الصراع الداخلي في الحركة الشعبية.. الجيش والحركات

 


 

أحمد ضحية
19 August, 2022

 

غالبية ردود الأفعال في الوسائط الإعلامية المختلفة، تجاه ما يجري داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان، تنظر لهذا الصراع، من (زاوية سياسية محضة) كأنه جزيرة معزولة عما جرى ويجري في عموم المشهد السياسي السوداني!!
وبصرف النظر عن الآراء المختلفة حول هذا الصراع، سواء التي حاولت أن تكون موضوعية، أو تلك التي وقعت تحت أسر نظرِّيات المؤامرَّة، و جنح بها الخيال فوصفت هذا الصرّاع، كإعادة إنتاج للمقولة الشائعة "سأذهب الى السجن حبيساً، فاذهب أنت إلى القصر رئيسا!!"
إلا أنه تظل الحقيقة التي لا شك فيها، من (الناحية السياسية) أن هذا الصرّاع، كما وصفته البيانات التي صدرت عن بعض مؤسسات الحرّكة: بين ارادة الاحتكام لصوت "الدّستور والمؤسسة"، وبين إرادة "الانفراد باتخاذ القرّارات"، بمعزّل عن أحكام الدّستور وخارّج إطار العلاقات المؤسسية!!!
صحيح أن الفترّة الانتقالية بما لازمها من أخطاء ومن ثم وقوع الانقلاب عليها، خيبا آمال السودانيين وهم يعيشون وقائع ثورّة مجيدّة، لم يسبق لها مثيل في تارّيخهم المعاصر، وصحيح أيضاً أن الانقسامات والتشظيات في القوّى السياسية والحرّكات المسلحة، تكشف عن مشهد سياسي رّخو زلق متفلت، يصعب الإمساك به.. ووضع أمني هش قابل لكل الاحتمّالات!
ومع ذلك يعكس هذا المشهد طبيعة التمزّق، الذّي طال البنى الاقتصادية والاجتماعية والفكرّية، لذلك مجرّد الوقوف عند تخوم البني السياسية وحدّها، لا يكفي لإدراك طبيعة ما تمُّر به الحرّكة الشعبية الآن.
في تقدّيري المتواضع، أن ما يحدث داخل الحرّكة الشعبية الآن، يختلف (نوعياً) عن أي ظروف مشابهة مرّت بها من قبل، و نُخطئ كثيراً إذا ظننا أنه مجرد (صرّاع إرادات) حول موقف (مع) أو (ضد الانقلاب)، فهذا الصرّاع في جوهره جزء من عمليات التطوّر في مسيرّة (تحوُّل) الحرّكة لتنظيم (سياسي مدّني) يصارّع فيه أعضائها حتى ذّواتهم لاكمال عملية التحوّل الديمقرّاطي داخلها، فالإرث العسكري العرّيق للحرّكة الشعبية، لا يمكن تخطيه بين يوم وليلة، لبناء تنظيم مدّني ديموقرّاطي.. طبيعة العمليات التحويلية المعقدّة، التي تستلزم ما يكفي من الوقت، لبلورّتها والوصول بها إلى نهاياتها الرّاسخة.
بالتالي ما يحدث الآن في وجه من وجوهه، هو تدشين للإعلان عن (الميلاد الثاني) وليس مجرد صرّاع بين رّئيس حرّكة ذات خلفية عسكرّية، ومؤسساتها ذّات الطابع المدّني!
فما حدّث ويحدّث في جوهره، نقل لمشروع السودان الجدّيد الى مستوى مؤجل، عجلَّت ثورَّة ديسمبر المجيدّة بالانتقال إليه، وبقدر ما تمتّد جذور هذا المستوى، الى مصادر إلهام الحرّكة وتارّيخها وإرثها العسكرّي، بقدر ما تنفتح الحرّكة الشعبية الآن في مستوى من مستويات مشروعها ورؤيتها، لتبني تارّيخ وإرث مدّني وديموقرّاطي، يستلهَّم شعارّات ثورَّة ديسمبر المجيدَّة، ومطالب اللاجئين والنازّحين و المهمشين والمسحوقين في الأرياف والمدّن، وبالقدر ذّاته يستصحب طيوف شهداء الكفاح المسلّح متكئاً على جسارَّة الشباب اليافعين السلميين، الذّين حصدّت ارواحهم آلة الأجهزة القمعية للجنة الأمنية، ومليشيات وعصابات الدّولة العميقة.

