امريكا ومخاطر فشل دولة بالجنوب 2-3 …. بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
28 July, 2010

 


أقدم اليوم المقال المتميز للكاتب الأمريكي هندي الأصل فريد زكريا صاحب كتاب (العالم ما بعد أمريكا). ناقش الكاتب في هذا المقال سر التخوفات الأمريكية من نشوء دول فاشلة في العالم. وهو الموضوع الذي بدأت بالأمس نقاشه في الحلقة الأولى. يعطي هذا المقال فكرة عن سر هذا التخوف أو ما أسماه فريد بـ (لغز الدولة الفاشلة). سنعقب غداً بإذن الله على مقال فريد زكريا بالنظر لتصريحات بايدين الأخيرة في ما يخص الجنوب.
لغز الدولة الفاشلة
مقال بقلم الكاتب الأمريكي فريد زكريا
«ما حدث في كمبالا ليس سوى البداية»! هكذا حذر أبو الزبير، زعيم حركة «شباب المجاهدين» التي أعلنت مسؤوليتها عن التفجيرات التي أسفرت عن مصرع 70 شخصاً في العاصمة الأوغندية، كانوا قد تجمعوا بغرض مشاهدة المباراة النهائية لكأس العالم في كرة القدم. غداة التفجيرات، جذبت حركة شباب المجاهدين الانتباه مجدداً بسبب علاقاتها المبهمة بالقاعدة. كما حذر المحللون مجدداً من أن الدول الفاشلة تمثل تهديداً قاتلاً للأمن القومي الأمريكي. وفي واقع الأمر، تثبت قضية الصومال وحركة شباب المجاهدين عكس ذلك تحديداً.
ليس هناك مجال للمجادلة في أن الصومال تعتبر دولة فاشلة. وقد نشرت مجلة فورين بوليسي لتوها مؤشرها السنوي للدول الفاشلة، حيث احتلت الصومال المرتبة الأولى للعام الثالث على التوالي. وتفتقر الصومال إلى حكومة فاعلة منذ عام 1992، وهذه أطول مدة قضتها دولة حديثة من دون حكومة. ويمثل ذلك وضعاً مأساوياً.
ولكن يبدو أن صانعي السياسة الأمريكيين مقتنعون بأنه يمثل أيضاً تهديداً خطيراً للأمن القومي الأمريكي. وقال وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس «من عدة جوانب، يُمثل التعامل مع مثل هذه الدول الفاشلة أو الممزقة، التهديد الأمني الرئيسي في عصرنا».
وأعربت هيلارس كلينتون عن دعمها القوس لوجهة نظره هذه. وعندما كانت كوندوليزا رايس تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، اعتادت أن تشير إلى الدول الفاشلة باعتبارها التهديد الأسوأ الذي يواجهه الأمن الأمريكي، مثلها في ذلك مثل كثير من الباحثين والمسؤولين والخبراء الأمريكيين.
وبالطبع كان أبرز مثال على هذا الادعاء بعيد الأثر هو أفغانستان التي انزلقت إلى الفوضى في التسعينيات، وأصبحت مقر انطلاق القاعدة أثناء استعدادها لمهاجمة أمريكا. لكن قصة أفغانستان معقدة بشكل أكثر قليلاً، حيث جاءت طالبان إلى الحكم بدعم من المؤسسة العسكرية الباكستانية التي كانت تساند الإسلاميين الراديكاليين. كما تلقت هذه الجماعة الدعم السري والعلني من السعودية التي رأت في هذا البلد ما يشبه مقلباً للنفايات بعيداً عن الوطن تلقي فيه بالراديكاليين.
