الفُلنقاي والأشوس – مداخلة أولية حول التحرر والكمبرادوريزم في حرب 15 إبريل
زرياب عوض الكريم
23 October, 2024
23 October, 2024
قراءة أولية في ستراتيجيات التحرر والكمبرادوريزم (التبعية للآخر) في الحرب الأهلية 15 إبريل 2023]
حتى لا تصبح مفردات التحرر والتبعية للآخر مجرد براكسيس للإزدراء الاجتماعي والاثني او مجرد ادوات مفاهيمية في حرب مواقع طبقية بالمعنى الذي تقصده انطونيو غرامشي كانت هذه المداخلة الناقصة والتي تأخر نشرها عن الايام الاولى للحرب , ضرورية لضبط ايقاع التراشق اللكزيولوجي (المفراداتي) و صراع الشعور الجمعي.
1-3مدخل لتفكيك الحيل الخطابية للحرب الأهلية وعنف الدولة
(الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم )
ألبيرت كامو.
مزية حرب 15 إبريل 2023 أنها ليست حرب (تأسيسية) على غرار حرب 2003 في الإقليم الغربي ، لكنها حرب (شاملة) full war أسوة بحرب 1983 في الجنوب ، كحروب أهلية خالصة في مقابل النموذج التأسيسي لعنف دولة 1956 ونمط إنتاجها الكولونيالي (البرجوازية الإقطاعية) ، أنموذج (الحرب الهمجية أو العنف العاري) ، الذي تشهد به مذبحة أنزارا يوليو 1955 في الجنوب ، مذبحة جودة وعنبر جودة أو في تسمية مغايرة (إبادة إثنية نزي - دارمحارب) 23 فبراير 1956 في الشمال الكبير.
أو مقابل النموذج الثاني - الحرب القذرة 15 إبريل 2023 كحرب إسترداد في قالب هجومي وقائي.
كانت مذبحة جودة أول مذبحة تنفذها دولة مابعد الإستعمار (النيوكولونيالية) التي إتخذت من الهيمنة كخيار وقائي أو تكتيك دفاعي أساساً ، ضد إثنية / قومية البقارة ، بتمرين وعي مسبق و ذاكرة مُخوفة من (المقاومة) ، مقاومة الإثنيات المختلفة للمركزية الإثنية المهيمنة.
عُنف الدولة هو ترجمة لستراتيجية أقلية نيوكولونيالية (مهيمنة) أو (مبدعة) بمنظورها الذاتي - ضد أغلبيات (Majority Nationalisms) ومجتمعات عقارية أصلية Native titular societes منقسمة بنيوياً لكنها موحدة نفسياً ولو في وعيها الباطن ، وتمثيل للإستعمار الجديد الذي يرى فيه مالك عقار آير (نظام سجن مفتوح لإثنيات مختلفة) ، سجن الخرائط الكارتوغرافية (الجزافية) للإستعمار.
رغم أن منظمة الوحدة الإفريقية كانت قد صدقت على حماية الحدود الجزافية للدول الأوربية في إفريقيا من أي تعديل يجعلها أكثر تجانسا مع الحدود العرقية والثقافية على غرار جمهوريات الإتحاد السوفيتي ، أي إستمرارها كسجون مفتوحة للتناقضات والإنقسامات والحروب الأهلية الدائمة.
الموقف الوظيفي الذي دعا إلى تجاوزه البحاثة بازل ديفيدسون 1992 من خلال كتابه عن مهمة الإفريقي والعالمثالثي التحرري (عبئ الرجل الأسود - لعنة بناء الدولة الأمة).
إذا تجاوزنا عنف الدولة state violence ، فإننا أمام واقع إنقسامي مرير من التغيير والثورة التي لم يردها الكثيرين في الداخل والخارج ، واقع الحرب الأهلية الذي أفرزه التفكيك العنفي لدولة 1956 ، واقع إنقسام بين مجالين رئيسيين واحد رافض للتغيير والثاني متحفز له ، وأمام تحدي داخلي بين مكونات الهامش والهامش المزدوج المحتربة والمنقسمة بسبب سياسات 70 عاماً من الإزدواج بين الإستعمار الجديد و الإستعمار الداخلي ، أمام ضرورة الحوار الإنساني بين الحتميات الإثنية محلياً ، والحتميات الثقافية فدرالياً.
الفلنقاتيزم والتشاوس هما ديناميكية صراع طبقي بين مكونات إثنية متنافسة على (الهيمنة) ومتناحرة على (الموارد السياسية) political resources داخل الإقليم الغربي الخاضع للإستعمار الداخلي منذ 1916.
إنتهت التقدمة.
**
2-3 الفلنقاتيزم أو الإقتصاد السياسي لتخلف المركز
ظهر مصطلح (فُلنقاي) وصيغة جمعه (فلنقات) من قاموس لهجة إثنية الشوا Shawa أو مجموعة البقارة Baggara ، في سياقات حرب 15 إبريل وخطابها ، مُقترضاً بدوره من المركزية الإثنية للغة شعب الفور وذاكرته السلطانية المتعدية بمعنى أصلي (طائفة حملة الأباريق) قبل أن يطاله التحور الدلالي والتحول اللغوي نحو معنى أبعد وأكثر وضوحاً.
لم يبرزه الروائي إبراهيم إسحق صاحب أعمال (الليل والبلدة) وقاموس العامية القروية (العربية) في مقاطعة دارفور ، في أدبه وإتيمولوجية سردياته ريفية الذاكرة ، أو ينتجه الناقد الأكاديمي أبوالقاسم قور الذي توارى ، بل عن لسان شخصية أخرى من الشخصيات المرتبطة بالحرب (اليوتيوبر والمؤثر ربيع عبدالمنعم) ، كمثقف وظيفي أو لنقل (متضامن) ، ليس لديه قضية إثنية مشتركة لكنه منحاز ، من عينة المثقف المحلي السائل الذي يخوض في مالا يخصه أو بتعبير ألطف في كل شي ، تتلاشى في ضميره حدود الذات والغيرية ، الأنا والأخر ، يتبنى قضايا الآخر - الشفاهة بلغته الباطنة (Unspoken). وقد لعب نظائر هؤلاء دوراً مهماً في صناعة التأريخ المعاصر والقديم.
صدى إنقسام داخلي
حضر التوظيف الدلالي للمصطلح على خلفية وثيقة الإتفاق الثنائي (القاصر) بين محمد حمدان دقلو ، والجناح اليساري للقوميين الشماليين (قحت) كصفوة مثقفين intellectual elite برعاية غربية وعرف بإسم الإتفاق الإطاري.
لم يكن الإتفاق الإطاري (الثنائى) محض وثيقة لنقل الحكم ، بل وثيقة تقاسم سلطة غير مكتوب تتخفى خلف النص الدستوري المخاتل والزائف في أصوليته (حرفيته) عن الديمقراطية المستوردة وأطروحة التحول المدني أو الإستيعاب اللائكي كبدعة لا توجد في التاريخ المعاصر في غير تونس وتنزانيا والسنغال ، رغم المحاولات غير المكتملة للشيوعيين في الكونغو برازافيل والجمهوريات اللزوبوفونية في إفريقيا ، تأسيس (القومية المدنية) الخالصة التي تتجاهل القوميات المتنافسة والتعددية الإثنوثقافية والقومية الثقافية.
أثارت تلك الدياركية الإحتكارية المرتقبة ، والتي جسدت مرض (الطفولة) لدى المجموعات اليسارية والبرجوازيات الهامشية ( النيوإستعمارية) الجائعة للحكم بشراهة أنانية ، في تجاهل الحقائق السيسيولوجية البحتة والتعاطي مع الواقع متمسكة بترف التشريح البنيوي دون توفيق الخطاب ، صراعاً مكبوتاً بين (الهامش) المتناسق في جبهته الإجتماعية و(الهامش المزدوج) أو(شبه الهامش semi-periphery بتعبير إيمانويل والارستين ) متنافر المكونات الذي يعجز المحللين المحليين عن تجنيس قضاياه وتشريحه سيسيولوجياً.
التعبير عن بواعث القلق الإثني لدى بعض القوميات الأخرى والنخب الإثنية ، الإقطاعية والزبونية معاً من تم من خلال مايُسمى تجمع (الكتلة الديمقراطية) الذي قام بتنظيم إعتصام القصر الرئاسي 25 أكتوبر.
مثّل ذلك التجمع في 2021 النخبة المضادة للمثقفين الشماليين (قحت) ولاحقا (تقدم) أو الكمبرادور الشمالي ، إعادة إنتاج لما إبتدرته الجبهة الإسلامية (الجناح اليميني) للقومية الشمالية حتى 1994 تاريخ وثيقة فرانكفورت مع ممثلي نخب النوير والشلك (رياك مشار ولام أكول) ، من تعبئة مصالح الكتلة التاريخية بتعبير أنطونيو غرامشي والنخب الريعية المحلية مجتمعين في مواجهة أي تغيير جذري تقوده طليعة مثقفة أو سلطة مناهضة في طور التشكل ، من خلال (تقاسم سلطة مابعد الإستعمار) أو مايعرف (صيغة المشاركة) ، التي تشبه صيغة فريدريك لوغارد (الوصاية المزدوجة) ، لا تفويض تلك السلطة مابعد الإستعمارية إلى المحكومين devolution power.
أي إستمرار الإستعمار البديل لجمهورية الستينات مابعد الإستعمار ، وتجذر دولة الغنيمة capture state للنخب المحلية والزبونية المعيقة للتنمية والإرادة الوطنية للقوميات المختلفة ، وهو مضمون التغيير الطفيف - الشكلي في مواجهة التغيير الجذري الذي تقاومه الدولة العميقة ، جمهورية 1956 بجناحيها اليميني واليساري.
كانت وثيقة مايسمى (الإطاري) قاصرة ، كونها أثارت غبن النخبة المضادة أو تآمرها بالانحياز (الإصطفاف) إلى جانب الصفوة العسكرية في الخرطوم (المونوبول) رغم وعيها بهامشية دورها أو وظيفيته ، ولم تفلح في طمأنتها ، ولم يكن بوسع حميدتي الذي تم تضييق الخناق عليه من خلال فرض أطروحة دمج الجيوش المتعددة أو إحتكار السلاح (وسيلة الإحتجاج والعصيان الوحيدة وليس التغيير ، للكفاح الطبقي أمام المهمشين المستبعدين من تأسيس دولة مابعد الإستعمار غير الوطنية) ، دون حل المشكلة الأساسية (التناقُض الأساس) في الإدماج الوطني وحل مشكلة المواطنة والقوميات ، أن يوقع إتفاقين في آن واحد مع جهتين متناقضتين.
بمجرد إندلاع القتال ( المخطط المعد بدقة) ضد قوة الدعم السريع (ق. د. س) بغية تدميرها وحتى إلحاق إبادة عرقية ضد إثنيتها السياسية في 15 إبريل 2023 ، إتخذت تلك النخبة المضادة موقف الحياد أملاً في المحافظة على مكاسبها السياسية والطبقية في أي تحول يرعاه المجتمع الدولي ، وعدم الدخول في حرب إستنزاف جديدة يقودها (المركز) البارع في صناعة الأزمات وتكريس التخلف أو نزاع جانبي مع إثنية الرزيقات الشمالية.
بذلت الصفوة العسكرية ضغوطها مهددة حتى بتجريدهم من هوياتهم الوطنية ونفذت حملة إرهاب طالت حتى شخص موالي مثل المؤثر السياسي (عبدالله مسار) ، وتوالت مخاوفهم المزدوجة من إقصاء المثقفين الشماليين ، الذين توعدوا بمحاسبتهم على إعتصام 25 أكتوبر . حملتهم تلك المخاوف مجتمعة مكرهين على الإصطفاف غير الطوعي مع المركز. قبل أن تغمرهم نزوة الغنيمة الزائفة وينخرطوا بشكل أكثر مباشرة وتورطا في الحرب التي كانوا يصفونها بالعبثية.
ليس من نافلة القول أن محمد حمدان دقلو نفسه لم ينحاز لرؤية وثيقة نقل السلطة إلى المثقفين الشماليين طائعاً بل لأنه أدرك أن دوره التكتيكي في (مكافحة التمرد) إنتهى وقد هددته الصفوة العسكرية (للقوميين الشماليين) بالتخلص منه جسديا ومعنويا قبل ملابسات الحرب وأنفذت تهديدها بحرب قصد منها أساسا حرمانه من الحكم أعلى درجات السلطة.
دخل حميدتي الحرب مغامراً بسبب سوء تقديراته العفوية للصراع بينما النخبة المضادة الذين أسماهم جهازه الدعائي بالفلنقايات في إشارة إلى كونهم نخبة مزيفة لا مضادة ، منطلقاً من حقائق سسيولوجية مجردة في القرنين 19 و20 ، دخلوها (مقامرين) بسبب سوء نياتهم ولا إرادتهم السياسية.
التخوف الجوهري الثالث لتجمع النخبة المضادة (الكتلة الديموقراطية) هو تخوف شريحة القوميين من إثنية جبال النوبا الذين يمثلهم (مبارك أردول) من طبيعة الإتفاق المذكور ومحتواه الذي ينقل السلطة من الصفوة العسكرية الشمالية ويقضي بتفكيك بنيتها الطبقية والإجتماعية لصالح علاقة جديدة بين المثقفين الشماليين وقوى الريعية العسكرية في الشطر الغربي من البلاد.
فقد نظروا إليه كتحالف بين الكمبرادور الشمالي والإثنية السياسية للرزيقات الشمالية ، وبإستدعاء أحداث الذاكرة والتاريخ 1882، يضاعف من تهميشهم الإجتماعي ويجعلهم يخسرون مكانتهم الثانوية داخل الصفوة العسكرية التي يشكلون فيها نسبة 75% إلى 85% من سلك الجندية والرتب الدنيا أي ظاهرة (القنانة المسلحة) Armed serfdom , التي يستبدلها الإتفاق بالزبونية المسلحة (قوة الدعم السريع) .
لذا سارع مبارك أردول للتماهي مع القوميين الشماليين وصفوتهم العسكرية في وصف ماحدث بأنه (تمرد) ومؤامرة إثنية عربية ، ترجمت بعدها مواقفه وهو المتمرد السابق في إحتكار التمرد وإنتاج القومية الإنتقامية (Irredentism) لا النزعة التعاونية منها ، بشكل أتوماتيكي إلى حملة تطهير عرقي وعنف وقائى بهدف التهجير ضد إثنية الحوازمة في الدلنج ومشروع هبيلا الزراعي وضد رعاة إثنية الشنابلة في (أبوجبيهة) . رافق ذلك القتل الممنهج على الهوية وإثارة الشعور الإنقسامي بالكراهية ضد هؤلاء.
قاوم القوميين من إثنية جبال النوبا السياسية طويلاً أي محاولة لإصلاح الجيش وتأميمه من أعلى وإلغاء القنانة المسلحة أو تجنيد الإثنيات الأخرى في سلك الجندية والرتب الدنيا ودمج المواطنين فيها ، مصطفين ضد تلك المحاولات منذ ماعرف بالخدمة العسكرية الإلزامية 1998 التي إقترحها (على عبدالله يعقوب) النائب التشريعي في الجبهة الإسلامية 1987 ، مروراً بما تسمى اليوم المقاومة الشعبية القائمة على فكرة الدفاع الذاتي والدفاع الشعبي الإشتراكية ، فقد تآمرت تلك الطبقة ومعلميها العسكريين في السلك العسكري بوجوه عديدة ضد تدريب وتكوين الدفاع الشعبي تكويناً نظامياً صلباً أو نقل خبرتها إليه بسبب القطيعة النفسية.
