الهروب إلى الأمام .. في أزمة سد النهضة !

 


 

 

 

مرات عديدة، أثار هذا (العمود) الخلافات بين دول حوض النيل الشرقي بسبب سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، في نقطة تبعد خمسة عشر ميلاً من الحدود السودانية، ليكون عند اكتمال بنائه أعلى سد في القارة الإفريقية، وأكثرها توليداً للطاقة الكهربائية، وأكبرها بحيرة تخزينية (72 مليار متر مكعب من المياه).

وتعتبر إثيوبيا هذا السد - الذي يضاعف الطاقة المولدة في أرضها - هو أساس مرتكز التنمية في دولتها، بل إن رئيس الوزراء الإثيوبي وصف إنشاء هذا السد بأنه (مسألة حياة أو موت) بالنسبة لإثيوبيا،

ومن العجب أن هذا هو المصطلح نفسه الذي استعمله الرئيس المصري، ليصف تهديدات هذا السد لنصيب مصر من مياه النيل، إذ اعتبر أن أي تفريط في نصيب مصر الحالي من مياه النيل هو تهديد لأمنها القومي، وهو (مسألة حياة أو موت) بالنسبة لمصر.

لا غرابة إذاً أن يظل الخلاف بين مصر وإثيوبيا – والسودان - قائماً ومستعصياً على الحلول، رغم أن الموضوع بحث أكثر من مرة على مستوى القمة بين الدول الثلاث، وفي كل مرة كان الرؤساء الثلاثة يتبادلون الابتسامات والتصريحات الدبلوماسية المتفائلة، ويوقعون وثائق -صاغها الدبلوماسيون بعناية فائقة، وبألفاظ منمقة - لا تقول شيئاً كثيراً، رغم أجواء التفاؤل المحيطة بإعلانها،

ومع تداعيات الأحداث واللقاءات، كانت الأزمة القائمة حول هذا السد وصلت ذروتها، واستحقت أن تكون الموضوع الأهم في اللقاءات الجانبية التي تنعقد بين رؤساء الدول الثلاث أثناء القمة الإفريقية التي انعقدت هذا الأسبوع بالعاصمة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فكان الاجتماع الثلاثي - الذي ضم رؤساء مصر وإثيوبيا والسودان - مكان متابعة لصيقة من الإعلام العالمي، الذي يريد أن يعلم ما هي الحلول التي توصل لها الرؤساء الثلاثة في قضايا خلافية محددة، وعلى رأسها:

• مقترح مصري بإدخال طرف ثالث محايد في المحادثات الفنية حول سد النهضة، وذلك الطرف الثالث هو (البنك الدولي)، الذي تثق مصر في حيدته، وبتجربته في أمور الأنهار التي تتعايش على شواطئها دول شتى.

• الأخذ برؤية مصر في مطالبة اللجنة الفنية الدولية المكلفة بدراسة الآثار الجانبية المحتملة للسد بتوسيع دائرة دراساتها، لتشمل قضايا تراها مصر لازمة ومهمة، لكن الفنيين من السودان وإثيوبيا لا يتفقون معها حول هذه التحفظات التي أبدتها على التقرير الأولي للجنة الفنية، ما أدى لتجميد الموقف.

• مصر تحس بقلق بالغ من أن سداً بهذا الحجم وبهذا القدر من التخزين في بحيرته لا بد أن يؤثر سلباً على نصيبها الحالي من المياه، وهي تريد تأكيداً على أن نصيبها لن يتأثر.

• مصر تطلب التريث في بناء الخزان، حتى يأتي تقرير الخبراء الدوليين، لتكون هناك فرصة لأي تعديلات - على الأقل في برنامج تشغيل الخزان - درءاً للمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها مصر. والإعلام الذي يعلم أن هناك خلافات بين الدول الثلاث حول كل هذه النقاط، كان يتطلع إلى أن يسمع أن القمة حسمت الخلافات، وتوصلت إلى حلول محددة، تعلن فور انتهاء الاجتماعات،

لكن القمة الثلاثية لم تحقق لهم ذلك الأمل، واكتفى الرؤساء الثلاثة بتصريح (متفائل) على لسان الرئيس المصري، يؤكد أنه ليست هناك أزمة، (واطمئنوا) لأن كل شيء على ما يرام، وأن الدول الثلاث يد واحدة، ولن يصيب أي دولة من الدول الثلاث أي ضرر، والتعاون الثلاثي سيدعم الجميع، والفنيون تلقوا توجيهات رئاسية بأن يعالجوا كل النقاط الخلافية، ويصلوا إلى موقف توافقي، ويرفعوا تقريرهم خلال شهر واحد للرؤساء الثلاثة،

وقد يقول قائل: (خمر قديمة في قنان جديدة)، ولن يكون حديثه بعيداً عن الحقيقة.

الواضح أن المقترح المصري بإدخال البنك الدولي في المعادلة لم يجد أي تأييد من السودان وإثيوبيا، وبالتالي، لم يعد جزءاً من (الحل)، ومن جانب آخر، أكدت إثيوبيا لمصر أن إثيوبيا ملتزمة بألا يلحق السد ضرراً محسوساً بمصر، ولا بنصيبها من مياه النيل، وأن دراسة الخبراء الدوليين لو أثبتت وجود أي خلل جانبي، فهم ملتزمون بعلاجه،

ولكي لا يحدث تأخير، فإن اللجنة الثلاثية الفنية التي كونوها - والتي تضم وزارات الخارجية والري في الدول الثلاث - مطالبة بتذليل كل العقبات خلال شهر واحد، وترفع تقريراً للرؤساء الثلاثة.

ويمكن أن نجزم سلفاً أن الشهر سيمر، وأن الأزمة ستظل باقية ما لم تتحرك الدول الثلاث تجاه الوصول إلى قرارات عملية، وشراكة حقيقية في وضع وتنفيذ طريقة تشغيل الخزان، وتحديد الفترة الزمنية المطلوبة لملء بحيرته، بحيث لا تؤثر على أنصبة دول أسفل الحوض، ومعالجة القضايا الفنية الأخرى،

هذه هي الطريقة العملية الوحيدة للتصدي لهذه الأزمة المستفحلة،

وأي أسلوب آخر لن يحقق نجاحاً.

 

آراء