الصحة والتعليم !!

 


 

خالد عويس
3 March, 2013

 

Khalidewais2012@gmail.com
"الإنقاذ" حين أتت إلى سدة السلطة قبل نحو 24 عاماً، تعهدت برفع المعاناة عن كاهل السودانيين، وإيلاء قضيتي التعليم والعلاج عنايةً خاصة. هذا كله لم يحدث، بل أن نقيضه هو الذي تمدد ليسد شرايين الوطن مورثاً إياه عذابات لا حصر لها.
الشعار المناسب الآن للصحة في السودان، هو "من لا يملك ثمن العلاج، فليمت" ! آخر الحكايات الموجعة هي حكاية الحاجّة "الزينة" التي غادرت الحياة وهو تشكو آلاماً لا تُطاق. وقبل ذلك، رحل المئات من السودانييين، في صمت، نتيجة اللا مبالاة وتنصل الدولة من مسؤولياتها تجاههم. بل أن بعضاً من كبار مبدعي السودان، ومن بينهم محمود عبدالعزيز، عانوا معاناة تجلّ عن الوصف للسبب ذاته !
هذا الأمر لم يعد مقبولاً على الإطلاق. أية زيارة لمستشفى حكومي، تكشف عن التردي الرهيب في بيئة المستشفيات ونقص الكادر الطبي المؤهل وشُح الخدمات، وإلا قولوا لنا، لماذا يفضّل مسؤولو الحكومة العلاج في الخارج لأبسط الأمراض؟
على هؤلاء أن يقاسمونا أوجاعنا، يشبعوا معنا ويجوعوا، يمرضوا معنا ويُشفوا. الواقع بالغ السوء هذا يُعمِل أظفاره في جسد أكثر الفئات المجتمعية فقراً وعوزاً. وحين يجد الأغنياء والمسؤولون طرقاً أخرى لعلاجٍ راقٍ ويتركون البقية وسط هذه الويلات، فإن هذا يورث خللاً إجتماعياً أكثر من الذي نعيشه، ومؤداه كوارث أخرى في الطريق !
ليس هذا فحسب، فالتعليم أيضاً، ونتيجة إسترتيجيات خاطئة تماماً، أصبح خارج اهتمام الدولة ونفقاتها. بل أنها تدخلت تدخلاً مضراً منذ 24 سنة، لتعدِّل في فلسفته ومناهجه وتوسّع فيه توسعاً غير مدروس وغير محسوب النتائج، وفقاً للشعارات لا المنطق ولا العلم ! الزيادة في عدد الجامعات السودانية، في فترة 10 سنوات، فاقت نظيرتها في بلد مثل بريطانيا، ربما في 20 أو 30 سنة. الهدف الرئيس من وراء هذه الإستراتيجية كان "الإخضاع" و"التلقين"، و"الكم" لا "الكيف" !
ولعل كارثة التعليم هذه لن تظهر نتائجها المدمرة إلا بعد سنوات، لكنها ستحتاج عقوداً ليتم إصلاح الخلل الرهيب الذي يحيط بها، بدءً من "فلسفة" التعليم وأهدافه ووسائله وآلياته.
إن ما نشهده طوال نحو ربع قرن هو "حرب" منهجية على التعليم والعلاج في السودان، نتيجة إما قصور الرؤية، أو بُغية إحداث تغييرات جذرية في "العقل" السوداني، خاصةً في مجال التعليم !
إننا ببساطة نريد أن نرى علاجاً حكومياً أفضل من القطاع الخاص، ونريد أن نرى مدارس وجامعات حكومية أفضل من نظيرتها في القطاع الخاص المتمدد لدرجة مفزعة. ونريد أن نرى صياغة فلسفة جديدة للتعليم في السودان، لأن هذا هو المستقبل. هذا الأمر يكاد يكون أكثر أهمية حتى من صوغ الدستور !!

 

آراء