من هو الفُلنقاي؟ مسرح فرق تسد الفاشل
من باب الطرفة أن مروج مصطلح (فلنقاي) المؤثر المذكور هو نفسه من أطلق على حميدتي مصطلح (الأمير) كتورية إلى كتاب الإيطالي (ن. ميكافيلي) وقد صدق الإشارة تماما إلى شخصية حميدتي الأرستقراطي القروي المتشرب بوعي المكافيلية الريفية تجاه المنطق الإجتماعي ، فقد طرق الرجل كل أبواب طموحه في السلطة كغاية لم تنهه عن شراء ذمم النخب الإنتهازية الزبونية وحتى حشد الزبونية المسلحة armed clientelism للخلاص من ورطته التي باتت وجودية (لتجاوز طبيعة الصراع الأساسية مع المركز الإحتكاري كصراع قوميات) والتغاضي عن اتتهاكاتهم الجسيمة كسؤال مؤجل في الحرب.
تجسدت تلك النزعة الميكافيلية من خلال ما يُسمى إتفاق جوبا ديسمبر 2020 ، وهي وثيقة دولة غنيمة بغاية شراء إعتراف وولاء نُخب إثنية بعينها بلغت أطوار التكوين البرجوازي مثل الزغاوة في الغرب والتقريت Tigre في الشرق.
شملت الوثيقة السياسية وجوهرها غير المكتوب ، السلطنات الإقطاعية (الإفريقية) الثلاثة وبعض السلطنات الأخرى التابعة في مديرية دارفور (1916) ، بتكريس إمتيازات عرقية لهم في النص الدستوري ، بما في ذلك الطموحات التوسعية والعدوانية على حساب مجموعات الهامش المزدوج الإثنية ، المضطهدة تاريخيا من السلطنات الإقطاعية ، اي المجموعات النوبية الخمسة في الشمال (عدا إثنية الداجو) والعربية في الجنوب كما البانتو في الجنوب ، دون أي تصور مستقبلي بنيوي نحو صوغ معادلة للمواطنة العامة الشاملة وحتى الخالصة.
وبدلاً عن إيقاف الحرب الأهلية وعنف النخب النيوميراثية (الإفريقانية) للهامش الوريثة للسلطنات المنحلة ضد مكونات الهامش المزدوج double periphery خلال أربعة قرون في المديرية السابقة ، تضخمت الذات القومية للجماعات الإثنية المناهضة لإثنيات وثيقة جوبا وغيرتها المتنافسة ، وإشتعلت نزعتها الإنقسامية أكثر نحو الإنعزالية والكراهية العرقية لا الحكم الذاتي ، متجذرة قناعتها الإستشرافية نحو خلاص (إجتماعي) عبر ثلاثية التطهير العرقي والتهجير والتسليح أو وعي (التجانس العرقي) لا (تبادل السكان والأراضي).
ما قام به المساليت (فرع من قومية المابا) الذين رفضوا تمثيل إثنية الزغاوة (المجحف) لهم في حصة الإقليم ، مثال على ذلك.
أيضاً نزعته نحو شراء ولاء النخب الزبونية من خلال إنشاء أجسام موازية منشقة عن الزعامات القبائلية التقليدية منذ قرن native administration chiefes. مما خلق إضطرابات إجتماعية غير مسبوقة منذ مائة وعشرون عاماً.
من بين ما تقدم سنرى أن محمد حمدان دقلو فشل في إستقطاب نخب الميتربول في الغرب والمينبول في الشرق (الشمال الكبير) منذ 2017 إستقطابا مباشرا ، وحتى بعد انحيازه ضد بقاء نظام 1989 في 2019 و2023 لم تتكلل مساعيه لكسب ولاء نخب المركز القديم وحواضنه الإثنية في الميتربول (إتفاق جوبا) والمركز مابعد الإستعماري في المينوبول (الإدارات الأهلية الموازية).
وإن كان انحيازه الأخير للمثقفين الشماليين فيما عرف الإتفاق الإطاري تطبيق أكثر جدية وتورطا لقاعدة الاستقطاب Divide and Rule.
الا ان هذه الخطوة إذا ماكتب لها النجاح في تدبير الصراع فلن تستمر طويلا لسببين أولهما أن تحالفات البنادق والمثقفين لا تدوم ، ثانيها بسبب الطبيعة التكتيكية لتحالفاته القصيرة في حين أن أي مشروع سلطة هو مشروع تاريخي ، ومن الصعب بناء نظام سياسي معاصر بدون انتاج نخبة حكم (مثقفين) عضوية داخل سياقه الإثني وخارجه ؛ غير متوافرة للأمير الميكافيلي في هذا السياق رغم مجهودات يوسف إبراهيم عزت ، ومركزية إثنية (حاضنة إجتماعية داخلية) تمنحه المشروعية الوجودية ؛ في الوقت الذي يفتقر فيه إلى تصور واضح لمستقبل تلك الاثنية السياسية.
كبرنامج حكم ذاتي في جنوب المقاطعة أو وضعية أقلية مدينية في الجزء الشمالي يعترف بالحقوق التاريخية للإثنيات المجاورة Coinhabitant على نسق مافي رومانيا ومثال شرق وجنوب أوربا. بدلا عن النموذج الاستيطاني والإحلالي البدائي الجاري منذ 1987 ويتجدد يوميا في الجنينة والفاشر ودار بني هلبة ودارهبانية لتفريغ الإثنيات غير الموالية مهما تسلح بأدوات القهر (الشبيه بالنموذج الارتري) الذي يثير صراعات الإثنيات الاخرى وحرب لا تنتهي.
غياب تشكل نخبة مثقفين تقود إثنية الرزيقات الشمالية منذ ملابسات الحرب الليبية في تشاد 1987 وتحدي جون قرنق ؛ في أي دولة من دول الحزام المجاور تشاد أو النيجر ، وراءه خيار الإستيعاب بدون مقابل أو الإستيعاب من جانب واحد الذي أثبت فشله منذ اللحظة الأولى للحرب وسقوطه مدويا امام الرأي العام الباطن لمجتمعات المركز وخطاب الكراهية العرقية (الإنكار والتحدي) الذي واجه به القوميين الشماليين أي ثورة لتفكيك دولة مابعد الإستعمار غير الوطنية.
الوعي الإثني بالذات والآخر الذي يمكن أن يحدثه وجود وتكوين مثل تلك النخبة من المثقفين (انتلجنسيا) ، ضروري لتغيير ستراتيجية لورد الحرب السابق والأمير الميكافيلي اللاحق الواحدة التي لم تتغير منذ بداياته في 2006 ، من ستراتيجية التكييف Accomodation وخياراتها إلى ستراتيجية (الإستيعاب) الأكثر مرونة في التعاطي مع التحديات التي يواجهها.
مسرح فرق تسد الناجح
وقبل مغادرة هذه اللحظة ، لابد من التأمل التشريحي لظاهرة (إثنيات السلطة) ، التي كانت متلازمة من متلازمات منظومة الحكم الفاسد في حقبة الجبهة الإسلامية 1989 وماسبقها من الأحزاب الإقطاعية الشمالية 1955.
سبقتها أحداث 1924 (جمعية اللواء الأبيض) التي تشبه في دراميتها واقعة - إنقلاب الزنوج (حركة أفلام) - في موريتانيا ولد الطائع في الثمانينات ، وما تلاه من عزل إجتماعي للسنغاليين في السياق الشنقيطي (بيان سلطة معاوية ولد الطايع وصف الإنقلاب بأنها محاولة لتصفية مكون إثني - الصنهاجيين البيظان :1986).
كانت تلك الجمعية الحزب السياسي لإثنية الخلاسيين (أولاد ريف) الذين يتم وصفهم في الذاكرة العامية الشمالية بأصحاب الجذور التركومصرية (النقادة) Mestizo الذين كانوا الطبقة الوحيدة المجندة والمنظمة سياسياً وأول من طالبوا بالإستقلال السياسي عن الوصاية البريطانية (هناك تيار آخر دعا للإندماج مع مصر لكنهم لم يكونوا الأغلبية الحقيقية عكس مايشاع) ، ومثلت فكرتهم أساساً بالشراكة مع دور ثانوي في تنفيذ العصيان المسلح لطبقة الكريول.
تم إجهاض تلك المحاولة بإيعاز من الإقطاعيين الشماليين الثلاثة ، ومحاكمة الضباط والمناضلين من الخلاسيين والكريول الذين شهد ضدهم في المحاكمات شهادة ملك عدد من المأجورين الشماليين وشذاذ أفاق من خارج تخوم المكونات الوطنية (من إثنيات الترانسفير تحديدا) ممن كافأتهم السلطة بوراثة الإستعمار. وفهم من خلال تلك المواقف وضعيتهم الإجتماعية كأقليات غير مسموح لها بالمشاركة أو قيادة تغيير إجتماعي في نظام الأقليات والفصل العنصري المعلن.
لاحقاً تراجعت البرجوازية الخلاسية المبدعة بحق خطوات إلى الخلف وقبلت بحل تنظيمها الإجتماعي متدهورة إلى الإنقراض ، في دور ثانوي كمجرد أصهار للكمبرادور والقومية الشمالية (للتعريف راجع دكتور جعفر محمد علي بخيت 1968) الذين أخذوا في الإستيعاب العرقي بالهوية الخلاسية (Turcofication) خلال ستة عقود , ومجرد إثنية سلطة بالمصاهرة خصوصاً في الستينات ، لم يتخطاه إلى الإعتراف الإجتماعي (بول ريكور) .
بعدئذ أشتهرت إثنيات الترابي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات التي حاول من خلالها خلخلة البنيان الديمغرافي؛ والإجتماعي في الشطرين الغربي والشرقي منذ القرن التاسع عشر ، إلى حد تعديل قانون الجنسية الوطنية 1994 من أجل تجنيس أكبر عدد ممكن من العمالة المهاجرة خلال الحربين العالميين وبعد الأربعينات تحديداً (إثنيات الترانسفير العُمالية) Transfer ethnicity في مزارع القطن الجماعية التي عرفت لاحقاً (الكنابي) ، خصوصاً مواطني مدن غرب إفريقيا وبدرجة أقل وسط إفريقيا (أقاليم وداي ، كانم - برنو ، باقرمي) منهم ، لضمان ولائهم الإجتماعي - الزبوني تحت مسمى -(سياسة الإثنيات الإسلامية) ، الذي أحاطه الترابي وجهازه الدعائي بكثير من السرية المضللة والتابوهات المعهودة في ممارسته منذ 1970، وهو ما أقر به عضو مجلس شورى الجبهة الإسلامية والمدرس الجامعي بالجامعة الوطنية (ج. الخرطوم) في كتيبه الصادر بنفس الفترة.
وهي السياسية التي يمكن تعريفها بأنها سياسة تأجير الرحم الديمغرافي Surrogate demography المشتقة من النظرية البريطانية الإسرائيلية Surrogate colonialism.
راجع : (التجاني عبدالقادر حامد ، كتيب الزنوجة ، معهد الأبحاث الإجتماعية جامعة الخرطوم).
الحقيقة أن هذا التوجه المترافق بالتغيير الإجتماعي والديموغرافي أحياناً الذي بدأ أصلاً مع الإنتخابات الأوتوقراطية في 1958 كان سبباً في تكريس التفاوتات الهيكلية الإجتماعية في بنية السلطة ، وفي حدة الإنقسام الإجتماعي التالي لما عرف بالمفاصلة أو محاولة إبعاد الترابي من الحكم 1998، بما في ذلك تناحرات الحرب الأهلية في الإقليم الغربي 2003 ، بين إثنيات الترابي وإثنيات البشير.
كما في حدة الصراع الإجتماعي في الشطر الشرقي من البلاد ، بين الطبقة والإثنية المدينية (Urban settlers) أو (المواطنين) الذين تنظر إليهم كإثنيات المعارضة أو السلطة المضادة اليسارية ، وبين الطبقة الريفية القبلية (Tribal settlers) أو (الأهالي) كحاضنة موالية.
بعد 1990 إكتملت عملية إقصاء وتغييب الإثنيات المتمدنة والبرجوازية الحضرية من السلطة والخدمة المدنية والمدرسة وحقل الإنتاج الإقتصادي. بدأت لأول مرة تختفي طبقات القرن التاسع عشر وإثنياته السياسية أو طوائفه الإثنية الثلاثة إن لم يطارحها مصير الإنقراض الأنثربولوجي الشبيه بإنقراض اللغة.
فقد إختفى الخلاسيون (Mestizos) أو إثنية (قبيلة) أولاد ريف بتقسيماتهم الأقباط والأتراك والمغاربة والأغاريق والمصريين والهنود وأخيراً الرشايدة ، من قائمة القبائل في وثيقة الجنسية والسجل الإنتخابي وفي المسرح الإجتماعي ومنصة (الإدارة الأهلية).
كما أختفى الكريول (الملكية) Creole المنحدرين من جنوب وغرب كردفان وجيب إثنيات البانتو (الفرتيت) ، ليضحوا هدفاً لعنصرية وتنمر الأهالي أو القبائليين قبل أن يصبحوا لفترة محدودة 2005 إثنية جون قرنق السياسية في الشمال.
ولم يعد لإثنية الجلابة (الكمبرادور) ذلك الدور الإجتماعي والثقافي الموجب في حركة التمدين الذي تحول إلى تمدين مضاد قصد منه ترييف المدينة الإستعمارية (المستوطنة الحضرية التي أنشأها التركي في 1840 أو الإنكليزي في 1900) ، وتفريغها من ساكنتها وحتى هويتها المعمارية. وهي عملية لم تكن لتتم دون تدمير الريف (الهامش) في الغرب والحزام القروي في الشرق (شبه الهامش) وإنحلالهما تدريجيا والتخلص من وظيفتهما المنتجة.
أستخدم التقسيم الإداري 1994 وتعديلاته التالية من أجل صياغة وتكريس تلك الإمتيازات الجديدة والتحولات الإجتماعية المصاحبة (عملية هندسة إجتماعية) ، بخلفية سيسيولوجية محددة وموجهة غيبت الانثربولوجيا نحو متحولات السلطة متخفية وراء غيوم إثنولوجيا الفدرالية المزيفة أو الحكم المحلي الزائف.
بقراءة الأيدلوجيا الإثنولوجية للسلطة في مختلف تقلبات جمهورية مابعد الإستعمار غير الوطنية ، خصوصاً مابعد 1990 يمكنك إستشفاف ماوصفه الأنثروبولوجي ومؤرخ دولة 1956 عبدالله علي إبراهيم ، عنف الهوية المتعدية للقوميين الشماليين المشغولين بصياغة الآخر والتحكم فيه لا بالذات.
والحقيقة أنه ذهل عن تجنيس الطبيعة الثقافية لتلك القومية التي عني بتفكيكها إلكس دي وال (2008) ، من جنس القوميات الهجومية المتطرفة(Militant nationalism). التي تعلي من الذات وترفض الإعتراف بالقوميات الأخرى والتسامح الثقافي معها ، التركية الحديثة 1914 ونسختها المصرية 1919 والقومية الإيرانية 1906. إنتشرت غالباً بواسطة الصفوات العسكرية ومؤسسات نمط الإنتاج الآسيوي الصلبة لا من خلال صحوة ثقافية ، بما في ذلك القومية الهجومية الأم ، القومية الهندية (الهندوسية) كقومية سلطة بديلة للإستعمار لا أمة وهوية توسعية عدوانية (راجع الكتابين Nationalism without nation , nationalism without groups).