واليوم لا يوجد في أفغانستان سوى عدد قليل للغاية من أعضاء القاعدة ـ بين 60 و100 عضو حسب قول رئيس وكالة الاستخبارات المركزية ليون بانيتا، في الوقت الذي يتركز فيه عمل القاعدة في باكستان. وكما أشار الباحث كين مينخاوس، يبدو أن ما يكسبه الإرهاب العالمي من الدول الفاشلة أقل من الفوائد التي يجنيها من الدول الضعيفة، مثل باكستان، حيث تقدم بعض عناصر النظام في هذه الدول المساعدة للإرهابيين. وعلى كل، لا تعتبر العديد من الدول الفاشلة تماماً (مثل بورما والكونغو وهاييتى) تهديداً إرهابياً عالمياً.
والمشكلة في محاولة إصلاح الدول الفاشلة أنها تورط الولايات المتحدة في جهود واسعة النطاق من أجل بناء الدولة، في بلدان تكون فرص نجاحها قليلة، بينما تكون مخاطر حدوث عواقب غير مقصودة كبيرة للغاية. ولننظر إلى الصومال. في عام 1992، بعدما انهارت الحكومة، تم إرسال قوات أمريكية إلى البلاد كجزء من مهمة الأمم المتحدة الهادفة إلى الحيلولة دون حدوث مجاعة.
لكنه سرعان ما تورطت هذه القوات في الصراعات بين القوى المحلية، مما أسفر في نهاية المطاف عن انسحابها بطريقة مهينة. وبعد ذلك بنحو عشر سنوات، ونظراً لقلق واشنطون من تصاعد قوة الحركة الراديكالية المسماة اتحاد المحاكم الإسلامية، بدأت في تمويل الفصائل المنافسة لها. وفي النهاية، قدمت دعماً ضمنيا للتدخل الإثيوبي. وبالرغم من انهيار اتحاد المحاكم الإسلامية، فقد أعادت هذه الحركة تجميع نفسها تحت قيادة ذراعها الأكثر راديكالية وعنفاً، وهو حركة شباب المجاهدين التي تشهد صعوداً في الوقت الراهن.
وتؤكد حالة الصومال على التعقيدات التي تكتنف جميع طرق التعامل مع الدول الفاشلة. ذلك أنه إذا لاحقت واشنطون المسلحين على نحو عدواني، فإنها توجد استقطاباً داخل المشهد السياسي، مما ينُشط الراديكاليين الذين يمكنهم الادعاء آنذاك أنهم وطنيون يقاتلون الإمبريالية الأمريكية. وإذا تحاورت معهم، فإنها تُتهم بتقوية الجهاديين. ويطرح كثيرون أن الإجابة الحقيقية على هذا السؤال هي تعزيز قدرة الدولة في تلك البلدان، مما يمنح الحكومة شرعية أكبر، ويفقد المعارضة المصداقية. لكن إلى أي مدى يسهل الإسراع في دفع عملية التحديث السياسي إلى الأمام، بحيث تنجز في سنوات قليلة ما استغرق عقوداً إن لم يكن قروناً في الغرب؟ وتتجلى جميع هذه المعضلات في أوضح صورها في الحالة الأفغانية.
فما العمل بالنسبة للصومال؟ تدافع برونوين بروتون، الخبيرة في مجلس العلاقات الخارجية، في تقرير مدروس، عما سمته «الفصل الخلاق». وتدعو هذه الفكرة إلى مراقبة الوضع بحذر، بحثاً عن أي دلائل حقيقية بشأن الإرهاب العالمي وهي دلائل لا تزال محدودة للغاية إلى وقتنا هذا. ذلك أن «الروابط» بين حركة شباب المجاهدين وبين القاعدة تبدو في معظمها مجرد رطان يستخدمه كلا الطرفين. لكن إذا أصبحت هذه العلاقات حقيقية وقاتلة، يجب على واشنطن أن تكون مستعدة للقصف.
ولن يكون ذلك أمراً شديد الصعوبة، حيث إن الصومال ليست بها جبال أو غابات، وهو ما يجعلها قادرة نسبياً على استقبال العمليات المضادة للإرهاب. لكن يجب أن نحرص على عدم التحول إلى لاعب في ديناميات السياسة الداخلية. وتقول بروتون «لدينا قدرة محدودة على التأثير في الأحداث في الصومال، بطريقة إيجابية. لكننا نملك قدرة لا محدودة تقريباً على إفساد الأمور».
نقلاً عن الشروق المصرية

 

آراء