“الكيزان” و توظيف كرت مليشيات الدعم السريع (وكرت القوات العسكرية-النظامية عموماً)، وتكتيكاتهم للتصدي لوصمة “اللصوصية”

 


 

 

عندما شكّل البشير مليشيات الجنجويد فعل ذلك بمعاونة كل الكيزان و بمساهمة فاعلة من طه و نافع و حسبو، فقد كانت فكرة تخليق تلك القوة تخدم بقاء و استمرارية حكم الكيزان. و عندما حوّل البشير مليشيا الجنجويد الي قوات شبه نظامية -بمسمي الدعم السريع، لم يبدي أياً من الكيزان وجهة نظر مختلفة او مخالفة، و لا عندما ضمها لجهاز الأمن و المخابرات.. اما عندما فكر في ضمها للقوات المسلحة فان الاعتراض بدر منها "كقوات مسلحة" و لم تكن هناك ادني وجهة نظر سياسية عن قيادات من الحزب الحاكم "حزب البشير" .. و تعامل البشير مع هذا الاعتراض بان جعلها قوة عسكرية قتالية ينطبق عليها قانون القوات المسلحة و لا تتلقي التعليمات و الأوامر من قيادة اركان القوات المسلحة انما تعمل تحت قيادته المباشرة "رئيس الجمهورية" و هذا وضع فاقم الأزمة و لم يحلها! اذ اصبحت قوة عسكرية-حربية موازية للقوات المسلحة، و هو الوضع الذي نعاني منه اليوم.
بعد أن سقط البشير عمل "الكيزان" علي دعم تحالف قيادة القوات المسلحة و قيادة الدعم السريع لترتيب اوضاع ما بعد البشير و ذلك بهدف تقليل كلفة خسارة السلطة عليهم و منع اي ملاحقات قانونية بسبب انتهاكات حقوق الانسان و الفساد المالي أي بمعني ضمان مكتسبات الكيزان غير المشروعة ..
عندما لم ينجح التحالف في تحقيق هذا الهدف، و اضطر المجلس العسكري للتوافق مع قوي اعلان الحرية و التغيير و ابرام وثيقة دستورية تحكم الوضع في مرحلة مابعد حكم البشير و المؤتمر الوطني غير الكيزان تكتيكهم و اتبعوا سياسة تعتمد علي ضرب الوثيقة الدستورية بالتركيز علي ضرب اثنان من اطرافها الثلاثة "الدعم السريع و احزاب الحرية و التغيير" و ذلك بغرض فك الرابطة الثلاثية و العودة لرابطة ثنائية (القوات المسلحة و الدعم السريع) و التي يمثل الكيزان الجامع السري بينهما!
خلال فترة سريان الوثيقة الدستورية ركزت دعاية الكيزان اعلامياُ و سياسياً علي دموية و انتهاكات الدعم السريع في الحرب و في اعتصام القيادة و بالطبع كانت تلك مادة ثرية و متوفرة بكثافة.. و هي مادة تلقي اذن صاغية لدي قوي معارضة و ثورية ايضاً (لجان المقاومة)، و قد نجحت تلك الدعاية في الضغط علي الحزب الشيوعي فتنصل عن الاتفاق السياسي و الوثيقة الدستورية و خرج من ائتلاف قوي الحرية و التغيير و من الحكومة الانتقالية و سحب الواجهات الموالية له و المقربة منه (التجمع المدني) و تسبب في شق تجمع المهنيين (مايسترو احتجاجات ٢٠١٨م)، كما ساهمت في خلق بلبلة في صف لجان المقاومة ما تسبب في شرخ في علاقتها مع الحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك، و مع حاضنتها السياسية "قوي الحرية و التغيير".
هذا الموقف اضعف الحكومة الانتقالية بمجلس وزراءها و المكون المدني في المجلس السيادي و الذي لم يكن في الأصل علي قلب رجل مدني-سياسي واحد بل منقسم إلى احزاب و حركات مسلحة و "تكنوقراط" لذا عندما وقعت واقعة الانقلاب "التصحيحي" ذهب معظم اعضاء السيادي (المدني) لمسايرة الانقلاب "رجاء نيقولا" و ممثلي الحركات "عقار و الهادي و الطاهر حجر" بينما ذهب بعضهم في حال سبيله (شيخ ادريس و التعايشي) بينما زج محمد الفكي في السجن!
يدعم الكيزان تحالف القيادة العسكرية للجيش مع الدعم السريع و بمشاركة قوات مليشيات الحركات المسلحة لفرض امر واقع جديد .. بعد الانقلاب عاد الكيزان لتهدئة خطابهم ضد الدعم السريع لأن الوجبة التالية بعد قوي الحرية و التغيير ستكون "بعض" الحركات المسلحة ما يستدعي تعاون الدعم السريع و بعد التهامها بمقدور "الكيزان" التصرف مع الدعم السريع بالوجه الذي يخدم مصلحتهم،
لكن هذا السيناريو قد لا يسير كما هو مرسوم له، فالظروف و التطورات قد تتسبب في تقديم و تأخير مع العلم ان اي تقديم او تأخير ستكون له تبعات خطيرة و كارثية ، ما يهم هنا هو أن الكيزان يتعاملون مع الدعم السريع وفق خطة و استراتيجية .. بينما تعاملت القوي السياسية الأخري معها و مع مجمل المكون العسكري و الأمني باهمال او عاطفية ثورية ( بسبهللية) دون حسابات سياسية و أمنية دقيقة.