فالكائن الريفي المستقدم حديثاً إلى المدينة المضادة في الشمال الكبير أو الجزء الشرقي من السودان 1990 هو نفسه (الفلنقاي) أو (القن) المنزوع من كل وسيلة إنتاج أو تأطير نخبوي صلب أو حاضنة إجتماعية ، أي المثقف غير العضوي عند غرامشي ، أو المثقف السائل والمزيف (mediocrity ) الذي وجد نفسه مشدوها في المستوطنة الحضرية ودولاب الدولة مابعد الإستعمارية ، يسوغ الحرمان للإكتفاء من نزواته أو فساده الأخلاقي.
تلك النسخة المزيفة والسائلة للمثقف المحلي أو السطحي عامي التفكير والذاكرة Vernacular ، هي النموذج المعاكس أو المعادل الرمزي لنموذج المثقف المحترف أو الخالص الذي ليس له عصبية أو حاضنة عنصرية (meritocracy) ، غير المتحيز عرقياً وغير المصنف إجتماعياً أو بالأحرى ليس مشمولاً بالإستقطاب الجهوي والقومياتي للسلطة وهويتها المؤدلجة في تقسيم المواطنين المفيدين وغير المفيدين ، الذي أنتجته طبقة الخلاسيين (أولاد ريف) ورموزها كمحمد صالح الشنقيطي (موريتاني) وسبقه عرفات محمد عبدالله (إغريقي الأصل) ولحقهما توفيق حماد (تركي الجذور).
في تلك السياقات من مناخ التسعينات المسمومة إشتعل الصراع التناحري بين النخب العرقية للنظام وخطابات المركزية الإثنية.
ماعرف (دولة الزغاوة) zaghawa-ism وتلاه دولة العطاوة (northern Rezeig-ism) ، بينما سكتت وسائط الإعلام عن مشروعي دولة التقريت Tigre-ism في كسلا ، دولة الرحل الفولان والعمالة المهاجرة من إثنية الهوسا في الإقليم التاريخي لقوميتي البرتا - القمز (Fulan-ism) الذي وقف وراءه حاكم إقليمي سابق وأحد أتباع الترابي مالك قاعة قرطبة الشهيرة في أحداث 2019.
مثلت جميعها جهود إستخبارية أمنية من نظام دولة 1956 الإسلامي وأجنحته المتشاكسة في تعبئة الصراعات وصناعة تحالف الأقليات (التي يعتقدون انها تمثل القومية الثقافية للمونوبول أو تشابهها ، القومية العموم عربية) وحشد أحزمة الولاءات الإجتماعية تحت سقف ظاهرة (إثنيات السلطة) التي يتم إنشاءها لدورة وهدمها في دورة أخرى من الصراع الذاتي ، وتصبح فيها القبيلة و الإثنية مجرد حزب سياسي رافد (محلي) ، والإثنيات المتنافسة مجتمعة مجرد مكونات غير أساسية للنظام والسلطة مابعد الإستعمارية .
أثناء ذلك كانت القيادة الخفية للجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين تعتمد منصة وخطاباً مخاتلاً لترويج النظريات الإستيعابية المتوارية خلف أدبيات العرق المتطرف بهدف تطويق الحريق الذي أشعلته وتمت تعريته لأول مرة في خطاب خصومها الجناح اليساري ، كأطروحة الحل النهائي (الإستيعاب القسري) أي forced assimilation الأسلمة والتعريب 1990 ، بمثابة رد ثقافي مخاتل وقمعي على المقاومات الإجتماعية المتوالية إثنية وطبقية لظاهرة إثنيات السلطة.
الأمر الذي أغرق المجتمع فعلاً في دورة صراع ثقافي ، تجسد بنهج عنفي مع يحي داود بولاد مثقف قومية الفور وممثلها السياسي في النظام 1992 ، ومن خلال نهج مفاوضة مساوم لاحق في حالات أخرى (2006).
بعد حرب 15 إبريل ، يتجدد الأمر نفسه ويعاد إنتاجه من نفس المختبرات السياسية ضد الإثنية السياسية لقوة الدعم السريع أي لمحمد حمدان دقلو، بذات القسمات.
لا يسع ترسيم هذه الملاحظة بدون إعفاء الدعم السريع من نفس الممارسة التي أضحت سلوكاً تنظيمياً لنهج دولة الغنيمة (الظاهرة الكونفدرالية) في التجنيد الإجتماعي.
من بين ذلك حالة إثنية السلامات الذين دعمهم خفية للتغول على أراضي إثنية (بني هلبة) Banihalba county في الجزء الجنوبي خلال العام 2024 في ثنيات وسياقات هذه الحرب وإجبارهم على توقيع أكثر من وثيقة إستسلام مذلة آخرها في يونيو ، وحشده لإثنية الحوازمة خصوصاً مجموعة (الأسِرة) الذين يبحثون عن وطن بديل في (أم روابة) وما واكبه من إذلال ساكنتها بواسطة المجموعات الإجرامية التي حشدها الدعم السريع للقتال من أبوجبيهة والدبيبات ، بعد طردهم من مقاطعة مرتفعات النوبا وأيسهم من مضايقات إثنية البرتي في (جبل حلة).
ذلك إمتداد لسلسلة إنخراط الإثنيات في حروب كفاح طبقي وآخر مضاد على خلفية صراعات سياسية بحتة مع وضد دولة 1956 بحثاً عن الغنيمة الموعودة. لا عن توجه برامجي جاد لتكريس الحقوق الأساسية للإنسان والجماعات وإستيعاب الإنقسامات السياسية والإجتماعية.
(i)
من هو الفُلنقاي؟
في إيتمولوجية مابعد التحويل الفلنقة والفلاقنة إلخ تعني (القن) عموماً وهي إن كانت تسترد ذاكرة إمبريالية محلية مابين القرن 16 حتى نهاية التاسع عشر وبداية العشرين لم تعرف الإستعمار الأوربي وبنياته حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ، إلا أنها تتقاطع مع تجربة الإستعمار الأوربي في شمال شرق إفريقيا أو الجزء الشرقي (النهري) الذي عرف التجربة وعايش ظاهرة القن المسلح في القرن التاسع عشر التركو - مصري.
منذ إلحاق مقاطعة (دارفور) بالسودان الحالي لفترة وجيزة عام 1874 حتى 1885، وإستئناف إلحاقها عام 1916 ، ظل لاندسكيب وسط إفريقيا الذي تنتمي إليه حقلاً موثلا للإستعمار الداخلي وتجريبه ، وإعادة إنتاج واقع السلطنة السابقة والمنحلة في خطاب سسيوبولتيكي أو كوميديا سوداء ما هو تأكيد للحقيقة المريرة.
الإستدلال المجازي هو عن ظاهرة مابعد الكريول post creolity (القنانة العامة) ، ومن وراءها أو أعمق منها ظاهرة (التابع) Subaltern بتعبير غياتري سبيفاك الذي يمثل واقع الوسط الإجتماعي للهامش الفلاحي (المحيط) ، أو صورة مواطن غرب السودان المندمج جيدا بإتساق في سياق الثقافة الأحادية المهيمنة full assimilated لكنه لا يحظى بالقبول الإجتماعي والإعتراف به كآخر في المركز بل كمجرد حامل إبريق.
وتختلف كلياً عن الهامشية الإجتماعية أو ظاهرة المواطن اللامكترث بالتغيير الإجتماعي والسياسي (عدم الفاعلية المجتمعية - المواطنة السلبية) Indifference التي تميز المواطن الشمالي ، وترسم صورة الحاضنة الإجتماعية للمركز.
إستدعاء لكزيولوجيا الذاكرة القروية عن ماقبل القرن التاسع عشر ونظامه السياسي ، والوعي الإجتماعي القروي الخالص لجماعة الرزيقات الشمالية بشأنه ، هو تناذر لخروج الصراع (الداخلي) بين إثنيات سلطة (1989) في الإقليم الغربي ومكوناتها من ميدان العنف الأهلي الكلاسيكي (في قبائليته) إلى ساحة الخطاب وتمدده أبعد من ذلك.
فمجتمع الكريول (الأقنان العسكريين) تاريخيا هو مجتمع الهامش المزدوج بمكوناته الثلاثة في الإقليم الغربي (جعفر محمد علي بخيت 1973) ببنيته الريعية العاجزة عن الإنتاج ، وتبني مجتمع المركز المنحل (القديم) فيه ماقبل الإستعمار أو مجتمع السلطنات الإقطاعية أصحاب الأرض والمشاعات ، لوظيفة أولئك المهمشين مزدوجاً ، الذين لا يملكون مكانة إجتماعية في تلك السلطنات الفيودالية متعددة القوميات وذاكرة شعوبها المتعالية ، هو إنقلاب في بنية الصراع Shift حتى ولو جاء في سياق التحدي الإثني الداخلي للإقليم والقوميات المتنافسة.
مجتمعات المركز الإقطاعي في الإقليم كانت قد إستغرقتها العزلة (الإختيارية) منذ 1916 وحتى الثمانينات ، حينما وجدت ذاتها في أتون صحوة جون قرنق الثقافية فجاءة ، وأن مركز نمط الإنتاج الآسيوي في الخرطوم يستخدم القومية الثقافية (العموم عربية) ضدهم ويجردهم من الشرعية الأيديولوجية للنظام الأمومي (طقس قتل الأم Matricide) في القرن السادس عشر أو الإستيعاب الإسلامي من فوق ، لهذا إختاروا مفاصلة الهوية وخطاب الكراهية العرقية للتعبير عن طموحاتهم البرجوازية (الرئيس فرانسوا تمبلباي 1966) من خلال ثورة أو تمرد 2003.
ليتبدى أن الحُمى الثقافية في الثمانينات كانت محض سحابة متبخرة حول برج الصراع الطبقي (الباطن) والتحدي الإثني بين تلك الطبقات التي ترتد الآن على عقبيها وتشايع مركز مابعد الإستعمار ، مكذبة نبؤاتها التي أزهقت في سبيلها مئات الاف الأرواح وراء ألواحها الغاوية.
الحمى الثقافية في طريقها لأن تنحسر أمام أزمة الإقليم العامة.. أزمته الوطنية مع المركز الإحتكاري (المونوبول).
(ii)
تحليل الخطاب
مصطلح الفُلنقاي 2024 وصنوه مصطلح الجنجويد 2003 ، لكزيولوجيا جون قرنق 1987 (أهالي ومستوطنون) ، لكزيولوجيا السلطة (القومية العموم عربية في مواجهة القومية غير العربية) 1955 ، كلها خطابات سُلطة توظف الحقائق السيسيولوجية والأنطولوجيا في خدمة الإستقطاب العرقي والتعبئة أو التجنيد السياسي.
مشكلة هذه الخطابات (خطابات التصنيف والتجنيس الإجتماعي) أنها لا تعكس أية مواقف جذرية ونهائية لأصحابها ، بل وعي زائف بالأنطولوجيا الإجتماعية في سياق صراعولوجيا السلطة وحروبها الأهلية ، لا يعكس الإيمان الحقيقي ولا التمثُل ، بل إنها عاجزة عن تفسير وإستيعاب الإنقسامات السياسية في بنية المجتمع ، أحزابه السياسية بما فيها ظاهرة (الزبونية) وظاهرة (القبيلة) وتنظيماته الإجتماعية بما فيه (الطبقة).
(iii)
تحليل البنية
نقد نموذج التابع أو ظاهرة الفلنقاي (القن المسلح والجندي غير المواطن) في أي قالب موجه لن يغير شيئآ من نزعة القوميات الإفريقية (السلطنات الإقطاعية سابقاً ) نحو مفاصلة الهوية (الإستقلال الذاتي) وتحديها الإثني (أبوالقاسم قور عن نهاية التعايش الطبيعي وبداية التعايش الدستوري 2008) مع المكون العربي أو فيما بينها من مكونات ، وبالتالي تعذر الإجماع والتكتل خلف قيادة موحدة ، لكنه يعكس الفشل في مضمار آخر ، في تكوين وتشكل قومية برجوازية لشعوب الإقليم الغربي ناطقة بالفرنسية (مقاطعة دارفور) ، أو قومية برجوازية لشعوب الإقليم الشرقي ناطقة بالإيطالية في مواجهة القومية الشمالية الناطقة بالعربية 1938 والقومية الجنوبية الناطقة بالإنجليزية (بوث ضيو 1936) التي ضمنت بقاء نضال الجنوبيين موحدا تقريبا حتى الإنفصال ، رغم بعض المحاولات المبتسرة في الستينات.
أختارت القوميات الوطنية أو نخبها البرجوازية في الإقليم الغربي وقبله الشرقي ، لأسباب نفسية ليست واضحة فيما يبدو ، الإندماج assimilation على التنوع الذي تمسك به الجنوبيين ، وقدمت تنازلات حقيقية ألسنية وثقافية وسياسية ودينية حتى ، ومع ذلك لم يحظى الأمر إلا بمقاومة المركز الإحتكاري الذي يصر على العزل وستراتيجية الإنفصال (1998) من خلال التطهير العرقي والتجريد من المواطنة ، لينتقل وعيهم السلطوي من ممارسة الأسلمة والتعريب (1990) إلى إحتكارهما.
نموذج الفلنقاي (التابع) ، كفرد مغترب في ثقافة ونسيج غيره (الألينة) ، أو كقن - تابع مخلص في الأجهزة الأمنية والسياسية ينفذ التعليمات ضد مجتمعه الصغير والكبير ، أو كجماعات إثنية غير مكتملة الوجود تدار بواسطة إثنيات أخرى (راجع بروفيسور بيتر برنابا بنجامين المفكر والوزير الجنوبي السابق) ، هي إمتداد لمشكلة الحشود أو الجماهير الفلاحية بتعبير صمويل هنتجتون (النظام السياسي في مجتمعات متغيرة).
حين يمكن ربط ظاهرة الفلنقاتيزم (التبعية الإجتماعية) بنظرية التنمية ووضعية الهامش الريفي أو الفلاحي (غرب السودان) الميتربولية في معادلة السلطة. كمجرد إحتياطي بشري أو خزان للأيدي العاملة labour reserve army منذ 1881.
في مواجهة وضعية الهامش المزدوج الذي يشمل الجنوب سابقاً ومناطق مجموعات البقارة الإثنية والبانتو ومرتفعات النوبا في الغرب ، ومجموعة البدويت (البجا) في الشرق.
وضعية الهامش المزدوج الإستخراجية (البريداتوري بول) ، كإحتياطي للموارد الريعية predatory state reserve بدون سيادة إجتماعية حقيقية عليها أو قابلية لإستغلالها بشكل ذاتي. لهذا تاريخياً كانت مجتمعات الهامش المزدوج مجتمعات حرابة (غارات قبلية) غير منتجة وغير مسيسة ريعية الولاء.
(iv)
الفلنقاتيزم من الظاهرة إلى النموذج
لا يمكن تفكيك النموذج بدون العودة إلى الظاهرة (جمهورية القنانة المسلحة) أساس النظام البريتوري الذي قامت عليه عملية إعادة الإستعمار (مركزية الجيش ومرجعيته الطبقية في السياسة) Praetorian Regime منذ 1900 أو 1898 ، الذي يشبه نموذج (تايلاند) و (ميانمار).
