تردي الخطاب في انتقاد رايس

 


 

 


كيف لا

كاد الخطاب الإعلامي السوداني أن يسقط في امتحان الحساسية وامتلاك مفردات الخطاب الراقي  حين انجرّ وراء الخطاب الرسمي الذي وصف سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي بأنّها تكنّ حقداً على السودان وعداءً ،بسبب خلفيتها الزنجية وانكسارها النفسي ومرارات التفرقة العنصرية.  هذا الحديث عارٍ من الذوق السليم والحساسية الديبلوماسية وذلك لأسباب موضوعية وعملية وهي أنّ سوزان رايس حين ولدت في 1964 م كان نضال مارتن لوثر كينغ من أجل الحقوق المدنية في أوجه. أي أنّها لم تعاصر التفرقة العنصرية في أمريكا ولم تذق مراراتها بل لم تعش ذلك العصر. ثم حتى لو عاشته وانتقلت بترسباتها النفسية هذه لتسقطها على السودان، فهل ليصبح عندها السودان الشمالي متمثلاً في حكومته الهدف الأمثل باعتبار أنّ الحكومة هي من البيض بينما شعب الجنوب هم السود الذين عانوا من الفصل العنصري؟ هذا تحليل ساذج لتبرير المواقف، كما أنّه  ليس مبرراً لتعاطفها مع دولة الجنوب، فهناك شماليون يتعاطفون مع الجنوب وينافحون عن حقوق أهل دارفور فهل يحدث ذلك بسبب ترسبات ومرارات دفينة.
حظيت سوزان رايس باهتمام الساسة والباحثين في العلاقات الدولية وذلك لمواقفها الصريحة والمحددة والصارمة أحياناً في الملفات الدولية. كما أنّها تعرضت لانتقادات عديدة ولكن أياً من تلك الانتقادات لم يكن بها تعرضاً لأصلها وعِرقها. فهل بالإمكان وبنفس هذا المنطق الغريب، أن تصف الصحافة كثيراً من أعضاء الحكومة الحالية من إثنيات عرقية مختلفة ومن تكوينات أفريقية خالصة بأنّهم يعانون عقداً  نفسية؟
كان بالإمكان تفهّم شكل التعامل مع القضايا الخارجية بسبب طغيان الخطاب العاطفي والمزاجي والارتجالي الساذج على الخطاب العملي بشكل لائق وشفيف. وكان من الممكن تقبل القصور في أدب الخطاب مع الآخر والذي أثبت في كثير من المنعطفات أنّه يحتاج إلى  العقلانية والحكمة التي تتيح للإنسان أن يحاكم الأمور وأن يتعامل مع القضايا بشكل مدروس وموضوعي بعيداً عن التشنّجات، وبعيداً عن الانفعالات، وبعيداً عن الإيذاء اللفظي والمعنوي. ولكن عيب على الصحافة أن تحذو حذو هذا الخطاب الذي يحتاج اجتثاثاً من الجذور ليحلّ محله خطاب يثوّر  الداخل الإنساني الإيجابي ، ليس السلبي المليء بنقاط الضعف .
بالطبع لن يخطر ببال سوزان رايس أن تهتم بالخطاب الإعلامي السوداني، ولن يكون من ضمن اهتماماتها تتبع  ما تقوله الصحافة السودانية عنها، ولكن الأسى على حال الخطاب نفسه  وعلى الصحافة التي من الممكن لو واصلت في مثل هذا الخط فستُعدم مبادئها بيديها. ما معنى أن تكون الكلمة حرة ولكنها بذيئة وتتعرض لأصول الناس وبناء المواقف وفقاً لإثنياتهم وأعراقهم ، وتخرج عن الخطاب الطبيعي وتصطدم بحقوق الآخرين واحترامهم . إنها نوع من حرية تقتل الصحافة وتنحدر بالخطاب الإعلامي إلى درك سحيق ، لتتحول الصحافة إلى ألعوبة بيد الخطاب السياسي . فحين تعادي تُغتال حرية الكلمة وتخدم العبارات الفاحشة وبذا تقتل نفسها حينما تنادي بحريات شريفة .
هذا خطاب إعلام سوداني ، بينما السودان يقدّم مثالاً تاريخياً لكثيرين من أمثال سوزان رايس ،ولكنه في نفس الوقت يقدم مادة حية للبنية الاجتماعية المعبرة، استناداً إلى نوع من التمثيل الذي تقدمه وتغذيه الروايات الثقافية والدينية والتاريخية والجغرافية والفلسفية والأدبية، للآخر الموسوم بالدونية والاختلاط. وهو تصور ينهض على التمايز والتراتب والتعالي، وبكثير من الروايات التي تعمل على تراكم الصور النمطية المتخيلة الناتجة عنه في المخيلة التي تدعي نقاء العرق وتكون قد قادتنا قريباً جداً من العصر الوسيط ونظامه القيمي المعياري .
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء