المحبوب عبد السلام في دائرة الضُّو وخيوط الظلام: قراءة نقدية ونقضية
-1-
سجل الدكتور طه حسين، في الجزء الثالث من سيرته الذاتية، لمحات من لقاء ضمه بالزعيم المصري سعد زغلول، جرى فيه ذكر الكتابة التاريخية، وإمكان تحري الدقة في تسجيل أحداث التاريخ.
مهد طه حسين لذلك فقال إن سعدا كان صاحب دين عليه، يوم قدم أطروحته المهرطقة (في الشعر الجاهلي).
فعندما اقترح نائب بالبرلمان، أن تقطع الحكومة المصرية إعانتها عن جامعة القاهرة، لأنها أخرجت للمجتمع مثل هذا الفتى الملحد، رد سعد زغلول، وكان رئيس البرلمان، قائلا إنه سيقبل هذا الاقتراح، ولكنه سيقدم اقتراحا آخر بقطع المعونة عن الأزهر الشريف، لأن الأزهر أخرج هذا الفتى المهرطق إلى الناس قبل أن تخرجه إليهم جامعة القاهرة.
وهنا حار النائب وانتهى به الأمر بسحب اقتراحه ضد الجامعة المصرية.
ثم طلب الأستاذ أحمد لطفي السيد، مدير الجامعة، من الدكتور طه حسين أن يتوجه لزيارة سعد زغلول وشكره، فاستحيا وتهيب، ولم يلق سعدا إلا بعد أعوام، في باريس، فشكر له تلك العارفة، وأثنى على جهده الخصب في خدمة الشعب.
سمع منه سعد ذلك ثم أجابه في فتور وضيق قائلا إن جهده وجهد الشعب لن يغني عن الوطن شيئا.
وقال سعد الذي جاء إلى باريس للمشاركة في مؤتمر الصلح بعد الحرب العالمية الأولى مخاطبا طه حسين:
ألا ترى إلى كل هذه الأبواب التي غلقت من دوننا؟ وها نحن أولاء قد وصلنا إلى باريس، فقطعت علينا الطريق إلى مؤتمر الصلح وألقيت الحجب الكثاف بيننا وبين ممثلي الدول المشتركة فيه؟
قال الفتى: ولكن هذه الجهود توقظ الشعب، وتنبهه لحقه، وتدفعه إلى المطالبة به والجهاد في سبيله.
قال سعد محولا الحديث عن مجراه: ماذا تدرس في باريس؟
قال الفتى: أدرس التاريخ.
قال سعد: أومؤمن أنت بصدق التاريخ؟
قال الفتى: نعم إذا أحسن البحث عنه والاستقصاء له، وتخليصه من الشائبات.
قال سعد: أما أنا فيكفي أن أرى هذا التضليل، وهذه الأكاذيب، التي تنشرها الصحف في أقطار الأرض، ويقبلها الناس في غير تثبت ولا تمحيص، لأقطع بألا سبيل إلى تصفية التاريخ من الشائبات.
وانظر إلى ما ينشر عنا في مصر وفي باريس، وحدثني كيف يمكن أن تستخلص منه التاريخ الصحيح.
طاف بذهني كلام سعد هذا عن إزجاء الأضاليل، وبثها في طيات الأحداث التاريخية القريبة، ومزجها بالأكاذيب المتهافتة، عندما فرغت من قراءة كتاب الأخ الأستاذ المحبوب عبد السلام، عن أحداث لم تمر عليها غير عشر سنوات، فإذا به يحرف فيها ما يشاء، ويحور ما يشاء، ويزين ما يشاء، ويشين ما يشاء، ويزج فيها من أهواء النفس الجبارة، ما لا يكبح جماحه لجام من تقوى، أو أَثارة من احترام لعلم التاريخ.
ولقد كنت أمني نفسي قبل أن أشرع في قراءة كتاب الأخ المحبوب هذا الذي حمل عنوان (الحركة الإسلاَمية السودانية: دائرة الضُّوء .. خيوط الظلاَم: تأمُّلاتٍ في العَشْريَّة الأولى لثورَةِ الإنقاذ) بقراءة سفر تاريخي ثرٍّ نفيس يضاهي كتاب المؤرخ الشيوعي اليهودي إسحق دويتشر، عن رفيقه المناضل والمنظر الشيوعي اليهودي ليو تروتسكي.