فلم يعرف السودان الأنغلومصري حاكماً إستعماريا مدنياً كما عرفته نيجيريا الإستعمارية مثلا.
ظاهرة الجندي القذر / الجندي غير المواطن / القن المسلح الذي ينفذ تعليمات الطبقات المستغلة بدون تمثيل أو مراعاة للتوازنات الإجتماعية ، وتتلخص مهمته في حماية ناديها السياسي وحماية أولاد الكمبرادور من منافسيهم ، هي الإقتصاد السياسي (الهامشي) للتخلف والنظام الإقطاعي في الشمال الكبير أو الجزء الشرقي من السودان (المونوبول) ، المعيق للعِوّل الذاتي والتنمية.
وقد تخلقت الظاهرة إلى نموذج جرى تطبيقه في إفريقيا الوسطى (حزام شعوب البانتو) وفي جنوب نيجريا مثلاً.
ظاهرة المواطنة الفردية (De-tribalism) أقصى درجات الإستيعاب غير المتكافئ ، من جانب واحد - التذويب وأكثرها تطرفا.
تشمل أولئك المنحدرون من غرب السودان أو ماوراءه منذ الحرب العالمية الأولى وحتي نهاية الثانية 1945، حيث تمت عملية نقل منظمة لاعداد كبيرة من السكان إلى المونوبول بغرض (الخدمة) الفلاحية والعسكرية Transfer ، أصبح هؤلاء مواطنين من الدرجة الثانية (الإستيعاب) إنخرطوا بإخلاص في خدمة النخبة وقمع مجتمعات الهامش والمركز معاً وإعاقة التغيير المزدوج في الميتربول (الجزء الغربي) والمونوبول (الجزءالشرقي) وإستمرار علاقات الإستغلال والإقطاع واللامواطنة التي ميزت الإقتصاد وشخصية الهوية ، من النظام البريتوري إلى نظام دستوري تعاقدي (فدرالية متعددة القوميات) ، ومن دولة إستخراجية إلى دولة تنموية.
ظل هؤلاء مواطنين إسميين non-titular في غير إقليمهم ، ليس لهم هوية برجوازية ولا يمكنهم التعبير عن ذواتهم أو إرادة مستقلة عن إرادة النخبة الشمالية وتوجهاتها.
من الطريف أن بصمة وشخصية التابع أو (الفُلنقاي) من هؤلاء ، عرفت في مؤسسات الدولة مابعد الإستعمارية بواحدة من إثنين إما الجبن وإستلاب الإرادة (الشعور بالدونية) في ممارسة السُلطة أو الحماقة المخُلصة (التهور).
خلال الستينيات إشتد الإستقطاب الايدلوجي بين الجناحين اليساري واليميني للقوميين الشماليين حول علمنة أو أسلمة مجتمع المينوبول (المركز) بطبقاته الثلاثة الكمبرادور والخلاسيين والكريول.
حشد الطرفان المواطنين الإسميين ونخب الهامش الريفي في معركتهم الإنقسامية ، مقابل غنيمة وإغواء الإندماج المتوهم.
تمخض الصراع عن ظهور نسختين من نموذج التابع (الفُلنقاي) ، التابع المدجن (اليساري) الموالي للمثقفين الشماليين ، والتابع المتمرد (اليميني) المناهض لأولئك المثقفين.
الأول مغالي في إنهزاميته (مازوخيته) مستغرق في عقده النفسية والثمالة ، والثاني منحرف الشخصية في إنتقاميته ، لاهث خلف ملذات مابعد الحرمان ، منحط في الفساد الأخلاقي.
الكتاب الأسود للنخبة 1999 أو 2002 ، الذي يعتقد أنه قد كتبه حسن مانديلا وتبناه دكتور خليل إبراهيم ، بإحسان الظن بنيات ناظميه ، هو السفر النموذجي للتابع (الفُلنقاي) المتمرد ، الذي يشكوا الحرمان من المشاركة في دولة الغنيمة مابعد الإستعمار من خلال رصد مظاهر الإختلال البنيوي والإمتيازات غير المتكافئة لا القطيعة معها.
فبدون تحليل الإنقسامات السياسية في بنية المجتمع التي هيئت قابليته للإستعمار الداخلي ومعالجتها أو تصفية المعيقات الوطنية National disabilities ، من خلال التغيير الجذري والقطيعة البنيوية مع المونوبول كمنظومة والإستعمار الداخلي كظاهرة ، تتحول خطابات الإحتجاج إلى مدرج نحو التغيير الفوقي للمحتوى الإثني للسلطة ومنظومة الإستغلال مع إستمراريته.
خارج هذا السياق ومنذ عام 1958 ، لم يتم تطوير اية صيغة دستورية للمواطنة الإقليمية (الأصلية) أو للمواطن المالك titular citizenship في المونوبول أو الجزء الشرقي نفسه، تعترف بمكوناته الإثنية وبحقها الوجودي ، لصالح إستمرار نظام بريتوري يستمد شرعيته (الداخلية) من صفوة الكمبرادور في الجيش ، ومن تخويفه لاثنيات المركز ومصادرته لحقها الوجودي في الدفاع الذاتي (التسلح) والإدارة الذاتية والتمثيل الدستوري.
المواطنة الفردية (الفلنقاتيزم) ، مواطنة التابع الذي يفتقر إلى قومية (نخبة) برجوازية تمثله ، منزوع الهوية البرجوازية ، هي مثال للمُهمش (الأقلية المقهورة الصامتة) الذي ليس له قيادة ولا يمكنه تمثيل نفسه ، وهو ماحدث في ماتعرف إنتفاضة الخبز 2018 أو ثورة ديسمبر التي كان وقودها البشري المهمشين (المدجنين) وسرقها أولاد الكمبرادور بدون جهد. في إستنساخ لكل التجارب المكررة منذ 1954.
وبالتالي وفقا للنظرية (نظرية الإستعمار الداخلي) التي يسمونها الآن بتلطف الإستيعاب المدني الديمقراطي بعد حذف عبارة غير المتكافئ ، فهو يحتاج إلى قيادة مستعارة (الكمبرادور) بسبب تخلفه أو عجزه.
(v)
من تفكيك المنظومة إلى بناء النظرية
تفكيك منظومات الصراع الإجتماعي في دولة 1820 وإستمراريتها في 1956 (الإستعمار الجديد) ، التي تبدو معقدة بسبب الرواية المضللة للصراع التي تنتجها الأنتلجنتسيا الكمبرادورية المهيمنة لمصلحتها منذ سبعين عاماً ، يكمن في تبسيط الصراع في القرن التاسع عشر (البنية التحتية) والصراع في القرن العشرين (البنية الفوقية) حتى 1955 تاريخ أول مقاومة وطنية إقليمية - للقوميين الجنوبيين ضد التكوين الكولونيالي المختل للدولة الحديثة - المركزية بما في ذلك وحدتها الترابية القسرية.
لن يسعنا التبسيط دون العودة إلى فريدريك لوغارد وكتابه المفاهيمي (الوصاية المزدوجة) - إنجيل الكولونيالية في إفريقيا وآسيا ، كأساس وشرط تطوير لمهمة الإستعمار (عبئ الرجل الأبيض) White man's burden في الإستيعاب المدني لمجتمعات العالم الثالث المتخلفة (أمم بدون تاريخ - سياسي).
الوصاية الخارجية هي مكون الوصاية الأوروبية - الإداري الأوربي المقيم ، الوصاية الداخلية هي مكون وصاية الأوربي الآخر أو (الإنجليزي الأسود) ، المكونات المستوردة الأكثر تطوراً أو رُقي (ترقى) من الأهالي (المجتمعات المحلية - الأصلية ) وما ينبغي أن يتمتع به الأوصياء الداخليين تبريرياً من إمتياز رفاهية وحق إحتكار العنف (بتعبير آخر إحتكار السلطة والمساومة السياسية - المفاوضة لمدة إنتقالية).
من ذلك أعتمد الإستعمار في نظرية لوغارد أو تبسيطه الفلسفي عن التبادل والمثاقفة الكولونيالية بين الغرب الاوربي (الشمال) والجنوب العالمي ، نفس تطبيقه في أمريكا اللاتينية والهند ، نظام الطوائف الإثنية - المهنية Profissional classes ، الأساس السيسيولوجي للبرجوازية الإقطاعية التي يحميها نظام عسكري (بريتوري) praetorian state بتعبير المناضل التحرري في الجزائر الفرنسية واحد أصدقاء الأهالي من أصول أوربية (إسماعيل أوربان) في القرن التاسع عشر.
بهذا النظام (نظام الطوائف المهنية) استبعدت الإثنيات الوطنية - مجتمع الأهالي من تكوين الدولة الإستعمارية بسبب عدم قابليتهم الثقافية الراهنة للتثاقف التنموي (التخلف).
بالتالي نحن أمام نموذج تنمية إستعمارية غير ممحلة (غير موطنة) un-localized ، يجري تجربته غالباً و راجحاً في أنثربولوجيا مجتمعات وطنية - غير مدينية ، لم تعرف الإمبرياليات الحضرية ، مجتمعات ريفية وشبه ريفية - في العالم القروي أو الريفي من الجنوب العالمي لم تعرف العمران ، فضلا أن تكون مجتمعات بداوة غير مستقرة لم يتم توطينها بعد.
المثال النموذجي لأنثربولوجية هذه النظرية الأوربية ، نظرية الإستعمار الأوربي ، هو مثال أميركا اللاتينية النموذجي الذي يتشكل نظام الطوائف المهنية - الإثني فيه بعد مكون الإدارة الاوربي المقيم من ثلاث طبقات إثنية ، (1) مكون الخلاسيين Mestizo - خليط من أب أوربي وأم محلية الذي يقوم بمهام البرجوازية الصغيرة ، (2) مكون الكمبرادور - الوكيل المحلي أو في ترجمة أخرى المستشار المحلي للإستعمار يقوم بمهام الإقطاع ، (3) مكون الكريول - خليط من الرق العسكري يقوم بالمهمة البريتورية.
إذ ما قارنا فلسفة الإستعمار الأوربي الانثربوجية في القرن التاسع عشر ، سنجدها لا تختلف كثيراً عن فلسفة البنية التحتية لنظرية الإستعمار الإسلامي (الكولونيالية الإسلامية Islamist coloniality) ، أو (الإقطاع الإسلامي) في تعبير مختلف.
**
النظرية الإقطاعية الإسلامية الأرثوذكسية ، كنظرية (سلالية) ماقبل إثنية ، تنقسم لثلاثة مكونات هيتراركية تملك الشرعية الروحية - إمتياز الوصاية التراتبي ، (1) مكون القناديل - الهاشميين أو الأشراف - كغرباء فوق العادة Aliens يرفضون الإندماج المتبادل ، (2) مكون الزنابيل - القبائل أو الأهالي ، (3) المكون الثالث - المسكوت عنه وهو مكون الارقاء ، المدجنين أو في ترجمة وتأويل أكثر تطرفاً - التبع Subjugaters.
[راجع عن مأساة الإقطاع الإسلامي الأرثوذكسي - كتابات المفكرين اليمنيين : مروان الغفوري ، الشهيد محمود الزبيري ، الشاعر البردوني.
راجع أيضاً : نظرية مفكر الحوزة الإيرانية الإمام الخميني - نيابة الإمام الغائب].
إذن الإختلاف قائم بين النظريتين في المقاصد لا غير من مهمة الإستعمار Mandate ، (مقاصد النظرية الاوربية في الإقتصاد السياسي للإستيعاب الثقافي - المادي Civilization ، مقاصد الإقطاع الإسلامي في الإقتصاد السياسي للإستيعاب الروحي - الأخلاقي {نظرية الخُمس} وهو نفسه نظرية الكنيسة الرومانية التاريخية).
يمكن إعتبار مناطق شرق إفريقيا - زنجبار العمانية ، مناطق شمال إفريقيا / شمال المغرب (المخزن) ، جنوب المغرب (موريتانيا) - حقاً أنثربولوجياً للبنية التحتية لفلسفة الإقطاع الإسلامي الأرثوذكسي ومأساته.
في مقابل تلك البنية التحتية ، ثمة بنية فوقية لفلسفة الإقطاع الإسلامي وهي الفلسفة المتأخرة والنيوكولونيالية في نهاية القرن التاسع عشر بداية العشرين ، التي تتحدث عن مفردات دولة العقيدة المقدسة holy state ، التي لا تفرق مفاهيمياً بين حيز الأمة الانثربولوجي - حيز طائفة المؤمنين اللاهوتي ، وكل مفرداتها التاويلية والفلسفية مقتبسة أو مستعارة من الأدب البيزنطي / الروماني.
بما ان السودان الأنغلو مصري ، من دول الهامش الإسلامي lslamdom Frontiers ، أو الجغرافيا غير المفيدة - غير التاريخية من العالم المحمدي ، التي تأخرت البنية التحتية الأرثوذكسية - لإستيعابها دينياً (الأسلمة) وسياسياً (الإقطاع) وثقافياً (التعريب) - حتى القرن السادس عشر من شمال إفريقيا إلى شرق إفريقيا ، وكان إستيعاباً بسيطاً غير قسري وغير معقد.
كما أن البنية الفوقية للإقطاع الإسلامي تأخرت حتى نهاية القرن التاسع عشر ، قبل أن يعيد البريطانيون إنتاجها تحت مسمى (المهدوية الجديدة) neo-mahdism ، ثلاثينات القرن العشرين - وقد كان حاملها السيسيولوجي هم إثنيات العمالة المهاجرة من غرب أفريقيا (إثنيات الترانسفير) ، وقد ظلت في النهاية بنية تفتقر للتجذر السيسيولوجي والأرثوذكي واللاهوتي والنفسي.
[راجع مقالة المناضل التاريخي في الإتجاه الإسلامي 1970 عمار محمد آدم المنشورة 2023.
راجع أيضا ندوة المفكر الشمالي محمد أبوالقاسم حاج حمد عن كتابه المنشور سنة 1994 في الإمارات عام 2003] .
**
وإذ ما قدمنا مقارنة نموذج آخر للبنية الإستعمار الأوربي التحتية ، أكثر حداثة وتطورية ، فهو النموذج العثماني ، الذي هو جزء لا يتجزأ من السياق و النموذج الأوربي ، كنموذج تجريبي عقلاني لم تعترف بشرعيته الروحية يوماً - المؤسسة الأرثوذكسية الإسلامية مثل الأزهر (الحوزة المصرية) ، رغم تجذره إجتماعياً داخل لاندسكيبها الثقافي والإثني.
البنية التحتية للإستعمار الترابطي associetalist وغير الإستيعابي - العثماني كما هي في سوريا والعراق ومصر خلال خمسة قرون ، وخلال قرن أو قرنين في شمال إفريقيا الجزائر وتونس وليبيا ، تتكون من بنية مطابقة لنموذج الأوربي.
(1) مكون خلاسيين Mestizo مثلوا البرجوازية الصغيرة والمتوسطة الصناعية.
(2) مكون كمبرادور تجاري (3) مكون كريول عسكري يسمى الإنكشارية أو الجهادية. لكنه تميز بدمج مكون الأهالي (الإثنيات الوطنية ) تحت مسمى نظام الملل في الشرق الأوسط المتشظي هوياتياً ، وتحت مسمى الأهالي في شمال إفريقيا ، وتحت مسمى الإدارة الأهلية في السودان الأنغلو مصري.
