تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية (4/7)
تيسير حسن إدريس
9 November, 2022
9 November, 2022
tai2008idris@gmail.com
(4) تحديات الخروج من وعثاء الاقتصاد الطفيلي
المبتدأ: -
(لن يشبع الجماهير الجائعة أي قدر من الحرية السياسية). ف. لينين.
الخبر: -
(30)
كما اوضحنا في الجزء الذي سبق من هذا المقال؛ فالخطاب الليبرالي المشاع اليوم يروّج لمفهوم الخصخصة دون مساءلة كأنه مسلمة لا تحتاج إلى نقاش؛ ويروج لمفهوم (اقتصاد السوق) ومضامينه وآلياته التحريرية بحصره فقط في مبدأ (الخصخصة)، بينما المعروف عن اقتصاد السوق انه نهج لتوزيع الموارد عن طريق آليتي السعر والمنافسة. عموماً اقتصار مناقشة مثل هذه القضايا التي تمس مستقبل البلاد ومصالح الشعب على حلقات ضيقة من الخبراء والاستشاريين في ظل غياب آراء وتصورات الفاعلين الاجتماعيين الآخرين؛ وانعدام اي نقاش مجتمعي حول قضية تخص المجتمع بأسره؛ أمر خاطئ وغاية في الخطورة لأنه يفضي الى فصم الترابط الجدلي بين التنمية والديموقراطية الذي تحتاجه بلادنا في هذه المرحلة التي تلي عقود من البطش والاستبداد وتكميم الافواه.
(31)
يتضح من تجارب البلدان التي طبقت شروط صندوق النقد الدولي، أنها واجهت ازمات اقتصادية عميقة يتجلى أهم مظاهرها في معدلات بطالة مرتفعة وافقار شامل وتهميش اجتماعي واستقطاب حاد. ومن حقنا ان نتساءل، واقتصادنا يعاني ازمة بنيوية عميقة هي جزء من الازمة الشاملة التي تمر بها بلادنا في لحظة تطورها الحاسمة اليوم: هل حقا سياسة الخصخصة التي تبناها نظام الحركة الإسلامية البائد و(الاصلاحات الاقتصادية) ضمن روشتة صندوق النقد الدولي وشروطه المعروفة التي ظل يخنق بها الشعب السوداني طوال ثلاث عقود ستؤمـّن تطوراً حقيقياً، على عكس التجارب السابقة في مختلف بقاع العالم كما يحاول اقناعنا بذلك اليوم القيادات الإصلاحية الليبرالية التي قفزت على صدر سلطة الانتقال واختطفتها؟
(32)
في ظروف الازمة الاقتصادية البنيوية، والفوضى الامنية، والاستقطاب السياسي الراهن، لن يؤدي الرهان على الخصخصة في الواقع، سوى الى خلق الشروط لتبلور استقطاب (اقتصادي –اجتماعي) أعمق، ونشوء مافيات اقتصادية توظف حجمها الاقتصادي لضمان مواقع في البنية السياسية. كما سيترتب على ذلك المزيد من تهميش القطاع الصناعي والهبوط بقدرة الصناعات المحلية على منافسة المنتجات القادمة من الخارج، وبالتالي تعريض صناعات وفروع صناعية الى الانهيار (والعديد منها قد انهار فعلا)، اضافة الى تدهور القطاع الزراعي بفعل رفع الدعم الحكومي عنه؛ مما قاد الى عجز المنتجات الزراعية عن منافسة مثيلاتها من المنتجات المستوردة، التي تغزو الاسواق المحلية الآن، وتعمق الاختلال في الميزان التجاري.
(33)
المحاذير من روشتة صندوق النقد الدولي ، لا تعني الدعوة إلى غلق أبواب الاقتصاد السوداني أمام الاستثمار الأجنبي؛ بقدر ما تعني، الاستفادة من الجوانب الايجابية لعولمة الحياة الاقتصادية ولكن وفق شروط مناسبة لا تمس مصالح وسيادة البلاد؛ كما لا يعني الاعتماد الاعمى على القطاع العام؛ دون تحليل العوامل التي أدت سابقا وقد تؤدي مستقبلا لتعثر مؤسساته؛ والمطلوب هو اجراء تقييم اقتصادي موضوعي؛ ليكون مدخلا واقعيا يتيح امكانية اعادة بناء القطاع العام استنادا الى معياري الكفاءة الاقتصادية والوظائف الاجتماعية التي تؤديها الدولة في الحقل الاقتصادي؛ ولن يتسنى ذلك إلا من خلال تنشيط الدور الرقابي واعتماد مبدأ الشفافية.
