تعقيبات على حديث صلاح غوش

 


 

 

تعقيبات على حديث صلاح غوش

وتبريراته  لتعامل جهاز الأمن والمخابرات الوطني مع المخابرات الأمريكية

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

   لاشك أن شؤون الأمن القومي السوداني هي أهم شؤون الوطن جميعا، فبلادنا تحتوشها الأخطار الكبرى، والمهددات العظمى، التي بعضها من صنع أبناء الوطن، وبعضها الآخر من صنع أعدائه، ولا ريب أنه  كان من مبررات انقلاب الإنقاذ وقيام دولته كثرة المهددات الأمنية ،التي أنذرت بضياع الوطن، واستيلاء حركة التمرد، مصحوبة بعصابات اليسار عليه.

وحتى من دون وجود تلك أخطار بذلك الحجم المهول، فقد كان طبيعيا أن تحتل الشؤون الأمنية مقاما عليا بين ما يطلق عليه الأجندة، أو المهام الوطنية، أو وظائف الدولة، لأن الاهتمام بالأمن أولى من باب التحوط وارتقاب ما يأتي به  الحدثان.

 

ترفيع غوش قرار صائب:

وفي هذا الاتجاه كان أهم وأميز وأفضل قرار اتخذ بشأن الأمن الوطني، في الآونة الأخيرة، هو اتخاذ رئيس الجمهورية قرارا بترقية رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني، الفريق أول صلاح عبد الله غوش، ليلحق بكابينة القيادة العليا، في مقام المستشار الأمني لسيادته.

 والفريق أول غوش شخص أهل للترقية، وأهل لما يناط به من مهام أعلى، ولا يكاد الناس يختلفون على  حدة ذهنه، ويقظته، وحيويته، وكفاءته، ومثابرته على العمل الوطني الجاد ليل نهار.

 وإن كان القليلين جدا من مواطنينا هم الذين يقدرون علمه، وثقافته، وذلك لأنه لا يلتقيهم، كما علمنا، إلا بوجه بلدي بسيط قح، ولا يبدي لهم شيئا من براعته في الثقافة والفكر، فهو يتحدث بالطريقة العملية البسيطة التي تحل المشاكل، أولا بأول، ولا يطرح إطارا نظريا فلسفيا كليا للحديث، كما أنه قلما يتحدث بصورة رسمية، كما تحدث أخيرا في حواره الموسع مع الأستاذ عمر عبد الرحيم باسان.

 والحديث الأخير حديث عميق نرجو أن يتكرر، بهذا المستوى، سواء معه أو مع قادة الأمن الكبار، لأن الناس يحبون أن يعرفوا معلومات أكثر عن جهاز الأمن، وممارساته، لاسيما على لسان قادته وموجهيه، بعد أن سمعوا كثيرا من الزيف المفترى على ألسنة بعض المعارضين المتطرفين، وتجار السياسة، وعملاء الغرب.

 

مفكر من جهاز الأمن:

وإنه لمن نافلة القول إن يقال في هذا الزمان إنه لا يصلح لقيادة الأجهزة الأمنية إلا الأشخاص ذوي العقول الرحبة، واسعي الثقافة، وفسيحي الآفاق.

 وقد برهن الفريق غوش بحديثه الأخير أنه واحد منهم، وأنه شخص مثقف يتملك قدرات فكرية سياسية متقدمة، تعتمد على المفاهيم النظرية العملية المحددة جيدا،

(operative concepts)

وأنه يتكلم كلام المفكرين التأملين، وأنه يختلف كثيرا عن الكثيرين من قادة الإنقاذ  العشوائيين المفلسين في مجالات الثقافة والفكر.