يُتبع.
northernwindpasserby94@gmail.com
حتى لا تصبح مفردات التحرر والتبعية للآخر مجرد براكسيس للإزدراء الاجتماعي والاثني او مجرد ادوات مفاهيمية في حرب مواقع طبقية بالمعنى الذي تقصده انطونيو غرامشي كانت هذه المداخلة الناقصة والتي تأخر نشرها عن الايام الاولى للحرب , ضرورية لضبط ايقاع التراشق اللكزيولوجي (المفراداتي) و صراع الشعور الجمعي.
1-3مدخل لتفكيك الحيل الخطابية للحرب الأهلية وعنف الدولة
(الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم )
ألبيرت كامو.
مزية حرب 15 إبريل 2023 أنها ليست حرب (تأسيسية) على غرار حرب 2003 في الإقليم الغربي ، لكنها حرب (شاملة) full war أسوة بحرب 1983 في الجنوب ، كحروب أهلية خالصة في مقابل النموذج التأسيسي لعنف دولة 1956 ونمط إنتاجها الكولونيالي (البرجوازية الإقطاعية) ، أنموذج (الحرب الهمجية أو العنف العاري) ، الذي تشهد به مذبحة أنزارا يوليو 1955 في الجنوب ، مذبحة جودة وعنبر جودة أو في تسمية مغايرة (إبادة إثنية نزي - دارمحارب) 23 فبراير 1956 في الشمال الكبير.
أو مقابل النموذج الثاني - الحرب القذرة 15 إبريل 2023 كحرب إسترداد في قالب هجومي وقائي.
كانت مذبحة جودة أول مذبحة تنفذها دولة مابعد الإستعمار (النيوكولونيالية) التي إتخذت من الهيمنة كخيار وقائي أو تكتيك دفاعي أساساً ، ضد إثنية / قومية البقارة ، بتمرين وعي مسبق و ذاكرة مُخوفة من (المقاومة) ، مقاومة الإثنيات المختلفة للمركزية الإثنية المهيمنة.
عُنف الدولة هو ترجمة لستراتيجية أقلية نيوكولونيالية (مهيمنة) أو (مبدعة) بمنظورها الذاتي - ضد أغلبيات (Majority Nationalisms) ومجتمعات عقارية أصلية Native titular societes منقسمة بنيوياً لكنها موحدة نفسياً ولو في وعيها الباطن ، وتمثيل للإستعمار الجديد الذي يرى فيه مالك عقار آير (نظام سجن مفتوح لإثنيات مختلفة) ، سجن الخرائط الكارتوغرافية (الجزافية) للإستعمار.
رغم أن منظمة الوحدة الإفريقية كانت قد صدقت على حماية الحدود الجزافية للدول الأوربية في إفريقيا من أي تعديل يجعلها أكثر تجانسا مع الحدود العرقية والثقافية على غرار جمهوريات الإتحاد السوفيتي ، أي إستمرارها كسجون مفتوحة للتناقضات والإنقسامات والحروب الأهلية الدائمة.
الموقف الوظيفي الذي دعا إلى تجاوزه البحاثة بازل ديفيدسون 1992 من خلال كتابه عن مهمة الإفريقي والعالمثالثي التحرري (عبئ الرجل الأسود - لعنة بناء الدولة الأمة).
إذا تجاوزنا عنف الدولة state violence ، فإننا أمام واقع إنقسامي مرير من التغيير والثورة التي لم يردها الكثيرين في الداخل والخارج ، واقع الحرب الأهلية الذي أفرزه التفكيك العنفي لدولة 1956 ، واقع إنقسام بين مجالين رئيسيين واحد رافض للتغيير والثاني متحفز له ، وأمام تحدي داخلي بين مكونات الهامش والهامش المزدوج المحتربة والمنقسمة بسبب سياسات 70 عاماً من الإزدواج بين الإستعمار الجديد و الإستعمار الداخلي ، أمام ضرورة الحوار الإنساني بين الحتميات الإثنية محلياً ، والحتميات الثقافية فدرالياً.
الفلنقاتيزم والتشاوس هما ديناميكية صراع طبقي بين مكونات إثنية متنافسة على (الهيمنة) ومتناحرة على (الموارد السياسية) political resources داخل الإقليم الغربي الخاضع للإستعمار الداخلي منذ 1916.
إنتهت التقدمة.
**
2-3 الفلنقاتيزم أو الإقتصاد السياسي لتخلف المركز
ظهر مصطلح (فُلنقاي) وصيغة جمعه (فلنقات) من قاموس لهجة إثنية الشوا Shawa أو مجموعة البقارة Baggara ، في سياقات حرب 15 إبريل وخطابها ، مُقترضاً بدوره من المركزية الإثنية للغة شعب الفور وذاكرته السلطانية المتعدية بمعنى أصلي (طائفة حملة الأباريق) قبل أن يطاله التحور الدلالي والتحول اللغوي نحو معنى أبعد وأكثر وضوحاً.
لم يبرزه الروائي إبراهيم إسحق صاحب أعمال (الليل والبلدة) وقاموس العامية القروية (العربية) في مقاطعة دارفور ، في أدبه وإتيمولوجية سردياته ريفية الذاكرة ، أو ينتجه الناقد الأكاديمي أبوالقاسم قور الذي توارى ، بل عن لسان شخصية أخرى من الشخصيات المرتبطة بالحرب (اليوتيوبر والمؤثر ربيع عبدالمنعم) ، كمثقف وظيفي أو لنقل (متضامن) ، ليس لديه قضية إثنية مشتركة لكنه منحاز ، من عينة المثقف المحلي السائل الذي يخوض في مالا يخصه أو بتعبير ألطف في كل شي ، تتلاشى في ضميره حدود الذات والغيرية ، الأنا والأخر ، يتبنى قضايا الآخر - الشفاهة بلغته الباطنة (Unspoken). وقد لعب نظائر هؤلاء دوراً مهماً في صناعة التأريخ المعاصر والقديم.
صدى إنقسام داخلي
حضر التوظيف الدلالي للمصطلح على خلفية وثيقة الإتفاق الثنائي (القاصر) بين محمد حمدان دقلو ، والجناح اليساري للقوميين الشماليين (قحت) كصفوة مثقفين intellectual elite برعاية غربية وعرف بإسم الإتفاق الإطاري.
لم يكن الإتفاق الإطاري (الثنائى) محض وثيقة لنقل الحكم ، بل وثيقة تقاسم سلطة غير مكتوب تتخفى خلف النص الدستوري المخاتل والزائف في أصوليته (حرفيته) عن الديمقراطية المستوردة وأطروحة التحول المدني أو الإستيعاب اللائكي كبدعة لا توجد في التاريخ المعاصر في غير تونس وتنزانيا والسنغال ، رغم المحاولات غير المكتملة للشيوعيين في الكونغو برازافيل والجمهوريات اللزوبوفونية في إفريقيا ، تأسيس (القومية المدنية) الخالصة التي تتجاهل القوميات المتنافسة والتعددية الإثنوثقافية والقومية الثقافية.
أثارت تلك الدياركية الإحتكارية المرتقبة ، والتي جسدت مرض (الطفولة) لدى المجموعات اليسارية والبرجوازيات الهامشية ( النيوإستعمارية) الجائعة للحكم بشراهة أنانية ، في تجاهل الحقائق السيسيولوجية البحتة والتعاطي مع الواقع متمسكة بترف التشريح البنيوي دون توفيق الخطاب ، صراعاً مكبوتاً بين (الهامش) المتناسق في جبهته الإجتماعية و(الهامش المزدوج) أو(شبه الهامش semi-periphery بتعبير إيمانويل والارستين ) متنافر المكونات الذي يعجز المحللين المحليين عن تجنيس قضاياه وتشريحه سيسيولوجياً.
التعبير عن بواعث القلق الإثني لدى بعض القوميات الأخرى والنخب الإثنية ، الإقطاعية والزبونية معاً من تم من خلال مايُسمى تجمع (الكتلة الديمقراطية) الذي قام بتنظيم إعتصام القصر الرئاسي 25 أكتوبر.
مثّل ذلك التجمع في 2021 النخبة المضادة للمثقفين الشماليين (قحت) ولاحقا (تقدم) أو الكمبرادور الشمالي ، إعادة إنتاج لما إبتدرته الجبهة الإسلامية (الجناح اليميني) للقومية الشمالية حتى 1994 تاريخ وثيقة فرانكفورت مع ممثلي نخب النوير والشلك (رياك مشار ولام أكول) ، من تعبئة مصالح الكتلة التاريخية بتعبير أنطونيو غرامشي والنخب الريعية المحلية مجتمعين في مواجهة أي تغيير جذري تقوده طليعة مثقفة أو سلطة مناهضة في طور التشكل ، من خلال (تقاسم سلطة مابعد الإستعمار) أو مايعرف (صيغة المشاركة) ، التي تشبه صيغة فريدريك لوغارد (الوصاية المزدوجة) ، لا تفويض تلك السلطة مابعد الإستعمارية إلى المحكومين devolution power.
أي إستمرار الإستعمار البديل لجمهورية الستينات مابعد الإستعمار ، وتجذر دولة الغنيمة capture state للنخب المحلية والزبونية المعيقة للتنمية والإرادة الوطنية للقوميات المختلفة ، وهو مضمون التغيير الطفيف - الشكلي في مواجهة التغيير الجذري الذي تقاومه الدولة العميقة ، جمهورية 1956 بجناحيها اليميني واليساري.
كانت وثيقة مايسمى (الإطاري) قاصرة ، كونها أثارت غبن النخبة المضادة أو تآمرها بالانحياز (الإصطفاف) إلى جانب الصفوة العسكرية في الخرطوم (المونوبول) رغم وعيها بهامشية دورها أو وظيفيته ، ولم تفلح في طمأنتها ، ولم يكن بوسع حميدتي الذي تم تضييق الخناق عليه من خلال فرض أطروحة دمج الجيوش المتعددة أو إحتكار السلاح (وسيلة الإحتجاج والعصيان الوحيدة وليس التغيير ، للكفاح الطبقي أمام المهمشين المستبعدين من تأسيس دولة مابعد الإستعمار غير الوطنية) ، دون حل المشكلة الأساسية (التناقُض الأساس) في الإدماج الوطني وحل مشكلة المواطنة والقوميات ، أن يوقع إتفاقين في آن واحد مع جهتين متناقضتين.
بمجرد إندلاع القتال ( المخطط المعد بدقة) ضد قوة الدعم السريع (ق. د. س) بغية تدميرها وحتى إلحاق إبادة عرقية ضد إثنيتها السياسية في 15 إبريل 2023 ، إتخذت تلك النخبة المضادة موقف الحياد أملاً في المحافظة على مكاسبها السياسية والطبقية في أي تحول يرعاه المجتمع الدولي ، وعدم الدخول في حرب إستنزاف جديدة يقودها (المركز) البارع في صناعة الأزمات وتكريس التخلف أو نزاع جانبي مع إثنية الرزيقات الشمالية.
بذلت الصفوة العسكرية ضغوطها مهددة حتى بتجريدهم من هوياتهم الوطنية ونفذت حملة إرهاب طالت حتى شخص موالي مثل المؤثر السياسي (عبدالله مسار) ، وتوالت مخاوفهم المزدوجة من إقصاء المثقفين الشماليين ، الذين توعدوا بمحاسبتهم على إعتصام 25 أكتوبر . حملتهم تلك المخاوف مجتمعة مكرهين على الإصطفاف غير الطوعي مع المركز. قبل أن تغمرهم نزوة الغنيمة الزائفة وينخرطوا بشكل أكثر مباشرة وتورطا في الحرب التي كانوا يصفونها بالعبثية.
ليس من نافلة القول أن محمد حمدان دقلو نفسه لم ينحاز لرؤية وثيقة نقل السلطة إلى المثقفين الشماليين طائعاً بل لأنه أدرك أن دوره التكتيكي في (مكافحة التمرد) إنتهى وقد هددته الصفوة العسكرية (للقوميين الشماليين) بالتخلص منه جسديا ومعنويا قبل ملابسات الحرب وأنفذت تهديدها بحرب قصد منها أساسا حرمانه من الحكم أعلى درجات السلطة.
دخل حميدتي الحرب مغامراً بسبب سوء تقديراته العفوية للصراع بينما النخبة المضادة الذين أسماهم جهازه الدعائي بالفلنقايات في إشارة إلى كونهم نخبة مزيفة لا مضادة ، منطلقاً من حقائق سسيولوجية مجردة في القرنين 19 و20 ، دخلوها (مقامرين) بسبب سوء نياتهم ولا إرادتهم السياسية.
التخوف الجوهري الثالث لتجمع النخبة المضادة (الكتلة الديموقراطية) هو تخوف شريحة القوميين من إثنية جبال النوبا الذين يمثلهم (مبارك أردول) من طبيعة الإتفاق المذكور ومحتواه الذي ينقل السلطة من الصفوة العسكرية الشمالية ويقضي بتفكيك بنيتها الطبقية والإجتماعية لصالح علاقة جديدة بين المثقفين الشماليين وقوى الريعية العسكرية في الشطر الغربي من البلاد.
فقد نظروا إليه كتحالف بين الكمبرادور الشمالي والإثنية السياسية للرزيقات الشمالية ، وبإستدعاء أحداث الذاكرة والتاريخ 1882، يضاعف من تهميشهم الإجتماعي ويجعلهم يخسرون مكانتهم الثانوية داخل الصفوة العسكرية التي يشكلون فيها نسبة 75% إلى 85% من سلك الجندية والرتب الدنيا أي ظاهرة (القنانة المسلحة) Armed serfdom , التي يستبدلها الإتفاق بالزبونية المسلحة (قوة الدعم السريع) .
لذا سارع مبارك أردول للتماهي مع القوميين الشماليين وصفوتهم العسكرية في وصف ماحدث بأنه (تمرد) ومؤامرة إثنية عربية ، ترجمت بعدها مواقفه وهو المتمرد السابق في إحتكار التمرد وإنتاج القومية الإنتقامية (Irredentism) لا النزعة التعاونية منها ، بشكل أتوماتيكي إلى حملة تطهير عرقي وعنف وقائى بهدف التهجير ضد إثنية الحوازمة في الدلنج ومشروع هبيلا الزراعي وضد رعاة إثنية الشنابلة في (أبوجبيهة) . رافق ذلك القتل الممنهج على الهوية وإثارة الشعور الإنقسامي بالكراهية ضد هؤلاء.
قاوم القوميين من إثنية جبال النوبا السياسية طويلاً أي محاولة لإصلاح الجيش وتأميمه من أعلى وإلغاء القنانة المسلحة أو تجنيد الإثنيات الأخرى في سلك الجندية والرتب الدنيا ودمج المواطنين فيها ، مصطفين ضد تلك المحاولات منذ ماعرف بالخدمة العسكرية الإلزامية 1998 التي إقترحها (على عبدالله يعقوب) النائب التشريعي في الجبهة الإسلامية 1987 ، مروراً بما تسمى اليوم المقاومة الشعبية القائمة على فكرة الدفاع الذاتي والدفاع الشعبي الإشتراكية ، فقد تآمرت تلك الطبقة ومعلميها العسكريين في السلك العسكري بوجوه عديدة ضد تدريب وتكوين الدفاع الشعبي تكويناً نظامياً صلباً أو نقل خبرتها إليه بسبب القطيعة النفسية.
