اللقاء الجامع ضرورة لازمة … بقلم: عمر الترابي
alnahlan.new@hotmail.com
بإقتراب موعد الإستفتاء يزداد النشاط السياسي لتدراك الوضع الراهن و رده إلى الرشاد، وتلك خطلا نبه إليها الكثير من المهتمين والمراقبين و أهل الحكمة والدراية، و هذا النشاط مطلوب جداً، ولعل ضيق الوقت أمام الإستقتاء يستوجب علينا أن نجعله "مكثفاً" و " فعّالاً"، و لعل إحدى مفرزات هذا النشاط هو ما راج من عزم على لقاء جامع لكل قيادات السودان للتشاور حول مستقبل الوطن، سُمي بأسماء متعددة "لقاء السبت، لقاء الخميس، اللقاء الجامع.." وغير ذلك، و أياً يكن من أمر فإنه مجمع على أهميته و ضروريته في هذه المرحلة، و ربما ساد وسمه بأنه اللقاء الذي تأخر كثيراً، فهو بحق قد تأخر كثيراً.
فإنه من المعلوم أن نيفاشا "اتفاقية السلام الشامل 2005"، نصت على بنودٍ أفادت بحتمية وضرورة المصالحة الوطنية (ولعلنا نتناولها تفصيلاً في مقال قادم)، ودعت إليها و جعلتها ركنا أصيلاً من أركان التحول نحو الديمقراطية و ركيزة أساسية لإكمال استحقاقات السلام، وكذلك فعلت اتفاقية القاهرة "وهي الأهم"، وغيرهما من الإتفاقيات المبرمة بين الحكومة السودانية وقوى المعارضة، ونظرياً فإن ذلك أولوية مهمة لتثبيت دعائم السلام في المجتمع لذلك فإنا نكبر هذا البند في الإتفاقيات المبرمة.
اللقاء السياسي الجامع سيكون تمهيداً أصيلاً لتحقيق هذه المصالحة وترسيخها، ويليها أمر تقرير المصير الذي ينبغي أن يسبقه تصالخ يهئ لأن تكون خيارات المواطن الجنوبي منعتقة عن ربقة ذكريات الحروب و بغضائها.
ولعل أمر تقرير المصير قد أخذ حقه من التداول في أصله وحجيته وحكمه، ولا ضير في التذكير بأنه طارئ فرضته خيارات الحركة الشعبية و الحكومة السوانية منذ 1992م، "وارتضته مقررات أسمرا سبيلاً للوصول إلى الوحدة"، بعد أن وصل إلى مراحل فرضته كخيار مهم، وجاءت نيفاشا و ما بعدها مقررةً للإستفتاء كخيار وأداة لتنفيذ حق تقرير المصير، وهو أمر يقدره بعض الباحثين أنه إحدى مثالب نيفاشا، ولكن حب الناس للسلام و التنمية وشعارات نيفاشا جعلهم يتقبلون نقائصها على مضض، على أمل أن تتوافر بيئة مواتية لإتمامها، و لذلك فإن ما يُثار من أمر المصالحة الوطنية كإستحقاق يجب أن يسبق "تراتيب" الإستفتاء هو أمر ذي نظر، وله أوجه تقره وتقدره.
أفرزت الأجواء التنافسية التي أزكتها الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، شعوراً بالغبن والظلم فصيّرت الجو السياسي مكفهراً ملبداً بغيوم كثيرة، و أدى ذلك إلى شقاق سياسي كبير، وأعقبته جولات من المناوشات الإعلامية، إلا أن هذا الجو ما لبث إلا وأن هدأ، بعد بروز روح المسؤولية الوطنية المقدرة، و تملك الناس إحساس بالخوف على الوطن و مستقبله.
وبدأت بوادراً للوفاق انسربت عبرها دعوات لتلافي المخاطر المحدقة بوحدة السودان، ومن ذلك النداء البنّاء والواعي الذي أطلقه الناطق الرسمي بإسم الحزب الإتحادي الديمقراطي ومرشحه للرئاسة الأستاذ حاتم السر علي المحامي، الذي أعلن غير مرة أنه وحزبه يمدان الأيادي لكل من يريد أن يُحقق وحدة السودان، وأنه مستعد في هذا الصدد للتعاون مع أي أحد، أعقب ذلك تحركات مكوكية لمولانا السيد محمد عثمان الميرغني الزعيم الإتحادي والديني الكبير، التزم فيها خطاً وفاقياً واضحاً، وكان يردد خلالها أن لا أولوية في الوقت الحالي إلا لوحدة السودان ولا عمل إلا العمل لتحقيقها، وأعاد طرح مبادرته للوفاق الوطني بإعتبارها النافذة التي يُمكن من خلالها حلحلة المشاكل السودانية وتخطى العقبات بنجاح بشرط الجلوس إلى مائدة الحوار، ومن تلك المشاكل أمر الإستفتاء الذي يظن انه أداة لـ "تحقيق وحدة السودان وتأكيدها"، ذلك بإعتباره ذي سبق في هذا الصدد متمثل في اتفاقية السلام السودانية (الميرغني-قرنق) المبرمة في 11، نوفمير 1988م.