(34)
نهوض الاقتصاد السوداني وتجاوز أزمته البنيوية الراهنة، لا يكمن في الرهان على قطاع دون غيره، بل المطلوب في هذه المرحلة المفصلية؛ تكامل القطاعين الخاص والعام، واعتماد المنافسة في بعض المجالات، فضلاً عن إطلاق شروط المبادرة لإقامة وتطوير مختلف أشكال الملكية (العامة والخاصة والمختلطة والتعاونية)، بما يستجيب لحاجات الاقتصاد الوطني كي يؤسس لتنمية متوازنة ومستدامة؛ فالتجارب من حولنا توضح فشل التنمية التي تعتمد حصرا على الدولة؛ وفي ذات الوقت فشل تلك التي تعتمد على قوى السوق فقط. فآليات السوق وحدها لا تساعد على الاستخدام الأمثل للموارد؛ ولابد من تدخل الدولة؛ وخلق المؤسسات المنظمة لنشاطه؛ ووضع القوانين التي تمنع الاحتكار؛ وتحمي المستهلك؛ وتضمن حقوق العاملين.
(35)
الاستثمار الأجنبي غدا ضرورة تحتاجها الدول خاصة النامية منها؛ وكل نظام في ظل العولمة اليوم يحتاج لجهد الآخرين، كما يحتاج لنقل التكنولوجيا، واستخدام طرق الانتاج الحديثة. والسودان ليس استثناء في هذا؛ لا سيما وهو يواجه تحديات اقتصادية عظيمة. لذلك فهو بحاجة ماسة لوضع قانون استثمار، ينظم انتفاع اقتصاد البلاد من الرأسمال الاجنبي والحصول على أكبر المنافع منه. عليه فمن الضروري أن يستوعب الجميع الدور الذي يلعبه رأس المال الأجنبي في مستقبل التطور الاقتصادي في بلادنا، كحقيقة بدون أية حساسية أيديولوجية.
(36)
السودان قطر غني بموارده الطبيعية والبشرية؛ وإذا ما توفرت البيئة الملائمة للاستثمار فستتدفق عليه رؤوس الأموال الإقليمية والدولية؛ والمشكلة الأساسية التي تواجه هذا التدفق اليوم تكمن في ضعف البنية التحتية؛ التي اهملت خلال حكم النظام البائد وفي الوضع الامني المتدهور، الذي خلقه بحروبه العبثية التي أغرق بها العديد من الأقاليم ذات الفرص الاستثمارية الواعدة. من هنا نخلص لأهمية السعي الجاد من أجل توفير بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية آمنة ومستقرة، ووضع إطار تشريعي واضح يطمئن المستثمر ويربط بين منح الامتيازات والاعفاءات للمستثمرين وتوظيف استثماراتهم في المجالات الانتاجية المتطورة؛ التي تتطلب نقل التكنولوجيا الحديثة الى البلاد؛ وتوظيف أكبر نسبة من العمالة المحلية وبهذا نضمن أن تتحول الاعفاءات والامتيازات الى ادوات اقتصادية ومحفزات للنشاط الاقتصادي.
(37)
في ظل العهد البائد واجهت الصناعات الوطنية؛ عددا من السياسات والاجراءات الفاشلة، التي اضعفت بشكل كبير تطور القطاع الصناعي بمختلف فروعه؛ فقد أدت سياسات النظام البائد وحروبه العبثية؛ الى تدمير البنية الصناعية في بلادنا. فتعطل الانتاج في المنشآت الصناعية، خاصة المدنية، بسبب عدم توفر المواد الأولية والوسيطة وصعوبة الحصول على المواد الاحتياطية، كما تخلفت التقنية المستخدمة نظرا الى عدم مواكبة التطورات الفنية والتكنولوجية في العالم؛ بسبب العزلة والحصار الدولي الذي فرض عليه؛ مما قاد الى هبوط الانتاج وضعف القدرة التنافسية للسلع السودانية.