من هو الفُلنقاي؟ مسرح فرق تسد الفاشل
من باب الطرفة أن مروج مصطلح (فلنقاي) المؤثر المذكور هو نفسه من أطلق على حميدتي مصطلح (الأمير) كتورية إلى كتاب الإيطالي (ن. ميكافيلي) وقد صدق الإشارة تماما إلى شخصية حميدتي الأرستقراطي القروي المتشرب بوعي المكافيلية الريفية تجاه المنطق الإجتماعي ، فقد طرق الرجل كل أبواب طموحه في السلطة كغاية لم تنهه عن شراء ذمم النخب الإنتهازية الزبونية وحتى حشد الزبونية المسلحة armed clientelism للخلاص من ورطته التي باتت وجودية (لتجاوز طبيعة الصراع الأساسية مع المركز الإحتكاري كصراع قوميات) والتغاضي عن اتتهاكاتهم الجسيمة كسؤال مؤجل في الحرب.
تجسدت تلك النزعة الميكافيلية من خلال ما يُسمى إتفاق جوبا ديسمبر 2020 ، وهي وثيقة دولة غنيمة بغاية شراء إعتراف وولاء نُخب إثنية بعينها بلغت أطوار التكوين البرجوازي مثل الزغاوة في الغرب والتقريت Tigre في الشرق.
شملت الوثيقة السياسية وجوهرها غير المكتوب ، السلطنات الإقطاعية (الإفريقية) الثلاثة وبعض السلطنات الأخرى التابعة في مديرية دارفور (1916) ، بتكريس إمتيازات عرقية لهم في النص الدستوري ، بما في ذلك الطموحات التوسعية والعدوانية على حساب مجموعات الهامش المزدوج الإثنية ، المضطهدة تاريخيا من السلطنات الإقطاعية ، اي المجموعات النوبية الخمسة في الشمال (عدا إثنية الداجو) والعربية في الجنوب كما البانتو في الجنوب ، دون أي تصور مستقبلي بنيوي نحو صوغ معادلة للمواطنة العامة الشاملة وحتى الخالصة.
وبدلاً عن إيقاف الحرب الأهلية وعنف النخب النيوميراثية (الإفريقانية) للهامش الوريثة للسلطنات المنحلة ضد مكونات الهامش المزدوج double periphery خلال أربعة قرون في المديرية السابقة ، تضخمت الذات القومية للجماعات الإثنية المناهضة لإثنيات وثيقة جوبا وغيرتها المتنافسة ، وإشتعلت نزعتها الإنقسامية أكثر نحو الإنعزالية والكراهية العرقية لا الحكم الذاتي ، متجذرة قناعتها الإستشرافية نحو خلاص (إجتماعي) عبر ثلاثية التطهير العرقي والتهجير والتسليح أو وعي (التجانس العرقي) لا (تبادل السكان والأراضي).
ما قام به المساليت (فرع من قومية المابا) الذين رفضوا تمثيل إثنية الزغاوة (المجحف) لهم في حصة الإقليم ، مثال على ذلك.
أيضاً نزعته نحو شراء ولاء النخب الزبونية من خلال إنشاء أجسام موازية منشقة عن الزعامات القبائلية التقليدية منذ قرن native administration chiefes. مما خلق إضطرابات إجتماعية غير مسبوقة منذ مائة وعشرون عاماً.
من بين ما تقدم سنرى أن محمد حمدان دقلو فشل في إستقطاب نخب الميتربول في الغرب والمينبول في الشرق (الشمال الكبير) منذ 2017 إستقطابا مباشرا ، وحتى بعد انحيازه ضد بقاء نظام 1989 في 2019 و2023 لم تتكلل مساعيه لكسب ولاء نخب المركز القديم وحواضنه الإثنية في الميتربول (إتفاق جوبا) والمركز مابعد الإستعماري في المينوبول (الإدارات الأهلية الموازية).
وإن كان انحيازه الأخير للمثقفين الشماليين فيما عرف الإتفاق الإطاري تطبيق أكثر جدية وتورطا لقاعدة الاستقطاب Divide and Rule.
الا ان هذه الخطوة إذا ماكتب لها النجاح في تدبير الصراع فلن تستمر طويلا لسببين أولهما أن تحالفات البنادق والمثقفين لا تدوم ، ثانيها بسبب الطبيعة التكتيكية لتحالفاته القصيرة في حين أن أي مشروع سلطة هو مشروع تاريخي ، ومن الصعب بناء نظام سياسي معاصر بدون انتاج نخبة حكم (مثقفين) عضوية داخل سياقه الإثني وخارجه ؛ غير متوافرة للأمير الميكافيلي في هذا السياق رغم مجهودات يوسف إبراهيم عزت ، ومركزية إثنية (حاضنة إجتماعية داخلية) تمنحه المشروعية الوجودية ؛ في الوقت الذي يفتقر فيه إلى تصور واضح لمستقبل تلك الاثنية السياسية.
كبرنامج حكم ذاتي في جنوب المقاطعة أو وضعية أقلية مدينية في الجزء الشمالي يعترف بالحقوق التاريخية للإثنيات المجاورة Coinhabitant على نسق مافي رومانيا ومثال شرق وجنوب أوربا. بدلا عن النموذج الاستيطاني والإحلالي البدائي الجاري منذ 1987 ويتجدد يوميا في الجنينة والفاشر ودار بني هلبة ودارهبانية لتفريغ الإثنيات غير الموالية مهما تسلح بأدوات القهر (الشبيه بالنموذج الارتري) الذي يثير صراعات الإثنيات الاخرى وحرب لا تنتهي.
غياب تشكل نخبة مثقفين تقود إثنية الرزيقات الشمالية منذ ملابسات الحرب الليبية في تشاد 1987 وتحدي جون قرنق ؛ في أي دولة من دول الحزام المجاور تشاد أو النيجر ، وراءه خيار الإستيعاب بدون مقابل أو الإستيعاب من جانب واحد الذي أثبت فشله منذ اللحظة الأولى للحرب وسقوطه مدويا امام الرأي العام الباطن لمجتمعات المركز وخطاب الكراهية العرقية (الإنكار والتحدي) الذي واجه به القوميين الشماليين أي ثورة لتفكيك دولة مابعد الإستعمار غير الوطنية.
الوعي الإثني بالذات والآخر الذي يمكن أن يحدثه وجود وتكوين مثل تلك النخبة من المثقفين (انتلجنسيا) ، ضروري لتغيير ستراتيجية لورد الحرب السابق والأمير الميكافيلي اللاحق الواحدة التي لم تتغير منذ بداياته في 2006 ، من ستراتيجية التكييف Accomodation وخياراتها إلى ستراتيجية (الإستيعاب) الأكثر مرونة في التعاطي مع التحديات التي يواجهها.
مسرح فرق تسد الناجح
وقبل مغادرة هذه اللحظة ، لابد من التأمل التشريحي لظاهرة (إثنيات السلطة) ، التي كانت متلازمة من متلازمات منظومة الحكم الفاسد في حقبة الجبهة الإسلامية 1989 وماسبقها من الأحزاب الإقطاعية الشمالية 1955.
سبقتها أحداث 1924 (جمعية اللواء الأبيض) التي تشبه في دراميتها واقعة - إنقلاب الزنوج (حركة أفلام) - في موريتانيا ولد الطائع في الثمانينات ، وما تلاه من عزل إجتماعي للسنغاليين في السياق الشنقيطي (بيان سلطة معاوية ولد الطايع وصف الإنقلاب بأنها محاولة لتصفية مكون إثني - الصنهاجيين البيظان :1986).
كانت تلك الجمعية الحزب السياسي لإثنية الخلاسيين (أولاد ريف) الذين يتم وصفهم في الذاكرة العامية الشمالية بأصحاب الجذور التركومصرية (النقادة) Mestizo الذين كانوا الطبقة الوحيدة المجندة والمنظمة سياسياً وأول من طالبوا بالإستقلال السياسي عن الوصاية البريطانية (هناك تيار آخر دعا للإندماج مع مصر لكنهم لم يكونوا الأغلبية الحقيقية عكس مايشاع) ، ومثلت فكرتهم أساساً بالشراكة مع دور ثانوي في تنفيذ العصيان المسلح لطبقة الكريول.
تم إجهاض تلك المحاولة بإيعاز من الإقطاعيين الشماليين الثلاثة ، ومحاكمة الضباط والمناضلين من الخلاسيين والكريول الذين شهد ضدهم في المحاكمات شهادة ملك عدد من المأجورين الشماليين وشذاذ أفاق من خارج تخوم المكونات الوطنية (من إثنيات الترانسفير تحديدا) ممن كافأتهم السلطة بوراثة الإستعمار. وفهم من خلال تلك المواقف وضعيتهم الإجتماعية كأقليات غير مسموح لها بالمشاركة أو قيادة تغيير إجتماعي في نظام الأقليات والفصل العنصري المعلن.
لاحقاً تراجعت البرجوازية الخلاسية المبدعة بحق خطوات إلى الخلف وقبلت بحل تنظيمها الإجتماعي متدهورة إلى الإنقراض ، في دور ثانوي كمجرد أصهار للكمبرادور والقومية الشمالية (للتعريف راجع دكتور جعفر محمد علي بخيت 1968) الذين أخذوا في الإستيعاب العرقي بالهوية الخلاسية (Turcofication) خلال ستة عقود , ومجرد إثنية سلطة بالمصاهرة خصوصاً في الستينات ، لم يتخطاه إلى الإعتراف الإجتماعي (بول ريكور) .
بعدئذ أشتهرت إثنيات الترابي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات التي حاول من خلالها خلخلة البنيان الديمغرافي؛ والإجتماعي في الشطرين الغربي والشرقي منذ القرن التاسع عشر ، إلى حد تعديل قانون الجنسية الوطنية 1994 من أجل تجنيس أكبر عدد ممكن من العمالة المهاجرة خلال الحربين العالميين وبعد الأربعينات تحديداً (إثنيات الترانسفير العُمالية) Transfer ethnicity في مزارع القطن الجماعية التي عرفت لاحقاً (الكنابي) ، خصوصاً مواطني مدن غرب إفريقيا وبدرجة أقل وسط إفريقيا (أقاليم وداي ، كانم - برنو ، باقرمي) منهم ، لضمان ولائهم الإجتماعي - الزبوني تحت مسمى -(سياسة الإثنيات الإسلامية) ، الذي أحاطه الترابي وجهازه الدعائي بكثير من السرية المضللة والتابوهات المعهودة في ممارسته منذ 1970، وهو ما أقر به عضو مجلس شورى الجبهة الإسلامية والمدرس الجامعي بالجامعة الوطنية (ج. الخرطوم) في كتيبه الصادر بنفس الفترة.
وهي السياسية التي يمكن تعريفها بأنها سياسة تأجير الرحم الديمغرافي Surrogate demography المشتقة من النظرية البريطانية الإسرائيلية Surrogate colonialism.
راجع : (التجاني عبدالقادر حامد ، كتيب الزنوجة ، معهد الأبحاث الإجتماعية جامعة الخرطوم).
الحقيقة أن هذا التوجه المترافق بالتغيير الإجتماعي والديموغرافي أحياناً الذي بدأ أصلاً مع الإنتخابات الأوتوقراطية في 1958 كان سبباً في تكريس التفاوتات الهيكلية الإجتماعية في بنية السلطة ، وفي حدة الإنقسام الإجتماعي التالي لما عرف بالمفاصلة أو محاولة إبعاد الترابي من الحكم 1998، بما في ذلك تناحرات الحرب الأهلية في الإقليم الغربي 2003 ، بين إثنيات الترابي وإثنيات البشير.
كما في حدة الصراع الإجتماعي في الشطر الشرقي من البلاد ، بين الطبقة والإثنية المدينية (Urban settlers) أو (المواطنين) الذين تنظر إليهم كإثنيات المعارضة أو السلطة المضادة اليسارية ، وبين الطبقة الريفية القبلية (Tribal settlers) أو (الأهالي) كحاضنة موالية.
بعد 1990 إكتملت عملية إقصاء وتغييب الإثنيات المتمدنة والبرجوازية الحضرية من السلطة والخدمة المدنية والمدرسة وحقل الإنتاج الإقتصادي. بدأت لأول مرة تختفي طبقات القرن التاسع عشر وإثنياته السياسية أو طوائفه الإثنية الثلاثة إن لم يطارحها مصير الإنقراض الأنثربولوجي الشبيه بإنقراض اللغة.
فقد إختفى الخلاسيون (Mestizos) أو إثنية (قبيلة) أولاد ريف بتقسيماتهم الأقباط والأتراك والمغاربة والأغاريق والمصريين والهنود وأخيراً الرشايدة ، من قائمة القبائل في وثيقة الجنسية والسجل الإنتخابي وفي المسرح الإجتماعي ومنصة (الإدارة الأهلية).
كما أختفى الكريول (الملكية) Creole المنحدرين من جنوب وغرب كردفان وجيب إثنيات البانتو (الفرتيت) ، ليضحوا هدفاً لعنصرية وتنمر الأهالي أو القبائليين قبل أن يصبحوا لفترة محدودة 2005 إثنية جون قرنق السياسية في الشمال.
ولم يعد لإثنية الجلابة (الكمبرادور) ذلك الدور الإجتماعي والثقافي الموجب في حركة التمدين الذي تحول إلى تمدين مضاد قصد منه ترييف المدينة الإستعمارية (المستوطنة الحضرية التي أنشأها التركي في 1840 أو الإنكليزي في 1900) ، وتفريغها من ساكنتها وحتى هويتها المعمارية. وهي عملية لم تكن لتتم دون تدمير الريف (الهامش) في الغرب والحزام القروي في الشرق (شبه الهامش) وإنحلالهما تدريجيا والتخلص من وظيفتهما المنتجة.
أستخدم التقسيم الإداري 1994 وتعديلاته التالية من أجل صياغة وتكريس تلك الإمتيازات الجديدة والتحولات الإجتماعية المصاحبة (عملية هندسة إجتماعية) ، بخلفية سيسيولوجية محددة وموجهة غيبت الانثربولوجيا نحو متحولات السلطة متخفية وراء غيوم إثنولوجيا الفدرالية المزيفة أو الحكم المحلي الزائف.
بقراءة الأيدلوجيا الإثنولوجية للسلطة في مختلف تقلبات جمهورية مابعد الإستعمار غير الوطنية ، خصوصاً مابعد 1990 يمكنك إستشفاف ماوصفه الأنثروبولوجي ومؤرخ دولة 1956 عبدالله علي إبراهيم ، عنف الهوية المتعدية للقوميين الشماليين المشغولين بصياغة الآخر والتحكم فيه لا بالذات.
والحقيقة أنه ذهل عن تجنيس الطبيعة الثقافية لتلك القومية التي عني بتفكيكها إلكس دي وال (2008) ، من جنس القوميات الهجومية المتطرفة(Militant nationalism). التي تعلي من الذات وترفض الإعتراف بالقوميات الأخرى والتسامح الثقافي معها ، التركية الحديثة 1914 ونسختها المصرية 1919 والقومية الإيرانية 1906. إنتشرت غالباً بواسطة الصفوات العسكرية ومؤسسات نمط الإنتاج الآسيوي الصلبة لا من خلال صحوة ثقافية ، بما في ذلك القومية الهجومية الأم ، القومية الهندية (الهندوسية) كقومية سلطة بديلة للإستعمار لا أمة وهوية توسعية عدوانية (راجع الكتابين Nationalism without nation , nationalism without groups).
