بيني وبين السيد عبد المحمود أبو … بقلم: د. محمد وقيع الله
كتب السيد عبد المحمود أبو أحد أفاضل أئمة الأنصار مقالا بعنوان (الدكتور محمد وقيع الله بين الفكر والسياسة) عتب فيه علي لأني لم أسبغ صفة السيادة على الصادق المهدي، وقال إن كتاباتي السياسية يغلب عليها التعصب والنزوع إلى تجريد الخصوم من الفضائل المستحقة لهم.
وقال في معرض تفصيل الحيثيات لإسناد التهمة إلي:" إنني أجده يتحامل كثيرا عندما يكتب عن الامام الصادق المهدي وأول تحامل عليه أن يجرده من أي صفة من الصفات التقديرية ويكون هذا التصرف مقبولا في مجال البحث العلمي ولكنه غيرمقبول في مجال الكتابة الصحفية ".
وما قاله السيد عبد المحمود أبو غير صحيح في جملته، لأني أصف الصادق المهدي أحيانا بصفاته الوظيفية الكبرى.
فعندما كان رئيسا للوزراء كنت أطلق عليه صفته تلك.
وفي الوقت الحالي ربما ناديته كما يحلو له أن ينادي نفسه برئيس الوزراء السابق، أو ربما أطلقت عليه لقبه الحزبي المستحق وهو رئيس حزب الأمة.
ولهذا أراني دقيقا في التقدير وفي التوصيف معا.
وهذا قصارى ما يُطلب من امرئ، سواء أكان باحثا أو كاتبا يسطر مقالات سريعة لتنشرها الصحف السيارة.
وليس من العدل في شيئ أن يفرض امرؤ على قلمي أن يطلق على الصادق المهدي الألقاب التي ربما ظن أنها مستحقة له بالميلاد أو بالحق الإلهي كلقب السيد أو لقب الإمام.
لماذا لا أطلق لقب السيد على الصادق؟
فتجنبي لإطلاق لقب (السيد) على الصادق المهدي، ناتج من بغضي النابع من صميم قلبي لكل محاولة مصطنعة للتميز والترفع على المواطنين من سائر الشعب، وحسبان جمهرته من قبيل العامة، مع حسبان قادته الطائفيين من قبيل السادة أو (الأسياد).
وفي ظني الغالب أن جميع أهل هذه الأرض السودانية (أسياد)، ولا ينبغي أن يميز بين تابع منهم تابع ومتبوع.
والأجدر والأولى أن تعم فينا شريعة المساواة التي تنبذ التفرقة والتمييز.
وتقرر أن أمهاتنا ولدننا جميعا أحرارا وسادة.
وذلك عكس ما يوجب الفهم الطائفي، الذي يلزم أتباعه بقبول وجود سادة ومسودين، ويرسخ ذلك في عميقا في أساس البنيان الاجتماعي السوداني.
ومبدأ المساواة هو المبدأ الإسلامي والإنساني الصحيح المستوعب لخصائص الاجتماع البشري وقوانينه.
وهو الفهم السوي الذي استوعبه صاحب السماحة العظمى الإمام محمد أحمد المهدي، رضي الله عنه وأرضاه، وأوصى بالتزامه.
حيث نهى أشد النهي عن اطلاق لقب السيد على الأمراء وآل البيت ومن قد يوصفون بأنهم من عِلية القوم.
من أجل ألا يستبد بهم الغرور وحتى لا تستذل لهم الجماهير وتخنع.
لماذا لا أطلق لقب الإمام على الصادق؟
وقد نجم تجنبي إطلاق لقب الإمامة على الصادق المهدي من الواقع السياسي الحزبي، الذي جعل فيه إمامته إمامة طائفية محدودة، بينما الأصل في الإمامة أن تكون إسلامية منفتحة لا طائفية مغلقة.
أي أن أن تكون إمامة عامة في الدين تتأتى وتُنال من جراء المرابطة والمصابرة في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، والتمسك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذل قصارى الجهد في تعميق التربية الإسلامية، ونشر الفكر الإسلامي بلا غلو أو (تفريط)، مع الامتناع عن موالاة أعداء الإسلام.
ولو كان الصادق المهدي ممن يلتزمون بهذه الشرائط ويؤدون هذه الفرائض لأطلقت عليه لقب الإمامة دون تردد.
ولسارعت لإطلاق هذا اللقب عليه قبل أن يبايع به تلك البيعة المرتجلة في إطار المؤتمر الحزبي المعروف.
وإنها لبيعة عليها أكثر من علامة تعجب واستفهام.
مفهوم غريب للنقد:
ثم تقدم فضيلة الشيخ عبد المحمود أبو وأبدى لنا مفهوما مستغربا للنقد لم أسمع به من قبل، يقضي فيه بمنع الناقد من أن يتعرض بالنقد لمن له به رأي غير حسن.
ويحسن بي أن أنقل تقرير الشيخ لمفهومه النقدي نصيا حتى لا أتهم بالتقول عليه.
يقول الشيخ الفاضل:" ذكرالدكتور محمد وقيع الله أن الأمل تبدد عنده بمجرد ما ذكر السيد الصادق المهدي لأنه لايمكن أن يؤدي مهمة من مهام نشرالدعوة الاسلامية أو أي مهمة حضارية بعيدة المدي .. ويبدو أن هذا الأمل تبدد عنده منذ ثمانينيات القرن الماضي أو قبلها ومع تبدد هذا الأمل إلا أننا نجده لازال يكتب عن الامام الصادق المهدي ناقدا فهذا يتنافي مع تبدد أمله فيه لأن النقد وسيلة لتصويب الأداء مما يعني أن الامام الصادق المهدي لازال يعمل بجد واجتهاد في مجالات الفكر والاصلاح السياسي وهي من صميم عمل الدعوة الاسلامية ".