فقد أوفاه في ثلاثيته تلك المرجعية المتوازنة حقه كاملا عن غير مبالغة أو تزيد، ومن دون أن يسبغ عليه قداسة أو يحميه من سهام النقد، ومن غير أن يتنقص خصومه أو يبهتهم أو يزدريهم.
ولا مراء أن المحبوب بثقافته العريضة، ونظرته الكبيرة للأمور، وتجربته الطويلة في العمل الذي ارتضاه لنفسه مجرد(كويتب تنظيمي) يسجل محاضر المداولات السرية، لاجتماعات قادة الحركة الإسلامية، غضون الدهر الذي غبر، كان حريا أن ينتج كتابا تسجيليا تاريخيا ثريا ذكيا نزيها، أفضل من تهافته هذا المتهافت الذي سجله في تشويه صفحات تاريخٍ ناصعٍ لمَّا تحتوي أكثر صانعيه بعد القبور.
(وفي الحلقة التالية نفحص - بإذن الله تعالى - الخصائص العامة لكتاب المحبوب، قبل نشرع في تمزيقه نتفا ومزقا، لنحلله تحليلا. ونسأل الله تعالى العون والتوفيق)
-2-
قبل أن ننخرط في تمزيق كتاب الأستاذ المحبوب عبد السلام عن (الحركة الإسلاَمية السودانية: دائرة الضُّوء .. خيوط الظلاَم) إلى نتف ومزق، نسبر غورها تفصيليا، يجمل بنا أن نعمد إلى إلقاء نظرة عامة إلى محتوياته، ونصف منهجه العام.
ونجمل ذلك في النقاط التالية:
(1) انطلقت رؤية الكاتب من منظور متسع، فاستوعب قضايا عديدة عن من التنظيم الإسلامي، والنظام السياسي،والحُكم الاتحادي, والجنوب, والجهاد، والجيش، والاقتصاد، والسياسة الخارجية، وغير ذلك مما اشتبك بذلك.
ومهد الكاتب لهذه الفصول بفصلين طويلين، خارجين عن نطاق العشرية موضوع البحث، أفاض فيهما بالحديث عن تاريخ الحركة الإسلامية، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حملا عنواني: (المصالحة الوطنية) و(الجبهة الإسلامية القومية) .
وإذا كان الكاتب قد ظن أن اتساع موضوعات كتابه أمر سلبي، فقال:" عيبٌ آخر من عيوب هذا الكتاب الكثيرة، هو سعة مساحة البحث التي يتناول مواضيعها ". فإنا نرى أمرا إيجابيا، يشير إلى اتساع أفق المؤلف، وشمولية نظرته إلى حد كبير، ويشي بعمق وعيه بالوشائج التي تربط بين القضايا السياسية المختلفة.
ويمكن أن نقرر بغير تحفظ أن اتصاف كتاب بهذه الصفة يجعله أشمل مرجع تناول هذه العشرية من تاريخ السودان الحديث.
ويمكن بالتالي أن يتخذ مرجعا أوليا لمن يحاولون الكتابة مجددا في تاريخ هذه الفترة المتوترة من تاريخ بلادنا، حيث وضع المؤلف مادة كبيرة في يد المؤرخين.
وليس ضروريا بالطبع أن يقبل المؤرخون الجدد مادة الكتاب على علاتها، وإنما يمكن أن يبنوا عليها وإن هدموا بعضها.
(2) والمنهج الذي اقتفاه الكاتب هو المنهج التاريخي التحليلي، وهما في الحقيقة منهجان، لكن يمكن اتباعهما معا.
الأول يقوم على وصف الحوداث التاريخية مرتبة ترتيبا زمنيا أو موضوعيا، أخذا عن المشاهدات العيانية أو الوثائق النصية.
والثاني يقوم على تفكيك الحوادث التاريخية للنظر إليها من داخلها، والتعرف على العوامل التي أنتجتها، وتحديد آثارها في مسار التاريخ.
وقد أخطأ الكاتب عندما سمى منهجه بأنه: "منهج تأملي نقدي ". فلا يوجد في مناهج البحث العلمي الاجتماعي والإنساني ما يسمى تخصيصا بالمنهج التأملي النقدي، لأن كل مناهج البحث هي كذلك، ثم تتمايز بعد ذلك.