اسمع إليه دليلا على هذا، وهويتحدث عن مفهوم الأمن القومي، وقد سئل عنه، فيجيب:" مفهوم الأمن القومي تطور بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية، ولم يعد يتصل بالتهديد العسكري فقط، بل أصبح يشمل الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتقنية. وقد ساهمت تعقيدات تحقيق المصالح على الساحة الدولية، خلال العقدين الماضيين، في بروز بُعد استراتيجي للأمن القومي، أصبحت بموجبه عمليات حماية البيئة، وتحقيق الأمن الإنساني، وتنمية الموارد، والاستغلال المثالي لها، جزءاً لا يتجزأ من مفهوم الأمن القومي.. لذلك بالرجوع إلى هذا المفهوم، يصعب تحديد مهدد رئيسي واحد للأمن السوداني. فمن الناحية الاقتصادية، نجد أن امتلاك السودان للمقومات الزراعية، في ظل فجوة الغذاء العالمي والصراع حول الغذاء، يمكن أن يشكل مهدداً، وهكذا بالنسبة للطاقة. ومن ناحية أخرى يمكن النظر إلى مسألة القطع الجائر للغطاء النباتي المتمثل في الغابات، مهدداً أمنياً، لصلة الأمطار بمدى وجود الغابات، وإن عدم وجود تعليم، يوفر الكادر المؤهل من حيث السلوك والمهارة المناسبة، يعني تهديداً للأمن القومي. ومع ذلك استطيع أن أقول إن السودان بحكم موقعه الجغرافي المتميز، وثرواته الطبيعية الضخمة، يقع في إطار إستراتيجيات أجنبية عديدة. وهذا يعني ضرورة النظر إلى أن إدارة المصالح الإستراتيجية الوطنية، تستدعي النظر إليها بمنظار قومي وليس حزبياً، أي أن عمليات تحقيق الأمن القومي لا تحتمل الخلاف عليها بين الحاكمين والمعارضين". فهي مهمة الشعب جميعا، وليست مهمة جهاز الأمن وحده، أو مهمة السياسيين من حاكمين ومعارضين.

ولنسأل بعد هذا هل يستطيع واحد من علماء السياسة والاستراتيجية أن يقول هذا الكلام على نحو أفضل؟

ننتظر الإجابة ممن يجيب.

ولا أظن أن أكثر ممن يجيبون إلا مسلمين بدقة ما قاله الفريق غوش، في تعريفه لمفهوم الأمن القومي، وما ضرب له من الأمثال من الحالة السودانية.

 وهو تعريف حري به أن يدخل كتب العلوم السياسة والاستراتيجية، مما يدرس بجامعات السودان، ومراكز البحث السياسي والاستراتيجي فيه، بدلا من اعتماد أساتذتنا الكلي، أو شبه الكلي، على استخراج التعريفات والأقوال المعلبة، من بطون كتب علماء السياسة الغربيين والشرقيين، وشعار هؤلاء الأساتذة المحليين هو ولا شك أن زامر الحي لا يطرب في كل حين.

 

مقاومة العنصريين ابتداء من الجذور:

وقد أعجبني استهلال اللقاء الصحفي بالاستخبار عن موضوع الهوية المفتعل في السودان، وأعني بإطلاق صفة الافتعال عليه أنه ، أنه شأن غير موضوعي، وغير ضروري، وغير إجباري، ولا تثيره إلا النخب اليسارية غير المسؤولة، (وإن كان ما يسمى بالمؤتمر الشعبي العنصري قد استثمر أخير أيضا في هذا المجال غير الخصب)، آملا أن يكافح الإنقاذ من خلال تدمير الوطن، والعبث بنسيجه الاجتماعي، وبعثرته، بادعاء أنه نسيج غير محكم الصنع، أو أنه نسيج وهمي، ينبغي أن يرفض ويفض.

    فما السودان، بادعاء هؤلاء وهؤلاء، بالوطن المستقر، ولا  يشكل شعبه قومية راسخة، ولذا فالأفضل أن ينفض هذا الجمع المصطنع، ويفيئ كل فريق منهم إلى هويته، وعرقيته، وإن شئت قلت عنصريته. والأوفق أن يهجر كل فريق منهم لغة الضاد، ويميل كل الميل، إلى لغته، ولسانه، وإن شئت قلت ورطانته.

 

الموجة العنصرية بدأت من جامعة الخرطوم:

 وهذه الدعاوى العنصرية التخليطية روجها، على استخفاء، من قديم الزمان بعض عملاء الاستخبارات الأوروبية من الأكاديميين الذين دأبوا على تدريس سموم مواد علوم الأنثروبولوجيا بجامعة الخرطوم وبمعهد الفولكلور وبعض الأوكار البحثية المشبوهة وقد نشط من هؤلاء الدارسين جماعات أكثرهم (ناشطون) يساريون عنصريون غدوا يحتلون أكثر ساحات الصحف اليومية في السودان، ويروجون من خلالها، ومن خلال منافذ الإنترنيت، لدعوات التنوع الإثني، ولهذه النزعات الانفصالية الوخيمة الخطرة المهددة لوجود الوطن في الصميم.

