كقائد للدولة ليحل محلها الاقتصاد كقاطرة رئيسية للنهضة. بإمكان الدولة أن تفعل.. ففرصتها واسعة.. فقط لو تركنا وراء ظهورنا، الهيجانات وقرع الطبول الفارغة التي تضر ولا تنفع.
إلى غد
مع طه في المحروسة
كل خيرات الأرض ومصر هنالك....... ومع ذلك....!!