(3) اتسمت كثير من نظرات المؤلف بالطابع الذاتي، وهذه صفة سلبية لكتابه.
ولا يشكل إطلاقنا لهذه الصفة على الكتاب تعارضا مع الصفة التي أسبغناها عليه سابقا.
فاتساع النظر المعرفي يمكن أن يصطبغ في بعض الأحيان بالتحيز العاطفي، فيرى المؤلف أشياء متعددة، متشعبة، متكاثرة. ولكنه لا يراها على حقيقتها، وإنما يراها كما يحب أن يراها، أو كما يريد أن يراها.
وكثيرون ممن سجلوا صفحات من تاريخ الفترات المتأزمة من تاريخ بلادنا، فعلوا الشيئ نفسه، فتورطوا في التحيز الذي شان كتاباتهم.
ويمكن النظر في أمثلة هذا إلى كتابات مؤرخين كبار اتسموا بالنظر الواسع، والاقتدار على التسجيل الجزيل، ولكن شابت كتاباتهم تحيزاتهم القوية لبعض أطراف الصراع، كما فعل نعوم شقير في كتابه (تاريخ وجغرافية السودان)، وكما فعل سلاطين باشا في كتابه (السيف والنار)، وكما فعل إبراهيم فوزي في كتابه (السودان بين يدي كتشنر وغردون).
(4) حرر الكتاب بلغة فصيحة عالية، فجاء في مستوى أسمى مما يكتب أكثر الكتاب العرب في هذه الأيام، حيث استخدم المؤلف لغة صافية خلت من التواءات الهجنة ورواسب الترجمة.
وقد احتذى المؤلف قاموس الترابي اللغوي، وصيغه الصرفية، واقتبس الكثير من مفرداته التي تفرد بها عن بقية الكتاب، ورغب في تركيب العبارات على طرازه، ولاسيما في الطريقة التي حرر بها كتابه الأخير (السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع).
ولكن يظل الفارق بين لغة حسن الترابي ولغة المحبوب عبد السلام بينا، كما هو الفارق بين الكحل الطبيعي والتكحل المصطنع.
وهذا الفارق يمكن إجماله في ميل الترابي إلى الاقتصاد في التعبير، وإحكام اللفظ وضبطه بقدر المعنى، وميل المجبوب إلى الاسترسال، والإسهاب في إيضاح ما لا يحتاج إلى إيضاح من البدهيات، والتطويل في إيراد التوطئات غير اللازمة.
وقد أثار اطلاعنا على كتاب المحبوب هذا بعض الريب والاشتباه في أن يكون هو الذي قام بتحرير كتاب الترابي (السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع) الذي قرأناه قبل سنوات، وساءنا ما حشي به من إطالات وإيضاحات غير معهودة في كتابات الترابي القديمة، الأمر الذي أحاله إلى نمط الكتابات الأكاديمية الباردة، وأبعده عن نهج الأدبيات الفكرية الإحيائية النهضوية.
-2-
كان يستحب من المحبوب عبد السلام، الذي كان في سالف دهره يحب قضايا الفكر والتجديد، ويجيد الحديث فيها، أن يكرس لها مكانا كافيا، ويتحدث عنها حديثا وافيا، في طوايا كتابه الكبير، الذي رصده لتقويم إنجازات العشرية الأولى من عمر دولة الإنقاذ، وهو الكتاب الذي أعطاه عنوان (الحَرَكَة الإسْلاَمِيَّة السُّودَانِيَّة: دائرةُ الضّوء.. خُيُوط الظَلاَم .. تأمُّلاتٍ في العَشْريَّة الأولى لثورَةِ الإنقاذ).
ولكنه للأسف لم يفعل شيئا من ذلك ذا بال.
وعوضا عن ذلك دلف يكثف القول، ويدلسه، في أحاديث الصراع السياسي، وخطط الاقتصاد، ومعارك الجهاد.
وجاء ذلك على حساب الفكر الذي كان هوايته، وصنعته الأثيرة، التي أجادها وامتاز بها، واستبسل في ماضيه العتيق في الدفاع عنها، وذلك إلى أن أقنعه حسن الترابي بقلة أهميتها، وضآلة أثرها في الحياة، فانقلب زارياً عليها، مماريا مع السياسيين، ومتماهيا معهم في الترهات.