الكيزان نجحوا لأنهم يحصرون الخيارات الثورية بين القوات النظامية من جهة و الدعم السريع من جهة و هم "الكيزان" متنفذين في كلا المعسكرين.. بينما القوات النظامية الأخري ليست أقل سوءاً من الدعم السريع، و إن اصلاح و هيكلة تلك القوات (العسكرية و الامنية) مهمة لا تقبل التأجيل و يجب أن تتم بالتوازي مع التعامل مع الدعم السريع ..
القوات النظامية العسكرية و الأمنية في السودان تمت وراثتها من المستعمر و تمت السودنة علي مستوي الوجوه و شاغلي الوظائف لكن الادوار و الوظيفة بقيت نفسها هي؛ نفس الدور و الواجبات التي كانت "الؤسسة الامنية و العسكرية" تخدم بها السلطة الاستعمارية بقيت تؤديها و تخدم بها السلطة الوطنية ما سهل عملية الانتقال من استبداد وافد و غريب و اجنبي الي استبداد محلي وطني ..
تغيير عقيدة تلك القوات لتخدم الوطن لا السلطة و المواطن لا الحاكم؛ و تحتكم لمعايير سيادة القانون و المحاسبة و الشفافية لا معايير الافلات من العقاب و المحسوبية هي من اهم واجبات مرحلة التغيير الثوري و الانتقال الديمقراطي ، وضع هذه المسألة في الحسبان ستاعد علي فهم تعقيدات الوضع خصوصاً بعد انقلاب ٢٥ اكتوبر و تعين علي التوصل لانفراج فيه.
تكتيكات الكيزان للتصدي لوصمة" اللصوصية " ..
منذ السنوات الباكرة اطلق السودانيين علي التنظيم الاسلاموي "الكيزان" وصمة الحرامية و اللصوصية "حرامي العيش" كان ذلك حتي قبل ان يستولوا علي السلطة ايام بدايات تأسيسهم للبنوك الاسلاموية و الشركات التي احتالوا بها علي اموال و تجارة الناس!
و بعد استيلاءهم علي السلطة لازمتهم تلك الوصمة و اطلقت عليهم صفة "الحرامية" علي نطاق واسع شعبياً،و للتخلص من تلك الوصمة و بدلاً من تبني استراتيجيات ضبط الانفاق العام و احياء قوانين و لوائح التصرف في المال العام التي الغوها او اهملوها، و ضبط معايير التصرف و الالتحاق بالوظائف العامة، و بدلاً عن التركيز علي قيم النزاهة الاخلاقية و الدينية التي زعموا زوراً انهم يتمثلوها؛ بدلاً عن كل ذلك سعي "الكيزان" لاستهداف قطاعات واسعة بادخالها في دوائر المنتفعين من السلطة و المال العام و استهدفوا تحديداً الشرائح الاجتماعية الضعيفة و المعدمة و حولوا الكثيرين بين يوم و ليلة من فقراء فقر مدقع الي اثرياء ثراء فاحش! و ذلك بهدف التطبيع لسرقة المال العام بأن تصبح ثقافة مجتمع! فبدأنا نسمع بدلاً عن مفردات فساد، و نهب، و سرقة.. مفردات و عبارات "فلان .. .. كانت عطاءات الاثراء توزع علي المحاسيب من ضعاف العقول و الهمم و الذين بدورهم يستعينون بالاضف فالاضعف، و كانت وظائف الدولة من قمتها الي ادناها توزع بالحصص "كوتات" علي "زعماء" محليين قبليين او شيوخ جماعات دينية.. "استفاد
و كل قائد قبلي "ناظر او عمدة" او ديني "شيخ سجادة" رفض التعامل مع المؤتمر الوطني خلقوا ضده زعيم موازي ينافسه و تدعمه الدولة بالمال و السلطان و الوظائف ليحشد حوله اتباع و موالين من الذين يبحثون عن المنفعة .. كانت وظائف ضباط الامن و الجيش و الشرطة و مناصب السلطة القضائية و العدلية و الدبلوماسية و سائر وظائف الخدمة المدنية توزع بالحصص علي الزعماء الاقليميين، و كانت وفود الاقاليم تتقاطر علي مقر مساعد رئيس الحزب الحاكم "نافع علي" لتأدية فريضة البيعة و الولاء و تحصل بالمقابل علي حصة من المال العام و كوتة من الوظائف. كان التكتيك أن يصبح الفساد ثقافة عامة و أن لا يتصالح الناس معه فقط إنما يشاركوا فيه و لو بجهد المقل!
وصلت "الوقاحة" بالكيزان مبلغ أن اصبحت الدعاية "الشفاهية" الرئيسية لحملتهم في انتخابات ٢٠١٠م (انتخابات نيفاشا أم المعايبر الدولية) هي انهم (سرقوا و شبعوا و اغتنوا فيا ايها الشعب لا تنتخبوا فقيرا و جائعا يسرقكم من جديد بل ابقوا علي اللصوص القدامي) و قد كانت تلك الدعاية فعالة جداً!! مع انه لا لص يكتفي من المال المستباح.
و بعد سقوط نظامهم في ابريل-يونيو ٢٠١٩م بوصمة اللصوصية و السرقة التي تدمغه لم يسعي الكيزان لنفي تلك الوصمة إنما سعوا في تلفيق الشائعات حول فساد السلطة الانتقالية و المكون المدني تحديداً، فالمكون العسكري يعتبرونه حليف، فلفقوا احداث بعضها حقيقي و معظمها ملفق حتي يتساوي الجميع في وصمة اللصوصية تلك فلا تكون النزاهة ميزة لأحد!
الكيزان يحبون أن تشيع فاحشة السرقة و اللصوصية و الفساد في المجتمع حتي يقدموا انفسهم بشكل طبيعي مرة اخري؛ فحذاري أن ينجحوا في مسعاهم كما نجحت دعاية حملتهم لانتخابات ٢٠١٠م.

mido34067@gmail.com
///////////////////////////////

 

آراء