العولمة وذكورة الأمة – تمزقات الشخصية السودانية في مجتمع أمومي (3)

 


 

 

(3)
هذه هي الحلقة الثالثة من سلسلة المقالات, ورابطا الحلقتين الماضيتين في ذيل المقالة.

عندما ذكرت في حديثي أن المجتمع السوداني "مجتمع أمومي", فالقصد في التسمية نفسها:
1. التنشئة الإجتماعية مركزها أمومي.
2. العلاقات الإجتماعية: الأسرة, الزواج, الطلاق, الميراث والمظاهر الإجتماعية: الإحتفال بالمواليد والحزن على الميت.
3. العلاقات السودانية-السودانية في الإستعلاء القبلي, وهو أصلا مشروع إستعماري زرعه الإنجليز وجندرة الإستعلاء: تقسيم القبائل إلى هذا "عب" وتلك "خادم"
4. الحبوبة وليس الجد كنواة للأسرة.

في الزواج مثلا: نجد ظاهرة الرجل الذي "تعرس ليهو أمو" عادي لدرجة أنه لا يلاحَظ. ولا يثير استغرابا. في مجمل الاحوال وأدق التفصيل "الكونترول" هنا بامتياز للقبيلة النسائية: الأم والأخوات, ثم الخالات والعمات ثم من يليهن.
أما حين يتزوج الرجل باختياره فكل ما يحدث هو تأجيل إعطاء مفتاح التحكم للقبيلة النسائية إلى اللحظة التي "يفتح فيها فمه" معلنا شخصية الفتاة التي يود الإرتباط بها. آنيا هناك مشكلة وجودية: قدرة الرجل على تحكيم العدل في ميزان العلاقات الإجتماعية بين زوجته الجديدة (وأهلها), و"طموحات" القبيلة النسائية من أهله التي لا ترضى بأقل من إشراف عام على الترتيب الجديد. وما يحدث في الغالب هو إما أن ينقاد الرجل "من قولة تيت" وعندها يقفل باب الإجتهاد.
أو يقاوم قليلا ولفترة ... ثم "يشتري دماغه" ويستسلم. وينطبق هذا على الرجل حين يتزوج مرة أخرى. فليست المسألة مسألة متعة و"تجديد شباب" بقدر ما هي هروب إلى الأمام.

أما في ميزان العلاقات في المجتمع الأكبر:
فالوعي بالعلاقات السودانية-السودانية (المنطقة والأمة) عند الفرد (وأقصد بنية الوعي بتلك العلاقات) تتشكل بالطبع من مكونات عديدة:
فمنها الرسمي (المهني والدراسي والأيديولوجي)؛
ومنها الإجتماعي, أي في البيئة الإجتماعية: ويشمل ذلك المكون الجندري الذكوري (كيف يتصرف مع أقرانه, مع الكبار وكرجل بالطبع)؛
ومنها رواسب إجتماعية وثقافية: المفاهيم, المقبول, المستهجن والتابو (المحرّم), التاريخ المنقول والوافد عبر الحدود؛
ومن كل ذلك الإجتماعي بالتأكيد ما ينشأ الرجل عليه في مجتمعه الأمومي.

هناك بالطبع تداخل بين مكونات الشخصية (التكوين النفسي) للفرد كـ "وحدة أساسية للتحليل الإجتماعي", وبنية الوعي بالمجتمع (الإحساس بالآخرين). لكننا في المجتمع السوداني نهمل أثر المجتمع الأمومي على تشكيل الشخصية. عندما نجد أحدهم اليوم مثلا ينشر موضوعا في المنتديات الإلكترونية عن "إسهام شمال السودان في الحياة في السودان" فيستطيع المرء أن يجزم بدرجة من الثقة أن من يتحدث ليس أنت وحسب بل أيضا "الحبوبة الجواك".

هكذا تناول في تقديري هو أقرب لأن يكون نزعة انفعالية لتقديم الأشياء, منها تعمق استقصائي بالضرورة, أو سعي لتحليل على أساس علمي. بكلمات أقل: الرجل بشكل عام يهتم بالتنظير في تحكيم العلاقات, بينما تهتم المرأة بالعملي للسيطرة الفعلية من خلال العلاقات.

فالتقديم المشار إليه للعلاقات السودانية السودانية على يد آدم السوداني يعكس ضمن ما يعكسه رؤية حواء عبر أجيال: تحقيق مكسبت تكتيكي قصير الأجل (يمكن القول روح التفرقة)؛ الفخر المقصود به المكايدة؛ النزعة للسيطرة والتلاعب بالآخرين وعلى رأسهم آدم السوداني.

مربط الفرس ليس أن كل الإنفعالات موجودة في الجنسين, ولكن النزعة للسيطرة من خلال العلاقات الإجتماعية مركزها الأنثى السودانية. ونجد هذه النزعة متمثلة في ضعف شخصية الرجل السوداني أمام المرأة.

"ما تشوف العناقر دي".

هذا الكلام طبعا يحتاج إلى تفكيك. فعلاقات القوة العسكرية, ليست للنساء بالطبع. لكن الثغرات الموجودة بها, أي علاقات القوة العسكرية للنساء فيها قصب السبق. ونجد ذلك جليا في ميل الرجل السوداني "للنفخ" الذي يصل أحيانا تسريب معلومات عسكرية في مجالس الثرثرة وصيوانات العزاء, ناهيك عما يؤثر به زوجته حتى "تظهر" بها الزوجة (كما هو معروف) في المجتمع أو الحي أن زوجها هو "أكبر ديك".

هامش
================
(7) لتجنب إساءة الفهم, فلا يمكن إلقاء كل ما يختص بما يسمى "بالفروقات الإثنية" (وهو مجرد بعبع في تقديرنا) على شماعة الإنجليز. يمكن للمرء القول إن الإنجليز عملوا شرخا مزدوجا في الشخصية السودانية: (أ) ترسيخ الإنجليز للدونية الثقافية تجاههم عند "النخب", أي إنتاج خب مهزوزة تدين بالولاء لهم. بينما (ب) زرع, تشجيع وتعميق الإنجليز التمييز عند السودانيين إبتداء بـ "تاريخ وجغرافيا السودان" على هوى الإستعمار, قبل فعل الشيئ ذاته في المؤسسات المدنية والعسكرية. هذه في تقديرنا ركيزة أساسية للمشكلة "الإثنية" في السودان. لكن كما قلنا ليس هناك مشكلة إثنية: المشكلة أساسا ثقافية. والفروقات (بشكل عام) هي تنوع جيني أكثر منه تمايزا "إثنيا". والشاهد على ذلك (للمطلعين) أن الفروقات عند القبيلة الواحدة أكثر من الفروقات بين عموم القبائل. هذا طبعا مع التذكير أن الهوس بالقبيلة كأساس للتقسيم المجتمعي هو من عمل الإنجليز. هذا لا يعني أن القبيلة لم تكن موجودة, ولكنها لم تكن مرسخة إلى درجة أن تصبح قطبا للتنافر والبغضاء.

* رابط الحلقة (1):
https://sudanile.com/archives/142397

رابط الحلقة (2):
https://sudanile.com/archives/142528
==

jsmtaz2014@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء