تصعيد ضد الإمارات وتقارب مع روسيا: البرهان يحاول الإيحاء بأن أزمته خارجية

 


 

 

الخرطوم/ العرب الدولة– يحاول الجيش السوداني الإيحاء بأن أزمته خارجية من خلال التصعيد مع الإمارات من جهة والسعي لعقد تحالفات من جهة أخرى، وذلك لتبرير عجزه عن حسم الصراع لصالحه بعد أكثر من سنة من نشوب القتال ضد قوات الدعم السريع.

وبدأ وفد روسي برئاسة المبعوث الرئاسي الخاص بالشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف زيارة الأحد إلى السودان تستمر يومين، بعد ساعات من طلب تقدمت به الخرطوم لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن تبحث ما قالت إنه “عدوان إماراتي على الشعب السوداني ودعم قوات الدعم السريع”.

وتقلل خسارة قوات الدعم السريع لعدد من مواقعها مؤخرا من واقعية الاتهامات التي لا يتوقف الجيش السوداني عن توجيهها إلى الإمارات لتبرير عجزه عن حسم المعركة لصالحه.

وبعد أن كان الجيش يتهم خصمه الدعم السريع بالاستعانة بمجموعة فاغنر دون تقديم أدلة على ذلك، بات يجاهر بالتقرب من روسيا رغم ما يشكله من تحد للإدارة الأميركية القلقة من الانتشار الكبير لروسيا في ليبيا ومنطقة الساحل.

الزيارة تغير انطباع أن البرهان كان يناور فقط بورقة الانحياز إلى موسكو، وتشير إلى تحول المناورة إلى ممارسة فعلية

وأكد بوغدانوف، عقب لقائه قائد الجيش الجنرال عبالفتاح البرهان في بورتسودان الأحد، أن مجلس السيادة هو “السلطة الشرعية التي تمثل الشعب السوداني وجمهوريته”، ما يوحي بانحياز روسي إلى الجيش.

وتغيّر هذه الزيارة انطباع أن البرهان يناور فقط بورقة الانحياز إلى موسكو بعد شعوره بأن الولايات المتحدة خذلته في حربه ضد قوات الدعم السريع، وأن المناورة يمكن أن تتحول إلى ممارسة فعلية إذا تطورت العلاقات مع روسيا أكثر من اللازم، في أجواء تخيّم عليها ملامح قلق غربي من تنامي دور موسكو على الساحة الأفريقية.

كما تؤكد أن قائد الجيش السوداني يستثمر في قوى مناهضة للدول الغربية من أجل حث الأخيرة على تغيير مواقفها منه ودفعها للانحياز إليه قبل أن يقوم بتعزيز علاقاته مع روسيا، وربما إيران التي أعاد البرهان علاقات السودان السياسية معها مؤخرا.

ويتخطى البرهان محاذير إقليمية ودولية رأت أن دخول موسكو وطهران أو كليهما ملعب السودان في خضم الصراع العسكري الممتد يوحي بحدوث تغيير في التوازنات الإقليمية والدولية الدقيقة التي حافظ عليها منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام.

وبحث ميخائيل بوغدانوف في موسكو قبل أيام مع مدير جهاز الاستخبارات السوداني أحمد إبراهيم فضل، خلال مشاركته في المؤتمر الأمني الدولي الثاني عشر، الوضع العسكري والسياسي في السودان، وسبل مواصلة تطوير العلاقات بين البلدين.

ويقول متابعون إن قائد الجيش السوداني قرر تفعيل ورقة موسكو لتغيير المعادلتين السياسية والعسكرية، حيث يمنحه تطوير العلاقات مع روسيا صديقا يمكن أن يؤيده دبلوماسيا على الساحة الدولية بصراحة.

ويضيف المتابعون أن موسكو شعرت بأنها ستفقد السودان وما يمثله من أهمية حيوية في إستراتيجيتها الأفريقية إذا تركته لأوكرانيا، التي من المؤكد أنها توجهت إلى دعم الجيش في خضم حربها الضروس ضد روسيا بالتنسيق مع بعض الدول الغربية، وهو الدعم الذي يمكن أن يتزايد بطرق أخرى إذا أهملت موسكو تداعياته.

وتلقى وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض برقية تهنئة من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بعد تكليفه بمنصبه مؤخرا، أكدت على عزم موسكو تعزيز العلاقات مع السودان، ودعم بلاده للخرطوم بهدف تحقيق السلام والتوافق الوطني.

وقال المحلل السياسي محمد أحمد مختار إن السودان يسعى لإعادة ترتيب علاقاته الخارجية لتحقيق مكاسب، مستفيدا من الصراع المتصاعد بين الغرب والشرق، وهو ما يفسر اتجاه السودان نحو موسكو وطهران بعد أن فترت علاقاته مع بكين منذ اندلاع الحرب.

ولفت في تصريحه لـ”العرب” إلى أن “الجيش يريد الحصول على سلاح يتماشى مع المعدات العسكرية التي لديه ومعظمها جاء من روسيا، ويحاول الاستفادة من علاقاته في مجال التعدين مع موسكو كي يتمكن من إبرام المزيد من الصفقات العسكرية”.

قائد الجيش السوداني قرر تفعيل ورقة موسكو لتغيير المعادلتين السياسية والعسكرية، حيث يمنحه تطوير العلاقات مع روسيا صديقا يمكن أن يؤيده دبلوماسيا على الساحة الدولية بصراحة

وأوضح أن مجلس السيادة السوداني اتجه نحو روسيا لتوصيل رسالة مفادها أن السلاح الأوكراني الذي شارك في الحرب تم عبر صفقة سلاح رسمية عقدتها الخرطوم مع كييف، وليس عبر مشاركة قوات أوكرانية بجانب الجيش السوداني.

وتوقع المحلل السوداني أن تنجح روسيا في توظيف حاجة السودان إلى السلاح لأجل إعادة طرح النقاش حول تدشين القاعدة العسكرية على ساحل البحر الأحمر، غير أنه من المستبعد أن تستجيب الحكومة لتلك المساعي في الوقت الراهن لأنها بذلك تصبح عدوة لأطراف إقليمية حليفة ترفض الوجود الروسي بالقرب منها.

وعام 2020 وقع السودان مع روسيا اتفاقية إنشاء قاعدة ومركز دعم لوجستي للبحرية الروسية في ميناء بورتسودان المطل على البحر الأحمر.

وزاد التواصل بين البلدين على المستوى الرسمي في الفترة الماضية، يما يشير إلى وجود ترتيبات بينهما لتطوير العلاقات؛ فقد عقد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني جبريل إبراهيم اجتماعا مع بوغدانوف بموسكو في الخامس عشر من يناير الماضي، تناول سبل تنشيط التعاون المشترك بين البلدين، وضرورة تفعيل اللجان المشتركة، ووضع خطط للدفع بالعلاقات الاقتصادية إلى مستويات أعلى.

وصرّح السفير الروسي لدى السودان أندريه تشيرنوفول مؤخرا بأن الصراع في السودان يرجع إلى أن أول قنبلة موقوتة في أساس الدولة زرعها الغربيون مع “مشروعهم للتحول الديمقراطي عام 2019” بعد تفكيك نظام عمر البشير.

وذكر تشيرنوفول أن قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) لم يطلب من موسكو المساعدة، ما ينطوي على إشارة إلى أن موسكو تجد مصالحها مع البرهان، والذي لوح من قبل بالانفتاح الإستراتيجي على روسيا.
/////////////////

 

آراء