تراجع الذهنية السودانية خلال الحرب !

 


 

 

تراجع الذهنية السودانية بعد الحرب وسيطرة السلوك الهمجي على حياتنا , خلال السنوات الأخيرة، شهد السودان تحولاً كبيراً في بنيته الاجتماعية والثقافية، خاصة بعد اندلاع الحرب الأهلية التي أججت العنف والفوضى في البلاد. هذا التحول لم يكن مقتصراً فقط على الدمار المادي أو السياسي، بل امتد ليشمل تراجعًا ملحوظًا في الذهنية السودانية وتغيراً جذرياً في السلوك المجتمعي. المثقف، الذي كان في يوم من الأيام رمزًا للوعي والتغيير، تراجع دوره بشكل لافت، وانحسر تأثيره وسط سيطرة السلوك الهمجي على الحياة العامة.
المثقف بين الأمس واليوم
في الماضي، كان المثقف السوداني يشغل مكانة مرموقة في المجتمع، يُنظر إليه باعتباره ضمير الأمة، والمسؤول عن توجيه الرأي العام نحو مستقبل أفضل. كان الأطباء والمدرسون والكتاب قادة الفكر، وهم من كانوا يقودون حوارات التغيير والتطوير. لكن مع تعاقب الأزمات وتفاقم الحرب، فقد المثقف دوره الريادي. تراجع حضوره الاجتماعي والسياسي، وأصبح محاصراً في دائرة ضيقة من التأثير، متخلياً عن مسؤولياته تجاه المجتمع.
هذا التراجع لم يكن بسبب قصور في المثقف نفسه، بقدر ما هو نتاج لعدة عوامل متشابكة. الحرب خلقت واقعاً جديداً، حيث لم تعد الثقافة أو الفكر أو الإبداع تُقدَّر بنفس الطريقة التي كانت تُقدَّر بها في السابق. انزوت الفكرة، وانكمشت القدرة على التفكير النقدي، لتحل مكانها أنماط من الفوضى والعنف الهمجي.
سيطرة السلوك الهمجي
مع تفكك البنى المجتمعية التقليدية بفعل الحرب، ظهرت أنماط جديدة من السلوك تهيمن عليها الفوضى والعنف. في غياب القانون وضعف المؤسسات، طفت على السطح القيم الغوغائية، وأصبحت لغة القوة والسلاح هي المهيمنة. في هذا السياق، انتشرت موجات من السلوك الهمجي في التعامل بين الأفراد والجماعات. تفاقمت هذه الحالة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت منصة للفوضى الفكرية والتلاعب بالعقول، وظهر قادة رأي جدد لا يمتلكون إلا القدرة على إثارة الغرائز والشحن العاطفي.
أسباب تراجع المثقف السوداني , من الأسباب الرئيسية لتراجع المثقف السوداني , هي انهيار النظام التعليمي: الحرب دمرت البنية التحتية للتعليم وأضعفت قدرة النظام التعليمي على تخريج كوادر قادرة على التفكير النقدي والمساهمة في الحياة العامة.
الضغط الاقتصادي: هجرة الكثير من العقول السودانية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، والتي بدورها حرمت البلاد من الكفاءات القادرة على تقديم حلول للأزمات.
ضعف المؤسسات الثقافية: تفكك المؤسسات الثقافية التي كانت في الماضي توفر منصات للحوار والتفكير، وتراجع دور النقابات المهنية والمؤسسات الأكاديمية.
تأثير الحرب على الذهنية السودانية
الحرب لا تقتصر آثارها على الجانب المادي فقط، بل تمتد لتشمل الجانب النفسي والعقلي. في ظل الحرب، تم تشكيل عقلية جديدة تقوم على الصراع والقوة. غابت القيم التي تقوم على الحوار والتسامح، وتم استبدالها بثقافة العنف والإقصاء. فقدان المثقف لدوره أفسح المجال لتلك العقلية الهمجية، حيث أصبح الصوت الأعلى هو صوت من يملك القوة، وليس من يملك الحجة أو الفكرة.
ضرورة إعادة الاعتبار للثقافة والتعليم
إذا كان هناك أمل في استعادة السودان لمكانته الثقافية والفكرية، فإن الحل يبدأ من إعادة الاعتبار للثقافة والتعليم. لا يمكن للسودان أن يستعيد عافيته بدون دور فعّال للمثقفين والمفكرين، والذين يجب أن يعودوا للواجهة ويشاركوا في رسم مستقبل البلاد. يجب أن يكون هناك استثمار حقيقي في التعليم، وإعادة بناء المؤسسات التي تدعم الفكر الحر والإبداع. كما يجب أن يتم منح المثقف المكانة التي يستحقها، وأن يُدعم دوره كصاحب رأي مؤثر في الحياة العامة.
الحرب في السودان لم تدمر البنى التحتية فقط، بل امتدت آثارها لتشمل العقلية السودانية نفسها، التي تحولت من الحوار والتفكير إلى العنف والفوضى. المثقف الذي كان في الماضي رمزًا للتغيير والتقدم، انسحب إلى الخلف، مفسحًا المجال لسلوكيات همجية هيمنت على المجتمع. الحل يكمن في العودة إلى العلم والثقافة، واستعادة المثقف لدوره المحوري في توجيه المجتمع نحو مستقبل أفضل.

زهير عثمان

zuhair.osman@aol.com

 

آراء