الشرعية والديمقراطية صراع غياب الفكر

 


 

 

أن شرعية أي نظام سياسي يستمدها من قبول و مشاركة أكبر قطاع اجتماعي في السلطة، هذه المشاركة الواسعة هي التي تحدد اتجاهات النظام القائم، و مادام هناك قبول بالمشاركة الواسعة، تأتي عملية تنظيم تداول السلطة بالطرق السلمية لكي يحافظ النظام على القبول الاجتماعي و توسيع دائرة المشاركة، و تبدأ بانتخابات منتظمة بمواقيت محددة لمجالس الأحياء لأنها تعتبر القاعدة الأساسية للنظام، من خلال المشاركة الواسعة للجماهير في انتخابات، و انتخابات الأحياء هي الأصل لأن التنافس و الدعاية و الالتزام بقوانين العمل هي التي ترسخ ثقافة الديمقراطية في المجتمع، ثم تتصاعد الانتخابات "الأحياء و المحليات و الولايات و المركز" و كلما تقدمت الانتخابات درجة تقل دائرة المشاركة ما بين انتخابات الأحياء و المركز.. و جميعها تشارك فيها الجماهير و يشتد التنافس بين المرشحين.. هذا التنافس لابد أن يكون محكوما بقوانين، لذلك تطر السلطة إلي صناعة دستور مقبول من قبل أغلبية الشعب، و تتفرع منه القوانين و اللوائح التي تضبط العملية السياسية، و تحفظ للمجتمع أمنه، و استقراره السياسي و الاجتماعي.. الديمقراطية فكر و فعل و احترام لللأخر.
أن عملية التغيير السياسي، خاصة من نظام شمولي إلي نظام ديمقراطي، لا تعتمد على الشعارات التي درجت الأحزاب على إطلاقها، فقط لكي ترددها الجماهير دون منتج على الواقع.. لابد للجماهير أن تستوعب عملية التغيير، و مطلوباتها، و الثقافة التي تحكمها.. و كان على الأحزاب السياسية أن تقوم بهذا الدور لتثقيف الجماهير، و اتضح من خلال التجربة أن فاقد الشيء لا يعطيه، و لابد أن تدرك الجماهير أن هناك فرقا نوعيا و ثقافيا بين النظام الشمولي و الديمقراطي.. و أن الرأي الأخر يمثل حجر الزاوية في النظام الديمقراطي، و ليس كل من يخالفك الرآي هو عدو يجب إقصائه.. و قبول و احترام الرآي الأخر هو الذي يفسح الطريق للحوار بين تيارات الفكر المختلفة، و في نفس الوقت يقلل فرص بروز العنف في المجتمع بكل أنواعه.. لكن مشكلة السياسة الأن، أصبحت الأحزاب نفسها في تعاملاتها و خطاباتها و ممارساتها تنتج ثقافة شمولية، و تعتقد أنها تمارس الديمقراطية.. أن فرض الشروط على الآخرين و دعوات الإقصاء و مواجهة الرأي الأخر بتوصيفات عدائية كلها تنتمي للثقافة الشمولية.. قال تعالى عن رؤية فرعون في علاقته مع قومه " قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد" هي رؤية الديكتاتور..
أن الأحزاب التي تحاول أن تفرض ثقافة الأستاذية على الآخرين، هي أحزاب لن تكون مفيدة لعملية التحول الديمقراطي في البلاد، فالديمقراطية تشيد قواعدها في المجتمع من خلال الحوارات التي بين المختلفين في الرآي، لآن الحوار يهدئ النفوس و يعيد بناء الثقة بين الكل، و تتحول إلي ممارسة دائمة، بمعنى أصح تنتج الثقافة الديمقراطية، و من خلال الممارسة تتحول لسلوك تلقائي يمارسه أي فرد في المجتمع... و كما يقول جورج طرابيشي في كتابه " ثقافة الديمقراطية" يقول ( أن الديمقراطية في العالم العربي هي موضع طلب أيديولوجي شديد، و لكن بدون عرض على صعيد الواقع الفعلي، و بدون تأسيس نظري على صعيد المفهوم) و هذا بالفعل الذي يعاني منه السودان، أن الأحزاب السياسية السودانية جميعها دون استثناء غير منتجة للفكر و لا منتجة للثقافة الديمقراطية، بل تتعامل بالثقافة الشمولية باعتبار أنها ثقافة ديمقراطية، إذا كانت الأحزاب جميعها ترفع شعار الديمقراطية و تمارس غيرها داخل تنظيماتها، بالضرورة تشكل عقبة في نمو و تطور الديمقراطية في البلاد، حتى خطابها يصبح مغايرا لشعاراتها، وأي أختلاف في الرآي يحصل الانقسام ..
معلوم أن الديمقراطية أدواتها الأحزاب السياسية، و منظمات المجتمع المدني و في نفس الوقت الأحزاب نفسها تعتبر هي معامل لإنتاج الثقافة الديمقراطية، و إذا رجعنا إلي الأحزاب الكبيرة منها، و التي يجب أن تكون سندا لعملية التحول الديمقراطي نجدها لا تملك الأدوات الفاعلة التي تساعد على بناء صروح الديمقراطية " الاتحادي – الأمة – الإسلاميين – الشيوعي" الحزب الاتحادي أصبح أحزاب متعددة " الاتحادي الديمقراطي – ألاتحادي الأصل – الوطني الاتحادي – الحركة الاتحادية – التجمع الاتحادي و غيرها" حزب الأمة " الأمة القومي – مبارك المهدي – عبد الله مسار – و غيرهم" الإسلاميين " المؤتمر الشعبي السنوسي – المؤتمر الشعبي على الحاج – المؤتمر الوطني – الإصلاح الآن – حركة المستقبل – الإصلاح و التنمية – الأخوان المسلمين – انصار السنة" و الحزب الشيوعي " الحزب الشيوعي – حركة حق – حشود و غيرها" كل هذه التقسيمات و التفرعات نتجت بسبب رئيس هو انعدام الممارسة الديمقراطية داخل الآربعة أحزاب الكبيرة، و ليس هناك أي أمل أن ترجع تلك التفرعات إلي الأصل، لآن الاصل نفسه يعاني من إشكاليات فكرية و تنظيمية و حتى قيادات تكون مقبولة تلتف حول المجموعات المختلفة مرة أخرى.
هناك بالفعل معضلة أساسية في قضية الديمقراطية في السودان، و لابد التعامل معها بوعي سياسي ينطلق من أفكار و ليس شعارات، و كما ذكرت كثيرا؛ ليس تعدد الشعارات دلالة على القناعة بالديمقراطية، و لكن دلالة على غياب العناصر التي تشتغل بالفكر، الإزمة الحقيقة أزمة فكرية داخل الأحزاب.. و كما يقول المفكر البناني على حرب في كتابه " اوهام النخبة" يقول ( فمن لا ينتج معرفة بالمجتمع لا يستطيع المساهمة في تغييره، و من لا يبدع فكرا هو اعجز من أن يؤثر في مجرى الأحداث، و تطور الأفكار، هذا هو المأزق الذي يمسك بخناق المثقف العربي) أن أحزابنا لا تنتج معرفة و لا ثقافة ديمقراطية، و الشعارات التي ترفعها هي هزيمة لها، و تفضح تواضع قدرات قياداتها.. فالجماهير تدفع مهرا غاليا للتغيير، و لكنها لا تحظى بتغيير يعبر عن تلك التضحيات التي دفعتها.. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com

 

آراء