(38)
هذا الواقع البائس الذي خلقه نظام الحركة الإسلامية؛ افضى لمعاناة الصناعة السودانية فيما مضى؛ والمعاناة ممتدة وحاليا تعاني العديد من المشاكل والمعوقات نجمل أهمها في: * تقادم وسائل الانتاج وهيمنة الاساليب القديمة، التي ادت الى ركود أو تدني مستويات الإنتاج الصناعي، الى جانب عدم ادخال التكنولوجيا الحديثة، الامر الذي أدى الى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتعطل أغلب المصانع وتشريد عامليها.* ضعف دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة، بل واندثار الكثير منها نتيجة الظروف الامنية المتردية واوضاع الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي وغيره من معوقات. * ضعف رؤوس اموال القطاع الخاص المحلي نتيجة جملة من العوائق الذاتية والموضوعية، التي ذكرناها إضافة الى ما اتبع من سياسات اقتصادية ومالية، ظالمة كسياسة التمكين ومحاباة منسوبي الحركة الإسلامية على حساب بقية أصحاب المصانع والشركات مما حال بينهم وبين تحقيق التراكم المطلوب لرؤوس الاموال، الذي يحتاجه الصناعي لتطوير مصنعه أو تجديده. * التدفق العشوائي للسلع الاجنبية، وعدم اخضاعها لقوانين هيئة المواصفات والمقاييس مما ابعد القطاع الصناعي المحلي، عن ميدان المنافسة وأدى الى تدني مستويات الانتاج. * تخلف الخدمات المصرفية وما نجم عنه من اعاقة للنمو الصناعي. ومعلوم ان القطاع المصرفي السوداني ظل يعاني مثل غيره من القطاعات الأخرى تحت ظل العزلة والحصار الدولي ولا يزال يعاني من وطأة آثار ظروف تلك الفترة.
(39)
مما تقدم ذكره نخلص الى أن لا سبيل للخروج من وعثاء الاقتصاد الطفيلي إلا باستعادة القطاع الصناعي، العام والخاص لعافيته والتغلب على المعوقات التي تكبح نشاطه، عبر تبني الدولة سياسة صناعية متكاملة تستند إلى استراتيجية تنموية واضحة، وتعمل على خلق صندوق للتنمية واستحداث مصادر تمويل لتمويل المشاريع الصناعية واقراض الصناعيين بشروط ميسرة؛ والعمل على انشاء مدن صناعية حديثة ذات بنى تحتية وامدادات خدمية تساعد على الإنتاج و استقرار النشاط الصناعي؛ مع ايلاء الاهتمام الضروري للصناعات الصغيرة والمتوسطة والعمل على اعادة توطينها. كل هذه الخطوات لن تكون مجدية إن لم تصاحبها اعادة نظر بجميع القوانين والتشريعات بغية تكوين بيئة استثمارية مناسبة، تهدف الى اجتذاب رؤوس الاموال السودانية المهاجرة، وتمكين الصناعة الوطنية من الانفتاح على العالم المتطور.
نواصل.
--
(4) تحديات الخروج من وعثاء الاقتصاد الطفيلي
المبتدأ: -
(لن يشبع الجماهير الجائعة أي قدر من الحرية السياسية). ف. لينين.
الخبر: -
(30)
كما اوضحنا في الجزء الذي سبق من هذا المقال؛ فالخطاب الليبرالي المشاع اليوم يروّج لمفهوم الخصخصة دون مساءلة كأنه مسلمة لا تحتاج إلى نقاش؛ ويروج لمفهوم (اقتصاد السوق) ومضامينه وآلياته التحريرية بحصره فقط في مبدأ (الخصخصة)، بينما المعروف عن اقتصاد السوق انه نهج لتوزيع الموارد عن طريق آليتي السعر والمنافسة. عموماً اقتصار مناقشة مثل هذه القضايا التي تمس مستقبل البلاد ومصالح الشعب على حلقات ضيقة من الخبراء والاستشاريين في ظل غياب آراء وتصورات الفاعلين الاجتماعيين الآخرين؛ وانعدام اي نقاش مجتمعي حول قضية تخص المجتمع بأسره؛ أمر خاطئ وغاية في الخطورة لأنه يفضي الى فصم الترابط الجدلي بين التنمية والديموقراطية الذي تحتاجه بلادنا في هذه المرحلة التي تلي عقود من البطش والاستبداد وتكميم الافواه.
(31)
يتضح من تجارب البلدان التي طبقت شروط صندوق النقد الدولي، أنها واجهت ازمات اقتصادية عميقة يتجلى أهم مظاهرها في معدلات بطالة مرتفعة وافقار شامل وتهميش اجتماعي واستقطاب حاد. ومن حقنا ان نتساءل، واقتصادنا يعاني ازمة بنيوية عميقة هي جزء من الازمة الشاملة التي تمر بها بلادنا في لحظة تطورها الحاسمة اليوم: هل حقا سياسة الخصخصة التي تبناها نظام الحركة الإسلامية البائد و(الاصلاحات الاقتصادية) ضمن روشتة صندوق النقد الدولي وشروطه المعروفة التي ظل يخنق بها الشعب السوداني طوال ثلاث عقود ستؤمـّن تطوراً حقيقياً، على عكس التجارب السابقة في مختلف بقاع العالم كما يحاول اقناعنا بذلك اليوم القيادات الإصلاحية الليبرالية التي قفزت على صدر سلطة الانتقال واختطفتها؟
(32)
في ظروف الازمة الاقتصادية البنيوية، والفوضى الامنية، والاستقطاب السياسي الراهن، لن يؤدي الرهان على الخصخصة في الواقع، سوى الى خلق الشروط لتبلور استقطاب (اقتصادي –اجتماعي) أعمق، ونشوء مافيات اقتصادية توظف حجمها الاقتصادي لضمان مواقع في البنية السياسية. كما سيترتب على ذلك المزيد من تهميش القطاع الصناعي والهبوط بقدرة الصناعات المحلية على منافسة المنتجات القادمة من الخارج، وبالتالي تعريض صناعات وفروع صناعية الى الانهيار (والعديد منها قد انهار فعلا)، اضافة الى تدهور القطاع الزراعي بفعل رفع الدعم الحكومي عنه؛ مما قاد الى عجز المنتجات الزراعية عن منافسة مثيلاتها من المنتجات المستوردة، التي تغزو الاسواق المحلية الآن، وتعمق الاختلال في الميزان التجاري.
(33)
المحاذير من روشتة صندوق النقد الدولي ، لا تعني الدعوة إلى غلق أبواب الاقتصاد السوداني أمام الاستثمار الأجنبي؛ بقدر ما تعني، الاستفادة من الجوانب الايجابية لعولمة الحياة الاقتصادية ولكن وفق شروط مناسبة لا تمس مصالح وسيادة البلاد؛ كما لا يعني الاعتماد الاعمى على القطاع العام؛ دون تحليل العوامل التي أدت سابقا وقد تؤدي مستقبلا لتعثر مؤسساته؛ والمطلوب هو اجراء تقييم اقتصادي موضوعي؛ ليكون مدخلا واقعيا يتيح امكانية اعادة بناء القطاع العام استنادا الى معياري الكفاءة الاقتصادية والوظائف الاجتماعية التي تؤديها الدولة في الحقل الاقتصادي؛ ولن يتسنى ذلك إلا من خلال تنشيط الدور الرقابي واعتماد مبدأ الشفافية.
(34)
نهوض الاقتصاد السوداني وتجاوز أزمته البنيوية الراهنة، لا يكمن في الرهان على قطاع دون غيره، بل المطلوب في هذه المرحلة المفصلية؛ تكامل القطاعين الخاص والعام، واعتماد المنافسة في بعض المجالات، فضلاً عن إطلاق شروط المبادرة لإقامة وتطوير مختلف أشكال الملكية (العامة والخاصة والمختلطة والتعاونية)، بما يستجيب لحاجات الاقتصاد الوطني كي يؤسس لتنمية متوازنة ومستدامة؛ فالتجارب من حولنا توضح فشل التنمية التي تعتمد حصرا على الدولة؛ وفي ذات الوقت فشل تلك التي تعتمد على قوى السوق فقط. فآليات السوق وحدها لا تساعد على الاستخدام الأمثل للموارد؛ ولابد من تدخل الدولة؛ وخلق المؤسسات المنظمة لنشاطه؛ ووضع القوانين التي تمنع الاحتكار؛ وتحمي المستهلك؛ وتضمن حقوق العاملين.
(35)
الاستثمار الأجنبي غدا ضرورة تحتاجها الدول خاصة النامية منها؛ وكل نظام في ظل العولمة اليوم يحتاج لجهد الآخرين، كما يحتاج لنقل التكنولوجيا، واستخدام طرق الانتاج الحديثة. والسودان ليس استثناء في هذا؛ لا سيما وهو يواجه تحديات اقتصادية عظيمة. لذلك فهو بحاجة ماسة لوضع قانون استثمار، ينظم انتفاع اقتصاد البلاد من الرأسمال الاجنبي والحصول على أكبر المنافع منه. عليه فمن الضروري أن يستوعب الجميع الدور الذي يلعبه رأس المال الأجنبي في مستقبل التطور الاقتصادي في بلادنا، كحقيقة بدون أية حساسية أيديولوجية.
