القصـة في القـرآن .. تلخـيــص صلاح محمد علي

 


 

صلاح محمد علي
15 December, 2015

 


بتصرف من كتاب ( التصوير الفني في القرآن ) لسـيد قــطـب

تلخـيــص صلاح محمد علي

بسـم الله الرحمـن الرحـيم
القصة بوجه عام شكل من أشكال التعبير الأدبي و الفني تهدف للمتعة الأدبية وقد تكون بها عبرة أولا تكون . لكنّ العبرة  الدينية والأخلاقية هي هدف رئيسى من أهداف القصة القرآنية لأن القرآن كتاب دعوة دينية قبل كل شيء والقصة إحدى و سائله لإبلاغ هذه الدعوة لذلك خضعت القصة القرآنية لمقتضى الأغراض الدينية .

?وقد ترك هذا الخضوع آثاراً واضحة في موضوعها و في طريقة عرضها :-
1. أول أثر لهذا الخضوع أن ترد القصة الواحدة في معظم الحالات مكررة في مواضع شتى لكن هذا التكرار ليس متطابقاً إنما هو تكرار لبعض حلقاتها لإظهار موضع العبرة فيها . وحين يقرأ الإنسان هذه الحلقات المكررة ملاحظاً السياق الذي وردت فيه يجدها مناسبة لهذا السياق تماماً . على أن هناك ما يشبه أن يكون نظاماً مقرراً في عرض الحلقات المكررة من القصة الواحدة : فمعظم القصص يبدأ بإشارة مقتضبة، ثم تطول هذه الإشارات شيئاً فشيئاً ثم تعرض حلقات كبيرة تكوّن في مجموعها جسم القصة. و أبلغ مثال لهذا النظام قصة موسى إذ أنها أشد القصص في القرآن تكراراً .
2. ثاني أثر لخضوع القصة في القرآن للغرض الديني هو أن تعرض القصة بالقدر الذي يكفي لأداء هذا الغرض : فمرة تعرض القصة من أولها ، و مرة من وسطها ، و مرة من آخرها حسبما تكمن العبرة  في هذا الجزء أو ذاك و ذلك لأن الهدف التأريخي ليس من الأهداف الأساسية للقصة القرآنية - كما هو الحال في كثير من القصص الأدبية و الفنية - بل هدفها الأول هو الهدف الديني .
3. كذلك فإن الإطناب و الإيجاز في القصة القرآنية يخضعان لما في حلقات القصة من عظة و عبرة و لذلك تعرض بالقدر الذي يتفق مع الغرض الديني منها :
- فقصة موسى تذكر بجميع تفصيلاتها ، وكذلك قصة عيسى تذكر بشيء من الاختصار في حلقاتها الوسطى ، و قصة يوسف تسير مفصلة حتى تنتهي ، وقصة إبراهيم تعرض منها حلقات شتى ، و من قصة سليمان تعرض منها حلقات مطولة مثل حكمه في الحرث ، و فتنته بالصافنات الجياد ، وقصته مع النمـلة ، و مع الهدهـد ، و مع بلقيـس ، و موته وهو متكيء على عصاه و الشياطين لا تعلم .  
- و هناك قصص متوسطة التفصيل  ، وقصص قصيرة ، وقصص متناهية القصر ، وقصص يشار إليها ولا يذكر شيء عنها إلا وصفاً خاطفاً لأصحابها كقصص إدريس و اليسع و ذي الكفـل  .
- و هناك قصص متفرقة كقصة أصحاب الأخدود و أهل الكهـف و ابني آدم و صاحب الجنتين و سد مأرب و أصحاب الجنة  وهي قصص وعظية بحتة .
4. و من أثر خضوع القصة للغرض الديني أن تمزج التوجيهات الدينية بسياق القصة إما قبلها أو بعدها أو في ثناياها :
• فأمّا ما يذكر قبل القصة من توجيهات فنجده  في قصة آدم و قصة يوسف
• وأما ما يذكر بعدها فنجده في اعقاب قصة موسى في سورة القصص ، وفي أعقاب قصة نوح في سورة هود ، و في سورة العنكبوت في أعقاب قصص الأنبياء مجتمعة (  فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ... الآية 40 من سورة العنكبوت ) .
• و أمّا ما يذكر من توجيهات في ثناياها  فنجده في الآية 259 من سورة البقرة  ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه . قال كم لبثت ؟ قال لبثت يوماً أو بعض يوم. قال بل لبثت مائة عامفانظر إلى طعامك و شرابك لم يتسنّه، و انظر إلى حمارك – و نجعلك آيةً للناس – و انظر للعظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً . فلما تبين له قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير ) ،   و في حديث الهدهد في قصة سليمان مع بلقيس ( فمكث غير بعيد فقال احطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ  بنبأ يقين . إني وجدت امرأة تملكهم و أوتيت من كل شئ و لها عرش عظيم . وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون . ألاّ يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات و الأرض و يعلم ما تخفون وما تعلنون . الله لا إله إلاّ هو رب العرش العظيم  . ) الآيات 22 -26 من سورة  النمـل ، وفي حديث يوسف مع خادمي الملك يفسر لهما الرؤيا ثم يقول : ( ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله و هم بالآخرة هم كافرون و اتبعت ملة أبائي إبراهيم و إسحق و يعقوب . ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء . ذلك من فضل الله علينا و على الناس . ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) من الآيتين 37 و 38 من سورة يوسف .

 
abasalah45@gmail.com

 

آراء