الفضاء العام للصرّاع:
١. ارتبطت نشأة الحرّكات المسلحة في السودّان، بمتطوعيها المستعدّين للقتال بدوافع (مزّيج) تتمثل بـ الانتماء للهُوِّية المحلية، وأيديولوجيا الحرّكة المعنية، الناهضة في رّفض التميِّيز والتهميش، إلخ..
ورُّغم تعدّد الحرّكات المسلحة في السودّان، إلا أن كل منها تميَّز بطابع مختلف عن الأخرى، حكمتها علاقات وحدّة وإنقسام ومنافسة، ومع ذلك اتسمت جميعها بالتجانس إلى حد كبير على المستوى الجغرّافي والإثنى. على عكس القوات المسلحة السودانية أو الجيش، الذي يتألف جنوده ورتبه الدُّنيا، من خليط هُوياتي يتضائل كلما صعدنا في الترّاتبية إلى أعلى..
٢. لو ألقينا نظرَّة على الحرَّكة الشعبية منذ ميلادها الأول في ١٦ مايو ١٩٨٣ كجناح سياسي للجيش الشعبي لتحرّير السودَّان، حتى لحظة إنفجار الصرّاع الدَّاخلي الأخير، لابد أن ننتبه لطبيعتها المختلفة عن القوَّى السياسية الأخرى، بإرثها العسكري العرّيق. بالتالي اختلاف طبيعة الصرّاعات داخلها عن القوَّى الأخرّى.
٣. كذّلك عندما نُلقي نظرّة على الدّولة السودّانية الآن، سنرى العلاقات المعقدّة، التي جمعت بين الفرقاء العسكرّيين الذّين يقودون الجيش الحكومي، وحلفائهم من ميليشيات الجنجويد (الدّعم السرّيع) والحرّكات المسلحة الأخرّى، على خلفية اتفاقية السلام الموقعة بجوبا.
وهي علاقات تمخضت عن تحالف عسكري واحد قاد ونفذ انقلاب ٢٥ أكتوبر الماضي، الذي آل بالبلاد إلى نوع من الحكم الأمني والمليشاوي، الذي انتظم جغرّافيا ومؤسسات الدّولة، و أجهض المظاهر الجنينية الوليدّة للطابع المدّني والمؤسساتي، الذّي حاوّلت إرسائه الحكومة الانتقالية، منذ تشكيلّها برئاسة حمدوك في ٢١ أغسطس ٢٠١٩ إلى أن قطع الانقلاب الطرّيق عليها.
هذا الطابع المدني الجنيني، أو الوليد نهض على ساقي "الوثيقة الدستورية الموقعة في ٥ يوليو ٢٠١٩ و اتفاقية السلام الموقعة في ٣ أكتوبر ٢٠٢٠" بصورة لا تقبل الفصل بينهما! وتركه ينمو ويكتمِّل يعني إعادة هيكلة الجيش ونهاية الدّولة العميقة، وهو ما لم و لن تسمح به اللجنة الأمنية، فالجيش يبرّر سيطرّته على السُّلطة بوجود حرّكات مسلحة، بالتالي تفكيك الحرّكات المسلحة في سياق الترتيبات الأمنية وإعادة هيكلة الجيش كما نصت اتفاقية جوبا، يُفقد الجيش ذريعته في الهيمنّة على مقاليد السلطة!

