امي … في عيدك ، اجمل الاعياد … تعظيم سلام
حسين الزبير
23 March, 2014
23 March, 2014
رغم ان بعض المصادر تؤرخ الاحتفاء بيوم الام الي منتصف القرن الثامن عشر، الا ان عيد الام الذي احتفل به بصورته الحديثة كان بدايته في عام 1908 عندما احتفلت السيدة آنا جارفيس بامها في مدينة قرافتون (Grafton) في فرجينيا الغربية. ثم نظمت حملة لجعل يوم الام عطلة رسمية في امريكا ، و تحقق لها ذلك في عام 1914. لكن المؤسف انها احبطت في عام 1920 عندما تم استغلال العيد بصورة تجارية.
و مما احمده انا شخصيا للسيدة جارفيس انها اصرت ان يكون العيد للام الواحدة ، يحتفل فيه كل شخص احتفالا خاصا بامه رغم تشارك الملايين في الاحتفال بهذا اليوم. و لتعطي الاحتفال هذه الخصوصية اكدتها بالكتابة، فاشارة الملكية في اللغة الانجليزية تكتب بطريقة مختلفة للمفرد (mother’s) عن الاشارة للجمع (mothers’) ، و هذا فرق لا نجده في اللغة العربية لان كلمة "ام" قد تعني المفرد او الجمع وفق سياق الجملة. و اخذ برايها الرئيس الامريكي آنذاك ودرو ولسون ، حيث اعتمد نفس الهجائية في اشهاره لهذا اليوم بمشروعات القوانين التي اجيزت في الكنقرس.
هذه المقدمة كانت لازمة ليتسني لي الاحتفال بامي فاطمة عثمان ارباب ، الملقبة ب "شامي دونة" ، فهي في نظري ام استثنائية، و ربما اقنعكم بصحة رأيي هذا. فاطمة كانت زوجة عمدة القرية، و الذي لسوء حظها كان عمدة "خالي اطيان". واصيب والدي عليه الرحمة بمرض عضال ، لا يشفي منه الانسان او يموت نتيجة له ، مرض الجنون الذي يغيب باثره المريض عن دنيانا بعقله و يتواجد معنا بجسده. و رعاية هذا المريض من عام 1953 لحين وفاته في عام 1987، هي نيشان الجدارة التي استحقتها امي بامتياز بشهادة كل من حولها. اما الدور الاعظم فكان تنشئة 5 اطفال اكبرهم في المرحلة المتوسطة ، و كل هذا في ظل ظروف مادية شحيحة و دون وجود دخل ثابت. و في عام 1954 زار قريتنا تيم من الاطباء ليقرروا ان والدي ليس مؤهلا صحيا لوظيفته. و عندما اجتمع "اهل المشورة" في القرية مع العمدة محمد طه عباس ليختاروا من يخلفه كنت انا المرشح الاول ، فخرجت عليهم " Mother India " ، لقب اطلقته عليها ايام وادي سيدنا بعد مشاهدة الدراما الهندية، و اعتذرت عن اقتحامها لمجلس الرجال و اكدت لهم انها لن تسمح ان يترك ابنها الدراسة او ان يضطلع بهذه المسؤولية. و اليوم الثاني للحدث اتاها "تعظيم سلام" من ابن خالتها المرحوم الاستاذ عبد الخالق عباس فقير، الذي جاء راكبا من "اوورجو"، خصيصا ليقول لها (اختي العزيزة العاقلة الواعية) و اكمل قصيدة مدحه باللغة النوبية. و كانت رحلتها معي حتي عام 1962 حيث اكملت الدراسة الثانوية و عملت معلما ، ثم كانت رحلتي و رحلتها ليتعلم البقية. الا تستحق امي مني تعظيم سلام ؟ هذا السلام اؤديها لها عندما اكون في الخرطوم كل يوم، و من كندا مرة او مرتين في الاسبوع.
لا احكي لكم قصة امي فخارا ، فقصتها مكررة في كل قرية و كل مدينة ، لكن قصتها نموذج لدور الام في خمسينات و ستينات القرن الماضي. و اختلف الحال اليوم ، لا انحسارا في دور الامهات و عزيمتهن ، لكن بمزيد من القوة و الاصرار علي التكيف مع ظروف، اجبروا علي ادوار لم يكن يخطر ببال جيل امي ان تتعرض لها الام السودانية. و الام اليوم تجلس تحت الاشجار تقدم الشاي و القهوة بمبلغ زهيد ، وهي هنا تقوم بنفس المهمة التي كانت تستمع بها في برندة او راكوبة داخل بيتها و هي تستقبل ضيوفها من الجيران. و اصبحت تساهر الليالي لتعد اصناف الخبيز بكميات كبيرة ، لا لتوزعها علي الجيران "طبقا طبق" كما كانت تفعل، بل لتبيعها لهم!!
ليت الامر وقف عند هذا الحد ، فقد سمعنا الان بالامهات "خارج التخطيط" ، الطفلة البريئة التي تجبرها بيئة الفساد و السوق المفتوح لتصبح اما دون ان تدري ، و الامهات اللائي كن ينتظرن "دور الام" بالاحلام الوردية ، تكسرت احلامهن علي جدار البطالة و الكساد الاقتصادي، فاخترن اكثر غرف البيت ظلمة ليقضي الاكتئاب علي احلامهن و طموحاتهن ! و التي نجت من الاكتئاب و ارادت ان تهزم الواقع المرير، ووقفت امامها السدود التي صنعتها "سياسة السدود" ، لم تجد مفرا من امتهان اقدم المهن !!
الام في بلادي اليوم تضع مولودها علي باب المستشفي لانها لا تستطيع دفع الرسوم ، و تذهب تحت جنح الظلام لتفتش عن ما تقدمه لصغارها من برميل "قمامة" الاثرياء!!
كيف لكم ان تغيروا هذا الوضع الاليم لامهاتكم و لامهات المستقبل يا شباب بلادي، امل الامة و صاحب المستقبل؟!! كيف لكم ان تجعلوا الحياة الكريمة و دفئ الاسرة متاحا لاولادكم و احفادكم؟ كيف تجعلوا هذا الوطن الواسع فعلا ، وطنا يسعكم جميعا و يلم شمل الذين هاجروا هربا من المذلة و المسغبة و فقدان الحرية و الكرامة؟ اثق في ان لشباب بلادي اجابة علي كل هذه الاسئلة ، و واثق انهم يتفقون معي ان ضربة البداية هي الديمقراطية.
اسأل الله العلي القدير ان يعين شباب بلادي علي احداث التغيير المرتجي انه علي كل شئ قدير.
و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.