كانت أبرز محطات الدعوة أعقب ذلك دعوة وجهها -مشكوراً- السيد رئيس الجمهورية، للقاء جامع، و لكن تعذر قيامه لأسباب عزاها البعض إلى انعدام التخطيط المناسب له، و بعد الدعوة الأولى تجددت الدعوة لملتقى تشاوري لم يجد الإتحادي بُداً من المشاركة فيه، بوفد ترأسه الحكيم الأستاذ طه علي البشير وألقى كلمة بإسم الحزب ورئيسه.
و لكن اللقاء لم يكن جامعاً، فقد قاطعته بعض القوى السياسية الفاعلة، و لها تحفظاتها، و بالرغم من دنو موعد الإستفتاء واحتدام الأمر فيه، إلا أنه وإلى الآن لا تزال الآراء تتجاذب في النظر إليه، ولكن أيّاً يكن من أمر فإنه لا بد الآن من تجاوز العقبات أمام الإجتماع أو اللقاء، أياً كان مكانه ومقامه وموعد في القصر الرئاسي أو أي دار من دور الأحزاب، فالأمر لا يحتمل تأجيلاً ولا تأخير، و أخشى ما أخشاه أن يعول الناس على مجرد اللقاء، فالذي تنساق إليه العقول الآن أن تحدي الإستفتاء سينتهي بحدوث اللقاء، وهذا لا يستقيم، فإننا اليوم بحاجة للقاء في أي دار لضبط توجه عام نحو الوحدة، فالإتحادي اليوم يرى الوحدة ويرفض سواها، والأمة يتمناها و الوطني يقول بها و الشعبي يرجوها و الشيوعي يتمسلك بها والشعبية لا ترفضها و غيرهن من التيارات، وهذا في مجموعه مبشر ولكن مالم يتبلور لرأي واحد ورؤية موحدة تستخلص عبر ملتقى جامع فإنها لن "تكون"، ولن تعدوا طروساً تثبت وتزال.
إن حاجتنا إلى اللقاء الجامع اليوم بلا مشارطات و لا مقدمات، هي حاجتنا لتجريب الحوار ، حاجتنا لتجريب النقد البناء في مكانه، هي حاجتنا لأن يسمع الشريكان من المجموعة السياسية، لن تحل الأمور إلا بالحوار المستفيض، ولن تحل من لقاء سبت واحد أو خميس واحد ولا حتى من لقاء جامع واحد، ولكن اللقاء سيعيد المنظومة السياسية إلى الطريق السليم، وهو ما سيغري الوحدة لو وجد التسويق السليم، فهو سيغري كل القوى حتى الحركات الدارفورية للمشاركة فيه إن جاء صادقاً وبنّاءً، ولكن فلنكن على دراية ومن الآن أن مجرد اللقاء لن يكون إنجازاً ولكنه استحقاق يجب أن يقدمه الساسة للشعب، ليقولوا نحن نسعى ونحاول، نحن نتحاور ، نحن نطرق أبواب الخبراء لنستشيرهم نحن نصوغ آراءنا في قوالب العلم و نأخذ بالمتغيرات، اللقاء سيكون بداية، وشوقنا إليه يجب أن يتصل، وكما يقول ابن عربي "كل شوق ينتهي باللقاء لا يعول عليه".
ربما يبدو التحدي أمام قيام الإستفتاء في موعده عظيماً، و ربما تبدو التحديات أمام وحدة السودان كبيرة، ولكن من يدري، فلعل ما يصيبنا من كوارث الطبيعة يكون داعياً للوحدة و باباً للدخول إليها، ربما نكون بحاجة حقيقية للنظر في أدبياتنا السياسية وترقيتها، فالإستفتاء برغم تحفظنا عليه، إلا أننا نوده تحدياً لإثبات وحدة السودان وتقريرها، و يجب على المنظومة الحاكمة أن تعي أنها مطالبة بأن تسمع من الجميع رؤواهم و حلولهم وتشاورهم.الأحزاب ليست مطالبة أن تخرج من ثيابها لتلبس جلباباً أوسع لترضي أحداً، ولكنها مطالبة "بتوسعة المواعين" وبمد حبال الصبر وإحياء خليقة التسامح، ومنسوبوها لا يُطالبون بإرتداء ثوب جديد، ولكنهم معنيين بالضرورة بمراعاة المصلحة الوطنية المرحلية، وإعلاءها في الخطاب، على حساب كل ما يمكن الخوض فيه في غير هذا الوقت الدقيق من التاريخ.
يجب أن نعلم: أن الإنفصال لا يطلب لذاته و الوحدة لا تطلب لذاتها، فإنما يُطلبان لتحقيق طموحات المواطن من أمن وأمان وتنمية وعمار، فإذا حل الإنفصال أو حلت الوحدة ونحن فيما نحن فيه من مشاكسة، فلا أحد يعلم إلى أين سيكون المصير.
نشر بصحيفة الصحافة بتاريخ: 6-سبتمبر-2010 العدد:6162 الراي36