لم يجد المحبوب عبد السلام مكانا للفكر في عشرية دولة الإنقاذ الأولى، التي أدارها شيخه حسن الترابي.
واضطر إلى أن يحصر حديثه عن التجديد الفكري في فصل أولي، وطأ به للكتاب، ومنحه عنوان (هُدْنَة المُصَالَحَة الوَطَنِيَّة)، التي بدأت في يوليو من عام 1977م، وانتهى أمدها في إبريل من عام 1984م، أي قبل نحو خمسة أعوام من قيام ما سمي بثورة الإنقاذ الوطني.
نقل الحركة الإسلامية من ابن القيم إلى أبي نواس:
والمحبوب عبد السلام شخص مثقف، شديد التعلق باليسار الثقافي الحداثي، وهي صفة كنا نلمحها فيه قديما، وننتقده عليها بشدة لا تترفق.
وهي صفة شاء أن يكشفها للناس كافة في مطلع كتابه هذا، بأبشع طالع، وذلك في مجموعة الأشعار والعبارات التي استشهد بها من نظم الشيوعيين المشهورين من أمثال عضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي، محمود درويش، وعضو الحزب الشيوعي العراقي، بدر شاكر السياب، وعضو الحزب الشيوعي السوداني، محجوب شريف، وعضو الحزب الشيوعي التشيلي بابلو نيرودا.
ومن أمثال اليساريين أصحاب الوجوه المتعددة كمحمد الفيتوري، وعلي شريعتي.
ولم ينس أن يدس بين أشعار هؤلاء وعباراتهم مختارات من مستنقعات الشاعرين الشاذين الخليعين: الحسن ابن هانئ أبي نواس وأوسكار وايلد، سميري التقدميين الحداثيين ورائديهم الأثيرين.
ولم يجد الكاتب الإسلامي السابق المحبوب عبد السلام عبارة واحدة يقبسها من شاعر، أو أديب، أو واعظ ، أو حكيم، مسلم، رغم أنه كان - فيما يبدو - بسبيل تقديم النصح والزجر للإسلاميين السودانيين الذين خاصمهم وخاصموه أشد الخصام.
لم يجد المحبوب عبد السلام زهرة واحدة يقتطفها من شعر جلال الدين الرومي، أو عبرة يجتنيها من عبد الرحمن بن خلدون، أو درة يستعيرها من حكم ابن الجوزي، أو موعظة يسوقها من مواجد ابن قيم الجوزية، أو لُمعة يعكسها من فلسفة محمد إقبال، أو لذعة يصلي الناس بحرها من حُمَم مصطفى صادق الرافعي.
ولذا لجأ إلى مارستان اليسار يأخذ منه، بلا تحرج، ما يعبر به عن خوالجه، وشعوره المضني بالقنوط واليأس، بعد انقسام الإسلاميين الذي أسهم في تسعير ناره وتهييج أُواره.
ولا نجد ما نصف به لجوء المحبوب إلى تمثُّل أدب اليسار وفكره، إلا علة التفسخ الفكري والنفسي، وداء التفرنج، والتقدمية الزائفة، التي حدت به لعرض كتابه في هذا الزي الأدبي المنتحل غير الأصيل.
تعريف المحبوب القاصر للسلفية:
ثم أحب المحبوب بعد ذلك أن يستفتح حديثه عن التجديد الفكري بذم الفكر السلفي، وذلك في تصويره لمنتهى نجاحات حركة التجديد في الحركة الإسلامية السودانية على أنها خلصت الحركة من التعلق بفكر السلف، فقال:
" مهما اشتدَّت موجة السلفيَّة على الحركة الطلابيَّة الإسلاميَّة في أوَّل السبعين وبين يديّ ثورة شعبان 1973م، فقد تخرَّج من المُعتقل المُتطاوِل أفذاذٌ حملوا ثقافة الانفتاح على العصر، وشَهِدَت المُصالحة الوطنيَّة ملامح جيلٍ جديدٍ في الحركة الإسلاميَّة كأن قد مضت الريادة الفكريَّة عبر أجيالٍ لتُسلَّم إليهم، جيل جَيِّدُ الإطلاع على الأصُول لكنه مُستوعِبٌ لرُوح العصر مُدركٌ لتحدياته ".