وقد أصاب الفريق أول صلاح غوش عندما قال إن :" الصراع الإستراتيجي لا يتم من خلال التدخل العسكري فقط، بل يمتد ليشمل كافة المجالات الأخرى، لذلك أصبح معروفاً إمكانية مواجهة تهديد اقتصادي كفرض عقوبات، أو منع حصص التجارة الدولية، أو مواجهة التهديد الاجتماعي ..الذي يمكن أن يقوم على تفتيت النسيج الاجتماعي وتعميق العنصرية وهناك مئات الدراسات التي تثبت استخدام الحرب الاجتماعية في إدارة صراع المصالح، ولعل المراقب العادي يلحظ دور كثير من أجهزة الإعلام في تعميق العنصرية وتفتيت النسيج الاجتماعي. إننا يجب أن نعي لذلك حتى نتيح الفرصة لتحقيق مصالحنا الوطنية، خاصة وأن السودان يسعى من خلال تخطيطه الإستراتيجي لتعزيز بناء شَرَاكة وطنية تقوم على تمتين النسيج الاجتماعي وتحقيق الانصهار القومي، وذلك من خلال مرتكزات إستراتيجية تقوم على تحقيق أمن المواطن السوداني كإنسان بغض النظر عن لونه وعرقه ودينه، وذلك من خلال تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة التي تشمل التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن تحقيق هذا يحتاج للوعي بالمخاطر التي تحدق بالسودان، كما يحتاج للصبر فالإستراتيجيات كما تعلم تحتاج لزمن طويل".

وهذا قول ينم عن وعي وطني، فكري، متعمق، لا يجدي من دون إعماله أي عمل استخباري، يقاوم شرور الحركات الانفصالية، ويعمل على مناوشتها، ودحرها، وإبطال كيدها من الأساس.

 ولكن هل يا ترى يحمل هذا الوعي العميق الاستخباريون السودانيون الإنقاذيون الآخرون ؟

وهل تتحلى به نخبنا السياسية، ومنهم  جملة العاملين في صفوف الإنقاذ والمؤتمر الوطني وقيادته؟

 وهل يتوفر هذا الوعي الفكري الرصين لدى مثقفينا الوطنيين الثرثارين؟

 وهل تتعامل هذه النخب جميعها مع تجليات الحركات العنصرية المستشرية في البلاد انطلاقا من هذا الوعي النافذ بجذورها وبواعثها ومحركاتها الأجنبية؟

 أما عن إعلامنا القومي، فحدث عنه ولا حرج، وما أنا بصدد سؤال عنه، فالكل يدرك ضعفه، وهشاشته، وسذاجته، والكل يدرك أن من عيوب الإنقاذ البينة، أنها وضعت أضعف كوادرها في مجال العمل الإعلامي، مطبقة بجسارة تحسد عليها، تلك النظرية المبطلة، التي تزعم أن العمل الإعلامي، هو مهنة كل من لا مهنة له، وشغل من لا شاغل له غير البرقشة اللفظية، والشكلية، والتظاهر بمظاهر المثفقين.

 

عندما يجوز التطاول:

 ثم يجوز لنا بعد ذلك أن نتطاول على مقام الفريق أول غوش، وعلى طاقمه الأمني الشامل، فنقول إن من مهام جهاز الأمن والمخابرات الوطني، لاسيما وقد أصبح شبه دولة في داخل الدولة، في خدمة الدولة، أن يسد هذه الثغرة المعرفية، الأمنية، بمضاعفة الجهود لإشاعة الوعي العام بخطط أعداء البلاد، الرامية إلى تهتيك نسيجه الاجتماعي.

  وإذا كان الفريق أول غوش يعني حقا ما يقول، وهو في ظننا يعنيه تماما، فلابد من أن يقوم جهاز الأمن والمخابرات، انطلاقا من مفهومه الكلي الاستراتيجي لموضوع الأمن القومي، بتنبيه عامة أجهزة الإعلام، والثقافة، والبحث، والتوجيه الوطني، لنشر الدراسات التوثيقية المفصلة، التي تتابع خطط المخربين العنصريين، وتحلل بواعثها، على مستوى الفكر  والآيديولوجيا والارتباطات الأجنبية، فإن ذلك مما يساعد كثيرا في محاصرة هذه البؤر المرضية السرطانية،  وفضحها، وتجفيف المستنقع الآسن الذي تمتح منه ويمد لها في الحياة.

     ونحن إذ حمدنا للفريق أول غوش أنه لم يستهن بهذه الدعوات العنصرية الوبيلة ولم يستخف بخطرها الماثل القاتل، كما يفعل باستخفاف بعض رجال الإنقاذ (المدوشين) والمغرورين، فإننا نردف ذلك بدعوة حارة له بأن يتبع القول بالعمل، وما من عمل على هذا الصعيد أرجى مما اقترحنا عليه.

 

تعقيبات على لقاء غوش بـ (الرائد):

وتبريراته  لتعامل جهاز الأمن والمخابرات الوطني مع المخابرات الأمريكية؟

(2 من3)

  ظل تعامل جهاز الأمن مع أجهزة الأمن الأمريكية محل جدل كثيف، فبعض رجالات الحركات الإسلامية العالمية المتطرفة، زعموا أن الجهاز وشى بهم، وسلم ملفات تحتوي معلومات وأسرار عنهم، إلى السلطات الأمنية الأمريكية.

 وبعض الوطنيين السودانيين المخلصين، زعموا أن الجهاز الأمني السوداني فرط في سيادة البلاد، عندما فتحها للأمنيين الأمريكيين، يجوسون خلالها ويتبرونها تتبيرا.

 وبعض رجالات المعارضة السودانية المغيظين، زعموا أن الجهاز الأمني السوداني أعطى الأمريكيين معلومات أكثر مما طلبوا وتوقعوا.

فما هي عين الحقيقة يا ترى فيما جرى؟

 

عين الحقيقة:

يعيننا على استبيان ذلك ما أجاب به الفريق غوش، عن سؤال تعلق بجانب التعامل الأمني السوداني الأمريكي، ونلخص إجابته ونناقشها فيما يلي:

 

1-  تمكن الجهاز من اقناع الأمريكيين بأن المعلومات التي يتلقونها عن السودان من أحزاب المعارضة ليست صحيحة، حتى قاموا بإعدام أكثر من مائة وثيقة من أرشيفهم المصنف، الذي كونوه من تقارير عملائهم من رجالات الأحزاب السودانية، وقد كانت هذه الوثائق تشكل المرجعية العامة التي يستندون إليها في قراءتهم للوضع السياسي السوداني.

وهذا أمر نصدقه فيه لأن رجالات الأحزاب السودانية الخائرين، الذين لا يستحون، ويكذبون كما يتنفسون، افتروا كثيرا على الإنقاذ، وأكثر مفترياتهم  هذه صاغوها في شكل تقارير، قدموها إلى دوائر المخابرات الغربية، وفي طليعتها المخابرات الأمريكية.

 2- تمكن الجهاز من إيقاف ضربات أمريكية كانت متوقعة ضد السودان.

 وهذا كان أمرا واردا، وقد كان الأمريكيون بصدد تكرار ضربتهم لمصنع الشفاء بشكل أوسع. وقد صرح بوش غداة ضربة سبتمبر 2001م أن يد الولايات المتحدة ستكون مطلقة حرة توجه الضربات الاستباقية حيث تشاء، وقد أرسلت الولايات المتحدة بالفعل فرقا عسكرية كثيرة لملاحقة من تسميهم بالمتطرفين الإسلاميين في عدد من الأقطار.

3- أصبح الجهاز هو القناة الرسمية الوحيدة للسودان مع الإدارة الأمريكية في شكلها الصديق.

وهذا أمر صحيح بشكل عام وإن كنا نتحفظ على كلمة صديق هذه، ونفضل بدلا عنها كلمة الرسمي مثلا.

4- قام الجهاز بتمهيد الطريق لإمضاء اتفاقية السلام الشامل في البلاد.

 وهذا أمر نصدقه فيه، وإن كان على الجهاز أن يزودنا ببعض التفاصيل التي تعيننا على فهم هذا الجانب، واستيعابه، وتقديره بحجمه الصحيح، وهذا ما نرجوه دائما أن يتكلم الجهاز، وتتكلم الإنقاذ عموما مع الشعب ببعض التفاصيل، وإن يكون لها ناطق رسمي فطن، حصيف، حساس كما هو الحال في الدول المتحضرة.

5- أصبحت الإدارة الأمريكية الآن حريصة على سماع صوت الحكومة والعمل مع الحكومة لمعالجة كثير من القضايا.

 وهذا واضح صدقه من تتالي  لقاءات المسؤولين الأمريكيين بالمسؤولين السودانيين، لمعرفة اٍراء القادة السودانيين، بدلا من إصدار التعليمات والإملاءات إليهم، عن طريق القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم.

6- استطاع الجهاز أن يتحدث للأمريكيين حديثا صريحا، ناقدا لسياساتهم الجائرة في العالم الإسلامي، مؤكدا أنها أكبر داعم للإرهاب العالمي.

 وهذا أمر لا نعرفه، وإن كنا لا ننكره، وعلى صلاح غوش أن يزودنا في شأنه ببعض المعلومات، إن كان ذلك لا يخل بسرية تلك المحادثات.