الانقلاب والحرّكات:
منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام الاسلاموي البائد، وفي سعيها لصناعة نظام أمني حديدّي، سارّعت اللجنة الأمنية لإكمال عملية (مأسسة) مليشيات الجنجويد (الدّعم السرّيع)، وتطوّير تسليحها، ودّعم المليشيات الموالية لجهاز الأمن والمخابرّات (تمازّج- كتائب الظل)، والسعي لإجهاض "الترّتيبات الأمنية" كما نصَّت عليها اتفاقية جوبا، بتكرّيس التعايش مع ميليشيا الجنجويد (الدّعم السريع)، ومليشيات الفلول من جهة، واستيعاب جزء من قوّات الحرّكات الموقعة على اتفاقية جوبا، "كمجندين" في القوّات المسلحة، تفادياً لتنفيذ الترّتيبات الأمنية وإعادة هيكَّلة الجيش، الأمر الذي خلق في آن واحد: نوع من التعاون والتنافس بين قادَّة الجيش الانقلابيين والميليشيات في ما بينها، وفقاً لمصالح كل منهم المرّحلية والاسترّاتيجية.
إذ ترى اللجنة الأمنية ومليشياتها مصالحهم في "استمرار الدّولة العميقة" وليس لديها استعداد للتنازّل عن السُّلطة السياسية لصالح المدّنيين. وأكبر تنازل بإمكانها تقدّيمه، القبول بحكومة مدنية (صورية)، فقادّة الجيش (اللجنة الأمنية) كما كشفت كل القرّارات التي تلّت الانقلاب، ظلوا يتفاوضون على السُّلطة السياسية، والنطاق الجغرّافي لهذه السُّلطة، والتمثيل السياسي في المؤسسات السيادية، بما في ذلك المالية والخارّجية.
فيما ترّى الحرّكات المسلحة مصالحها في "تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام"، مع علم هذه الحرّكات، أن الاتفاقية لم يعد ممكناً تنفيذّها بمعزّل عن إطارها الدّستوري، الذي توائم معها ممثلاً في "الوثيقة الدّستورية"، التي تم الانقلاب عليها في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ بالتالي استمراريتهم كجزء من قوى الانقلاب، لا يحقق في الواقع الأجندة التي عبرّت عنها مشاريعهم، كقوّى هامش تطمح لتحقيق الحرّية، السلام والعدالة!
خصوصاً أن الاتفاقية صُممَّت على أساس أن يقود تنفيذّها، الى تحوُّل مدّني، وإلى إعادة هيكلَّة الجيش، وهما أمران لا يمكن لقادَّة الجيش الانقلابيين (اللجنة الأمنية) القبول بهما كما أشرنا فيما سبق، ما وضع الحرّكات المسلحة بين سندّان اللجنة الأمنية، ومطرّقة الثورَّة الشعبية!
مارَّست اللجنة الأمنية احتكاراً قابضاً للسُّلطة والموارّد، ولم تفي بالالتزامات المطلوبة لتنفيذ الاتفاقية، ومع ذّلك لم تتخذ الحرّكات المسلحة موقفاً عملياً يُظهر رّفضها للانقلاب من جهة، ورّفضها لعدّم التقيُّد والايفاء بمتطلبات الاتفاقية، خاصة أن المجتمع الدولي الدَّاعم للتحوُّل المدّني، حجب تمويله لمتطلبات الاتفاقية، على خلفية الواقع الجدّيد الذي فرّضه انقلاب اللجنة الأمنية.

النتائج المباشرّة للانقلاب:
أدَّى الانقلاب إلى استعادة علاقات النفوذ، التي يمثلها حزب النظام الاسلاموي البائد، وجماعات المصالح التي ارتبطت به، باستعادتهما إلى المشهد السياسي مرةً أخرى.. الأمر الذي كانت له تداعياته على مستويات مختلفة: بدء بالانهيار الاقتصادي، واطلاق يد العصابات (٩ طويلة) والفلول (ترك) وصناعة الفوضى، وإثارة النعرَّات العنصرية و تهدّيد (لقمَّة عيش) المواطنين وحيَّاتهم (قطع طرّيق الشرق)، واستخدام القتل المنهجي للثوّار، سلاحاً لإجهاض محاولات إستعادة الحُكم المدَّني، والإيحاء بـ "استعادة النظام البائد" مقابل استقرّار الاقتصاد، وإيقاف تملمُّل الهُوِّيات الوطنية الآخذة في الاحترّاب (دارفور، جنوب النيل الازرق، كردفان، شرق السودان، إلخ)....

