الفضاء الإسفيري: دنانير وقضبان!!
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ ثورة تونس والفضاء الإسفيري، أو الفضاء التخيلي، أو الشبكة العالمية، أو الإنترنت وكلها مسميات لذات الشيء الذي خرب على جبابرة العرب خرابا وبنى لشعوب العرب بنيانا؛ يتخذ أهمية متزايدة. وجدت الإنترنت ذكرها في خطابات زين الهاربين (وهو زينهم لأنه الأقل في ثقل الدم والأخف في تكبيد الشعوب الخسائر في مشوار فهمه المتأخر منذ طغى وتجبر حتى قال: فهمتكم! وهو الأول فيهم حتى الآن) إذ وعد التوانسة (حينما فهم) بأنه سوف يوقف الحجر على الإنترنت. أما مبارك فقد جاء في النكتة أنه برر سبب أجله بـ: فيس بوك منيّل!
ظهر وبان دور الإنترنت في ثورات الشعوب أو بعضها فقال لها بقية الجبابرة المتربصين: ما عليك أمان! كان للإنترنت أمانا في الأيام الخوالي لأنه لم يكن هناك أحد يتوقع لها مثل هذا الدور الضخم. تحت عنوان "هل تتوقع أن الثورة العربية القادمة ستكون عبر شبكة إنترنت؟" تساءل كاتب إسفيري يدعى نور11 قبل نحو عام وتحديدا يوم رأس السنة الميلادية 2010 (في 31/12/2009م)، قال: قامت من قبل عدة ثورات وقد زاد الظلم والتفكك في العالم العربي فهل تتوقع ثورة عربية وهل تتوقعها إلكترونية؟ رد عليه دستة مجيبين. أفضل إجابة بحسب التصويت في موقع إجابات غوغل كانت: (لديك يانور11 خيال واسع وأفكار جميلة ممكن تتحول يوما ما الى سيناريو فلم جميل، ولكن عندما تستيقظ من هذا الحلم الافتراضي على شبكة الانترنيت ستجد الوضع مختلف والحياة جميلة ولا وجود للظلم. الثورات التي قرأت عنها بكتب التاريخ صدقني هي عبارة عن انقلابات عسكرية قامت بها المخابرات الغربية ضد بعضها البعض، لا تصدق بكذبة الثورة والحرية والاستقلال. صدق بشئ واحد إنه صراع الحضارة وصدامها وما نحن الا ساحة معركة!)، وبقية الإجابات كانت:
- لا أعتقد النت لا هوية ولا مصداقية .كما أن قيام ثورة عربية أمر مستحيل حاليا حيث أن المسيطر الآن هو المصالح المتفرقة .
- لا اعتقد ذالك.
- كل شئ جائز.
- لن تكون هناك ثورة عربية ابداً!
- حتي وإن كانت هناك ثورة عارمة علي الانترنت ما فائدتها إن لم تتطبق علي أرض الواقع
يعني ثوره الانترنت هتعمل إيه هتسقط موقع الحكومه مثلا وتموت السيرفر بتاعه؟
- الثوره العربيه ههههههههه ما ظنيت بوسط هالتفكك العربي انهم ممكن يجتمعوا ويعملو ثوره اي قمة عربية اتفقوا انهم ما يتفقوا.
- أكيد لا.
- لا.
- لا اتوقع ثورة ولا اتوقع شىء عبر الإنتر نت... ولا حتى مظاهرة.
- لا أعتقد ثورة عربية سواء على المواقع أو على الارض ولكن ما يتوقعه الكثيرون والاكثرية منهم غربيون أن هناك تغيير وأن القرن القادم هو قرن الاسلام وهذا ما نشاهده من مظاهرات ضد أسلمة فرنسا و ضد أسلمة بريطانيا فلقد عجز أعداء الاسلام حيث وجدوا المقاومة لا تجدي وان الاسلام قوته فيه وليس في المسلمين.
أكبر صاحب خيال إذن كان يقول: جائز! وكان لوحده (من بين دستة) الذي قال بجواز (خطرفات) نور11.. كلهم ضحكوا عليه، وضحك عليه الجبابرة وأعينهم المبثوثة في كل مكان ضحكا واستخفوا وهزئوا وقالوا: شوية عيال! لكن ذلك كان أمر، وحينما حدث ما حدث في تونس ثم في مصر وليبيا وغيرها تغير الحال. تحولت شبكة الإنترنت لعدو لدود، والعيال الذين يحسنون فيها الغوص والالتقاء والتحريض والحشد وضخ المعلومات تحولوا فجأة إلى الواجهة الأمامية في الخطط الأمنية.
