العصبية كم افسدت وما اصلحت
الشيخ/ احمد التجاني أحمد البدوي
17 August, 2011
17 August, 2011
عاش السودان حالة مخاض وحركة دائبة قبل الاستقلال برعاية نخبة من الوطنيين باذلين كل غالي ومرتخص في سبيل الاستقلال وقد كان لهم ذلك فولد السودان الحر المستقل يناير1956 فكانت اول حكومة سودانية برئاسة السيد اسماعيل الازهري فجاءت حكومة مبرأة من كل عيب ليس لها جهة ولا قبلة ولا قبلية الا هذا السودان لكن لم تستمر طويلا بسبب الخلافات الحزبية والتي بسببها انتقل الحكم للعسكر فكانت حكومة عبود فظل الوضع فيها مستقرا في كل مناحيه ومنسابا في كل مؤسسات الدولة كان العمل يتم بتفاني واخلاص وتجويد في الاداء الى جانب التنمية فكانت الخدمة المدنية في أبهى صورها مما جعلها يضرب بها المثل وقد قيل ان كرومر قال للنيجيرين ان الباشكاتب في السودان افضل من الوزير عندكم. الانضباط في كل شئ والجد في كل مكان ,كان التعليم ومناهجه اقوى المناهج وشهادة جامعة الخرطوم معتمدة في كل الجامعات العالمية بل تقدم عليها .كانت السكة الحديد تتمتع بأحسن نظام اداري في افريقيا والشرق الاوسط وقطارات الركاب تضبط عليها ساعتك والجيش السوداني كان من اقوى الجيوش في افريقياولا تنسى التجارة فالتاجر هو الصدوق وهو الامين وهو الحاج في القرية والمدينة وكل صنف سعره معروف وبطاقة التسعيرة موضوعة عليه كل هذا العمل كان يديره سودانيون وبهذه الجودة والاتقان والحقيقة التي لا تنكر ان نسبة كبيرة من هؤلاء كانوا من المديرية الشمالية لا لأنهم أرادوا ذلك ولكن بسبب انهم اول من نال نصيبه الاكبر من التعليم لظروف محلية وجغرافية جعلت الشمال بوابة الفتوحات الاسلامية والحملات الاستعمارية وقربه من مصر وكثير من مشايخ التصوف والعلماء ترجع اصولهم الى هناك فظلوا هم من المسيطرين على الوظائف العسكرية والمدنية والدينية وكذلك التجارة لكن لم يعرف عنهم تصرف واضح مرتب له ومتفق عليه يمنع بقية السودانيين من اعتلاء المناصب فكان اول رئيس وزراء اسماعيل الازهري هو حفيد الشيخ اسماعيل الولي بكردفان كما كان احمد بخاري وزيرا للصحة واخوه محمود بخاري مدير عام البوليس وصلاح بخاري سفيرا بلندن واحمد وادي مدير عام السجون من كردفان والمشير سوار الدهب والفريق عبد الماجد وصل الى نائب رئيس الجمهورية وقد عرض عليه قادة الجيش ان يتسلم السلطة في أواخر عهد النميري فرفض وهناك من مناطق السودان الاخرى الذين شاركوا في السلطة ولم تسعفني الذاكرة لاذكرهم هكذا كان السودان ونظامه الاداري ونسيجه الاجتماعي "لا طق ولا شق". هكذا هو الحال حتى ظهرت الاحزاب مرة اخرى ولنفس الاسباب المذكورة سالفا اتت حكومة مايو برئاسة النميري والتي بدأ معها السوء والتردي والتراجع في كل شئ لا لأن النميري جهوي او قبلي لكن بسبب الافكار الاشتراكية التي اتت بها الثورة والتي دفعت الحكومة ان تغير كل النظم والقوانيين واللوائح في كل المؤسسات فغيرت مناهج التعليم والتفتت الى التجارة فصادرت واممت فانهار الاقتصاد وبدأ الجنيه في التدهور وفقد كثير من المحاصيل اسواقه بسبب السياسات التسويقية والتسعيرية الفاشلة وتدخل الحكومة في البيع والشراء وتأسيس الشركات العامةهذا الخطأ الذي لا زال يتكرر حتى اليوم وبسببه افلست شركة الحبوب الزيتية وانهارت شركة الصمغ وفشل القطن ومشروعه واخيرا فشلها في توفير السكر للمواطن وهي التي تشرف عليه من زراعته الى صناعته حتى استيراده.