المُدِين المُعْسِر لا يبقى في الحبس إلى حين السداد بموجب القانون الساري

 


 

 

 


تعالت بعض الأصوات في الآونة الأخيرة مطالبة بتعديل أو الغاء نص القانون الذي يسمح للمحكمة بحبس المدين المحكوم عليه إلى حين سداد الدين المحكوم به زاعمين ان ذلك مخالف لحقوق الإنسان وللشريعة الإسلامية. ويبدو لي ان أصحاب هذه الدعوة غير مطلعين بما يكفي على القانون وما جرى ويجري به العمل بالمحاكم في هذا الشأن.
وذلك أنه بموجب القانون الساري والمعمول به إن المدين المحكوم عليه بسداد مبلغ الدين إذا اثبت إعساره للمحكمة فيجب أن يطلق القاضي سراحه فورا ولا يبقى في السجن إلى حين السداد حيث تنص المادة 243 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983 على الآتي:
"مع مراعاة احكام المادة 244 متى كان الحكم متعلقا بالوفاء بدين أو يقضي بسداد مال فيجب القبض على المدين وحبسه حتى تمام الوفاء".
النص يقول مع مراعاة احكام المادة 244 فماذا يقول نص المادة 244؟ يقول الآتي:
"اذا حبس المدين وفاء لحكم فلا يطلق سراحه إلا :
"أ" إذا دفع المبلغ المحكوم به أو
"ب" إذا حصل الوفاء بالحكم الصادر ضده بأية طريقة أخرى قبلها المحكوم له أو
"ج" إذا تنازل المحكوم له كتابة وبحضور شهود عند الحكم أو
"د" إذا ثبت ببينة كافية إعسار المدين.
الفقرة "د" من هذه المادة جاءت صريحة وقاطعة أنه "إذا ثبت ببينة كافية إعسار المدين" فيجب أن يطلق سراحه ولا يبقى في الحبس إلى حين السداد أي لا تطبق في حقه أحكام المادة 243 من القانون.
ويكون إثبات الإعسار بعريضة تقدم إلى قاضي التنفيذ مشفوعة بشهادة فقر من اللجنة الشعبية للحي تفيد بأن المدين لا يملك شيئا لمقابلة الوفاء بالدين وفي جلسة نظر العريضة يطلب منه القاضي إحضار شاهدين يشهدوا على اليمين بان المدين معسر ولا يملك ما يمكن أن سدد به الدين. ولا يعد المدين معسرا إلا إذا ثبت إعساره لدى المحكمة على هذا النحو.
على أن إطلاق سراح المدين بسبب الإعسار لا يترتب عليه سقوط الدين المحكوم به. فاذا انصلح حاله المالي والمادي في أي وقت فيجب عليه أن يسارع إلى سداد الدين وإلا فانه من حق صاحب الدين أن يطلب من المحكمة القبض عليه مرة أخرى وحبسه إلى حين السداد. وذلك بمقتضى نص الفقرة (2) من المادة 244 والتي تُقرأ:
"إذا أطلق سراح المدين بعد ثبوت إعساره تطبيقا لحكم الفقرة "د" فيجوز إعادة القبض عليه وحبسه متى ثبت للمحكمة انه اصبح قادرا على الوفاء بالحكم ما لم يكن الوفاء قد تم باية وسيلة اخرى من وسائل تنفيذ الأحكام".
هذا، ومن المعلوم أنه في القضايا المدنية أن المحكوم عليه بسداد دين لا يقبض عليه بمجرد صدور الحكم بل يظل حرا طليقا بعد صدور الحكم لفترة من الزمن إلى حين أن يقوم المحكوم له برفع دعوى بتنفيذ الحكم وإعلان المدين بذلك وبعد فتح دعوى التنفيذ لا تلجا المحكمة الى حبس المدين ابتداء بل تقوم بالحجز على أمواله الظاهرة مثل حساباته البنكية وسياراته وعقاراته إن وجدت وذلك في حدود المبلغ المحكوم به. ولا تلجا المحكمة إلى القبض على المحكوم عليه وحسبه إلا إذا ماطل في السداد ولم تكن له أموال ظاهرة للحجز عليها، فعنئذ يحبس إلى حين السداد ولكن إذا أثبت في أي وقت أنه معسر بأدلة كافية فيجب على القاضي إطلاق سراحه فورا كما سبق البيان.
كذلك قبل الأمر بحبس المدين له حق المطالبة بمهلة مناسبة للسداد. كما يجوز له أن يطلب تقسيط المبلغ المحكوم به. وبذلك قضت المادة 292 من القانون:
"(1) يجوز للمحكمة المنفذة بناء على طلب المحكوم عليه وبموافقة المحكوم له ان تأمر بدفع المبلغ المحكوم به على أقساط كما يجوز لها ان تشترط اية شروط تراها مناسبة (2) إذا فشل المحكوم عليه في تنفيذ الأمر فعلى المحكمة ان تلغي امر الدفع بالأقساط".
إن إجراءات تنفيذ الأحكام المدنية المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية السوداني بما في ذلك حبس المدين وإطلاق سراح المدين المعسر وتقسيط الدين وغيرها من تدابير، عمرها أكثر من مائة سنة في السودان ومعمول بها في كل دول العالم وتتوافق مع مباديء العدالة والإنصاف وحقوق الإنسان ومع مباديء الشريعة الإسلامية. فإطلاق سراح المدين الذي ثبت إعساره يتوافق مع قوله تعالى في سورة البقرة: "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة". الاية-280.
وبعد، لا شك أن أعداد المدينيين المحبوسين إلى حين السداد تزايدت تزايدا مقلقا وأغلب هذه الحالات بمتعلقة بالتمويل المصرفي ولذلك نرى أن المشكلة ليس في القانون وإنما في إصلاح سياسات التمويل المصرفي. فالبنوك عادة تغري عملائها بشتى سبل الإغراء بالإستدانة ولكن عند السداد لا تجامل وتطبق أقسى الطرق الممكنة لتحصيل مستحقاتها. وعلى الدولة التحرك بالتنسيق مع البنوك لإيجاد حلول لقضايا المتخلفين عن السداد في دعاوى التمويل المصرفي.


abusara21@gmail.com

 

آراء