الجيش و نظمه الدفاعية:
ظلَّت القوات المسلحة السُّودّانية تارِّيخياً، تتدّاخل مع جوهر الدّولة، وبدلاً عن تجسيّد قيَّم الهُوِّية الوطنية، قادّت انقلابات أدّت إلى تعطيل التمازُّج القومي، وتطوّر الهُوية الوطنية، بتحوِّيل الصرّاع الاجتماعي وصرّاعات الموارّد، إلى صرّاعات إثنية! الأمر الذي أفضى إلى طرح رّوايات بديلة عن الانتماء إلى الوطن، بالانتماء إلى القبيلة أو الجهة أو الدّين، الخ..
فالقوات المسلحة السُّودَّانية، كركيزة محورّية في النظم الدّفاعية للسودان، رُّغم استمرارّها في التجنيد الإلزامي، على نطاق واسع منذ ١٩٨٩ إلى وقت قرّيب قُبيل ثورَّة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدَّة، فشلت في دعم النظّام الدّفاعي المركزّي للدّولة، وعجزّت عن حمَّاية أراضيها (حلايب، الفشقة) لا سيمّا خلال الأشكال المصممَّة لإرساء معادلة التوازّن الدّفاعي المتدّاخلة الجيش/مليشيات الجنجويد.
ومما لا شك فيه، لعبت القوات المسلحة السُّودانية دوراً رئيسياً في فصل الجنوب، وتأطير الأدوات المختلفة في تعميق الانقسام والتشرزُّم وصرّاع الهُوِّيات الوطنية، وتصدُّع الدَّولة.
القوات المسلحة السُّودانية، المتعايشة مع مليشيا الجنجويد والحرّكات المسلحة، ظلَّت تُضفي نوع من (التهجين الأمني)، لإعطاء الجنجويد على وجه الخصوص، طابعاً نظامياً وقومياً، فيما حاوّلت التعامل بتكنيك مختلف مع الحرّكات المسلحة الأخرى، اقتضته عوّامل عدّة كالبعد عن مركز السُّلطة. بالتالي أخذ الجيش يدعم شكلاً من أشكال العصابات (الجنجويد) أو الحرّكات الموالية، في المناطق التي تقع (في ظِّل السُّلطة)، بعيداً عن المركز -حول "معاقل الحرّكات المسلحة" المناهضة للمركز- نظراً إلى غياب الآليات الفيدرّالية التي تديرّها سلطات مركزية، والتي يُنظَر إليها على نطاق واسع بأنها غير شرّعية!.. هذا النمط من الأنشطة العسكرّية، ظَّل يفضي إلى نّوع من المفاهيم المختلفة للهُوِّية الوطنية، تتنافس في ما بينها للسيطرَّة على الدَّولة.
من الجانب الآخر، على صعيد الحرّكات المسلحة، قاد هذا النّوع من أنشطة الجيش إلى نّوع من المفاهيم المنادية بضرورَّة "إعادة هيكلة الجيش"، فضلاً عن أن مليشيات الجنجويد وتمازج المحسوبتين على الجيش، تُمثّلان نظرياً شرّائح وطنية متخيّلة ومتخاصمة، تنهض على قاعدّة الهُوِّية العرّبية، في مواجهة الهُوِّيات الوطنية الأخرى، وتروج لمصالحها الاسترّاتيجية، وأيديولوجيتها على هذا الأساس المعنّوي، الذي عبر عنه قائد الانقلاب بوضوح في مخاطبة خلال عطلة عيد الأضحى المبارك، في منطقة "كلي" بولاية نهر النيل بالنص: "المطلوب مننا أن نوّحد كلمتنا ولُحمتنا، وما نسمح لغيرّنا يتحدّث نيابة عننا.. ما نسمح لنّاس ما بيمثلونا ولا بيشبهونا أن يتحدثوا باسمنا".
ويتجلى ذلك من خلال لعب مليشيا كالجنجويد وتمازّج، دور حامِّي حمّى الأمن والدّفاع عن المواطن، خاصة في دّارفور وكردفان، وإعادة الجنجويد، على وجه الخصوص طرح أنفسهم، كقوَّة نظّامية تحمِّي الدَّولة، في وجه الانفلاتات القبلية، كما تقوم بالتصدّى للثوّار في الحرّاكات الثورّية..