فالكائن الريفي المستقدم حديثاً إلى المدينة المضادة في الشمال الكبير أو الجزء الشرقي من السودان 1990 هو نفسه (الفلنقاي) أو (القن) المنزوع من كل وسيلة إنتاج أو تأطير نخبوي صلب أو حاضنة إجتماعية ، أي المثقف غير العضوي عند غرامشي ، أو المثقف السائل والمزيف (mediocrity ) الذي وجد نفسه مشدوها في المستوطنة الحضرية ودولاب الدولة مابعد الإستعمارية ، يسوغ الحرمان للإكتفاء من نزواته أو فساده الأخلاقي.
تلك النسخة المزيفة والسائلة للمثقف المحلي أو السطحي عامي التفكير والذاكرة Vernacular ، هي النموذج المعاكس أو المعادل الرمزي لنموذج المثقف المحترف أو الخالص الذي ليس له عصبية أو حاضنة عنصرية (meritocracy) ، غير المتحيز عرقياً وغير المصنف إجتماعياً أو بالأحرى ليس مشمولاً بالإستقطاب الجهوي والقومياتي للسلطة وهويتها المؤدلجة في تقسيم المواطنين المفيدين وغير المفيدين ، الذي أنتجته طبقة الخلاسيين (أولاد ريف) ورموزها كمحمد صالح الشنقيطي (موريتاني) وسبقه عرفات محمد عبدالله (إغريقي الأصل) ولحقهما توفيق حماد (تركي الجذور).
في تلك السياقات من مناخ التسعينات المسمومة إشتعل الصراع التناحري بين النخب العرقية للنظام وخطابات المركزية الإثنية.
ماعرف (دولة الزغاوة) zaghawa-ism وتلاه دولة العطاوة (northern Rezeig-ism) ، بينما سكتت وسائط الإعلام عن مشروعي دولة التقريت Tigre-ism في كسلا ، دولة الرحل الفولان والعمالة المهاجرة من إثنية الهوسا في الإقليم التاريخي لقوميتي البرتا - القمز (Fulan-ism) الذي وقف وراءه حاكم إقليمي سابق وأحد أتباع الترابي مالك قاعة قرطبة الشهيرة في أحداث 2019.
مثلت جميعها جهود إستخبارية أمنية من نظام دولة 1956 الإسلامي وأجنحته المتشاكسة في تعبئة الصراعات وصناعة تحالف الأقليات (التي يعتقدون انها تمثل القومية الثقافية للمونوبول أو تشابهها ، القومية العموم عربية) وحشد أحزمة الولاءات الإجتماعية تحت سقف ظاهرة (إثنيات السلطة) التي يتم إنشاءها لدورة وهدمها في دورة أخرى من الصراع الذاتي ، وتصبح فيها القبيلة و الإثنية مجرد حزب سياسي رافد (محلي) ، والإثنيات المتنافسة مجتمعة مجرد مكونات غير أساسية للنظام والسلطة مابعد الإستعمارية .
أثناء ذلك كانت القيادة الخفية للجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين تعتمد منصة وخطاباً مخاتلاً لترويج النظريات الإستيعابية المتوارية خلف أدبيات العرق المتطرف بهدف تطويق الحريق الذي أشعلته وتمت تعريته لأول مرة في خطاب خصومها الجناح اليساري ، كأطروحة الحل النهائي (الإستيعاب القسري) أي forced assimilation الأسلمة والتعريب 1990 ، بمثابة رد ثقافي مخاتل وقمعي على المقاومات الإجتماعية المتوالية إثنية وطبقية لظاهرة إثنيات السلطة.
الأمر الذي أغرق المجتمع فعلاً في دورة صراع ثقافي ، تجسد بنهج عنفي مع يحي داود بولاد مثقف قومية الفور وممثلها السياسي في النظام 1992 ، ومن خلال نهج مفاوضة مساوم لاحق في حالات أخرى (2006).
بعد حرب 15 إبريل ، يتجدد الأمر نفسه ويعاد إنتاجه من نفس المختبرات السياسية ضد الإثنية السياسية لقوة الدعم السريع أي لمحمد حمدان دقلو، بذات القسمات.
لا يسع ترسيم هذه الملاحظة بدون إعفاء الدعم السريع من نفس الممارسة التي أضحت سلوكاً تنظيمياً لنهج دولة الغنيمة (الظاهرة الكونفدرالية) في التجنيد الإجتماعي.
من بين ذلك حالة إثنية السلامات الذين دعمهم خفية للتغول على أراضي إثنية (بني هلبة) Banihalba county في الجزء الجنوبي خلال العام 2024 في ثنيات وسياقات هذه الحرب وإجبارهم على توقيع أكثر من وثيقة إستسلام مذلة آخرها في يونيو ، وحشده لإثنية الحوازمة خصوصاً مجموعة (الأسِرة) الذين يبحثون عن وطن بديل في (أم روابة) وما واكبه من إذلال ساكنتها بواسطة المجموعات الإجرامية التي حشدها الدعم السريع للقتال من أبوجبيهة والدبيبات ، بعد طردهم من مقاطعة مرتفعات النوبا وأيسهم من مضايقات إثنية البرتي في (جبل حلة).
ذلك إمتداد لسلسلة إنخراط الإثنيات في حروب كفاح طبقي وآخر مضاد على خلفية صراعات سياسية بحتة مع وضد دولة 1956 بحثاً عن الغنيمة الموعودة. لا عن توجه برامجي جاد لتكريس الحقوق الأساسية للإنسان والجماعات وإستيعاب الإنقسامات السياسية والإجتماعية.
(i)
من هو الفُلنقاي؟
في إيتمولوجية مابعد التحويل الفلنقة والفلاقنة إلخ تعني (القن) عموماً وهي إن كانت تسترد ذاكرة إمبريالية محلية مابين القرن 16 حتى نهاية التاسع عشر وبداية العشرين لم تعرف الإستعمار الأوربي وبنياته حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ، إلا أنها تتقاطع مع تجربة الإستعمار الأوربي في شمال شرق إفريقيا أو الجزء الشرقي (النهري) الذي عرف التجربة وعايش ظاهرة القن المسلح في القرن التاسع عشر التركو - مصري.
منذ إلحاق مقاطعة (دارفور) بالسودان الحالي لفترة وجيزة عام 1874 حتى 1885، وإستئناف إلحاقها عام 1916 ، ظل لاندسكيب وسط إفريقيا الذي تنتمي إليه حقلاً موثلا للإستعمار الداخلي وتجريبه ، وإعادة إنتاج واقع السلطنة السابقة والمنحلة في خطاب سسيوبولتيكي أو كوميديا سوداء ما هو تأكيد للحقيقة المريرة.
الإستدلال المجازي هو عن ظاهرة مابعد الكريول post creolity (القنانة العامة) ، ومن وراءها أو أعمق منها ظاهرة (التابع) Subaltern بتعبير غياتري سبيفاك الذي يمثل واقع الوسط الإجتماعي للهامش الفلاحي (المحيط) ، أو صورة مواطن غرب السودان المندمج جيدا بإتساق في سياق الثقافة الأحادية المهيمنة full assimilated لكنه لا يحظى بالقبول الإجتماعي والإعتراف به كآخر في المركز بل كمجرد حامل إبريق.
وتختلف كلياً عن الهامشية الإجتماعية أو ظاهرة المواطن اللامكترث بالتغيير الإجتماعي والسياسي (عدم الفاعلية المجتمعية - المواطنة السلبية) Indifference التي تميز المواطن الشمالي ، وترسم صورة الحاضنة الإجتماعية للمركز.
إستدعاء لكزيولوجيا الذاكرة القروية عن ماقبل القرن التاسع عشر ونظامه السياسي ، والوعي الإجتماعي القروي الخالص لجماعة الرزيقات الشمالية بشأنه ، هو تناذر لخروج الصراع (الداخلي) بين إثنيات سلطة (1989) في الإقليم الغربي ومكوناتها من ميدان العنف الأهلي الكلاسيكي (في قبائليته) إلى ساحة الخطاب وتمدده أبعد من ذلك.
فمجتمع الكريول (الأقنان العسكريين) تاريخيا هو مجتمع الهامش المزدوج بمكوناته الثلاثة في الإقليم الغربي (جعفر محمد علي بخيت 1973) ببنيته الريعية العاجزة عن الإنتاج ، وتبني مجتمع المركز المنحل (القديم) فيه ماقبل الإستعمار أو مجتمع السلطنات الإقطاعية أصحاب الأرض والمشاعات ، لوظيفة أولئك المهمشين مزدوجاً ، الذين لا يملكون مكانة إجتماعية في تلك السلطنات الفيودالية متعددة القوميات وذاكرة شعوبها المتعالية ، هو إنقلاب في بنية الصراع Shift حتى ولو جاء في سياق التحدي الإثني الداخلي للإقليم والقوميات المتنافسة.
مجتمعات المركز الإقطاعي في الإقليم كانت قد إستغرقتها العزلة (الإختيارية) منذ 1916 وحتى الثمانينات ، حينما وجدت ذاتها في أتون صحوة جون قرنق الثقافية فجاءة ، وأن مركز نمط الإنتاج الآسيوي في الخرطوم يستخدم القومية الثقافية (العموم عربية) ضدهم ويجردهم من الشرعية الأيديولوجية للنظام الأمومي (طقس قتل الأم Matricide) في القرن السادس عشر أو الإستيعاب الإسلامي من فوق ، لهذا إختاروا مفاصلة الهوية وخطاب الكراهية العرقية للتعبير عن طموحاتهم البرجوازية (الرئيس فرانسوا تمبلباي 1966) من خلال ثورة أو تمرد 2003.
ليتبدى أن الحُمى الثقافية في الثمانينات كانت محض سحابة متبخرة حول برج الصراع الطبقي (الباطن) والتحدي الإثني بين تلك الطبقات التي ترتد الآن على عقبيها وتشايع مركز مابعد الإستعمار ، مكذبة نبؤاتها التي أزهقت في سبيلها مئات الاف الأرواح وراء ألواحها الغاوية.
الحمى الثقافية في طريقها لأن تنحسر أمام أزمة الإقليم العامة.. أزمته الوطنية مع المركز الإحتكاري (المونوبول).
(ii)
تحليل الخطاب
مصطلح الفُلنقاي 2024 وصنوه مصطلح الجنجويد 2003 ، لكزيولوجيا جون قرنق 1987 (أهالي ومستوطنون) ، لكزيولوجيا السلطة (القومية العموم عربية في مواجهة القومية غير العربية) 1955 ، كلها خطابات سُلطة توظف الحقائق السيسيولوجية والأنطولوجيا في خدمة الإستقطاب العرقي والتعبئة أو التجنيد السياسي.
مشكلة هذه الخطابات (خطابات التصنيف والتجنيس الإجتماعي) أنها لا تعكس أية مواقف جذرية ونهائية لأصحابها ، بل وعي زائف بالأنطولوجيا الإجتماعية في سياق صراعولوجيا السلطة وحروبها الأهلية ، لا يعكس الإيمان الحقيقي ولا التمثُل ، بل إنها عاجزة عن تفسير وإستيعاب الإنقسامات السياسية في بنية المجتمع ، أحزابه السياسية بما فيها ظاهرة (الزبونية) وظاهرة (القبيلة) وتنظيماته الإجتماعية بما فيه (الطبقة).
(iii)
تحليل البنية
نقد نموذج التابع أو ظاهرة الفلنقاي (القن المسلح والجندي غير المواطن) في أي قالب موجه لن يغير شيئآ من نزعة القوميات الإفريقية (السلطنات الإقطاعية سابقاً ) نحو مفاصلة الهوية (الإستقلال الذاتي) وتحديها الإثني (أبوالقاسم قور عن نهاية التعايش الطبيعي وبداية التعايش الدستوري 2008) مع المكون العربي أو فيما بينها من مكونات ، وبالتالي تعذر الإجماع والتكتل خلف قيادة موحدة ، لكنه يعكس الفشل في مضمار آخر ، في تكوين وتشكل قومية برجوازية لشعوب الإقليم الغربي ناطقة بالفرنسية (مقاطعة دارفور) ، أو قومية برجوازية لشعوب الإقليم الشرقي ناطقة بالإيطالية في مواجهة القومية الشمالية الناطقة بالعربية 1938 والقومية الجنوبية الناطقة بالإنجليزية (بوث ضيو 1936) التي ضمنت بقاء نضال الجنوبيين موحدا تقريبا حتى الإنفصال ، رغم بعض المحاولات المبتسرة في الستينات.
أختارت القوميات الوطنية أو نخبها البرجوازية في الإقليم الغربي وقبله الشرقي ، لأسباب نفسية ليست واضحة فيما يبدو ، الإندماج assimilation على التنوع الذي تمسك به الجنوبيين ، وقدمت تنازلات حقيقية ألسنية وثقافية وسياسية ودينية حتى ، ومع ذلك لم يحظى الأمر إلا بمقاومة المركز الإحتكاري الذي يصر على العزل وستراتيجية الإنفصال (1998) من خلال التطهير العرقي والتجريد من المواطنة ، لينتقل وعيهم السلطوي من ممارسة الأسلمة والتعريب (1990) إلى إحتكارهما.
نموذج الفلنقاي (التابع) ، كفرد مغترب في ثقافة ونسيج غيره (الألينة) ، أو كقن - تابع مخلص في الأجهزة الأمنية والسياسية ينفذ التعليمات ضد مجتمعه الصغير والكبير ، أو كجماعات إثنية غير مكتملة الوجود تدار بواسطة إثنيات أخرى (راجع بروفيسور بيتر برنابا بنجامين المفكر والوزير الجنوبي السابق) ، هي إمتداد لمشكلة الحشود أو الجماهير الفلاحية بتعبير صمويل هنتجتون (النظام السياسي في مجتمعات متغيرة).
حين يمكن ربط ظاهرة الفلنقاتيزم (التبعية الإجتماعية) بنظرية التنمية ووضعية الهامش الريفي أو الفلاحي (غرب السودان) الميتربولية في معادلة السلطة. كمجرد إحتياطي بشري أو خزان للأيدي العاملة labour reserve army منذ 1881.
في مواجهة وضعية الهامش المزدوج الذي يشمل الجنوب سابقاً ومناطق مجموعات البقارة الإثنية والبانتو ومرتفعات النوبا في الغرب ، ومجموعة البدويت (البجا) في الشرق.
وضعية الهامش المزدوج الإستخراجية (البريداتوري بول) ، كإحتياطي للموارد الريعية predatory state reserve بدون سيادة إجتماعية حقيقية عليها أو قابلية لإستغلالها بشكل ذاتي. لهذا تاريخياً كانت مجتمعات الهامش المزدوج مجتمعات حرابة (غارات قبلية) غير منتجة وغير مسيسة ريعية الولاء.
(iv)
الفلنقاتيزم من الظاهرة إلى النموذج
لا يمكن تفكيك النموذج بدون العودة إلى الظاهرة (جمهورية القنانة المسلحة) أساس النظام البريتوري الذي قامت عليه عملية إعادة الإستعمار (مركزية الجيش ومرجعيته الطبقية في السياسة) Praetorian Regime منذ 1900 أو 1898 ، الذي يشبه نموذج (تايلاند) و (ميانمار).
