بين فندق الرتز ومستشفى حمد (2 -3 )

 


 

 



3/6/2012م
كان مسشتفى حمد أنيقاً وبديعاً يتمتع زواره بخدمات طبية ممتازة وبأحدث الإمكانات الطبية مما يهبك شيئاً من الاطمئنان وأنت مقبل على اتخاذ قرار يتعلق بحياتك. قال الدكتور وأنا ملقى على طاولة العملية «يلّا توكلنا على الله»... فقلت ( أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) كان وقتها المخدّر اللعين قد انسرب بداخل جسمي ليهيئ المسرح لعملية ستستغرق زهاء الثلاث ساعات.
2
في منتدى الرتز استمر الحوار ومضى عميقاً يحاول المنتدون فيه إجراء عملية جراجية دقيقة في جسد الوطن. أنهى د. النور حمد كلمته بعبارة بلغية للدكتور عبد الله علي إبراهيم (تفاءلوا بالوطن تجدوه) قبل أن يصعد د. عبد الله إلى المنبر ليلقي كلمته التي افترعها قائلا: (لا نطمع من لقائنا هذا للتفاكر حول الأزمة الوطنية العثور على وصفة سحرية لها. كان من سبقنا أشطر. وليس سوء ظننا بوقوعنا على تلك الوصفة خيبة أمل، وإنما هي واقعة لا مهرب منها. بل لن تصدقنا الجمهرة في السودان، من فرط توالي الوصفات وتهافتها، زعمنا أن أننا في محصلة لقائنا المخرج الأكيد من هذه الأزمة. ومع توافر سانحات الحل ومواثيقه ودورانها في خطاب المصالحة إلا أن القوى السياسية لم تبلغ بها الغاية. وهذا التوافر لحل ترسو به البلد على شط الأمان ومفرداته مما يبعث على التفاؤل بدنو نهاية أحزاننا. فقد قيل ليس من قوة تعدل قوة فكرة أزف وقتها. فالاختراق، أي النفاذ إلى غاية مرغوبة مرجوة، يقع حين يلتقي فجأة ما أصبح ممكناً بما هو ضروري ضربة لازب).
3
عند الخامسة صباحاً شعرت بنسمة هواء تدخل صدري وأنا بداخل غرفة محاطة بأربع ستائر فنظرت إليها ولم أكد أفتح عينيّ جيداً ( يارب أين أنا... هنا أم هناك) لم أجد أحداً حولي وهذه بشارة خير فلو كنت هناك فأنا بالتأكيد في الجنة لأني لا أتوقع أن شرذمة أصدقائي أولئك في عليين.!!. شيئاً فشيئاً بدأت أسترد وعيي حتى أدركت أن الأيام في الفانية لم تنقض وها أنا بفضل رحمة ربي أعود للحياة الدنيا. كان أول من رأيت صديقي عبد العظيم كاروري بذات الابتسامة التي تركته عليها. مد عبد العظيم يديه ليخرج جوّاله فجأني صوت زوجتي (وصال ناصر) من أقاصي الدنيا... ياله من صوت حنون.. أين كان هذا الحنان أيام كنا في شرخ الصبا!!. حين وعيت تماماً وجدت بانتظاري ذات الشلة أضيف إليها صديقي الدكتور التجاني عبد القادر ود. محمد محجوب هارون وسعادة السفير ياسر خضر كانت ابتسامتهم تعكس سعادة بالغة لاستعادتي وعيي عكس الجماعة.
4
بفندق الرتز يتقدم المنتدى خطوات ويعصف الحوار بالأفكار البالية وتتقارب الرؤى ويمضي الدكتور عبد الله علي إبراهيم ليشخص الحالة السودانية قائلا: (إننا لم نحسن تشخيص الحالة السودانية. فقد افترضت الأطراف أن ثمة فرقة ناجية بعد عقود من الحكم الوطني لم نستثمر فيه الإرادة الوطنية المستعادة بوجه صحيح. فما نزال نعتقد أنه بوسعنا مواصلة لعبة معارضة-حكومة. وقلَّ من اعترف بأن الناس جربت أطراف النزاع السياسي في الحكم والسياسة وما بينهما ولها سوء ظن معتبر في رهن مستقبلهم بأيهم. وهو ما سماه الراحل محمد إبراهيم نقد بـ «توازن الضعف». وهذا الضعف عرض من أعراض إرهاق النادي السياسي.. ألمح ألكس دي وال إلى مظهرين منه:1) الشيخوخة الباكرة وغير الباكرة لرموزه حتى بين الحركات المسلحة، 2) خلو الساحة من أي فكرة جديدة ملهمة بعد أن جرب السودان الأفكار الكبرى كلها (يمين ويسار وهامش) فتهاوت وسدت خرائبها الطريق نحو أفكار ملهمة جديدة. ولم يتبق للصفوة من تلك الصغائر سوى «الثوابت».
5
كنت أتابع ما يجري في منتدى الرتز على مدار الساعة من سريري. بدا أن عافيتي مرتبطة بعافية الحوار الذي يجري هناك؛ لو نجح المنتدى في ارتياد آفاق حوار وطني ذكي فإن في ذلك تعافينا جميعاً.
يقول د. عبد الله علي إبراهيم (تنزيل الثقافة على السياسة كسب أخطر وهو استرداد قوى الأمة الحية إلى دائرة السياسة. وقد احتكر هذه الدائرة لعقود العصب المسلحة. وصارت كذلك لأنها أخطأت السبيل، في تدقيق لمّاح لأميركال كابرال، أرادت أن تكون ثوريين مسلحين فانتهت إلى طغم مسلحة. والعصب المسلحة ممتنعة على الثقافة وقوى الأمة الحية عندها مخزون للتجنيد يبدأ بالأطفال. ولن نبلغ الشعب الذي تقطعت أسبابنا به بغير الثقافة خلافاً لما يعتقد الكثيرون الذي حسبوا أمية الشعب تزهدهم فيها. فالانقطاع عن الثقافة يسد أبواب الصفوة إلى الشعب لأن عزلة الصفوة أصلاً، في قول شينو اشيبي، في تَقَطُّع وشائجهم بالوجدان العميق للناس. ولذا تحضر الصفوة للمواكب ولا يحضر الشعب).

عادل الباز

 

آراء