وغنِّي عن القول، أن الحرّكات والمليشيات، التي تعمل في أماكن مختلفة، هي بمعظمها ذَّات انتماء عرقي أو مناطقي، مطابق أو مماثل لانتماء السكان، في مواقع انتشار هذه الحرّكات أو المليشيات.
وتُقدّم مليشيا الجنجويد الناشطة في الخرطوم، ومناطق التعدّين، مثالاً بارزاً عن هذه الدّيناميات.
هذه المعادّلة ظَّلت قائمّة منذ فترّة النظام المايوي، وتطورَّت بشكل أكثر منهجية، في عهد النظّام الاسلاموي خلال تجرّبة "الدفاع الشعبي ابتداءًا من ١٩٨٩"، التي هي تطوّير لتجرّبة قوّات (المرّاحيل)، التي ابتدعها حزب الأمة في ١٩٨٦ وصولاً إلى الزّواج غير الشرّعي بين الجيش ومليشيا الجنجويد، تحت مسمّى الدّعم السرّيع.
وهي معادّلة أفضت إلى توازّن لا يتسِّم بالمرونة عكس ما أُريد له. إذ يعكس مسار التعايش بين الجيش والجنجويد – والذي طُبِّق من خلال دورّات التحوِّيل، والتعيينات، وقرارّات قائد الانقلاب رّقابة أقل على التسليح والأنشطة والإنفاق – ما يعكس المتغيرَّات في دّيناميات هذه المعادّلة، عند مقارّنة مسار تطوُّر العلاقة بين طرفيها، منذ نشاة الجنجويد كقوات مرّاحيل مرورا بمرّحلة مجاهدّين الدّفاع الشعبي، وصولاً إلى محاولة مأسستهم كدّعم سريع.
كل ذّلك ألقى بضغوط هائلة على منظومة الضوابط والتوازّنات، التي تقوم عليها استراتيجية الانقلاب الآن، مع توقعات فقدّان السيطرّة التامة على قوّات الجنجويد، نسبة للتطوُّر في العدّة والعتَّاد وتوسع التجنيد وتطوير التدريب، بحيث أصبحت قوَّة ضارّبة على عهد الانقلاب!!
فجوهر الدّعم السريع كمليشا جنجويد، يقوّض في نهاية المطاف وظيفة الحمّاية من اندلاع حروبات أهلية، في ظّل وجود حرّكات مسلحة مطلبية في الهامش.
وليس خافياً أن هناك إرادتان طاغيتان الآن: إرادة الجنجويد، وإرادة الجيش الذّي يمارّس سيطرّة سياسية، لصالح إعادة إنتاج النظَّام البائد، باستعادّة إرث الدولة العميقة (قوانين النظام العام) وإعادة تجميع الهياكل القمعية (الأمن الشعبي ومليشيات الظِّل وتمازج) لإعادة صياغة العلاقات بين الجيش والشعب!!!
ومن الواضح أن حالة التعايش بين الجيش وميليشيا الجنجويد والحركات، تعكس مزّيج نُظم دّفاعية غير متجانسة بصورّة أساسية، رُّغم محاولة الجيش لإعادة طرح نفسه خلال المبادرّات التي يطرحها كرّاعي للتحوّل المدّني، والتي آخرها مبادرّته بالتنسيق مع حزب النظام البائد (مبادرة الطيب الجد) وكجهاز قمعي للاحتجاجات الاجتماعية، التي تقتضي من أجهزّة الشرطة أو الأمن أو الاستخبارات العسكرية أو الحركات أو مليشيا الجنجويد السيطرّة على الشارّع، وجميعها ترسل رسائل متناقضة، تفضي إلى تغيير هذا التوازُّن، الشبيه بتوازُّن الرُّعب!!..
فبقدر ما قد يدفع به هذا الوضع من تقارُّب تدرِّيجي، في إطار نظام دّفاعي موحّد، نسبةً للمصالح المشترَّكة في استمرّار الدّولة العميقة، إلا أن هذا يُبيّن إلى أي حد تعكس العلاقات بين الجيش والمليشيات والحرّكات والمجتمع الانسجام أو الصدام، بين مصالح هؤلاء الفرقاء الاسترّاتيجية، في الصرّاع على السُّلطة والثروّة في السُّودَّان.
١٨ أغسطس ٢٠٢٢
لانسنغ/ميشيغان

ahmeddhahia@gmail.com

 

آراء