فلم يعرف السودان الأنغلومصري حاكماً إستعماريا مدنياً كما عرفته نيجيريا الإستعمارية مثلا.
ظاهرة الجندي القذر / الجندي غير المواطن / القن المسلح الذي ينفذ تعليمات الطبقات المستغلة بدون تمثيل أو مراعاة للتوازنات الإجتماعية ، وتتلخص مهمته في حماية ناديها السياسي وحماية أولاد الكمبرادور من منافسيهم ، هي الإقتصاد السياسي (الهامشي) للتخلف والنظام الإقطاعي في الشمال الكبير أو الجزء الشرقي من السودان (المونوبول) ، المعيق للعِوّل الذاتي والتنمية.
وقد تخلقت الظاهرة إلى نموذج جرى تطبيقه في إفريقيا الوسطى (حزام شعوب البانتو) وفي جنوب نيجريا مثلاً.
ظاهرة المواطنة الفردية (De-tribalism) أقصى درجات الإستيعاب غير المتكافئ ، من جانب واحد - التذويب وأكثرها تطرفا.
تشمل أولئك المنحدرون من غرب السودان أو ماوراءه منذ الحرب العالمية الأولى وحتي نهاية الثانية 1945، حيث تمت عملية نقل منظمة لاعداد كبيرة من السكان إلى المونوبول بغرض (الخدمة) الفلاحية والعسكرية Transfer ، أصبح هؤلاء مواطنين من الدرجة الثانية (الإستيعاب) إنخرطوا بإخلاص في خدمة النخبة وقمع مجتمعات الهامش والمركز معاً وإعاقة التغيير المزدوج في الميتربول (الجزء الغربي) والمونوبول (الجزءالشرقي) وإستمرار علاقات الإستغلال والإقطاع واللامواطنة التي ميزت الإقتصاد وشخصية الهوية ، من النظام البريتوري إلى نظام دستوري تعاقدي (فدرالية متعددة القوميات) ، ومن دولة إستخراجية إلى دولة تنموية.
ظل هؤلاء مواطنين إسميين non-titular في غير إقليمهم ، ليس لهم هوية برجوازية ولا يمكنهم التعبير عن ذواتهم أو إرادة مستقلة عن إرادة النخبة الشمالية وتوجهاتها.
من الطريف أن بصمة وشخصية التابع أو (الفُلنقاي) من هؤلاء ، عرفت في مؤسسات الدولة مابعد الإستعمارية بواحدة من إثنين إما الجبن وإستلاب الإرادة (الشعور بالدونية) في ممارسة السُلطة أو الحماقة المخُلصة (التهور).
خلال الستينيات إشتد الإستقطاب الايدلوجي بين الجناحين اليساري واليميني للقوميين الشماليين حول علمنة أو أسلمة مجتمع المينوبول (المركز) بطبقاته الثلاثة الكمبرادور والخلاسيين والكريول.
حشد الطرفان المواطنين الإسميين ونخب الهامش الريفي في معركتهم الإنقسامية ، مقابل غنيمة وإغواء الإندماج المتوهم.
تمخض الصراع عن ظهور نسختين من نموذج التابع (الفُلنقاي) ، التابع المدجن (اليساري) الموالي للمثقفين الشماليين ، والتابع المتمرد (اليميني) المناهض لأولئك المثقفين.
الأول مغالي في إنهزاميته (مازوخيته) مستغرق في عقده النفسية والثمالة ، والثاني منحرف الشخصية في إنتقاميته ، لاهث خلف ملذات مابعد الحرمان ، منحط في الفساد الأخلاقي.
الكتاب الأسود للنخبة 1999 أو 2002 ، الذي يعتقد أنه قد كتبه حسن مانديلا وتبناه دكتور خليل إبراهيم ، بإحسان الظن بنيات ناظميه ، هو السفر النموذجي للتابع (الفُلنقاي) المتمرد ، الذي يشكوا الحرمان من المشاركة في دولة الغنيمة مابعد الإستعمار من خلال رصد مظاهر الإختلال البنيوي والإمتيازات غير المتكافئة لا القطيعة معها.
فبدون تحليل الإنقسامات السياسية في بنية المجتمع التي هيئت قابليته للإستعمار الداخلي ومعالجتها أو تصفية المعيقات الوطنية National disabilities ، من خلال التغيير الجذري والقطيعة البنيوية مع المونوبول كمنظومة والإستعمار الداخلي كظاهرة ، تتحول خطابات الإحتجاج إلى مدرج نحو التغيير الفوقي للمحتوى الإثني للسلطة ومنظومة الإستغلال مع إستمراريته.
خارج هذا السياق ومنذ عام 1958 ، لم يتم تطوير اية صيغة دستورية للمواطنة الإقليمية (الأصلية) أو للمواطن المالك titular citizenship في المونوبول أو الجزء الشرقي نفسه، تعترف بمكوناته الإثنية وبحقها الوجودي ، لصالح إستمرار نظام بريتوري يستمد شرعيته (الداخلية) من صفوة الكمبرادور في الجيش ، ومن تخويفه لاثنيات المركز ومصادرته لحقها الوجودي في الدفاع الذاتي (التسلح) والإدارة الذاتية والتمثيل الدستوري.
المواطنة الفردية (الفلنقاتيزم) ، مواطنة التابع الذي يفتقر إلى قومية (نخبة) برجوازية تمثله ، منزوع الهوية البرجوازية ، هي مثال للمُهمش (الأقلية المقهورة الصامتة) الذي ليس له قيادة ولا يمكنه تمثيل نفسه ، وهو ماحدث في ماتعرف إنتفاضة الخبز 2018 أو ثورة ديسمبر التي كان وقودها البشري المهمشين (المدجنين) وسرقها أولاد الكمبرادور بدون جهد. في إستنساخ لكل التجارب المكررة منذ 1954.
وبالتالي وفقا للنظرية (نظرية الإستعمار الداخلي) التي يسمونها الآن بتلطف الإستيعاب المدني الديمقراطي بعد حذف عبارة غير المتكافئ ، فهو يحتاج إلى قيادة مستعارة (الكمبرادور) بسبب تخلفه أو عجزه.
(v)
من تفكيك المنظومة إلى بناء النظرية
تفكيك منظومات الصراع الإجتماعي في دولة 1820 وإستمراريتها في 1956 (الإستعمار الجديد) ، التي تبدو معقدة بسبب الرواية المضللة للصراع التي تنتجها الأنتلجنتسيا الكمبرادورية المهيمنة لمصلحتها منذ سبعين عاماً ، يكمن في تبسيط الصراع في القرن التاسع عشر (البنية التحتية) والصراع في القرن العشرين (البنية الفوقية) حتى 1955 تاريخ أول مقاومة وطنية إقليمية - للقوميين الجنوبيين ضد التكوين الكولونيالي المختل للدولة الحديثة - المركزية بما في ذلك وحدتها الترابية القسرية.
لن يسعنا التبسيط دون العودة إلى فريدريك لوغارد وكتابه المفاهيمي (الوصاية المزدوجة) - إنجيل الكولونيالية في إفريقيا وآسيا ، كأساس وشرط تطوير لمهمة الإستعمار (عبئ الرجل الأبيض) White man's burden في الإستيعاب المدني لمجتمعات العالم الثالث المتخلفة (أمم بدون تاريخ - سياسي).
الوصاية الخارجية هي مكون الوصاية الأوروبية - الإداري الأوربي المقيم ، الوصاية الداخلية هي مكون وصاية الأوربي الآخر أو (الإنجليزي الأسود) ، المكونات المستوردة الأكثر تطوراً أو رُقي (ترقى) من الأهالي (المجتمعات المحلية - الأصلية ) وما ينبغي أن يتمتع به الأوصياء الداخليين تبريرياً من إمتياز رفاهية وحق إحتكار العنف (بتعبير آخر إحتكار السلطة والمساومة السياسية - المفاوضة لمدة إنتقالية).
من ذلك أعتمد الإستعمار في نظرية لوغارد أو تبسيطه الفلسفي عن التبادل والمثاقفة الكولونيالية بين الغرب الاوربي (الشمال) والجنوب العالمي ، نفس تطبيقه في أمريكا اللاتينية والهند ، نظام الطوائف الإثنية - المهنية Profissional classes ، الأساس السيسيولوجي للبرجوازية الإقطاعية التي يحميها نظام عسكري (بريتوري) praetorian state بتعبير المناضل التحرري في الجزائر الفرنسية واحد أصدقاء الأهالي من أصول أوربية (إسماعيل أوربان) في القرن التاسع عشر.
بهذا النظام (نظام الطوائف المهنية) استبعدت الإثنيات الوطنية - مجتمع الأهالي من تكوين الدولة الإستعمارية بسبب عدم قابليتهم الثقافية الراهنة للتثاقف التنموي (التخلف).
بالتالي نحن أمام نموذج تنمية إستعمارية غير ممحلة (غير موطنة) un-localized ، يجري تجربته غالباً و راجحاً في أنثربولوجيا مجتمعات وطنية - غير مدينية ، لم تعرف الإمبرياليات الحضرية ، مجتمعات ريفية وشبه ريفية - في العالم القروي أو الريفي من الجنوب العالمي لم تعرف العمران ، فضلا أن تكون مجتمعات بداوة غير مستقرة لم يتم توطينها بعد.
المثال النموذجي لأنثربولوجية هذه النظرية الأوربية ، نظرية الإستعمار الأوربي ، هو مثال أميركا اللاتينية النموذجي الذي يتشكل نظام الطوائف المهنية - الإثني فيه بعد مكون الإدارة الاوربي المقيم من ثلاث طبقات إثنية ، (1) مكون الخلاسيين Mestizo - خليط من أب أوربي وأم محلية الذي يقوم بمهام البرجوازية الصغيرة ، (2) مكون الكمبرادور - الوكيل المحلي أو في ترجمة أخرى المستشار المحلي للإستعمار يقوم بمهام الإقطاع ، (3) مكون الكريول - خليط من الرق العسكري يقوم بالمهمة البريتورية.
إذ ما قارنا فلسفة الإستعمار الأوربي الانثربوجية في القرن التاسع عشر ، سنجدها لا تختلف كثيراً عن فلسفة البنية التحتية لنظرية الإستعمار الإسلامي (الكولونيالية الإسلامية Islamist coloniality) ، أو (الإقطاع الإسلامي) في تعبير مختلف.
**
النظرية الإقطاعية الإسلامية الأرثوذكسية ، كنظرية (سلالية) ماقبل إثنية ، تنقسم لثلاثة مكونات هيتراركية تملك الشرعية الروحية - إمتياز الوصاية التراتبي ، (1) مكون القناديل - الهاشميين أو الأشراف - كغرباء فوق العادة Aliens يرفضون الإندماج المتبادل ، (2) مكون الزنابيل - القبائل أو الأهالي ، (3) المكون الثالث - المسكوت عنه وهو مكون الارقاء ، المدجنين أو في ترجمة وتأويل أكثر تطرفاً - التبع Subjugaters.
[راجع عن مأساة الإقطاع الإسلامي الأرثوذكسي - كتابات المفكرين اليمنيين : مروان الغفوري ، الشهيد محمود الزبيري ، الشاعر البردوني.
راجع أيضاً : نظرية مفكر الحوزة الإيرانية الإمام الخميني - نيابة الإمام الغائب].
إذن الإختلاف قائم بين النظريتين في المقاصد لا غير من مهمة الإستعمار Mandate ، (مقاصد النظرية الاوربية في الإقتصاد السياسي للإستيعاب الثقافي - المادي Civilization ، مقاصد الإقطاع الإسلامي في الإقتصاد السياسي للإستيعاب الروحي - الأخلاقي {نظرية الخُمس} وهو نفسه نظرية الكنيسة الرومانية التاريخية).
يمكن إعتبار مناطق شرق إفريقيا - زنجبار العمانية ، مناطق شمال إفريقيا / شمال المغرب (المخزن) ، جنوب المغرب (موريتانيا) - حقاً أنثربولوجياً للبنية التحتية لفلسفة الإقطاع الإسلامي الأرثوذكسي ومأساته.
في مقابل تلك البنية التحتية ، ثمة بنية فوقية لفلسفة الإقطاع الإسلامي وهي الفلسفة المتأخرة والنيوكولونيالية في نهاية القرن التاسع عشر بداية العشرين ، التي تتحدث عن مفردات دولة العقيدة المقدسة holy state ، التي لا تفرق مفاهيمياً بين حيز الأمة الانثربولوجي - حيز طائفة المؤمنين اللاهوتي ، وكل مفرداتها التاويلية والفلسفية مقتبسة أو مستعارة من الأدب البيزنطي / الروماني.
بما ان السودان الأنغلو مصري ، من دول الهامش الإسلامي lslamdom Frontiers ، أو الجغرافيا غير المفيدة - غير التاريخية من العالم المحمدي ، التي تأخرت البنية التحتية الأرثوذكسية - لإستيعابها دينياً (الأسلمة) وسياسياً (الإقطاع) وثقافياً (التعريب) - حتى القرن السادس عشر من شمال إفريقيا إلى شرق إفريقيا ، وكان إستيعاباً بسيطاً غير قسري وغير معقد.
كما أن البنية الفوقية للإقطاع الإسلامي تأخرت حتى نهاية القرن التاسع عشر ، قبل أن يعيد البريطانيون إنتاجها تحت مسمى (المهدوية الجديدة) neo-mahdism ، ثلاثينات القرن العشرين - وقد كان حاملها السيسيولوجي هم إثنيات العمالة المهاجرة من غرب أفريقيا (إثنيات الترانسفير) ، وقد ظلت في النهاية بنية تفتقر للتجذر السيسيولوجي والأرثوذكي واللاهوتي والنفسي.
[راجع مقالة المناضل التاريخي في الإتجاه الإسلامي 1970 عمار محمد آدم المنشورة 2023.
راجع أيضا ندوة المفكر الشمالي محمد أبوالقاسم حاج حمد عن كتابه المنشور سنة 1994 في الإمارات عام 2003] .
**
وإذ ما قدمنا مقارنة نموذج آخر للبنية الإستعمار الأوربي التحتية ، أكثر حداثة وتطورية ، فهو النموذج العثماني ، الذي هو جزء لا يتجزأ من السياق و النموذج الأوربي ، كنموذج تجريبي عقلاني لم تعترف بشرعيته الروحية يوماً - المؤسسة الأرثوذكسية الإسلامية مثل الأزهر (الحوزة المصرية) ، رغم تجذره إجتماعياً داخل لاندسكيبها الثقافي والإثني.
البنية التحتية للإستعمار الترابطي associetalist وغير الإستيعابي - العثماني كما هي في سوريا والعراق ومصر خلال خمسة قرون ، وخلال قرن أو قرنين في شمال إفريقيا الجزائر وتونس وليبيا ، تتكون من بنية مطابقة لنموذج الأوربي.
(1) مكون خلاسيين Mestizo مثلوا البرجوازية الصغيرة والمتوسطة الصناعية.
(2) مكون كمبرادور تجاري (3) مكون كريول عسكري يسمى الإنكشارية أو الجهادية. لكنه تميز بدمج مكون الأهالي (الإثنيات الوطنية ) تحت مسمى نظام الملل في الشرق الأوسط المتشظي هوياتياً ، وتحت مسمى الأهالي في شمال إفريقيا ، وتحت مسمى الإدارة الأهلية في السودان الأنغلو مصري.
يُتبع.
northernwindpasserby94@gmail.com