وكان أكبر المواقع شهرة في الملف الأمني العربي هو الفيس بوك. الفكرة الأولى في الملف الأمني العربي الجديد هي كيف يتحول إلى سجن كبير، وكيف يسجن العالم العربي بدلا عن أن يحرره (أي يصير فيس بلوك!) وبذلك شاع –وأنكرت جهات- أن مؤسس موقع "فيس بوك" مارك زوكربيرج تلقى عرضًا سعوديا لشراء الموقع بمبلغ 150 مليار دولار ولكنه رفض! يحاولون تدجين الثورة بالدنانير! إنها الذهنية إياها. ترى لو باع مارك موقعه هل سيتفرق شباب العرب أيدي سبأ؟ سوف يتنفسون في مواقع أخرى وما أكثرها؟ تويتر- ماي سبيس- هاي فايف- لايف بوون- لينكد إن- برايت كايت- وفي لوق- شبكة فرينديور.الخ
أما في السودان فقد تمت إجراءات عديدة كالتالي:
- تم إنشاء آلية مخصصة للإعلام الإلكتروني أو الجهاد الإلكتروني مقتدرة.
- أشار رئيس الجمهورية شخصيا للشباب لضرورة التصدي للتخريب في الإنترنت، وفي خطابه بمناسبة افتتاح محطة أم روابة الكهربائية بشمال كردفان في فبراير الماضي قال (بضرورة إدخال الكهرباء للريف لتمكين الطلاب والشباب من إستخدام الحاسوب والإستفادة من خدمات الإنترنت للرد على المعارضين من خلال مواقع الشبكات الإجتماعية (فيس بوك).
- وتم الحديث عن استقدام أجهزة حاسوب لتوزع في خطة الجهاد الإلكتروني لتلافي أي تخريب يحدث.
- وأدخلت مادة الإعلام الإلكتروني كجزء أصيل من مقررات الإعلام الأمني وفيها تتم دراسة التجارب في الدول الأخرى، وتجربة إجهاض مسيرة 30 يناير التي تمت بإغراق مواقع الدعوة للثورة في الفيس بوك بالتعليقات المخذلة، حتى كتب معلق حادب على إحدى تلك الصفحات: صاحب هذه الصفحة إما (غواصة) أو أنه لا يفهم شيئا!
ولكن هذه الإجراءات بعد أن تمت مراجعة المسيرة ربما لم تبد كافية. لذلك أطل علينا الخبر الجديد: التقييد التشريعي على استخدام الإنترنت! وبحسب صحيفة (الانتباهة) الناعقة بمخاوفهم في يوم 15 مارس الجاري، فقد أعلن المجلس القومي للصحافة والمطبوعات عن اتجاه لتغيير قانون الصحافة والمطبوعات وسنّ تشريع جديد لمواكبة الصحافة الإلكترونية، فيما أعلنت وزارة الداخلية عن تشكيل لجنة مختصة لتنظيم وتأمين المواقع الإلكترونية والنشر عبر الإنترنت.
فقد ظلت القيود الثقيلة الملقاة على حرية التعبير تعمل على تكميم الأفواه في الصحافة الورقية التي تحتكم لقانون الصحافة والمطبوعات وذلك عبر: تجريم الرأي والتعامل معه جنائيا وما يستتبع ذلك من عقوبات بالغة من غرامات باهظة وسجن وجلد- سلاح الإعلان الذي يجعل صاحب القلم الناقد والذاكر للأخطاء سلعة غير مرغوبة لدى أصحاب الصحف للخسارة التي يجرها/ تجرها على الصحيفة (لهذا السبب فقدت صحفية بارزة ذات قلم جريء في الحق، موقعها القيادي في التحرير بصحيفتها لأن أهل الإعلان لا يحبون كتاباتها)- العقوبات على الصحف نفسها بالإغلاق ومصادرة الأعداد أحيانا.