هكذا بدأ الحال في التدهور ومما زاد الحال سوءا ظهور فكرة الحكم الاقليمي والتي بدأها النميري والتي جرت معها كل المصائب فالفكرة لم تكن سيئة في حد زاتها ولكن كان السوء في فهمها وتطبيقها فالفهم الخاطئ كان ان يحكم الولاية ابناء الولاية والصحيح ان يعطي الحكم الاقليمي قدر من الاستقلالية عن المركز تسهل تحركه وبقوانين محددة يطبقها من يطبقها من اكفاء السودانيين بصرف النظر عن جهته وقبيلته .فأول ما بدأت الفكرة بدأت في دارفور عندما عين الطيب المرضي حاكما لاقليم دارفور وهو من كردفان فخرج اهل دارفور متظاهرين وهم يهتفون مئة قندران لاولاد كردفان وثلاثة عشر قطر لاولاد البحر ومن هناك انطلقت الجهوية ومن الطبيعي ان يتحصن منها ما يتحصن وان يتفاعل معها ما يتفاعل وفي دارفور لم تنتهي الى هذا الحد بل تحولت من جهوية الى قبلية زرقة وعرب ثم الى زغاوة وفور ولم يعرف الى اين تصل لانها كما قال احد الحكماء هي كالبصلة بمجرد ما بدأت في تقشيرها وكانت متماسكة سوف تظل تقشر الى حين لا بصلة وقد حالت دون اهل دارفور ان يصلوا الى اتفاق جامع لاجل دارفور حتى هذه اللحظة.اتى الحكم الاقليمي والذي اصبح فدرالي في زمن الانقاذ يجرجر معه كل هذه البلاوي ثم اتت حكومة الانقاذ والتي اشركت معها عدد لا بأس به في السلطة خاصة ولاية دارفور فكان على الحاج من اركان الانقاذ والشفيع وخليل ابراهيم والتجاني ادم الطاهر وابراهيم سليمان وزير الدفاع وحمدون وزير التجارة وكاشا ومسار ونهار ودوسة وعلي محمود وزير المالية ومن كردفان ابراهيم الطاهر وابراهيم ايدام وبلائل من جنوب كردفان والكثير من الشرق والجزيرة لكن كل هذا لايعفي الانقاذ في انها هى التي توسعت في الحكم الفدرالي ووطدت الحكم الاهلي والقبلي حتى صار لكل قبيلة ولاية ولكل "خشم بيت محلية" خاصة في دارفور تحقيقا لشعار تقاسم السلطة والذي انعكس سلبا على هيبة الدولة وهيمنتها على البلاد مما جعل بعض القبائل تعترض المشاريع القومية وظهرت بعض الصدامات بين الولايات بسبب الحدود والمرعى فأصبحت لا ولاية للمركز على الولايات ولا ولاية للولاية على المعتمديات ولا ولاية للجميع على القبائل والجماعات فصار بديهيا ان يضرب الوالي او المعتمد او يعترض في اداء عمله فاسترخى الوالي ولم يهتم المعتمد لان ظهورهم محمية بالقبيلة والجهة وكأن لسان حالهم يقول كما قال عقار ان للرئيس البشير قصر ولي قصر وله جيش ولي جيش ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم من عاقبة الامور .فعلى السودانيين ان يتنادوا لانقاذ البلاد من السقوط في هذه الهوة التي تقودهم اليها الجهوية والقبلية والتي وضح انها قصيرة النفس هزيلة العوائد بئيسة النتائج ممزقة مفرقة مميتة نتنة وفي الحديث الشريف :"دعوها فانها نتنة وليس منا من دعا الي عصبية" وهذا يتمثل في ما آلت اليه دارفور والذين لم يستطيعوا ان يكون على امر جامع. واذا كان لابد من الابقاء علي الحكم الفدرالي من الافضل ان يكون اداريا بعد ان يقلص وليس سياسيا بمعني ان يبعد السياسيون عن الادارة كما كانت المديريات من قبل وليس من الضروري ان من يدير تلك الولايات ان يكون من نفس الولاية لان ما يهم المواطن ان يجد ما يحتاجه من خدمات وليس من همومه ان يحكم ابناؤه وهذا لا يلغي المطالبة بالاشراك في السلطة الذي لابد ان يكون مستصحبا شرطي الكفاءة والخبرة والذي لا يعني باي حال من الاحوال ان يحكم الولاية ابناؤها ادركوا السودان يا اولي الالباب قبل فوات الاوان ..........
ahmed altijany [ahmedtijany@hotmail.com]