فكأنه أراد أن يقول إن التعلق بفكر السلف حجاب يحول بين المرء وبين معرفة ما يدور في الحياة العصرية الحديثة.
وهذا استنتاج ساذج متولد من مقدمة فاسدة قاصرة.
فهل كان السلفيون جميعا قاصرين عن إدراك تطورات الحياة المعاصرة؟
هل كان الإمام الرائد محمد عبده كذلك؟ وهل كان الإمام الرائد محمد رشيد رضا كذلك، وهل كان الإمام الرائد عبد الحميد بن باديس كذلك؟ وهل كان الإمام الرائد شكيب أرسلان كذلك؟ وهل كان الإمام الرائد حسن البنا كذلك، وهل كان الإمام الرائد مالك بن نبي كذلك؟!
إن هؤلاء جميعهم سلفيون صميمون، وكان كل منهم يقر بسلفيته، ولا ينكرها، ومع ذلك لم يعرف عن أي منهم جمود، أو تنكب في دروب الحياة، أو انحجاب عن روح العصر الحديث.
فلماذا يوصم سلفيو الحركة الإسلامية السودانية وحدهم بالجمود؟
ولماذا هذا الإصرار العامي، البدائي، المتعسف، على المقابلة بينهم وبين عناصر الثقافة والتجديد؟!
والمحبوب لم يكن ليجرؤ على التفوه بهذا القول من قبل، ولم يتهور في التصريح به إلا بعد أن تفاصلت الصفوف، وانحازت عناصر الأصالة وجماعات التعلق بالتراث إلى الطرف الآخر الذي لا يقف فيه المحبوب.
ولم يتطوح المحبوب في الإدلاء بهذا التصريح، إلا بعد أن تدهور حسن الترابي في إصدار تصورات وآراء دينية مباينة لنهج الصواب، ومخالفة أشد المخالفة لفكر السلف، فآثر المحبوب أن يأتم به، ويمضي على خطه في شجب فكر الأصالة على الجملة والتفصيل.
أكُلُّ هذا من أجل المزامير؟
ويا ترى في سبيل أي شيئ أقام المحبوب عبد السلام هذه المفارقة، والمناكرة، والمناجزة، والمفاصلة، بين حركة التجديد والتوجه السلفي في الحركة الإسلامية السودانية؟
جوابه يقول إنه ليس لغير قضايا الفن والمزامير والتماثيل، وهي القضايا التي ظنها أهم قضايا العصر، وأبرز تحدياته، وأقواها.
واسمع إليه يستأنف حديثه بلا انقطاع فيقول:
" فشَهِدَت الجامعات المحاضرات والمُنتديات والصُحُف التي عبَّرت عن كل ذلك، كما شَهِدَت فرق التمثيل والدراما، نَفَذَ إليها أعضاءٌ ملتزمون مدُّوا تجربتهم من داخل أسوار السجن إلى خشبة المسرح الحرَّة، فظهرت صورةٌ للأخ المُسلم مُبايِنَة للصُورة النمطيَّة التقليديَّة ".
هذا وكأنما ولج الإسلاميون السجن من أجل هذه القضايا، على وجه التحديد.
أو لكأنما كانت إجادة التمثيل هي خير ما ناله الإسلاميون من بركات السجن، الذي حفظوا فيه القرآن الكريم، ودرسوا فيه التفسير وأصوله، والفقه وأصوله، وتدبروا فيه دروس مقدمة تاريخ ابن خلدون.
إن هذا هو الاستنتاج الصحيح في تقويم تجربة السجن الثقافية في السبعينيات.
وأما قال المحبوب في مسألة التجديد الفكري، فكله هزل في هزل، وجله خطل في خطل.
وكل ذلك نابع من أن تعريفه للسلفية خاطئ جدا، ومبتسر جدا.
وأن تعريفه للتجديد الفكري، وتحديده لأولوياته، ضال جدا، ومضر جدا بحركة التجديد.
(وفي الحلقة القادمة نواصل القول في موضوع التجديد في عشرية الإنقاذ الأولى بإذن الله).
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]