أما الإنترنت فقد ظل بعيدا عن هذه القيود لأنه لا يدخل في نطاق الصحافة والمطبوعات ولكن في نطاق جرائم المعلوماتية. وظلت وحدة الحجب التابعة للهيئة القومية للاتصالات هي الوسيلة المستخدمة من وقت لآخر لعقاب المواقع التي تفوق درجة السماح الممكنة في عالم الإنترنت، ولكن ظلت درجة السماح في عالم الإنترنت أكبر بما لا يقاس بالصحافة الورقية.
خبر (الانتباهة) الجديد ينبهنا إلى أن قرون استشعار الخطر حلت على الإنترنت وحدها، وأن الإجراءات التي نعلم بعضها ويخفى علينا الآخر لم تكف شهوة التسلط والتحكم، بل لا بد من القيود التشريعية.. وهنا سوف تقابل (هؤلاء) قضايا جديدة:
- من الصعب جدا عمل شرطة في الإنترنت حيث معظم الكتاب والمتداخلين غير معروفين وجزء كبير منهم يكتب بأسماء مستعارة.
- وإذا افترضنا جدلا أن هذا ممكن فإن أكبر متضرر منها هو النظام نفسه لأن الأقلام التابعة له ظلت تستخدم الإنترنت أسوأ استخدام وبشكل غير قانوني، مثال على ذلك نشر (أورنيك) ثمانية في قضية الأستاذة صفية إسحق بموقع سودانيز أون لاين بما ينتهك سرية الوثيقة الرسمية، وكذلك نشر محادثة الدكتورة مريم الصادق معها في انتهاك غير قانوني للخصوصية وعلى الملأ. صحيح أننا متعودون على الكيل بمكيالين، من ناحية أن القوانين تطبق بتعسف على المعارضين ويسامح فيها الموالون، ولكن مثل هذا التصرف سوف يجدي أكثر في جعل الإنترنت قناة للتعبئة وللحشد مزيدا.
- جزء كبير بل الجزء الأكبر من كتاب الإنترنت مقيمون خارج السودان فليس للإجراءات التعسفية والضبطية الداخلية سلطان عليهم. مثلا نجد أنه وبحسب أحد المواقع المختصة بترتيب المواقع بتاريخ الثلاثاء 15 مارس فإن في أفضل مائة موقع زيارة في السودان هنالك 16 موقع سوداني فقط (والبقية مواقع عالمية نحو الغوغل والفيس بوك والياهوو وغيرهم) المواقع السودانية الأولى هي: الراكوبة- سودانيز اون لاين- الانتباهة- قوون الرياضية- النيلين- شبكة المقرن السودانية- صحيفة الراي العام- الحدق- موقع الحكومة السودانية- سوداني- الصدى - الإذاعة السودانية- الصحافة- آخر لحظة- حريات- والأهرام اليوم. هذه المواقع إما موالية للنظام مباشرة كما في موقع الحكومة وموقع الإذاعة، أو لصحف سياسية أو رياضية والصحف تم تدجينها عبر قانون الصحافة والمطبوعات إضافة لأن بعض الصحف الواردة هنا إنما تدور في فلك النظام (الانتباهة والرأي العام كمثالين)، والصحيفتان المعارضتان بشكل لا مواربة فيه بين هذه المواقع الأمامية هما الراكوبة وحريات. وكلاهما غير مسجلتين بالسودان، ويتم تحريرهما وتحديثهما من الخارج أي ليس للنظام عليهما سلطان.. اللهم إلا بعض المحررين والكتاب المشاركين من الداخل، وربما كان هؤلاء هم بيت القصيد!
يؤذن خبر الانتباهة المذكور بأن الإنترنت لن تترك هكذا (عايرة) ولن تعط سوطا، بل سوف تسن القوانين لكي تسجن أو يسجن أصحابها هي مثل الأستاذ الصحفي أبو ذر الأمين وصحبه وراء القضبان! هي فكرة.. جربها من قبل بن علي، وجربها مبارك.. فدعهم يجربون! بعضهم بالدنانير، وبعضهم بالقضبان، ونحن لا نعلم ما هو حظهم فيما يفعلون، ولكن الثابت أن عجلة التاريخ حينما تدور تطحن من يقف أمامها ولن تقف له!
وليبق ما بيننا
Rabah Al Sadig [ralsadig@hotmail.com]