7- استطاع الجهاز أن يكف بأس الأمريكيين عن منطقة القرن الإفريقي، التي كانوا يزمعون أن يتدخلوا فيها تدخلات مباشرة :" وليس سراً أخي الكريم أن الولايات المتحدة كانت قد اتخذت قراراً بالدخول للصومال مرة أخرى بعد انسحابها منه بالطريقة التي كانت معلومة. وبكلام مباشر مع الجهاز السوداني، استطعنا أن نقنعهم

بالعدول عن هذا القرار، مجنبين المنطقة من تواجد عسكري أمريكي مباشر في القرن الإفريقي، كان يمكن أن يكون مدمرا في نهاية الألفية الثالثة ".

 وهذا كله صحيح ولكن كلمة (تواجد) هذه استعمالها غير صحيح هنا، لأنها تعني الرقص مع ادعاء الطرب والوجد.

 

قدرات إضافية لجهاز الأمن:

وقد أضاف الفريق أول غوش أن الجهاز تمكن من:

 

8-  إقامة علاقات متميزة مع كل أجهزة المخابرات الأوروبية الغربية والإفريقية وبعض أجهزة المخابرات الآسيوية.

وهذا إنجاز رائع نصدقه، ولا نحتاج في شأنه إلى معلومات، لأن وقوف هذه الأجهزة مع السودان في محنة أوكامبو تدل على هذا. وبهذا نقول إن جهاز الأمن والمخابرات السودلاني أصبح أعظم فاعلية في مجال السياسة الخارجية السودانية، من الوزارة المترهلة المسماة بوزارة الخارجية.

 

9- القدرة على التعامل مع الأضداد: " بمعنى أننا تربطنا علاقة متميزة مع الجهاز الأثيوبي والجهاز الإريتري، مع ليبيا ومع السعودية، ومع أمريكا ومع إيران، مع روسيا ومع الشيشان وهكذا ".

 وهذا نجاح عظيم، وعمل إيجابي فائق القيمة، وليس كما وصفه من أنه لعب بالبيض والأحجار.

  10- ثم زعم الفريق أول غوش بعد ذلك أن جهاز الاستخبارات السوداني أصبح:" هو الجهاز الأول في المنطقة "، ولم يحدد أي منطقة يقصد. وعاد وكرر زعمه قائلا:" بشهادة كل الأجهزة التي تعاونا معها في الغرب بتصنيف الغربيين لجهازنا هو الجهاز الأول في المنطقة والقارة الأفريقية تنافسه جنوب أفريقيا ومصر في احترافيته ".

  ولم يذكر لنا نوعية الشهادات التي حصلوا عليها من هذه الأجهزة، وما إن كانت شهادات شفوية أم كتابية، أم كانت شهادات مجاملة أم شهادات جدية، فقد كنا نود أن نعرف شيئا من ذلك لتطمئن قلوبنا لا لأنا مكذبين.

 

سبب تفوق جهاز الأمن والمخابرات الوطني:

 

وأظن أنه خير من شهادات هؤلاء الخوارج، شهادات مواطنينا السودانين التي تتضافر على تأكيد القدرات الكبيرة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ولا تنبي عن اختلاف في وصفه بأنه أحد أهم وأقوي أذرع دولة الإنقاذ.

 وعموما فنحن لا ننجادل صلاح غوش في هذا الشأن من حيث الأصل، ولكنا نرد سبب تفوق جهاز الأمن والمخابرات السوداني لسبب آخر غير التدريب، والضبط، والربط، الذي لا يفيد منهما أكثر السودانيين كثيرا، إلا من الناحية الشكلية، التي هي أصلا لا تفيد.

   إننا نختلف مع السيد الفريق الأول حول السبب الأول لنجاح جهاز المخابرات السوداني وتفوقه، وهو سبب يرجع، في ظننا، إلى أنه ضم أناسا مؤمنين به، وبالمشروع الكلي الذي يدافع عنه.

 ولا غرو فقد استحوذ جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، على خلاصة الإنتاج التربوي، لمدرسة الحركة الإسلامية المجاهدة، واستولى على أفلاذ أكبادها، وضم أصلب عناصرها عودا، وأكثرهم التزاما بالهم العام، وأرهفهم حسا، وأمضاهم ذكاء، وقريحة، وعبقرية.

   فهذه هي القاعدة القوية الذكية التي نهض عليها جهاز الأمن والمخابرات السوداني وارتكز، وإذا كان السيد غوش، وسواه، من كبار رجالات جهاز الأمن، قد أسهموا مليا في تدريب هؤلاء، وقيادتهم، فما كان التدريب، وما كانت القيادة، مهما كانت بصيرة حصيفة، لتجدي أوتثمر في سواهم، وإلا فانظر إلى أدائهم، ووازنه بأداء سواهم، من كوادر الدولة، لترى بعد الثرى من الثريا.

 

آراء