(36)
السودان قطر غني بموارده الطبيعية والبشرية؛ وإذا ما توفرت البيئة الملائمة للاستثمار فستتدفق عليه رؤوس الأموال الإقليمية والدولية؛ والمشكلة الأساسية التي تواجه هذا التدفق اليوم تكمن في ضعف البنية التحتية؛ التي اهملت خلال حكم النظام البائد وفي الوضع الامني المتدهور، الذي خلقه بحروبه العبثية التي أغرق بها العديد من الأقاليم ذات الفرص الاستثمارية الواعدة. من هنا نخلص لأهمية السعي الجاد من أجل توفير بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية آمنة ومستقرة، ووضع إطار تشريعي واضح يطمئن المستثمر ويربط بين منح الامتيازات والاعفاءات للمستثمرين وتوظيف استثماراتهم في المجالات الانتاجية المتطورة؛ التي تتطلب نقل التكنولوجيا الحديثة الى البلاد؛ وتوظيف أكبر نسبة من العمالة المحلية وبهذا نضمن أن تتحول الاعفاءات والامتيازات الى ادوات اقتصادية ومحفزات للنشاط الاقتصادي.
(37)
في ظل العهد البائد واجهت الصناعات الوطنية؛ عددا من السياسات والاجراءات الفاشلة، التي اضعفت بشكل كبير تطور القطاع الصناعي بمختلف فروعه؛ فقد أدت سياسات النظام البائد وحروبه العبثية؛ الى تدمير البنية الصناعية في بلادنا. فتعطل الانتاج في المنشآت الصناعية، خاصة المدنية، بسبب عدم توفر المواد الأولية والوسيطة وصعوبة الحصول على المواد الاحتياطية، كما تخلفت التقنية المستخدمة نظرا الى عدم مواكبة التطورات الفنية والتكنولوجية في العالم؛ بسبب العزلة والحصار الدولي الذي فرض عليه؛ مما قاد الى هبوط الانتاج وضعف القدرة التنافسية للسلع السودانية.
(38)
هذا الواقع البائس الذي خلقه نظام الحركة الإسلامية؛ افضى لمعاناة الصناعة السودانية فيما مضى؛ والمعاناة ممتدة وحاليا تعاني العديد من المشاكل والمعوقات نجمل أهمها في: * تقادم وسائل الانتاج وهيمنة الاساليب القديمة، التي ادت الى ركود أو تدني مستويات الإنتاج الصناعي، الى جانب عدم ادخال التكنولوجيا الحديثة، الامر الذي أدى الى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتعطل أغلب المصانع وتشريد عامليها.* ضعف دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة، بل واندثار الكثير منها نتيجة الظروف الامنية المتردية واوضاع الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي وغيره من معوقات. * ضعف رؤوس اموال القطاع الخاص المحلي نتيجة جملة من العوائق الذاتية والموضوعية، التي ذكرناها إضافة الى ما اتبع من سياسات اقتصادية ومالية، ظالمة كسياسة التمكين ومحاباة منسوبي الحركة الإسلامية على حساب بقية أصحاب المصانع والشركات مما حال بينهم وبين تحقيق التراكم المطلوب لرؤوس الاموال، الذي يحتاجه الصناعي لتطوير مصنعه أو تجديده. * التدفق العشوائي للسلع الاجنبية، وعدم اخضاعها لقوانين هيئة المواصفات والمقاييس مما ابعد القطاع الصناعي المحلي، عن ميدان المنافسة وأدى الى تدني مستويات الانتاج. * تخلف الخدمات المصرفية وما نجم عنه من اعاقة للنمو الصناعي. ومعلوم ان القطاع المصرفي السوداني ظل يعاني مثل غيره من القطاعات الأخرى تحت ظل العزلة والحصار الدولي ولا يزال يعاني من وطأة آثار ظروف تلك الفترة.
(39)
مما تقدم ذكره نخلص الى أن لا سبيل للخروج من وعثاء الاقتصاد الطفيلي إلا باستعادة القطاع الصناعي، العام والخاص لعافيته والتغلب على المعوقات التي تكبح نشاطه، عبر تبني الدولة سياسة صناعية متكاملة تستند إلى استراتيجية تنموية واضحة، وتعمل على خلق صندوق للتنمية واستحداث مصادر تمويل لتمويل المشاريع الصناعية واقراض الصناعيين بشروط ميسرة؛ والعمل على انشاء مدن صناعية حديثة ذات بنى تحتية وامدادات خدمية تساعد على الإنتاج و استقرار النشاط الصناعي؛ مع ايلاء الاهتمام الضروري للصناعات الصغيرة والمتوسطة والعمل على اعادة توطينها. كل هذه الخطوات لن تكون مجدية إن لم تصاحبها اعادة نظر بجميع القوانين والتشريعات بغية تكوين بيئة استثمارية مناسبة، تهدف الى اجتذاب رؤوس الاموال السودانية المهاجرة، وتمكين الصناعة الوطنية من الانفتاح على العالم المتطور.
نواصل.
--