وقد قال الشيخ ما قال تعقيبا على قولي إن الأمل قد غاض في قلبي عندما أخبرني الدكتور محمد أحمد الشريف، الأمين العام لمنظمة الدعوة الليبية العالمية، أنهم يعتمدون على شخص الصادق المهدي في أداء مهمة نشر الدعوة الإسلامية في السودان.
وكوني يائس من قيام الصادق المهدي ببذل المجهود الجدي الذي يقتضيه واجب نشر الدعوة الإسلامية في السودان، أمر لا يمنعني من نقده، بل يدعوني لتكثيف النقد وتشديده.
ليس لأجل أنه استلم أموالا لهذا الغرض من الليبيين كما أفادني الدكتور الشريف، وإنما لأن مهمة نشر الدعوة ينبغي أن تكون على رأس مهام كل من يفترض أنه ورث مقام الإمام المهدي عليه السلام.
وتعضيدا لقولي هذا أقول إنه كثيرا ما يُنتقد أبناء البيوت الدينية وأبناء الصالحين و(الفقراء) من أهل السودان وغيره، إذا توانوا في أداء واجب نشر الدعوة أو خذلوه.
فكيف بمن ورث مقام كبير أئمة الهدى، وشمس العلماء، وطليعة مجاهدي البلاد الإمام محمد أحمد المهدي عليه السلام؟
دفاع ضعيف عن الصادق:
وبعد محاولة الشيخ الفاضل عبد المحمود أبو دفعي عن مدافعة الصادق المهدي اتجه إلى الدفاع عنه دفاعا غير موفق.
فذكر أن الصادق المهدي يشغل الآن منصب:" رئيس المنتدى العالمي للوسطية وهو منتدي أسسه أكثرمن ثلاثمائة عالما منهم الدكتور القرضاوي والدكتور الكبيسى والدكتور طارق السويدان والدكتورعبدالسلام داود العبادي والدكتور أحمد كمال أبوالمجد والدكتورعمرو خالد.. وغيرهم من رموز العلم والنشاط في مجال الدعوة فلا أعتقد أن هؤلاء العلماء اختاروا الامام الصادق المهدي من فراغ ".
هذا وقد أصبحت رئاسة الصادق المهدي لهذا المحفل العلمي العالمي نقطة احتفال كبيرة لدى أتباعه ما فتئوا يذكرونها ويذكرون الناس بها في كل محفل.
وإن أنس لا أنس يوما كنا نؤدي فيه صلاة العصر بأحد مساجد الخرطوم، فإذا بسيارة لها بوق دعائي له دوي منكر، ينادي في الناس أن هلموا وسارعوا إلى حضور الاحتفال المهيب، الذي يقام بعد ساعات، بمناسبة اختيار الصادق المهدي لرئاسة المنتدى العالمي للوسطية.
وكان نداء مزعجا أقلق المصلين، وشتت انتباههم، وضجروا به، وضجوا منه بمر الشكاة.
ورغم أن اختيار الصادق المهدي لهذا المنصب تم منذ سنوات مديدة فإن أتباعه ما برحوا منبهرين به ويرددون القول فيه وكأنه من فرائد أعاجيب الزمان.
فهم في احتفال دائم بنيل الصادق لهذا (اللقب الديني الجديد).
وهو احتفال لا يحفل كثيرا بآداب الدين التي تحض على التزام التواضع، وتجافي التفاخر، وتجنب المطاولة، والتخلي عن التبجح، ودع عنك إزعاج المصلين خلال الصلاة.
وأخيرا شاء الشيخ الفاضل عبد المحمود أبو أن يجئ بهذا الموضوع دليلا على قوة نشاط الصادق المهدي في سبيل نشر الدعوة الإسلامية وهو دليل هزيل.
وإلا فليوازن الشيخ الفاضل بين نشاطات الصادق المهدي الدعوية المزعومة، ونشاطات الدعاة الجادين المشمرين الذين جاء بذكرهم في حديثه السالف على سبيل التمثيل.
أين ذهبت أموال القذافي؟
ثم دافع الشيخ عبد المحمود أبو بصيغة هشة عن الصادق المهدي قائلا إنه لم يتصرف في الأموال التي خصصها العقيد القذافي لتعويض المجاهدين الأنصار.
وفي معرض ذلك قال:" إن لم تخني الذاكرة فقد أنشئت مشاريع إعادة توطين في كل من هبيلة والمقينص وأم عجاجة واستجلبت آليات ووزعت على المستحقين وإنشئت مشاريع زراعية وزرع فيها أكثرمن موسم ولكن معلوم أمر المشاريع الزراعية في السودان فإن فشلها يرجع لسوء الادارة وللاتاوات الكثيرة التي تفرضها الدولة فيعجزالمزارع عن الاستمرار ".
وإذن فقد نهض دفاع الشيخ عن شيخه على الذاكرة التي قد تخون.
ثم جاء بالتبرير الجاهز وهو أن المشاريع الزراعية قد فشلت.
وإن حقا ما قال الشيخ فقد كان ينبغي أن يجئ حديثه مثبتا بالوثائق مثقلا بالاحصاءات ومقيدا بالتواريخ والشهادات.
فالذاكرة وحدها لا يعتمد عليها وحدها لأنها كثيرا ما تخون.
وأما نص البرقية الذي تبرع بنشره السيد الفاضل عبد المحمود أبو فهو غير النص الأصلي الذي أرسله الصادق إلى العقيد القذافي.
وهو نص سيرى النور عن قريب.
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]